q
ما يحصل اليوم من تجاذب بين الكبار أنفسهم، اميركا واوروبا والصين وروسيا واليابان، يضاف إليهم القوى الاقليمية الجديدة الطامحة، أربك الامن والاقتصاد الدوليين، وهو السبب الرئيس في الحروب الكثيرة المشتعلة في مناطق الثروة والطاقة، وتحديدا في الشرق الاوسط، بعد ان ترك الامر للعبة السوق...

لم تهدأ بعد رعود الحرب العالمية الثانية في سماء اوروبا واسيا، لكن اعصار الحلفاء الجارف اخذ يندفع باتجاه ما تبقى لدولتي المحور، المانيا النازية واليابان، وكان لابد من عقد دولي جديد، بعد ان فشلت (عصبة الامم) في احلال السلام في العالم، فكانت المدة المحصورة بين شهري آب/ اغسطس وتشرين اول/ اكتوبر من العام 1944 بداية لتأسيس هذا العقد، حين التقت وفود تسع وثلاثين دولة، يتقدمها المبشرون بالنصر القادم، اميركا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا عند فندق (دمبارتون اوكس) في العاصمة الاميركية واشنطن، ثم جاء وفد (الصين الوطنية) ليحل محل الوفد السوفييتي الذي انهى المهمة بستة اسابيع وعاد الى بلاده.

لقد تأسس ميثاق المنظمة الجديدة تحت ضغط المرحلة تلك ومخرجاتها، وتركزت الجهود على ضرورة احلال السلام الدائم اكثر من الاهتمام بمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وانتهت المفاوضات الى وضع هيكلية كاملة للمنظمة بضمنها مجلس للأمن الدولي يتحكم بقراراته الكبار المنتصرون! وبذلك ظلت المنظمة التي ظهرت للعالم في العام 1945 بإسم (هيأة الامم المتحدة).

وعلى الرغم من جهودها الكبيرة في خدمة البشرية، في حال تراجع مستمر كلما تقدم الزمن واستولد مشكلات جديدة، ثقافية واجتماعية وسياسية على مستوى العالم، فالسلام الذي وضعت اسسه وفقا لميثاق الامم المتحدة لم يتحقق بتفاهم، ولو نسبي، على تكييف الثروات اقتصاديا بما يتناسب مع التفاوت في تواجدها من دولة لأخرى، ما يعني ان جذوة الصراع ظلت متقدة، والخلافات في توالد دائم مع غياب الحلول الجذرية.

ما يحصل اليوم من تجاذب بين (الكبار) انفسهم، اميركا واوروبا والصين وروسيا واليابان، يضاف اليهم القوى الاقليمية الجديدة الطامحة، اربك الامن والاقتصاد الدوليين، وهو السبب الرئيس في الحروب الكثيرة المشتعلة في مناطق الثروة والطاقة، وتحديدا في الشرق الاوسط، بعد ان ترك الامر للعبة السوق، ولم تفلح المنظمات الاقليمية في مواجهة خطط الكبار لإستنزاف ثروات الشعوب وزجها في دوامات مشاكل وحروب مدمرة مصطنعة، ربما لم تملك حكوماتها القدرة والحكمة معا لتجنبها.

لكنها اخلاقيا تبقى من مخرجات بيئة دولية مازالت مريضة بمنطق الغلبة والاستحواذ على الرغم من وحدة المصير البشري التي تجلت بشكل غير مسبوق في العقود الاخيرة، بفعل تعاظم تطور اسلحة الفناء الشامل، بالتوازي مع تبلور ثقافة انسانية تجاوزت لغة الصراعات القديمة ومدخلاتها الثقافية البائسة.

صراع الكبار اليوم بالوكالة في مناطق الثروات، كشف هزالة وتهرؤ الأسس القديمة التي قامت عليها المنظمة الدولية، ما يدعو الى عقد دولي جديد. فحروب الاقوياء الموزعة اليوم بين ضعفاء العالم مخجلة حقا، ولا تحتمل!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق