q
حملات إعلامية مكثفة سبقت عقد لقاءات الجولة الرابعة والاخيرة من جلسات الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، تخللتها هجمات متبادلة ومكثفة بين فريقين من المؤيدين والمعارضين للحوار، والخلاف حول الحوار لا يخرج عن طبيعة الصراع المزمن في البلاد، بين معسكر يتبع النفوذ الايراني ويناصره...

حملات إعلامية مكثفة سبقت عقد لقاءات الجولة الرابعة والاخيرة من جلسات الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، تخللتها هجمات متبادلة ومكثفة بين فريقين من المؤيدين والمعارضين للحوار.

والخلاف حول الحوار لا يخرج عن طبيعة الصراع المزمن في البلاد، بين معسكر يتبع النفوذ الايراني ويناصره، ويتخذ من معاداة الوجود الاميركي برنامج عمل لوجوده، وبالطبع يقابله المعسكر المؤيد للوجود الاميركي ويدافع عنه.

المفارقة ان المعسكر العراقي المؤيد للوجود الاميركي هو ذاته الذي يفاوض الجانب الاميركي، فالحكومة الحالية بتشكيلتها الوزارية والوفد المفاوض محسوبة على المحور الاميركي، وتنصيبها جاء بعد تظاهرات تشرين التي رفعت شعارات مناهضة للنفوذ الايراني فسقطت على اثرها حكومة عادل عبد المهدي.

لكن رغم هذا التوافق الشكلي، هناك تناقضات بين الروايتين الاميركية والعراقية حول مجرى الحوار خلال الايام الماضية وما سيترتب عليه من نتائج.

فالرواية الاميركية في مجملها تركز على نهاية الوجود العسكري وبداية مرحلة الخدمة الاستشارية والتدريبية، بينما كانت الرواية العراقية طوال المدة السابقة للحوار تقول ان الوجود الاميركي هو استشاري تدريبي، فلماذا الاعتراف المتاخر بالوجود العسكري ولماذا التاكيد القديم الجديد على المستوى الاستشاري والتدريبي؟

تصريحات مائعة

الرئيس الأمريكي جو بايدن قال أن بلاده ستنهي مهمتها القتالية في العراق مع حلول نهاية العام الجاري، مع استمرار عدد من قواتها لتولي مهام تدريب الجيش العراقي وإمداده بالاستشارات العسكرية.

فالوجود الاميركي مستمر لكن بثوب تدريبي استشاري، هدفه الاساسي الحرب على الارهاب، وكان هذا محور حديث الرئيس بايدن الذي قال للكاظمي إن "تعاوننا في مكافحة الإرهاب سوف يستمر حتى مع تحولنا إلى المرحلة الجديدة".

بايدن وفريقه المفاوض لم يخبرونا عن تفاصيل الدعم الاستشاري والتدريبي، وماذا لو تعرضت المقرات الحكومية العراقية الى حصار من قبل الفصائل الموالية لايران؟

هل ستدخل القوات اميركا استشاريا؟ وكيف يمكن الاطمئنان ان الفصائل المسلحة لا تعتبر تلك الاستشارات _لو حدثت_ عدوانا يستحق الرد وقتل المستشارين؟

لا نعرف بالضبط هل الحوار ناقش هذه السيناريوها ام لها، وهل وضع لها خطوطا عامة او تفصيلية للتصرف في حال حدوثها.

هروب الى الامام

هذه ليست المرة الاولى التي نشهد فيها حوارا عراقيا اميركيا غامضا، فاتفاقية الاطار الاستراتيجي التي خرجت على اساسها القوات الاميركية عام ٢٠١١ لم يفهمها الشعب ولا حتى المختصين لانها مغيبة ولا يراد لها الا ان تكون غامضة.

ولهذا السبب بقيت العلاقات الاميركية العراقية محكومة بتلك الاتفاقية رغم عدم وضوحها ولا اقرارها في البرلمان.

وفي هذه المدة جاء مشروع الحوار الاستراتيجي ليزيد المسألة غموضا، فالحوار يجب ان تتمخض عنه مقررات تترجم الى معاهدة يقرها البرلمان، او يبقى مجرد دعاية اعلامية لتبريد التصريحات الساخنة من قبل الفصائل المسلحة.

ويبدو هذا ما يحدث فعلا، ففي تقرير لقناة "بي بي سي" البريطانية يشكك بالحوار الاستراتيجي وما تمخض عنه من اعلان، اذ يرجح الموقع نقلا عن خبراء بقاء عدد القوات الأمريكية في العراق كما هو في الفترة المقبلة، لكن هذا الإعلان قد يكون بهدف مساعدة رئيس وزراء العراقي.

وقد لا نبالغ اذا ذهبا الى ابعد من ذلك، فالحوار هو ارضاء للفصائل المسلحة التي اجبرت البرلمان على اصدار قرار بخروج القوات الاجنبية اثر اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ورفيقه نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس.

هذا القرار اتخذ كمبرر للفصائل بضرورة خروج القوات الاميركي، بل وهو المبرر لها لضرب اي اجنبي في البلاد، بينما يأتي الحوار الاستراتيجي كوسيلة لتوازن المعادلة وتقديم التبرير الشكلي للتواجد الاميركي يتم تسويقه للراي العام العراقي.

قرار البرلمان السابق بخروج القوات الأميركية الذي جاء بضغط من الفصائل لم يكن جديا بما فيه الكفاية، لذلك بقي حبرا على ورق واستخدم للاستهلاك الإعلامي فقط، والحوار الاستراتيجي يأتي مرة أخرى لتقليل ثقل الزخم الإعلامي للقرار البرلماني والضغوطات الإعلامية من قبل الفصائل، لا يتعدى الحوار المعلن عنه الهروب الى الامام وتاجيل الحلول للزمن.

فلا اعمار ولا بناء ولا تطوير للتعليم ولا شركات أميركية سيستفيد منها العراق بعد الحوار الاستراتيجي كما قال رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي، انما هي وسيلة للموازنة الدعائية والإعلامية لمواجهة الدعاية الإعلامية للفصائل المسلحة الموالية لإيران.

اضف تعليق