q
من بين الامور التي صدمتني عند دخولي الوسط الثقافي قبل نحو ثلاثة عقود، هي العلاقة الملتبسة بين الموقف السياسي والموقف الاخلاقي في اذهان الكثيرين.. ففي غالب الاحيان اجد بعض الاصدقاء يتخذون موقفا، يعتقدونه (سياسيا) من انظمة حكم عراقية او عربية او اجنبية...

من بين الامور التي صدمتني عند دخولي الوسط الثقافي قبل نحو ثلاثة عقود، هي العلاقة الملتبسة بين الموقف السياسي والموقف الاخلاقي في اذهان الكثيرين.. ففي غالب الاحيان اجد بعض الاصدقاء يتخذون موقفا، يعتقدونه (سياسيا) من انظمة حكم عراقية او عربية او اجنبية، انطلاقا من اجراءات يرونها مدانة، وفي الحقيقة انهم يعبرون عن موقف اخلاقي، لأن الموقف السياسي له ميدان آخر في الحكم والتقييم.

ومع الايام والسنين اكتشفت ان بعض الأصدقاء لا يعرفون بشكل جيد خلفية الحدث الذي تبنوا في ضوئه موقفهم من النظام المستهدف، لكنهم يردون على محاججيهم بأنهم مع الانسان!! شيء رائع ان يكون الانسان انسانيا في مواقفه وسلوكه، لكن الحياة السياسية المعقدة باتت تفرض علينا ان نمؤسس وعينا، ان جاز التعبير، لأن الجمعيات الخيرية نفسها لم تعد تتصرف كالسابق بل صارت تقدم خدماتها وفق منهجية علمية وبرامج وخطط.

الأمر لا يخلو من طرافة ايضا، فقد حيّرني حقا ان ارى البعض يعبرون عن انبهارهم بالأنظمة اليسارية ويتغنون برموزها حد التقديس وألمس هذا بشكل واضح اثناء النقاش، وفي الجلسة نفسها حين يتم الحديث عن الانظمة (الليبرالية) الرأسمالية يبدي هؤلاء الحماسة نفسها والإعجاب المفرط بالتجربة الديمقراطية – الاوربية تحديدا- ويدينون ضمنا الانظمة (الشمولية) التي ابدوا قبل قليل اعجابهم وتغنيهم برموزها.

هؤلاء انفسهم سيواجهونك بروح الدكتاتور إن اختلفت معهم في الرأي، او هذا ما توصلت اليه مع البعض ممن قادتني حماستي في السنين الاولى لدخولي الوسط لنقاشهم في شأن سياسي، اعتقد اني اطلعت على خلفيته ... الموقف، عبارة مجازية تستدعي قراءة خارطة الحدث ومعرفة مدخلاته وملاحقة تداعياته ومن ثم التأمل في مخرجاته التي تأتي كمعطى لجهود المتصارعين او المتنافسين فيه ومحاولة كل طرف منهم ان تكون لصالحه، وهذه هي جدلية الصراع البشري منذ القدم، فهل اطّلع المتجادلون حول سلوك نظام ما على حقيقة ما فعله هو وخصومه معا؟!

الضجة الاخيرة التي أثيرت بعد موقف وزارة الثقافة المؤازر للشاعر سعدي يوسف وهو على سرير المرض، وردود افعال البعض المختلفة والتذكير بطروحاته بعد العام 2003 والتي شابتها حدّة وساحت لمديات افقدتها رصانتها ايضا، اعادتني الى طبيعة الجدل القديم الذي اشرت اليه، اذ يصعب على المتابع ان يعرف اسباب التعاطف مع سعدي يوسف واسباب ادانته معا، فالبعض ممن وقفوا ضده وصفوه بالمواطن البريطاني، لأنه يحمل الجنسية البريطانية! والبعض الاخر وصفه بالطائفي والداعم للإرهاب! وفي المقابل الذين وقفوا معه وأزروه ليس لكونه شاعرا كبيرا بل لسخطهم على الواقع السياسي الراهن او لمواقفه قبل الاحتلال، وبذلك انعدمت تقريبا المعايير التي يجب ان تبقى بكامل توازنها في عقل وضمير المثقف قبل غيره.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق