q
ملفات - شهر رمضان

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (٢٩)

ومِن رحمتهِ أَنَّهُ يبتليه ليُذكِّرهُ بنِعَمهِ فيشكرَها فيُزيدهُ ومِن رحمتهِ أَنَّهُ خلقَ الخَلق ليربحُوا عليهِ لا لِيربحَ عليهِم ومِن رحمتهِ أَنَّهُ يبتليه ليُذكِّرهُ بنِعَمهِ فيشكرَها فيُزيدهُ.. ومِن رحمتهِ تعالى شأنهُ أَن وضعَ شعائِر وأَوقاتاً ومحَّطات لعبادهِ تكونَ لهُم فُرصةً تتكرَّر دائماً من أَجلِ أَن تُساعدهُم في التَّذكيرِ للتَّسريعِ بالعَودةِ...

{وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

أ/ من رحمةِ الله تعالى أَنَّهُ يُنبِّه عبدهُ كلَّما رآهُ يبتعدُ عنهُ، وقد يُنزل عليهِ العذابَ [العِقاب] بالتَّدريجِ لتنبيههِ وإِعادتهِ إِلى الجادَّة {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

ب/ ومِن رحمتهِ بعبادهِ أَنَّهُ يريدهُم قريبينَ منهُ دائماً لا يبتعدُونَ عنهُ، ولذلكَ فهوَ لا يستعجِل بعذابهِم قبلَ تذكيرهِم الواحِدة تِلوَ الأُخرى لينتبهُوا فيتركُوا {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا}.

ونقرأُ في دعاءِ الإِفتتاح خلالَ شهر رَمضان المُبارك {إِنَّكَ تَدْعُوني فَأُوَلّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ، كَأَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي، وَالإِحْسانِ إِلَيَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ}.

ج/ ومِن رحمتهِ أَنَّهُ يبتليه ليُذكِّرهُ بنِعَمهِ فيشكرَها فيُزيدهُ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ} و {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} و {قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.

يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الشُّكْرِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ وَلَا لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الدُّعَاءِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْإِجَابَةِ وَلَا لِيَفْتَحَ لِعَبْدٍ بَابَ التَّوْبَةِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَةِ}.

د/ ومِن رحمتهِ أَنَّهُ خلقَ الخَلق ليربحُوا عليهِ لا لِيربحَ عليهِم {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} و {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

وفي الحديثِ القُدسيِّ الشَّريف {يا بْن آدَم لَم أَخلُقكَ لأَربحَ عَليْكَ إِنَّما خَلقتُكَ لِتربَحَ عَليَّ فاتَّخِذنِي بَدلاً مِن كُلِّ شئٍ فإِنِّي ناصِرٌ لَكَ مِن كُلِّ شئٍ}.

وعن صادقِ أَهلِ البيتِ (ع) في قولهِ تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} {خلقهُم ليَفعلُوا ما يَستَوجِبونَ بهِ رحمةَ الله فيرحَمهُم}.

وعنهُ (ع) كذلكَ {إِنَّ الله تباركَ وتعالى لَم يخلُق خلقَهُ عبثاً ولم يترُكهُم سُدىً بل خلقهُم لإِظهارِ قُدرتهِ وليُكلِّفهُم طاعَتهُ فيستوجِبُوا بذلكَ رضوانهُ، وما خلقهُم ليجلِبَ مِنهُم منفعةً ولا ليَدفعَ بهِم مضرَّةً بل خلقهُم لِينفعهُم ويوصِلهُم إِلى نعيمِ الأَبدِ}.

هـ/ ومِن رحمتهِ تعالى شأنهُ أَن وضعَ شعائِر وأَوقاتاً ومُناسبات ومحَّطات لعبادهِ تكونَ لهُم فُرصةً تتكرَّر دائماً من أَجلِ أَن تُساعدهُم في التَّذكيرِ للتَّسريعِ بالعَودةِ {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ} {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.

ولقد جعلَ تعالى المغفِرةَ سبباً للعَودةِ من دونِ أَن يُحدِّدها بوقتٍ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وهي التي يصفها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ {كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقولهُ {عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَمَعَهُ الِاسْتِغْفَارُ}. وقولهُ (ع) {مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ وَمَنْ أُعْطِيَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ}.

و/ وفي نفسِ الوَقتِ فإِنَّهُ عزَّ وجلَّ يُحذِّر عبادهُ من مغبَّةِ الإِسترسالِ بالذَّنبِ عندما يظنُّونَ أَنَّ استمرارَ الرِّزق وهُم يعصُوه دليلُ رِضاه، أَبداً فقد نبَّهَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) إِلى ذلكَ بقَولهِ {يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ} لأَنَّهُ الإِستدراج بعينهِ ونحنُ غافِلُونَ.

كُلُّ هذا صحيحٌ وأَكثر، ولكن؛ هل يمكنُ أَن نستفيدَ من كلِّ ذلكَ قبلَ أَن نستعدَّ للحظةِ الدُّعاء واللِّقاء؟!.

وإِذا كان كُلَّ هذا فلِماذا لا يستجيبُ الله دعاءَنا؟!.

أ/ لأَنَّنا نَعِدُ بالتَّوبةِ ولا نفي {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} و {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ} و {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا}.

ب/ وعندما يكُونُ الدَّم والعِرض وأَكل الحرام وخاصَّةً مالُ اليتيم أَرخص الأَشياء عندنا فكيفَ تريدُ الله تعالى أَن يستجيبَ دُعاءنا وتضرُّعنا؟! والله تعالى يقولُ {وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} و {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

تابع وسائِل التَّواصل الإِجتماعي فستَعرف كَم هوَ رخيصٌ عندنا العِرض والشَّرف والنَّاموس الذي نتعرَّض لهُ ونطعنَ بهِ وننتهِكهُ لأَبسطِ خلافٍ سياسيٍّ مثلاً!.

ثُمَّ تابع أَخبار القَتل والذَّبح والإِغتيال وإِراقةِ الدِّماءِ في مجتمعِنا لتعرفَ كم هوَ رخيصٌ الدَّم عندنا! وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقُولُ مُحذِّراً في عهدهِ للأَشترِ {إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَلَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَلَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ}.

ج/ وعندما يكونُ الوَفاء بالعهدِ آخِر الأَشياء التي نتذكَّرها وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقُولُ {فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَلَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَلَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَحَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَيَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَلَا مُدَالَسَةَ وَلَا خِدَاعَ فِيهِ}.

د/ وعندما يضيعُ الفُقراء واليتامى والمُحتاجينَ في حضرتِنا والله تعالى يقُولُ {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ* إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ* وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ}.

وفي آخِر وصيَّةٍ لهُ لولَدَيهِ السِّبطَينِ الحسَنِ والحُسينِ (ع) أَكَّد أَميرُ المُؤمنينَ (ع) على حقظِ مكانةِ الأَيتامِ في المُجتمعِ بقَولهِ {اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَلَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ}.

هـ/ وعندما يكونُ شُغلنا الشَّاغل تمزيق وِحدة المُجتمع وتوسيع الهوَّات في العلاقاتِ الإِجتماعيَّة بدلاً من إِصلاحِ ذاتِ البَينِ كما أَوصى أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في وصيَّتهِ آنفةِ الذِّكر {أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (ص) يَقُولُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ}.

عندما يكونُ كُلَّ هذا وأَكثر، ثمَّ ننتظِر إِستجابةِ الدُّعاء فهذهِ هيَ الجُرأَة على الله تعالى! أَليسَ كذلكَ؟!.

إِنَّ إِصلاحَ العِلاقةِ مع بعضِنا وتحسينِ سلوكيَّاتِنا قبلَ انتظارِ استجابةِ الدُّعاء.

اضف تعليق