q
القرب من أمير الحكمة، الإمام علي بن أبي طالب، يثري الإنسان؛ أي إنسان، بأفضل ما ينفعه في حياته، وبما ينجيه لما بعد الحياة، حيث شقاء ونيران أو نعيم ورضوان، وكلما اقتربت البشرية عموماً، والمسلمون خصوصاً، من الإمام أمير المؤمنين كلما كانت بحال أفضل. فقد كانت حكومة الإمام...

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل اشتكى علياً (عليه السلام): (لا تقع في عليّ، فإنه مني وأنا منه، وهو وليّكم بعدي)(مسند الإمام أحمد وص438/ج 2، وص347/ج 5، وص110/ج3 من المستدرك).

وقال (صلى الله عليه وآله) في عليّ (عليه السلام): (هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين)(أخرجه الطبراني في الكبير، وأخرجه البيهقي في سننه، وابن عدي في الكامل، وهو الحديث 2608 من أحاديث الكنز ص156 ج6).

لاشك في أن القرب من أمير الحكمة، الإمام علي بن أبي طالب، يثري الإنسان؛ أي إنسان، بأفضل ما ينفعه في حياته، وبما ينجيه لما بعد الحياة، حيث شقاء ونيران أو نعيم ورضوان، وكلما اقتربت البشرية عموماً، والمسلمون خصوصاً، من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، كلما كانت بحال أفضل. فقد كانت حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، الذي هو رأس التشيّع، تميزت بأنه في كل تاريخ حكومته لم يوجد قتيل سياسي واحد، وأما غيره فقد كان له الألوف من القتلى السياسيين. كما أن حكومته جعلت الشعب زاهراً بالحرية والسلام والكرامة، وعامراً بالرفاه والإطمئنان والراحة.

علي بن أبي طالب لا يرفعه مدح أو ثناء، ولا يرقى به شعر أو نثر، كما لا ينال منه ذم أو سب أو هجاء، فمعاوية كان يسب علياً ويلعنه على المنابر، وقد أمر بذلك جميع ولاته، لكن الإمام لم يتضرر بأي ضرر، والذي تضرر هو معاوية، ومعه تضرر المسلمون بل البشرية جمعاء، وإلى يومنا هذا، حيث تعاني البشرية من ظلم وقهر وخوف وكراهية وفقر وفوضى وتيه. يقول الفقيه الراحل، السيد محمد رضا الشيرازي(قده): (إن أمير المؤمنين كان سبّاقاً إلى طرح المفاهيم الإنسانية الحضارية، مثل الحرية، والعدالة، وحرية المعارضة، والضمان الاجتماعي، وغيرها التي تشغل العالم اليوم، وهي مفاهيم كانت على عهده وفي ظل حكومته). ويقول أستاذ في جامعة (كامبريدج/ ماساتشوستس) الأميركية: (لو طبق المسلمون ما جاء في نهج البلاغة لسادوا العالم).

وقد أشار الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ذلك بقوله: «وإن ههنا لعلماً جماً ـ وأشار إلى صدره ـ ولكن طلابه يسير، وعن قليل تندمون لو فقدتموني»(عيون أخبار الرضا/ص205).

يقول المرجع المجدد الراحل، السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده): رأينا كيف ظلم بعض الناس أنفسهم، وانفضوا من حول الإمام علي (عليه السلام)، ففروا من نوره الشعشاع إلى ظلماتهم الدامسة. لقد كان يناديهم (عليه السلام) بين الحين والآخر بقوله: «أيها الناس إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم، وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم.. لله أنتم! أتتوقعون إماماً غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل»(نهج البلاغة: الخطبة 182). في حين أن على الناس أن يختاروا الأفضل دائماً وقد عين رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأئمة من بعده حيث قال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر»(الخصال: ص467). وقال (صلى الله عليه وآله): «أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم»(الأمالي للشيخ الصدوق: ص111)، ولكن الناس أخّروا علياً فأخروا حظهم بذلك.

إن الدساتير والقوانين، لا يمكنها تفادي الثغرات الخطيرة، التي تولدها النهايات السائبة فيها، والتي يختلف على تفسيرها، وفق المصالح الذاتية، التي تسمح بالاجتهادات المختلفة، مما يولد حالة من الفراغ القانوني والعرفي، فضلاً عن أن هذه الدساتير والقوانين، لا يمكن تضمينها، القيم الأخلاقية والسلوكية ومعايير الأنسنة فيها، كونها عناوين عامة وقواعد كلية لا أكثر، عليه فإن الحاجة قائمة لمعيار قيمي إنساني يكون كفيلاً بأن يضع الفرد والمجتمع، ويضع المسؤول في الدولة، ومن يتولى الوظيفة العامة، في السكة الصحيحة. فبات من الضروري بمكان، دراسة الأداة التي يمكن الرجوع إليها، لتكوين الفهم الصحيح، للعقائد والمتبنيات الدينية، وخاصة ذات الصفة الاجتهادية. وبالرجوع إلى الأوامر المتضمنة في الكتاب والسنة، يتبين أن المنهج والسلوك المجسد للإسلام الحق بكافة تفاصيله، هو منهج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، لكونه قد سلك المحاور جميعاً في الحياة، التي تغطي كافة حاجات الفرد والجماعة، من المنظومة القيمية والسلوكية، وكأنه قد اُدّخر لهذه الدالة الوظيفية.

إن الرواسب العقلية القديمة، وثقافة الانبهار، قد حرمت التراث العربي الإسلامي، من تشكيل الصورة الحقيقية لهذه الشخصية الإسلامية الرائدة، فالصورة الراسخة في الأذهان هي صورة البطل الكرار غير الفرّار فقط، وهي صورة مجتزئة بدلاً من صورته الحقة، فقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام)، فرداً في الإيمان والتوحيد، وفي الولاء والانتماء المطلق للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومنهجه، وكان ابتسامة على شفاه المحتاجين والبؤساء والضعفاء، وانتصاراً للمظلومين والمنكسرين، وعوناً للمرأة الضعيفة، وكان يقود العالم الإسلامي برمته، - كأعظم بلدان العالم - بكل كفاءة واقتدار، في إدارة الدولة، في السياسة والاقتصاد والإدارة، وفي الضمان الاجتماعي، والتكافل والرعاية والاجتماعية المتحضرة، وفي إرساء الأمن "القومي والوطني"، وفي متابعة أعباء الأمن الداخلي. وهو مع كل هذا الانشغال الوظيفي، وبكل رقي وجمال وسمو، نجده ملتصقاً بالناس وهمومهم، ويلوم نفسه أن ينشغل عن أبسطهم وأضعفهم، في أقصى بلاد حكمه وأقطارها المترامية، ويتابع عماله بحزم، وينتقيهم بعناية فائقة، ليكونوا رؤوفين بالرعية، عطوفين على الضعيف والمحتاج، وإلى صف المظلوم، حتى يسترد حقه.

وإن هذه القيم والأسس، في بناء الإنسان وإدارة الدولة، وفي النشاط المجتمعي والوظيفة العامة، حَريّة بدراسة أبعاد الشخصية المنتجة لها، وتفريغ معالمها على الواقع اليوم، بكل ما يحمله من هوان، وتشوّه خلقي وعضوي، يطال مساحات واسعة من الدولة ومكوناتها، والمتولين للمسؤولية فيها.

يقول سماحة المرجع الديني، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله): إينما ورد ذكر إتمام النعمة في القرآن الكريم كان المراد منها النعم التي يصيبها الإنسان في الدنيا، ومن هنا توجد علاقة مباشرة بين ولاية أمير المؤمنين علي سلام الله عليه والتمتع بالنعم الدنيوية، وإحدى الشروط المهمة والرئيسية؛ للوصول بنا الى مجتمع الحرية والبناء القائم على أساس العدالة والأخلاق وسيادة القيم والفضائل الأخلاقية الإنسانية، هي أن نسلّم لما بلّغ به رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير، وأن نقبل عمليّاً بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه بعبارة أخرى.

اضف تعليق