q
ثقافة وإعلام - أدب

قصص عن حياةٍ كالموت

إنه الإنسان الذي يهوي الى حفرة النهاية، كما في قصة مدينة الزجاج التي تتعثر فيها الخطوات ويسقط أصحابها، بناءً على مشيئة المميز الذي يبث الرعب في نفوس سكان المدينة، بعد أن يهددهم بضرب أرضهم الزجاجية بقوة إذا لم يسمعوه، وهذا أضطرهم الى الصمت حتى سقطوا في حفرة النهاية...

تحت عنوان مجموعته القصصية (كذلك)، الصادرة حديثاً عن دار(نصوص)، يعلن القاص برهان المفتي أنها "قصص قصيرة تحاول الهروب" .. من ماذا تهرب والى أين؟ وبما أنّ الكلمة هي الإنسان، فعن أي إنسان يحاول الهروب تتحدث قصص المفتي الفنطازية حد الواقعية المبكية بمرارة؟

إنه الإنسان الذي يهوي الى حفرة النهاية، كما في قصة (مدينة الزجاج) التي تتعثر فيها الخطوات ويسقط أصحابها، بناءً على مشيئة (المميز) الذي يبث الرعب في نفوس سكان المدينة، بعد أن يهددهم بضرب أرضهم الزجاجية بقوة إذا لم يسمعوه، وهذا أضطرهم الى الصمت حتى سقطوا في حفرة النهاية.

إنه الإنسان ذو القدم الكبيرة التي تأخذ بانتعال الكلاب بناءً على أوامر كبير القوم، حتى صار كلبا بقدمين ضخمتين، كما في قصة (ربما تعرفونهم)، وعنوان القصة يوجه القارئ الى مايقصده القاص.

إنه الإنسان الذي يخدع من حواليه كي يصور لهم السماء مضيئة بهلال ونجوم هي في حقيقة الامر كرات زجاجية يسرقها من الأطفال، لتنتهي قصة (خدعة) بمفارقة متمثلة بخوف الناس من الظلام، الامر الذي يدفعهم ليطلبوا من المخادع نجوماً، كي يعلقوها في لياليهم السود، في تلك المدينة التي تشتهر بوجود عصابات سرقة الكرات الزجاجية وبكاء الأطفال!.

إنه الإنسان الحي الميت، كما في قصة (موت فجائي)، الذي يزرع طبول الحرب كما في قصة (الطبل) ـ والقاص هنا يستخدم مفردة (زرع) بدلا عن (صنع) متعمدا، مثلما تعمد إقران المدفع بالتربية وليس بالصنع او الاستخدام (انتشرت تربية المدافع في مدينتنا) في قصة (المدفع) الذي يطلق بارودا مصنوعا من عظام قتلى الحرب.

إنه الإنسان الذي يعجز عن الإمساك بزمنه كما في قصة (ضياع)، الذي لاظل له ولاذكرى ولاهوية كما في قصة (الدفان)، الذي يخضع لآخر يعد الاول في سلب الناس حرياتهم وخياراتهم بعد دهر كان فيه الزمن والمكان مفتوحين، حيث لافاصل بين الناس ولابين السماء والأرض، ولاسيادة في الأرض كما في قصة (البدايات).

هكذا هي قصص المفتي الـ (27) تدور حول أحجار انتظار وتدوير موت وخداع وجشع وضياع ووهم وسلب إرادات وحريات من اجل إخضاع الكل لفرد واحد، بل تبلغ ذروة الخداع حين تُصنع من دموع الأمهات غيوما تصدر رعوداً هي أصوات أبناء ذهبوا الى الحرب بلارجعة، كما في قصة (النداء).

لاتحتوي المجموعة قصة تحمل عنوانها (كذلك) مايعني أن هذا العنوان دلالي يؤشر مايريد القاص إيصاله لنا، وهو ماقمت بإيجازه في سؤال وجواب في نهاية هذه القراءة كما سترون، في المجموعة يخبرنا الراوي بكل شيء، لايترك النهايات مفتوحة كي نتخيلها او يتخيلها كلَ وجع فينا كما يشاء .. الوجع في قصص المفتي هو إنسان تتقاذف الحياة قطعه التي تتناثر كشظايا حلم هو كابوس حلو أكثر مما هو حلم او طموح!.

أليس هذا هو إنساننا المكبل، السائر بعينين مغمضتين، الحبيس في قبضة القدر، الغارق في الصمت والقهر والخذلان؟!، نعم إنه كذلك، حتى يقرر إنهاء العبودية بصرخة مدوية تعلن عن فجر إنساني جديد.

اضف تعليق