q
ملفات - عاشوراء

زَينب (ع) إِعلامُ النَّهضةِ

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ السَّابِعة

أَثبتت عقيلة الهاشميِّين أَنَّها كانت أَهلاً لها وأَنَّها كانت وفيَّةً لليومِ الذي هُيِّئت وتهيَّأَت واستعدَّت لهُ. إِنَّهُ يوم عاشوراء الذي تجلَّى فيهِ الجلَد الزَّينبي والصَّبر الزَّينبي من دونِ أَن يتسرَّب إِلى قلبِها الشَّك مقدارَ نقيرٍ! والعكسُ هو الصَّحيح فكلَّما كانت تمرُّ ببلاءٍ كلَّما كانت تزدادُ يقيناً...

كأَبيها أَميرِ المُؤمنين (ع) الذي قالَ يصِفُ نهوضهُ بالمسؤُولية الرساليَّة {للهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ العِشْرِينَ، وها أنا ذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ!}.

فما نهضت بهِ العقيلة زينب (ع) من أَعباءِ المسؤُوليَّة وكلَّ ما عانتهُ من آلامٍ تهزُّ الجبال الرَّاسيات ومَا يَزِيدُها ذلِكَ {إلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الاْلَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ} على حدِّ وصفِ أَميرِ المؤمنينَ (ع) دليلٌ واضحٌ على أَنَّها خُلقت لمثلِ هذهِ المسؤُوليَّة وأَنَّها أُعدَّت لتبليغِ رسالةِ عاشوراء.

ولقد أَثبتت عقيلة الهاشميِّين (ع) أَنَّها كانت أَهلاً لها وأَنَّها كانت وفيَّةً لليومِ الذي هُيِّئت وتهيَّأَت واستعدَّت لهُ.

إِنَّهُ يوم عاشوراء الذي تجلَّى فيهِ الجلَد الزَّينبي والصَّبر الزَّينبي من دونِ أَن يتسرَّب إِلى قلبِها الشَّك مقدارَ نقيرٍ! والعكسُ هو الصَّحيح فكلَّما كانت تمرُّ ببلاءٍ كلَّما كانت تزدادُ يقيناً وثباتاً، حتَّى كانت مصداقاً بارزاً لقولِ الله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} فكانت إِمامَ التَّبليغِ.

في كربلاء تجلَّى الصَّبر وهي تنظرُ إِلى ذلكَ المنظر الرَّهيب الذي لا يُوصف.

وفي الكوفةِ تجلَّى الصبر وهي تواجهُ أُمَّةً {نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} ولقد تجلَّت شجاعتها وصبرها وقوَّة شخصيَّتها في آنٍ عندما أَومأَت إِليهم [أَومأَت فقط] {أَن اسكتُوا} فارتدَّت الأَنفاس وسكنت الأَجراس! ثم وهيَ تواجهُ الطَّاغية القاتل المتهوِّر عُبيد الله بن زياد الذي حاولَ أَن يستفزَّها فيهزمها فيختبر ثباتَها واتِّزانها عندما وظَّفَ كلماتهِ السوقيَّة التي لم يعتقد بها حتَّى قائلِها، فقال لها (ع) [الحمدُ لله الذي فضحكُم وأَكذبَ أُحدوثتكُم]!.

فهل انهارت بنتُ عليٍّ (ع)؟! هل شكَّت أَو توسَّلت مثلاً او استسلمَت أَو حتَّى فقدت توازُنها أَو خرجت عن طَورِها؟! أَبداً فلقد ردَّت بصاعقةٍ نزلت على رأسهِ ليخرُجَ هوَ عن طَورهِ فانهارت قِواهُ وخارت عزائمهُ وهو يسمعها تقولُ {إِنَّما يُفتضَحُ الفاسِق ويُكذَّب الفاجر وهوَ غيرُنا والحمدُ لله} وأَضافت (ع) {ثكلتكَ أُمُّكَ يابنَ مرجانَة}.

اللهُ أَكبر ما أَقواكِ يا بنتَ عليٍّ وفاطِمة (ع)! ما أَشجعكِ يا حفيدةَ خاتم الأَنبياء والمُرسلين! وأَنتِ التي تجلَّى على لسانِكِ قولَ الله تعالى {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}.

ويستمرُّ الصَّبر والتحدِّي والتصدِّي معها إِلى الشَّام، ففي مجلسِ الطَّاغية يزيد برزَ الحقُّ كلَّهُ إِلى الجاهليَّةِ الأُولى كلِّها، فلقد كانت عقيلة الهاشميِّين (ع) واضحةً وصريحةً وجريئةً في كلِّ حرفٍ نطقت بهِ أَمامَ الملأ، فقولُها؛

- أظنَنْتَ يا يزيد؛ تذكيرٌ بأَنَّ جريمتهُ التي يظنُّ أَنَّهُ انتصرَ فيها آنيَّة لم ينظر إِلى ما ورائِها من اليَومِ الآخِر، وهي إِستدراجٌ إِلهيٌّ كما أَشارت إِلى ذلكَ عندما استشهدت بالآيةِ الكريمةِ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

- أَمِنَ العدلِ يابنَ الطُّلقاء؛ فضحت فيهِ أَصلهُ الذي حاولَ أَن يُخفيهِ عن النَّاس، وأَسقطت شرعيَّة سُلطتهِ بناءً على حديثِ رسولِ الله (ص) {الخِلافةُ مُحرَّمةٌ على آل أَبي سُفيان وعلى الطُّلقاء وأَبناء الطُّلقاء}

- فوَ اللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك؛ فعاقبةُ الظُّلمِ ترتدُّ على صاحبِها إِن عاجِلاً أَم آجلاً.

- ولئِن جَرَّت علَيَّ الدَّواهي مُخاطبتُك، إِنَّي لأَستصغِرُ قَدْرَك، وأَستَعظِمُ تَقريعكَ، وأَستكبِرُ توبيخَكَ؛ فأَنا أُخاطبُكَ اضطراراً فأَنتَ أَحقرُ وأَتفهُ من أَن أُكلِّمك وأُجادلكَ لأَنَّك لا تفهم ولا تفقهُ شيئاً ولا يمكنُكَ أَن تستوعب الحقائِق أَبداً.

- فكِدْ كيدَك واسْعَ سعيَك وناصِبْ جُهدك فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا ولا تُميت وحيَنا ولا تُدرِكُ أمَدَنا ولا تَرحضُ عنكَ عارها وهل رأيُك إلاّ فَنَد وأَيَّامُك إِلَّا عَدَد وجمعُك إِلاَّ بَدَد.

هُنا تصلُ بنتَ علي (ع) إِلى قمَّة التحدِّي ففي النَّصِّ قراءةٌ مُستقبليَّةٌ واثقةٌ لم يستوعبَها الحاضرُونَ وقتها لأَنَّها كانت أَكبر من عقولهِم ومداركهِم، أَمَّا اليَوم فكأَنَّ ما نطقت بهِ (ع) وقتها حقيقةٌ تفوقُ الخَيال، فكيفَ تحقَّق كُلُّ حرفٍ بحذافيرهِ، نصّاً ومنطِقاً ومعنىً ومُحتوىً؟!.

لأَنَّها كانت تتكلَّم بلسانِ الإِيمانِ واليقينِ والغيبِ والبصيرةِ التي تكشف لها الغِطاء فلَم تزدَد يقيناً!.

[email protected]

اضف تعليق