q
السلطات تعتمد على مؤسساتها الأمنية والرقابية لضبط المجتمع، مما يعمق الفجوة والهوة بين السلطة والمجتمع في التجربة العربية المعاصرة وفي هذه المناخات، ومن خلال هذه المتواليات، تتبلور في الفضاء العربي كل آليات التفكيك والتشظي بين فئات ومكونات المجتمع الواحد. فالدولة العربية المعاصرة، هي دولة عصبوية، مغلقة...

فرضية البحث:

تنطلق هذه الورقة من فرضية أساسية مفادها: إننا في التجربة العربية المعاصرة، تشكل الدولة كمؤسسة الحاضن الأكبر لكل آليات التفكيك الأفقية والعمودية في المجتمع، وذلك لأننا على الصعيد الواقعي لا نمتلك دولة مكتملة الأركان وتجبر هذا النقص البنيوي والمؤسسي بالإتكاء على فئة وعصبية اجتماعية محددة، وتمارس الإلغاء والتهميش مع بقية الفئات الاجتماعية الأخرى. فالمجال العربي اليوم مع تفاوت محدود بين دولة ومناطقه لديه سلطة مكتملة ودولة ليست ناجزة..

ودائما السلطات تعتمد على مؤسساتها الأمنية والرقابية لضبط المجتمع، مما يعمق الفجوة والهوة بين السلطة والمجتمع في التجربة العربية المعاصرة.. وفي هذه المناخات، ومن خلال هذه المتواليات، تتبلور في الفضاء العربي كل آليات التفكيك والتشظي بين فئات ومكونات المجتمع الواحد. فالدولة العربية المعاصرة، هي دولة عصبوية، مغلقة، وهي حاضنة للبعض، ورافضة ونابذة لبقية التعبيرات والمكونات.

وفي مناخ العنف والاستبداد والتمييز بكل صوره، تتولد أزمة إدارة التنوع في المجال العربي..

وعليه فإننا نستطيع القول: إنه لا يمكن فهم الكثير من الأحداث والتطورات في المجال العربي، بدون فهم وإدراك آليات عمل الكيانات العميقة في الفضاء العربي. وأقصد بالكيانات العميقة هي مجموع الأثنيات والطوائف والقوميات. فالكثير من العناوين السياسية والاجتماعية الحديثة في المنطقة العربية، تخفي جوهرا طائفيا أو اثنيا أو قوميا..

مفتتح:

يعيش المجال العربي اليوم، الكثير من التحديات والصعوبات، والتي تؤثر في راهن العرب ومستقبلهم.

ولا ريب أن البحث عن الصيغ المناسبة للتعامل مع هذه التحديات والصعوبات، سيمكن المجال العربي من الخروج من هذه المحن بأقل خسائر ممكنة..

ولعل من أبرز هذه التحديات (التحدي الطائفي) حيث برزت في الآونة الأخيرة ولعوامل عديدة، مقولة الانتماءات الطائفية في المجال العربي، وبدأت عملية الاصطفافات الطائفية، التي تهدد الوحدة الوطنية لأكثر من بلد عربي، وتعيد المجال العربي بأسره إلى المربع الأول الذي يحافظ فيه على أمنه واستقراره ووحدته..

وفي تقديرنا أن المشكلة الطائفية في الواقع العربي المعاصر، تعود إلى طبيعة وبنية الدولة العربية المعاصرة..

فواقعنا العربي على هذا الصعيد هو عبارة عن سلطة مكتملة بأجهزتها التنفيذية والرقابية والردعية، ودولة غير ناجزة. وعدم اكتمال عناصر الدولة في التجربة العربية المعاصرة، يفضي إلى نتيجة أساسية وهي أنها ليست دولة الجميع، وإنما هي دولة البعض. فالبنية الداخلية للدولة العربية المعاصرة، هي أنها دولة الحزب أو المنطقة أو المذهب أو ما أشبه ذلك.. وبالتالي فإن ما عدى ذلك، فيمارس عليه التمييز والنبذ والإقصاء. وفي مثل هذه الأجواء والمناخات، تتولد أزمة إدارة التنوع في المجال العربي.

فالتهميش الذي يقع على بعض المكونات والتعبيرات في المجتمعات العربية، لا يعكس أزمة دينية أو ثقافية، بل يعكس بالدرجة الأولى أزمة سياسية تتجسد في المقام الأول في بنية الدولة العربية المنغلقة وذات البناء العصبوي الضيق. فالسلطة بكل أجهزتها الردعية، هي التي تتعامل مع حقائق التنوع في المجال العربي.. ولا خروج من هذا النسق السيئ في التعامل مع حالات التعدد والتنوع إلا ببناء الدولة الجامعة والحاضنة لكل التنوعات والمستوعبة بنظامها السياسي المرن إلى كل التعدديات..

فالإخفاق العميق والمتتالي في المجال العربي في إدارة تنوعه، ليس بفعل ثراء المجتمعات العربية على هذا الصعيد، وإنما بفعل الخيارات السياسية، التي تنتهجها الدولة. فهي خيارات عاجزة عن استيعاب التعدديات والتنوعات، بل هي معادية في جوهرها لكل التنوعات، وتستخدم أدوات السلطة لإلغاء وطرد كل التنوعات الموجودة في المجتمع.

فالخيارات السياسية المتبعة في العديد من الدول، تجعل الدولة كمؤسسة منحازة لبعض المجتمع وطاردة لبقية المجتمع. فهي دولة الجزء وليست دولة الكل، ودولة الفئة الواحدة وليست دولة جميع الفئات. فهي دولة نابذة وطاردة ومهمشة للكثير من أبناء المجتمع، بفعل الخيار السياسي الذي يدير هذه الدولة أو وبرقة متناهية بفعل بنية الدولة في المجال العربي. وهي بنية قائمة على عصبيات ضيقة، لا تتمكن من هضم واستيعاب كل حقائق التنوع الموجودة في المجال العربي. فالتوحيد القسري للناس، يزيدهم اختلافا وتشتتا وضياعا. وذلك لأن محاولة إنهاء التعدد أو الاختلاف بالقمع والقهر يزيدها اشتعالا. كما أن هذا المنطق والخيار، يخالف مخالفة صريحة ناموس الوجود الإنساني، القائم على التنوع والاختلاف والتعدد.

ولقد أبانت التجارب التاريخية، استحالة إنجاز مفهوم الوحدة بكل مستوياته على قاعدة القهر والقسر.

فالنموذج السوفيتي عرى هذا المنظور وأبرز الثقوب والثغرات الكبرى في مسيرته. فلا وحدة مع القهر، كما أنه لا إجماع سياسي أو وطني بدون مشاركة كل القوى والتعبيرات المجتمعية في إنجاز مفهوم الإجماع الوطني والسياسي.

ولقد أبانت التجربة السوفيتية أن إنكار حركية الواقع وتعدد مكوناته الاجتماعية والثقافية والسياسية وتنوعاتها، لا يفضي إلى الوحدة الاجتماعية والدولة القوية، وإنما هذه الممارسات السياسية والثقافية والاجتماعية الناكرة لتعددية الواقع وتنوعه على مختلف الصعد، تؤدي إلى بلورة القوى المضادة لهذه المفاهيم والممارسات البالية.

فالوحدة الوطنية الصحيحة في كل بلد عربي، هي التي تبدأ من الاعتراف بالآخر وجودا وفكرا، لا للانحباس المتبادل، وإنما لانطلاق فعل تواصلي- حواري، ينمي المشتركات ويحدد نقاط المغايرة، ويسعى نحو مراكمة مستوى الفهم والاعتراف.

فالاختلاف الديني أو المذهبي أو السياسي، ليس انقطاعا عن الوحدة، كما أن الوحدة ليست توفقا عن الاختلاف والتمايز والتنوع.

من هنا ندرك أهمية حضور قيمة العدل في الاختلافات الإنسانية بكل عناوينها وصورها. حيث أن مجرد الاختلاف ينبغي أن لا يفضي إلى الظلم والخروج عن مبادئ وقواعد العدالة. إذ يقول تبارك وتعالى [يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون](1). ويقول تعالى [ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذالكم وصاكم به لعلكم تذكرون](2).

إن واقعنا العربي المعاصر، قد ورث خلال الحقب التاريخية المديدة، العديد من المشاكل والعقد والرواسب التمزيقية، وإن الإنصات إلى هذه الرواسب يكلفنا الكثير على مستوى حاضرنا وراهننا. لذلك فإن المطلوب على هذا الصعيد إطلاق عملية حوارية مستديمة، لا تقف حائرة أمام عناوين التمزق، وإنما تسعى بعقل منفتح وحكمة ونفس طويل إلى تفكيك هذه العناوين، ومنع تأثيرها السلبي على راهننا.

فأغلب الأفكار والأيدلوجيات التي سادت في المجال العربي، رفضت في تصوراتها النظرية كل دوائر الانتماء الما قبل الدولة الحديثة. إلا أن هذه الأفكار والأيدلوجيات على الصعيد الواقعي، مارست التميز بين المواطنين الاعتبارات دينية أو مذهبية أو قومية.

والذي يزيد الأمر سواء على هذا الصعيد هو: الحامل السياسي والاجتماعي لهذه الأفكار والأيدلوجيات. فالقوى السياسية والاجتماعية التي تتبنى هذه المقولات، هي تمارس بدورها الفرز والفصل بين المواطنين. فالعناوين الجامعية كانت تخفي علائق وممارسات، لا تمت بصلة إلى ذلك العنوان الجامع.. فباسم العروبة تم سحق أو إبعاد مكونات المجتمع العربي الأخرى. وباسم الدين تم تهميش الأقليات الدينية الأخرى. وباسم الشريعة تمت محاربة كل حقائق التعددية المذهبية الموجودة في المجال العربي. فأضحت السياسية مجالا للنبذ والتهميش والتغلب على فئات وشرائح أصيلة في المجتمع العربي.

والدولة كمؤسسة جامعة، أضحت دولة البعض والجزء، ومارست بنزعتها التسلطية والقهرية، كل صنوف التمييز والتهميش ضد كل ما ينسجم وعصبتها الضيقة. فالاندماجات الاجتماعية التي تفرض بقوة الحديد والنار، مآلها الفشل والتشظي والهروب من كل الأشكال الوحدوية، والارتماء في أحضان المشروعات الذاتية الضيقة، كوسيلة من وسائل الدفاع عن الذات لتقليل بعض أخطار الوحدة التي فرضت بالقسر والقهر.

فالقوة والعسف من وسائل الافتراق بين البشر والكيانات الإنسانية، واستخدامها من أجل التوحيد والجمع لا يؤدي إلا إلى المزيد من التفتت والتشرذم والتشظي. لأنها تزيد النفوس ابتعادا عن بعضها. وتنفرد العقول من البحث عن المشترك ووسائل التعايش والوحدة، وتهيأ الأوضاع والظروف للهروب من كل مقتضيات الوحدة ومتطلباتها الاستراتيجية. وعليه فإننا نعتقد أن الدولة الاستبدالية في المجال العربي، هي الحاضن الأكبر بكل آليات التفكيك والتشظي في المجال العربي. ولا يمكن إنجاز مفهوم الاندماج إلا بإعادة بناء مؤسسة الدولة في المجال العربي على أسس قانونية ودستورية، جامعة وتكون محايدة تجاه عقائد وأيدلوجيات مواطنيها.

العرب من دولة المشروع إلى مشروع الدولة:

إن الوعي السائدة في مؤسسات الدولة في المجال العربي، يعاني من أزمة حادة، حيث انفصالها العميق عن المجتمع وإرادته، وبعده عن خياراته وقناعاته الكبرى، مما يدخل الجميع في أتون الحروب الصريحة والمضمرة، مما يرهق الجميع ويجعلهم على هامش حركة التاريخ. فالدولة في المجال العربي تعيش الاغتراب بكل صوره عن المجتمع، وهذا الأخير يعاني التردي والضياع، وتستفحل في أحشائه كل التوترات والتناقضات. دولة تستند على ثقافة القمع والإكراه والنفي وفعل الاستبداد والتهميش والإقصاء، ومجتمع لا يعترف بحق الاختلاف والتسامح. دولة تسلطية تلغي كل تنوع، وتمارس الاستبداد بكل صوره وأشكاله، و لا تنطوي ممارساتها على قيم العدل والتداول والحرية. ومجتمع يصادر حق أبناءه في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم الفكرية والسياسية.

[والمشكلة العويص هو إننا لسنا أمام مشروعين للدولة، يفصل في الاختلاف بينهما الحوار وصناديق الاقتراع، وذلك أن مجتمعات تكون فيها التنمية في درجة الصفر، هي طبيعتها مولدة لعدم الاستقرار، ليس فقط للمجتمع وللدولة، بل لنجاح مسلسل ديمقراطي، وأية دولة تكون على رأس مثل هذا المجتمع يكون شاغلها الأول هو الأمن. وينتهي الأمر إلى مبارزة بين جهاز الدولة والقوى التي يفرزها مجتمع مأزوم، فيغرق الجميع في دوامة من العنف والعنف المضاد](3).

والمفارقة الصارخة في هذا السياق هي: أن الدول التقدمية و الأيدلوجية، والتي استخدمت كل إمكانات الدولة لتعميم أيدلوجيتها وقهر الناس على خياراتها ومتبنياتها السياسية والثقافية، هي ذاتها الدول التي أجهضت كل مشروعات التحرر الحقيقي والخروج من مآزق الراهن.

ودول المشروع التقدمي لم تزيدنا إلا ضعفا وتشاؤما، وذلك لأن الإنسان هو أرخص شيء لديها. تصادر حرياته، تمتهن كرامته، تحاربه في رزقه وكسبه، يقهر ويهان ويسجن ويعذب لأتفه الأسباب.

لذلك فإن الحاجة اليوم ماسة للخروج من هذه الشرنقة الأيدلوجية، التي تحيل كل شيء إلى قانون الإ مع أو ضد، وبناء دولة القانون والإنسان، التي تسعى لصياغة قانون لضبط العلاقة، وإلى تأهيل الإنسان وإطلاق حرياته وتطلعاته.

ولابد لنا أن، نرفض الاستبداد مهما كانت أيدلوجيته، ونقف ضد التنابذ والإقصاء مهما كان الفكر الذي يقف وراءه، ولابد من تعميق مفاهيم الاختلاف والحوار والحرية والتسامح في ثقافتنا وواقعنا.

لأن كل التجارب الوحدوية والاندماجية في المجال العربي، التي كانت تعتمد القسر والقوة الغاشمة والقهر في بنائها، تحولت إلى تجارب مولدة للتمايز المقيت والانفجارات السياسية والاجتماعية. وكأن حقبة الوحدات القسرية هي حقبة تربية الفوارق وتنمية التناقضات وتعميق مناطق التوتر. ولقد علمتنا التجارب أن تأجيل مشروع الحرية والديمقراطية لا إنجاز الوحدة، لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية. فلا وحدة بلا حرية، ومشروع الوحدة الحقيقي يبدأ بإشاعة الحرية وتبني خيار الديمقراطية والتسامح للجميع بممارسة حقوقهم وقناعاتهم.

الدولة العربية ومتطلبات الاندماج الوطني:

لعل من الفروقات الجوهرية والأساسية، بين الدول الشمولية والاستبدادية والدول الديمقراطية والمدنية، هو أن الدول الشمولية مغلقة على فئة قليلة من الناس، هي التي تزيد شؤونها وتتحكم في مسيرتها ومصيرها، بينما الدول الديمقراطية، هي دول مفتوحة لكل الطاقات والكفاءات للمساهمة في الإدارة والبناء.

فالدول الشمولية تحارب ومبدأ ومشروع المشاركة، وتلغي كل مضمونه الدستوري والسياسي. والدول الديمقراطية تحضن وتحث المواطنين عبر أقنية دستورية ومؤسسية للمزيد من الحضور والمشاركة في الشأن العام.

لهذا فإننا نستطيع القول: أن الدول الشمولية بصرف النظر عن أيدلوجيتها أو عقيدة القائمين عليها، في دولة تمارس التفكيك والفصل بين مكونات شعبها ومجتمعها. فهي مؤسسة محاربة للاندماج، وكل جهدها يتجه إلى تضخيم مؤسساتها الأمنية والقمعية لاستمرار الأوضاع على ما هي عليه، ولو أد أية حركة اجتماعية تطالب بالعدالة والإنصاف.

من هنا فإن متطلبات الاندماج الوطني، تتجسد في ضرورة بناء الدولة العربية على أسس مدنية – تعاقدية، تحتضن كل تعبيرات مجتمعها، وتتعامل مع كل المكونات على أسس المواطنة الجامعة بصرف النظر عن الدين أو المذهب أو القومية..

ونود أن نبلور رأينا في هذه المسألة من خلال المحاور التالية:

المواطنة والعدالة السياسية:

ثمة علاقة عميقة تربط بين مفهوم المواطنة ومفهوم العدالة السياسية في السلطة والمجتمع. حيث إن المواطنة تأخذ أبعادها الحقيقية في الفضاء الاجتماعي، حينما تتحقق العدالة السياسية وتزول عوامل التمييز والإقصاء والتهميش. فحينما تتحقق العدالة يتعمق مفهوم المواطنة في نفوس وعقول أبناء المجتمع. أما إذا غابت العدالة السياسية، وساد الاستبداد السياسي، وبرزت مظاهر الإقصاء والتهميش، فإن مقولة المواطنة هنا تكون في جوهرها تمويهاً لهذا الواقع وخداعاً لأبناء الوطن والمجتمع.

لذلك فإننا نعتقد أن المقياس الحقيقي لقياس مستوى المواطنة في النظام السياسي والاجتماعي، هو مقدار وجود متطلبات العدالة السياسية في الواقع الاجتماعي والسياسي.

لذلك فإن الحصول على مواطنة حقيقية ومخلصة، بحاجة إلى عدالة سياسية تستوعب جميع القوى والشرائح والفئات، وتكون من ثوابت النظام ومؤسسة الدولة وحقائق المجتمع والمواطنين. فالطريق إلى المواطنة بكل مقتضياتها ومتطلباتها، هو العدالة بكل مستلزماتها وآفاقها.

وإن المسؤولية الفكرية والسياسية اليوم، تقتضي العمل على تجلية حقائق المواطنة، في سياق بناء حياة وطنية وسياسية، تستند في كل خياراتها ومشروعاتها وخططها على العدالة، بما تعني من مشاركة ومساواة ومسؤولية، وتداول وانفتاح مستديم، وتواصل مستمر مع كل مكونات المجتمع وتعبيرات الوطن.

في معنى العدالة:

من البديهي القول: إن العدالة هي روح الإسلام وجوهره، وإن مفاهيم الإسلام المتعددة ونظمه التشريعية والقانونية، قد ركّزت أهدافها وغاياتها على ضوئها ومن أجلها، وذلك في مختلف الحقول والمجالات. لذلك نجد أن الإسلام ينهى عن اتِّباع الهوى، لأنه سبيل الظلم والانحراف.

ويقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾(4). كما أنه نهى نهياً قاطعاً وصريحاً عن طاعة الإمام الفاسق والجائر والظالم. إذ يقول عز من قائل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(5). وقال تعالى: ﴿ َلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾(6).

وعليه فإن العدالة هي جوهر الإسلام، ومضمون قيمه ومبادئه، وهي الغاية التي يسعى الأنبياء عبر التاريخ إلى إرساء معالمها وحقائقها في المجتمع الإنساني.

ولعل من أهم جوانب هذه القيمة الكبرى، هو الجانب السياسي، بحيث يكون السلوك السياسي بكل أبعاده وآلياته، منسجماً ومتناغماً مع المنطلقات النظرية، التي ينطلق منها ويؤمن بها الإنسان المسلم في هذه الحياة.

والعدالة السياسية في هذا السياق تعني العناصر التالية:

1- إن الاختلاف الفكري والسياسي بكل صوره وأشكاله، ليس مدعاةً أو سبباً لسلب الحقوق أو نقصانها. وإنما تبقى حقوق الإنسان مصانةً وفق مقتضيات العدالة. فكما أن للإنسان حق الاختلاف مع أخيه الإنسان، فله في الوقت ذاته حق ممارسة كل حقوقه بعيداً عن السلب أو التمييز. فالعلاقة في الدائرة الوطنية بين مختلف المكونات والتعبيرات، هي علاقة اختلاف ومساواة في آن واحد. فلا يمكن أن نلغي حالة التنوع الموجودة في الفضاء الاجتماعي والسياسي، كما أنه لا يمكننا صياغة واقعنا العام على أسس التهميش والإقصاء، بدعوى التنوع والتباين في الأفكار أو المرجعيات أو القناعات السياسية. وإنما اعترافنا بهذا التنوع الأصيل الموجود في مجتمعنا، ينبغي أن يقودنا جميعاً إلى بناء نظام سياسي واجتماعي وثقافي، يعترف بحق الاختلاف والتنوع، ولكنه في الوقت ذاته يؤكد على المساواة والمواطنة المتساوية في كل شيء. فالمطلوب دائماً هو وجود المناخ القانوني والسياسي، لكي يمارس التنوع -بكل أطيافه وتعبيراته- دوره في الحياة العامة، وفي المقابل على قوى التنوع أيضاً أن تبرز خيارها الوحدوي. فالمسألة هي أننا مع ممارسة التنوعات والتعدديات التقليدية والحديثة لدورها في الحياة السياسية والعامة. كما أننا نعتقد أن وحدتنا وتماسكنا الداخلي مرهون إلى حد بعيد على قدرتنا على احترام التعددية الفكرية والسياسية الموجودة في فضائنا الاجتماعي والثقافي.

«إن الدولة تفرض رؤيتها ومذهبها، ولا تترك مساحة للمذاهب الأخرى أن تمارس أفكارها واجتهاداتها وأنشطتها، فتضطر هذه الأخيرة أن تعمل بالتقية أو أن تنسحب من الحياة العامة، إن دولة كهذه، ليست دولة إسلامية. وأنا في هذه المناسبة أطرح على المؤرخين والمفكرين والفقهاء، أن يدرسوا سمات الدولة السلطانية، ويرَوا كم فيها من الإسلامية، وكم هي فاقدة للشرعية الإسلامية بالمعنى الكلامي وبالمعنى الفقهي»(7).

2- إن مؤسسة الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها ومناصبها، ينبغي أن تكون محايدةً تجاه عقائد مواطنيها، بحيث لا تكون مؤسسة الدولة قامعةً لعقائد مواطنيها، سواءً بدوافع دينية أو سياسية. فالعدالة السياسية تقتضي ألَّا تتحول مؤسسات الدولة إلى ممارسة الحيف والظلم والتهميش والتمييز تجاه بعض المواطنين، تحت تأثير الدوافع الدينية أو السياسية. فالدولة ليس مهمتها تغيير قناعات وعقائد مواطنيها، وإنما حماية أمنهم وتسيير شؤونهم الكبرى.

وإضافةً لهذا، فإنه من الضروري ألَّا تكون مناصب الدولة وامتيازاتها خاصة لفئة أو شريحة اجتماعية فقط، وإنما من الضروري أن تكون مفتوحةً لكل الكفاءات والطاقات الوطنية، بصرف النظر عن أصولهم الدينية والمذهبية، أو منابتهم القبلية والقومية. فهي دولة الجميع، ولا بد أن تكون امتيازاتها ومكاسبها أيضاً للجميع. وعليه فإن العدالة السياسية تقتضي أن تكون علاقة الدولة بمواطنيها على مختلف الصعد علاقةً مباشرة، ودون واسطةٍ مناطقيةٍ أو مذهبيةٍ أو قبلية.

فلكل مواطن الحق في أن يتحمل مسؤولية أي منصب في الدولة. كما أن مشروعات الدولة التنموية والخدمية ينبغي أن تستوعب كل المناطق والشرائح الاجتماعية. فالتحيز المذهبي أو السياسي من قبل مؤسسات الدولة، لا ينسجم ومقتضيات العدالة السياسية. لذلك فإن المطلوب أن تكون الدولة محايدة تجاه عقائد وقناعات مواطنيها الدينية والسياسية.

والمحايدة هنا تعني: ألَّا تتحول عقائد المواطنين إلى مبرر للتمييز الإيجابي أو السلبي. فكل المذاهب والعقائد التي يؤمن بها المواطنون، لا بد أن تكون محل الرعاية والاحترام من قبل مؤسسات الدولة. وهذا جزءٌ أصيلٌ من مطالبتنا، بضرورة أن تحترم الدولة مواطنيها على مختلف الصعد والمستويات.

ولعلنا لا نبالغ حين القول: إن العديد من أزماتنا السياسية والثقافية والاجتماعية الداخلية، هي من جرّاء انحياز الدولة إلى فئة اجتماعية أو مذهبية معينة، على حساب بقية الفئات والمذاهب الموجودة في الوطن.

وذلك لأن هذا الانحياز، هو الذي يقود إلى ممارسة التمييز أو التهميش ضد الفئات والمذاهب الأخرى، مما يوتّر الأجواء ويفاقم من الإحن والأحقاد الداخلية، ويحوّل الدولة من مؤسسة جامعة وراعية للجميع إلى مؤسسة منحازة وتمارس التمييز في قراراتها وخططها ومشروعاتها ضد فئات وشرائح وطنية.

من هنا فإننا نعتقد أن العدالة السياسية، تقتضي أن تكون علاقة الدولة بمواطنيها علاقة عادلة ومباشرة، وبعيدة عن الانحياز لفئة على حساب أخرى، أو لمنطقة على حساب المناطق الأخرى.

إن العدالة السياسية لا يمكن أن تتحقق متطلباتها ومقتضياتها، دون العلاقة العادلة والمتساوية بين مؤسسة الدولة بكل هياكلها، مع مواطنيها، بصرف النظر عن أصولهم العرقية أو منابتهم الإيديولوجية والمذهبية. فهي دولة الجميع، وينبغي أن يكون سلوكها السياسي والإداري والاقتصادي منسجماً وهذه الحقيقة.

3- إن العلاقة جدُّ عميقةٌ بين مفهوم العدالة السياسية، وحقائق تكافؤ الفرص في الفضاء الاجتماعي والوطني. إذ إنه لا يمكن بأية حال من الأحوال إنجاز مفهوم العدالة في الواقع الاجتماعي دون إرساء معالم وحقائق تكافؤ الفرص.

فتكافؤ الفرص في الإطار الوطني، هو أحد البوابات الرئيسة لإنجاز مفهوم العدالة والمساواة.

وتكافؤ الفرص هنا ليس شعاراً يرفع أو ادِّعاءً يُدَّعى، وإنما هو عبارةٌ عن إرادةٍ سياسيةٍ واستراتيجيةٍ وطنية، تتجه بصدق نحو إزالة كل المعوّقات والعوامل التي تُميِّز بين المواطنين، وتمنح البعض لدواعي مختلفة جملةً من الامتيازات والمناصب.

وبكلمة فإن تكافؤ الفرص في السياق الوطني يعني:

• إزالة كل القرارات والإجراءات، التي تمنع بعض المواطنين لاعتبارات فكرية أو سياسية أو مذهبية أو مناطقية، من مزاولة العمل أو تحمل المسؤولية في بعض الحقول والميادين. فتكافؤ الفرص يقتضي إزالة كل الإجراءات والخطوات، التي تؤسس لحالة التمييز والتهميش لبعض المواطنين، لاعتبارات لا تنسجم وحقائق المواطنة المتساوية.

• إن الاهتمام بالمشاريع الخدمية والتنموية في الإطار الوطني، لا بد أن يتم بالتساوي، وبعيداً عن حالات التمييز لبعض المناطق أو الشرائح الاجتماعية.

إن التنمية المتساوية هي أحد تجليات تكافؤ الفرص. فلا يجوز بأي شكل من الأشكال، أن يتم الاعتناء الاقتصادي والخدمي والتنموي ببعض المناطق، وإهمال المناطق الأخرى. فكل المناطق والمجتمعات ينبغي أن تكون على حد سواء في الاهتمام والرعاية الخدمية والتنموية وتطوير بنيتها التحتية.

• إن المسؤوليات الوطنية في مختلف الميادين والحقول، ينبغي ألِّا تكون حكراً على فئةٍ أو منطقةٍ أو شريحة. وإنما من مقتضيات العدالة السياسية، أن تشترك كل طاقات وكفاءات الوطن في تحمل المسؤولية، وإدارة الشأن العام بعيداً عن التحيز أو احتكار المناصب والمسؤوليات.

وعليه فإنه لا يمكن تحقيق العدالة السياسية في الفضاء الوطني، بعيداً عن قيمة تكافؤ الفرص، والالتزام بكل المقتضيات والآفاق التي تبلورها هذه القيمة، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي.

وخلاصة الأمر: أن تكافؤ الفرص ومقتضيات العدالة السياسية، تدفعاننا إلى القول: إن توسيع القاعدة الاجتماعية للسلطة من ضرورات الاستقرار ومقتضيات العدالة والمساواة.

4- إن الفضاء السياسي والثقافي والإعلامي الوطني ليس ملكاً لفكر أو طائفة أو شريحة. وإنما من الأهمية أن يستوعب كل التنوعات والتعبيرات الموجودة في الوطن والمجتمع. وأية محاولة لاحتكار هذا الفضاء بكل مستوياته لصالح فئة مذهبية أو اجتماعية أو مناطقية، هي محاولة تساهم في إذكاء التوترات الداخلية، ولا تنسجم بأي شكل من الأشكال مع مقتضيات العدالة السياسية.

فالإعلام الوطني بكل مؤسساته ومنابره، لابد أن يكون مفتوحاً لكل القوى والتعبيرات الوطنية. كما أن الفضاء الثقافي والسياسي، لا يمكن أن يتشكل على نحو حقيقي دون مشاركة جميع الأطراف والتعبيرات.

لهذا كله فإننا نعتقد أن ضرورات المواطنة المتساوية ومقتضيات العدالة السياسية، تدفعاننا إلى بيان أن الفضاء السياسي والثقافي والإعلامي الوطني، لابد أن يكون مفتوحاً لكل تنوعات الوطن، بحيث تشترك جميع هذه التنوعات في إثرائه وتنميته بعيداً عن العقلية الأُحادية والاحتكارية، التي تعمل على احتكار هذه الفضاءات لصالح فكرٍ أو رؤيةٍ هي جزءٌ من الوطن وليست كل الوطن.

ولا شك أن احتضان الفضاء السياسي والثقافي والإعلامي الوطني لكل تنوعات الوطن يقتضي الآتي:

• فسح المجال للإنتاج الثقافي والأدبي والإبداعي الذي يقوم به أبناء الوطن، بصرف النظر عن منابتهم الإيديولوجية والمذهبية والفكرية، لكي يأخذ دوره الطبيعي في تشكيل الرأي العام الوطني.

• أن تقوم مؤسسات الإعلام والثقافة الوطنية بكل مستوياتها ومنابرها، باستيعاب كل طاقات الوطن وكفاءاته دون محاباة أو تمييز وتهميش.

• فتح الحياة السياسية الوطنية لكل إمكانات الوطن البشرية والفكرية والسياسية، لكي تشارك في بناء الوطن وتعزيز وحدته وتمتين جبهته الداخلية.

• إتاحة الفرصة الحقيقية للمرأة، للمشاركة بشكل نوعي في مشروعات التنمية وإدارة الشؤون العامة في المجتمع والدولة. إذ لا يمكن أن يتحقق مفهوم تكافؤ الفرص في الواقع الوطني، دون فسح المجال النوعي للمرأة لكي تساهم في مشروعات التنمية والتطور والتقدم.

والعدالة السياسية لا يمكن أن تنجز بعيداً عن مساهمة المرأة في الحياة العامة للمجتمع.

العدالة وحقوق الإنسان:

لا يمكن أن يغادر العنف مجتمعنا وواقعنا السياسي، دون إرساء معالم وحقوق الإنسان في فضائنا الاجتماعي والوطني. فحينما تسود في مجتمعنا قيم حقوق الإنسان، تتراجع كل موجبات وعوامل العنف السياسي.

لذلك فإن ظاهرة العنف السياسي، لا يمكن مواجهتها فقط بالوسائل الأمنية. لأنه قد ثبت من خلال تجارب الكثير من الشعوب والمجتمعات، أن هذه الوسائل وحدها، هي التي تفاقم من الأزمات، وتزيد من حدة التوترات.

من هنا فإن معالجة ظاهرة العنف، بحاجة إلى رؤية سياسية - مجتمعية مركّبة، قوامها صيانة حقوق الإنسان، وتعميم ثقافة العفو والتسامح والبر والقسط والحوار وحق التعبير والاختلاف، وإطلاق مشروع سياسي وطني، يتجاوز مآزق الراهن، ويجيب عن تحديات المرحلة.

وعليه فإن إنهاء مسلسل العنف من مجتمعنا، يتطلب العمل على بناء حياة سياسية وثقافية جديدة، تستند في مشروعاتها وإجراءاتها إلى قيم العدالة والبر والتسامح وحقوق الإنسان.

فالعلاقة جِدُّ عميقةٌ بين مبدأ العدالة ومفهوم حقوق الإنسان. حيث إن العدالة بكل ما تحتضن من قيم ومتطلبات، هي الحاضن الأكبر لمشروع حقوق الإنسان. ولا يمكن أن توجد حقائق حقوق الإنسان، دون العدالة السياسية في المجتمع. فهي بوابة نيل الحقوق وصيانة كرامة الإنسان.

لذلك جاء في الحديث الشريف أن «العدل حياة الأحكام» إذ لا حياة لأحكام وقيم الدين إلا بحياة أهدافه وغاياته. وقد جاء في الحديث أن: «الناس يستغنون إذا عُدل بينهم»(8).

ويقول المرحوم الشيخ مرتضى مطهري في هذا الصدد: «إن أحد أسباب تخلف الأديان، من وجهة نظر علم النفس الديني، هو انتقال القائمين على الدين نوعاً من التناقض بين الدين والحاجات الطبيعية، وخاصة عندما تتبلور تلك الحاجات في أوساط الرأي العام.

بينما الحقيقة أن الإيمان بالله يقوم على ثقافة العدل والحقوق الذاتية للناس، ولا يمكن إقرار الحقوق الذاتية والعدالة الواقعية إلا مع الإيمان بالله تعالى، بعيداً عن الفرضيات والاتفاقات. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإيمان بالله أفضل ضامن لتنفيذهما»(9).

ويضيف الشهيد مطهري في هذا الصدد في كتاب آخر بقوله: «لو يتابع السبيل الذي فتحته (العدلية)، ويحصل الاهتمام بأسس الحقوق الإسلامية، ستغدو الكثير من الآيات التي لا تعتبر الآن من آيات الأحكام، آيات أحكام. إن التنكر لأصل العدل، وتأثير هذا التنكر على الأفكار، حال دون تطور الفلسفة الاجتماعية للإسلام، وارتكازها على قواعد عقلية وعملية متينة، ومشاركتها في الفقه كدليل وموجِّه. والنتيجة هي ظهور فقه غير متلائم مع سائر الأصول الإسلامية، بعيد عن مبادئ وأسس الفلسفة الاجتماعية للإسلام»(10).

لذلك من الضروري أن نعتني بخلق الوعي الحقوقي، القادر على رفض وفضح كل الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان في مجتمعنا.

إذ إن الخطوة الأولى في مشروع صيانة حقوق الإنسان، هي الوعي بهذه الحقوق، ورفض كل المحاولات التي تتجه إلى انتهاك حق من حقوق الإنسان الأساسية.

ولا بد أن يدرك الجميع في الإطار الوطني، أن انتهاك حقوق الإنسان، لا يفضي إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي، وأن قيم الدين العليا لا يمكن أن تشرّع للعسف والإكراه وانتقاص حقوق الإنسان.

لذلك من المهم أن نرفع الغطاء الديني والسياسي والاجتماعي، عن كل تلك الممارسات والأفعال التي تنتقص من كرامة الإنسان وحقوقه، ونتعامل معها «بصرف النظر عن القائم بها» بوصفها ممارسات تناقض بشكل صريح قيم الإسلام ومبادئه الأساسية، ولا تنسجم ومتطلبات الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي.

و«إن اتفاقاً يضمن الحقوق الأساسية، بما فيها حقوق الأقليات، هو أضمن سبيل لإزالة مخاوف كل الجماعات، ولدفع كل الحركات - أقصد الحركات التي لا تهدف حصراً إلى السيطرة على الآخرين وتأبيد الديكتاتورية - إلى الاتحاد في قضية الديموقراطية، وهكذا فقط يمكننا أن نكسر الحلقة المفرغة، حلقة القمع والتمرد»(11).

ولا يمكن إقصاء العنف السياسي من المجتمع بالمزيد من القمع وانتهاك حقوق الإنسان، لأن هذه الممارسات تزيد من فرص العنف، وتهيئ المناخ الملائم لبروز نزعات التطرف بكل مستوياتها وأشكالها.

لهذا فإننا نتمكن من وأد ظاهرة العنف من واقعنا، بالمزيد من الإصلاحات السياسية والأنظمة والإجراءات التي تصون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. وهذا يتطلب منا أن نولي أهمية خاصة، إلى العمل الثقافي المتواصل، الذي يعزز حقوق الإنسان اجتماعياً وسياسياً، ويعيد تأهيل تصورات المجتمع تجاه حقوق الإنسان الجوهرية.

فالإنسان أو المجتمع الذي يتعرض إلى اعتداءات على حقوقه ومكتسباته ومنجزاته الحقوقية، لا يمكن أن يدافع عن حاضره الذي هو أحد ضحاياه. لذلك فإن انتهاك حقوق الإنسان، لا يفضي إلى الأمن والاستقرار، بل إلى المزيد من التوترات والاضطرابات. من هنا فإن التطلع إلى الأمن والاستقرار، يقتضي بذل الجهود الحقيقية للحفاظ على حقوق الإنسان وصيانة كرامته. لأن الإنسان القابض على حقوقه، والممارس لحريته، هو القادر على الدفاع عن المكتسبات. فإذا أردنا الأمن، فلتتوجه كل الجهود والمشروعات إلى تنمية الإنسان وصيانة حقوقه وكرامته.

فتنمية الإنسان هي سبيلنا الحضاري لإنجاز الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي. ولا يمكن بأية حال من الأحوال، أن يكون انتهاك الحقوق، هو طريق الأمن والاستقرار، بل هو طريق الأزمات المتلاحقة والحروب المفتوحة على كل الأشكال والاحتمالات.

لذلك فإن الاستقرار السياسي اليوم، يقتضي العمل على خلق الشروط الأساسية من أجل حياة سياسية جديدة، قوامها الديموقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان. والعدالة السياسية طريقها الدائم، هو تكريس قيم وحقائق المواطنة في الفضاء السياسي والاجتماعي.

فالظلم بكل مستوياته وأشكاله، لا يحقق مواطنة متساوية، بل يساهم في تدمير المنجزات وإضاعة المكاسب. وممارسة القوة العارية ضد قوى المجتمع وتعبيراته السياسية والثقافية، لا تصنع استقراراً، ولا تخلق أمناً، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث إن ممارسة القوة العارية، تزيد من تناقضات المجتمع، وتسرّع من وتيرة المواجهة بين مختلف المكونات والتعبيرات.

وتعلِّمُنا تجارب الأمم والشعوب المختلفة، أن الأمن بمعناه الحقيقي، هو نتاج شرعي للديموقراطية وسيادة القانون وصيانة حقوق الإنسان.

وإن النظام السياسي الذي اختار القهر والعنف والقتل والتعذيب، ومنع الناس من ممارسة حقوقهم السياسية والثقافية، كخيار لإنجاز استقراره السياسي وتحقيق أمنه الشامل، لم يجنِ إلا المزيد من التوترات والاضطرابات. بل لا نبالغ حين القول: إن هذا الخيار عجّل في انهيار الكثير من الأنظمة السياسية في العديد من مناطق وقارّات العالم.

صحيح أن التحول الديموقراطي في مجتمعنا، تكتنفه العديد من الصعوبات والتحدّيات والهواجس، ولكننا نعتقد وبعمق أن هذا الخيار هو أسلم الخيارات وأقلُّها خسائر وتداعيات خطيرة.

وإذا تمعنّا ودرسنا شهادات واعترافات أهل التطرف والعنف، نجد أن القمع والاعتقال التعسفي، وممارسة التعذيب في السجون بحقهم، هو أحد الأسباب التي قادتهم إلى تبني خيار العنف. فملء السجون بالمعتقلين السياسيين، لا ينهي الأزمة الوطنية، ولا يعالج التحديات الداخلية التي تواجه الوطن. بل تعلّمُنا التجارب أن التعسف في الاعتقال والتعذيب، والإسراف في ممارسة الخيار الأمني، هو الذي يعزّز خيار العنف والتطرف في المجتمعات.

وإن الأمن الحقيقي بحاجة إلى رؤية جديدة ومعالجة حضارية، تتجاوز تلك الرؤى والمعالجات التي تفاقم من الأزمات، وتوفّر لها أسباباً جديدةً للتجذّر والتمدّد والانتشار.

من هنا لا بد من القول: إن المحن والتحديات السياسية والأمنية، بحاجة إلى معالجة جذرية، تزيل كل الأسباب والعوامل المفضية إلى هذه المحن. ولن نجد ومن خلال تجارب العديد من الأمم والشعوب، أفضل من خيار المعالجة الحضارية لعلاج أزمات واقعنا وتحدياته، القائم على سيادة القانون، وفسح المجال القانوني والسياسي لجميع قوى المجتمع، للمشاركة في الحياة العامة، وتأسيس حياة سياسية وثقافية جديدة، قوامها الديموقراطية والمواطنة المدنية المتساوية وصيانة حقوق الإنسان.

وبكلمة واحدة: فإن العدالة بكل مخزونها الرمزي والمعرفي، ومضمونها السياسي والاجتماعي، هي سبيلنا لتجاوز محن الغلو والعنف والإرهاب.

المجال العربي والفتنة الطائفية:

ينطلق هذا المحور من رؤية أساسية مفادها: إننا في المجال العربي أحوج ما نكون في ظل هذه الظروف والتطورات إلى صياغة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع حقيقة التعددية المذهبية الموجودة في المجتمعات العربية. إستراتيجية لا تتجاهل هذه الحقيقة ومتطلباتها الثقافية والاجتماعية، كما أنها لا تنحبس في قضاياها وعناوينها الخاصة، بل تنفتح على المجتمع بكل أطيافه وتنوعه، من أجل بناء متحد اجتماعي - وطني، لا يلغي الخصوصيات، ولكنه في ذات الوقت لا ينغلق فيها.

وإن أوطاننا جميعا لا تنهض وتعالج مشاكلها وتواجه تحدياتها، إلا بوحدتها المستندة على احترام كل التنوع والتعدد الموجود في فضائها الاجتماعي والثقافي والسياسي. والدول الوطنية المعاصرة في كل أصقاع الدنيا، تنطوي وتحتضن كل التنوعات والتعدديات التقليدية والحديثة، وإن الإدارة السياسية وطبيعة خياراتها، هي التي ستحدد مستوى وعمق الوحدة الوطنية في هذه المجتمعات. فإذا كانت إدارة استعلاء وتجاوز لكل حقائق ومقتضيات ما تنطوي عليه المجتمعات من تنوع وتعددية، فإن الوحدة الوطنية ستكون هشة وشكلية. أما إذا كانت الإدارة السياسية استيعابية ومرنة وتحترم خصوصيات مجتمعها، وتبني خياراتها السياسية على ضوء حقائق وطنها وشعبها، فإن الوحدة الوطنية ستكون صلبة وعميقة.

فالوحدة الوطنية لا تبنى على حساب الحريات العامة وتطوير واستقلال شبكات ومؤسسات المجتمع المدني. وإنما تبنى من خلال هذه الحريات ومؤسسات المجتمع المدني. فهي الأطر الحاضنة لكل مفاهيم وحقائق الوحدة الوطنية. ومن يبحث عن بناء وحدة وطنية، بعيدا عن قيم الحرية والشراكة والتعددية، فإنه لن يصل إلا إلى شكل الوحدة دون مضمونها، وإلى اسمها دون حقائقها. فحقائق الوحدة وتجلياتها العميقة، لا تبرز إلا بقيم الحرية والتسامح والتعددية وصيانة حقوق الإنسان. فهذه هي بوابة الوحدة الوطنية الصلبة والسليمة في كل التجارب والممارسات.

ونحن إذ نثير مسألة المذهبية في فضائنا العام العربي، لإيماننا العميق بأهمية العمل من أجل تفكيك هذه العقدة، التي تثير الكثير من المشاكل والتوترات والحساسيات، كما أنها تستخدم من أجل أغراض سياسية خطيرة من قبل أعداء الأمة وخصومها التاريخيين.

فالحاجة ماسة اليوم، لبناء استراتيجية عربية متكاملة للتعامل مع المسألة المذهبية في أبعادها المتعددة في المنطقة العربية.

وبدون خلق تفاهمات عميقة حول هذه المسائل، سيبقى مجالنا عرضة للعديد من الاهتزازات والتوترات. ونحن نعتقد أن مبادئ معالجة أو التعامل الإيجابي مع حقيقة المسألة المذهبية في العالم العربي هي النقاط التالية:

1- إن ثقافة الاستئصال والفصل بين مكونات المجتمع الواحد، على أسس طائفية ومذهبية، لا يبني استقرارا، ولا يحرر المجتمعات من عقدها وتوتراتها التاريخية والمعاصرة. وإنما يزيد من أوار التوتر، ويفاقم من مشكلات المجتمع، ويحول دون بناء وحدة اجتماعية ووطنية حقيقية.

وأحداث التاريخ تعلمنا أن المجتمع الذي يحتضن تعدديات وتنوعات، لم يبن استقراره بنهج الاستئصال والتهميش وبناء الكانتونات المنعزلة، وإنما تم بناء الاستقرار، بثقافة الاستيعاب والمرونة السياسية، وتنمية الجوامع المشتركة، وبناء العلاقة على أسس المواطنة المتساوية، واحترام قانوني وثقافي لكل الخصوصيات والحيثيات.

والمنطقة اليوم حيث تكثر العناوين المذهبية، وتتزايد التوترات السنية - الشيعية في أكثر من موقع عربي وإسلامي، أحوج ما تكون إلى ثقافة الوصل والاستيعاب، وتفكيك نزعات الغلو والتطرف ومحاولات المفاصلة الشعورية والعملية بين أبناء الوطن الواحد على أسس طائفية ومذهبية.

ونحن إذ نتحدث عن المسألة المذهبية في منطقتنا، فهو من أجل البحث عن حلول ومعالجات واقعية لهذه المشكلة، والتي بدأت في الآونة الأخيرة بالتمدد وأخذ عناوين خطيرة تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي لواقعنا العربي. فنحن مع عدم تجاهل هذه المشكلة، ولكن في ذات الوقت مع عدم تضخيمها، ومع تظافر كل الجهود والطاقات لبناء رؤية متكاملة لهذه المسألة الهامة والحيوية والحساسة في آن.

فالقوة لا تبنى بالقتل أو التهجير أو خطابات التكفير واستعداء السلطات الدينية والسياسية، وإنما باحترام التعدد والتفاعل الإيجابي مع حقائقه ومقتضياته، والابتعاد عن المكايدات والمشاحنات التي لا طائل من ورائها، والمساهمة الجادة في بناء وحماية أسس العيش المشترك.

2- إن الوقائع الطائفية التي نسمع عنها في العديد من البلدان العربية، ليست مدعاة للاصطفافات الطائفية والتمترسات المذهبية، وإنما هي مدعاة للوحدة وبناء حقائق الائتلاف والتلاقي بين مختلف التكوينات المذهبية، وخلق الإرادة العامة والجماعية لمعالجة تلك الوقائع الطائفية المقيتة. فليس مطلوبا من الواعين من أبناء مجتمعنا وأمتنا، وفي ظل هذه الظروف الحساسة، التمترس المذهبي، والتخندق الطائفي، وإنما المطلوب هو العمل على معالجة كل الوقائع الطائفية، التي تضر الجميع ولا يربح فيها أحدا. فحينما نسمع عن اقتتال سني-شيعي في العراق على سبيل المثال، فهذا ليس مدعاة للسني أو الشيعي للتخندق المذهبي، وتسخيف خطاب الاعتدال والوحدة، وإنما هو مدعاة لتضافر جهود كل الواعين من المجتمع والأمة، للعمل معا بعيدا عن نزعات الاصطفاف والتخندق لمعالجة حالة الاقتتال الطائفي. فالمسألة المذهبية في الأمة، مع متوالياتها المختلفة، لا تعالج بالانكفاء والعزلة، ولا تعالج بتوتير الأجواء وخلق الخطابات المتشنجة التي تزيد المشكلة اشتعالا. وإنما تعالج بالوعي والحكمة والإرادة العامة التي تفكك الأزمة والمشكلة، من موقع التعالي عن الاصطفافات الضيقة. فنحن ينبغي أن نكون جزءا من الحل، وليس جزءا من المشكلة. إننا مهما كان الوضع على الصعيد المذهبي صعبا ومتوترا، ينبغي أن نستمر في حمل مشعل الوحدة والتفاهم والتلاقي والتسامح والاعتراف والاحترام المتبادل.

3- لا ريب أن العلاقة السنية - الشيعية، تتغذى سلبيا في علاقاتها وحساسياتها، من جراء تباين الرؤية والموقف من التاريخ وأحداثه ورجاله. بحيث نستطيع القول: أن العلاقات المذهبية في كل مراحلها، تستدعي التاريخ، وتبقي موضوعاته وأحداثه، هو أحد المجالات الخصبة للجدال أو السجال أو الحوار.

وما نود أن نقوله في هذا السياق، إننا اليوم لا نستطيع أن نلغي أحداث التاريخ وتطوراته المتعددة، كما إننا لا يمكن أن تتطابق وجهات نظرنا في كل أحداث التاريخ ورجالاته. لذلك فإن المطلوب على هذا الصعيد هو أن يحترم كل منا قناعات الآخر. ومن أبرز مصاديق هذا الاحترام هو عدم الإساءة إلى الرموز التاريخية لبعضنا البعض. فليس مطلوبا أن تكون رؤيتنا واحدة ومتطابقة من أحداث التاريخ ورجالاته، ولكن المطلوب هو أن نحترم قناعات بعضنا البعض التاريخية، ونمنع كل عمليات الإساءة التي تتعرض إليها بعض الشخصيات التاريخية من هذا الطرف أو ذاك. وإذا نزعنا الحساسية المذهبية من قراءة التاريخ وأحداثه، تبقى الفرصة مواتية وسانحة، للدخول في حوارات علمية وموضوعية عن تاريخ العرب والمسلمين وفصوله، بعيدا عن المماحكات المذهبية أو الحساسيات الطائفية.

فما جرى في التاريخ جرى، ولا يمكن أن نوقف حركة التاريخ، ولعوامل ذاتية وموضوعية عديدة، تباينت وجهات النظر والرؤية في أحداث التاريخ، ولا يمكن أن نفرض على الناس رأيا واحدا أو موقفا واحدا، ولكن ما نستطيع القيام به، ونطالب به جميع الأطراف هو عدم الإساءة إلى بعضنا البعض بقول أو بفعل. فنحن مع الحوار وحرية البحث العلمي والتاريخي، ولكننا ضد الإساءة إلى رموز ومقدسات الآخرين. ونحن نعتقد أن الالتزام بهذا المبدأ [عدم الإساءة إلى بعضنا البعض]، سيساهم إلى حد كبير في خلق مناخ نفسي واجتماعي وثقافي إيجابي يفضي إلى مبادرات وخطوات تقريبية ووحدوية ناجحة ومتميزة.

4- إن الخطابات الأخلاقية والوحدوية بوحدها، لا تعالج المشاكل المذهبية والطائفية الموجودة في العديد من الدول والبلدان العربية والإسلامية. وثمة ضرورة فائقة لإسناد هذه الخطابات والتوجيهات الأخلاقية، بسنّ منظومة قانونية متكاملة، تجرم وتعاقب كل من يسيء إلى مقدسات الآخرين. فمن حق أي إنسان، أن يعتز بقناعاته ومواقفه ومتبنياته الأيدلوجية والفكرية، ولكن ليس من حقه أن يسيء إلى قناعات وعقائد الآخرين. ولكي يتم ضبط نزعات الغلو والاستئصال التي تصيب كل الأطراف بدون استثناء، من الأهمية سن القوانين التي تعاقب كل مواطن وإنسان، يسيء إلى عقائد ومقدسات الآخرين.

والمجتمعات الإنسانية التي أصيبت بنزعات العنصرية المقيتة، لم تتمكن من القضاء على هذه الآفة الخطيرة، إلا بتجريم ومعاقبة صاحبها.

ولا يمكن لنا في الدائرة العربية والإسلامية، من إنهاء معضلة الطائفية وخطابات التكفير والإلغاء وبث الكراهية، إلا بسن قوانين واضحة وصريحة، تعاقب كل من يساهم في الإساءة إلى مقدسات الآخرين، أو يمارس تمييزا مقيتا ضد المواطنين على أسس طائفية أو مذهبية أو ما أشبه ذلك.

لهذا فإننا ندعو كل الدول العربية، والتي تحتضن في مجتمعها تعددية دينية أو مذهبية، إلى الإسراع في سن القوانين، التي تجرم أية ممارسة تمييزية بين المواطنين على أسس مذهبية، وتحث من موقع القانون والإجراءات الدستورية والإدارية إلى الدمج بين المواطنين، وجعل قاعدة العلاقة على كل المستويات هي قاعدة المواطنة بصرف النظر عن الانتماء المذهبي للمواطنين.

إننا نعتقد أن هذه العناصر والمبادئ، تساهم إذا توفرت الإرادة السياسية والاجتماعية الصادقة، في خلق بيئة سياسية وثقافية واجتماعية مناسبة، لإدارة حقيقة التعددية المذهبية في مجالنا العربي، على أسس جديدة، تخرجنا جميعا من أتون التوترات والهواجس الدائمة. وإننا بذات القدر الذي ندعو إلى الإنصات إلى حقيقة التعددية المذهبية، وتلبية متطلباتها الثقافية والاجتماعية، بذات القدر نرفض رفضا قاطعا، تأسيس العلاقات بين أبناء الوطن والمجتمع الواحد على أسس طائفية. فنحن مع الانفتاح القانوني والسياسي والثقافي في كل بلداننا العربية على واقع التعددية المذهبية، وحماية هذا الواقع قانونيا وسياسيا وثقافيا، وضد الطائفية ونزعات الانكفاء الطائفي بكب مبرراتها وأشكالها.

والمطلوب عربيا من كل الجهات والأطراف، تفعيل أسباب الاندماج وتقوية عوامل الوحدة المستندة على احترام التعدد والتنوع، واعتصام الجميع أكثريات وأقليات بأوطانهم ومشاريعها الوطنية.. وذلك لأن الانحباس والتخندق في ظل عناوين ما دون الوطنية، هو يضر بالجميع، ويحول المجال العربي بأسره إلى كانتونات متحاجزة ومتصارعة مع بعضها البعض. فلا خيار أمام الأقليات والأكثرية في المجال العربي، إلا الاعتصام بالوحدة الوطنية، والعمل على حمل هموم وتطلعات المشروع الوطني، ومعالجة كل المشاكل والتوترات في سياق الوحدة والإصلاح الوطني.

وأحدث العراق بكل عناوينها وتفاصيلها ماثلة للعيان. فهو لا يحكم بمشروع طائفي أو مذهبي مغلق، أو باستفراد نخبة سياسية أو عسكرية أو اجتماعية بالحكم والسلطة، وإنما هو يحكم بجميع أبناءه. وبمقدار ما يتمكن الشعب العراقي من الاعتصام بوطنه ووطنيته، بذات القدر يتمكن من هزيمة كل المشروعات المضادة والمناقضة لمصلحته واستقراره السياسي السليم.. فالأوطان جميعا لا تحكم بمشروعات طائفية خاصة، وإنما تحكم بمشروع وطني يستوعب كل مكونات الوطن، ويفسح المجال القانوني والسياسي لكل التعبيرات للمساهمة الفعالة في مشروعات البناء وتعزيز التلاحم الوطني.. والأكثرية العددية هنا، ينبغي أن لا تكون سببا للبطش والطغيان والاستئثار والاستفراد. والأقلية أيضا ينبغي أن لا تتحول إلى عنوان سياسية للتدخلات الأجنبية أو توهين الاجتماع السياسي العربي..

فكل الأطراف تتحمل مسؤولية في وأد الفتن الطائفية، وإنهاء كل التوترات التي تسئ إلى المجال العربي في حاضره ومستقبله. ولعل المطلوب والمرتجى من كل الأطراف والتعبيرات اليوم، حمل وتبني المشروع الوطني الجامع والعادل، ويشترك الجميع في الدفاع عنه وحمل أعباء تنفيذه والوصول إلى تطلعاته. فمن حق المغبون بصرف النظر عن دينه أو مذهبه أو قوميته أن يطالب بإنصافه، ويطالب ويلح في الطلب لتحقيق مطلب العدالة والإنصاف. ولكن من الضروري أن يتم كل هذا بطريقة لا تنزع عن هذه المطالب صفتها الوطنية العامة، وبذلك يسهمون من مواقعهم كمواطنين ذوي حقوق ومطالب وطنية..

ومن الضروري اليوم وفي كل الأوطان العربية، العمل على صياغة مشروع وطني متكامل، يستهدف بالدرجة الأولى تفكيك كل الأسباب والعوامل الموجبة للافتراق والانقسام الداخلي، وإنتاج حقائق حيوية للمزيد من التلاقي والتلاحم بعيدا عن العصبيات التي تحولت اليوم إلى وباء تهدد المجال العربي بأسره. والنخب العلمية والثقافية تتحمل مسؤولية كبرى اليوم، لوأد الفتنة الطائفية وصياغة رؤية جديدة في التعامل مع حقائق التعددية الدينية والمذهبية الموجودة في الفضاء العربي.. ووجود وقائع طائفية في هذا البلد العربي أو ذاك، ينبغي أن لا يدفع النخب الدينية والثقافية إلى الاصطفافات الطائفية، وإنما للعمل من أجل معالجة هذه المشكلة وليس الانخراط فيها والمساهمة في تأجيجها..

فالمجال العربي اليوم، يعيش لحظات حساسة وخطيرة على أكثر من صعيد، وتتطلب من جميع الأطراف التعامل مع كل هذه المخاطر والتحديات بوعي وحكمة، حتى نتمكن جميعا من عبور هذه اللحظات بأقل خسائر ممكنة.. والبحث عن الهويات الذاتية، بعيدا عن الكيانات الوطنية، سيفضي إلى المزيد من الفوضى وتراجع مستويات الاستقرار السياسي والاجتماعي. وذلك لأن هذا البحث سيطلق ديناميات من صراع الهويات الصغرى، وتشبث كل طرف بمواقعه ومكاسبه، مما يحول الجميع ضد الجميع على قاعدة الانتماءات التقليدية..

وجماع القول: أن المجال العربي من أقصاه إلى أقصاه، يعيش مجموعة من التحديات ومن أخطرها الفتنة الطائفية. وإن مواجهة هذه الفتنة تتطلب من جميع الأطراف (الدولة بمؤسساتها المختلفة، والمجتمع المدني بنخبه ومؤسساته) العمل على وأد هذه الفتنة، عبر خلق وعي عربي متكامل تجاه هذه المسألة، ومعالجة بعض التوترات الطائفية التي تعانيها بعض المجتمعات العربية، وخلق الحقائق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تصون الوحدة الوطنية وتحمي مكاسبها المتعددة، وتسريع وظيفة التضامنات الداخلية، التي تضبط النزاعات، وتنظم التباينات، وتحرر الأمزجة الشعبية والأهلية من ضغط العصبيات الطائفية، وتعمل على تنمية المشترك الإنساني والديني والوطني..

العرب ودولة الإنسان:

تعددت الأيدلوجيات والأفكار والمرجعيات المفاهيمية والفلسفية التي سادت في العالم العربي.. وتمكنت بعضها من الحكم وإدارة بعض الدول العربية على أسس ومبادئ تلك الأفكار والأيدلوجيات. فأصبحت في العالم العربي دولا تتبنى النظرية الماركسية وتعمل بإمكانات الدولة إلى تعميم الرؤية الماركسية وإخضاع كل الشرائح والفئات إلى تلك الرؤية الأيدلوجية. كما تشكلت دولا وفق النظرية القومية، حيث عمل أصحاب هذه النظرية إلى تسيير شؤون الدولة والمجتمع وفق الرؤية والمعايير القومية..

وتعددت في العالم العربي الدول التي تتبنى رؤية أيدلوجية، وعملت على إخضاع كل مؤسسات الدولة إلى الرؤية الأيدلوجية، التي تحملها وتتبناها النخب السياسية السائدة..

ودخلت هذه الأيدلوجيات في حروب وصراعات مفتوحة، ولقد شهد العالم العربي وعبر فترات زمنية مختلفة تلك الصراعات والحروب التي عمل كل طرف على إثبات أيدلوجيته ومصالحه بعيدا عن مصالح الأمة وأمن المجتمعات العربية.. ومع أن هذه الأيدلوجيات، دخلت في حروب وصراعات دامية مع بعضها، إلا أن بينها قواسم أيدلوجية وسلوكية وسياسية واحدة.. ولعل من أهم القواسم المشتركة بين أصحاب الأيدلوجيات التي سادت في العالم العربي، وسيطرت بشكل أو بآخر إما على الدولة ومؤسساتها أو المجتمع ومؤسساته هو أن أصحاب هذه الأيدلوجيات، لا يعتنوا كثيرا بحاجات الإنسان العربي ومتطلباته الأساسية. فكل الجهود والإمكانات تصرف باتجاه تثبيت وتعميم ونشر المقولات الأيدلوجية، بعيدا عن الاهتمام بحاجات الإنسان أو الإنصات إلى مطالبه ومطامحه..

لذلك فإن الكثير من ثروات وإمكانات الدول الأيدلوجية، صرفت على نشر المقولات الأيدلوجية والحزبية، وكأن نشر هذه المقولات، هو الهدف الأسمى والغاية العليا.. ووفق هذا السلوك والتصرف الذي مارسته الدول الأيدلوجية، كما مارسته الجماعات الأيدلوجية، ضاعت حاجات الإنسان فردا وجماعة، واضمحلت حقوقه الأساسية، واعتبر الإنسان كقيمة وحقوق وكرامة في أدنى سلم الاهتمام. ولا نحتاج إلى كثير عناء لإثبات هذه الحقيقة الناصعة في الكثير من الدول والتجارب. فيكفي أن تذهب إلى أي دولة أيدلوجية أو تقدمية في العالم العربي، لاكتشاف هذه الحقيقة. حيث كل الامكانات تتجه إلى الشعارات وتخليد الزعيم واثبات صحة المقولات الأيدلوجية والحزبية التي قامت عليها الدولة. بينما الإنسان في هذه الدول يعيش العوز والضنك والصعوبات الحياتية المختلفة، كما يعاني من الكبت والقمع والخوف الدائم من زوار الفجر وأجهزة الاستخبارات..

فهذه التجارب والدول، تحارب وبشعارات ثورية وتقدمية حقوق الإنسان، وتعمل على إبقاء مواطنيها يلهثون ليل نهار من أجل لقمة العيش اليومية. لذلك فإن هذه الدول، لم تحقق أي إنجاز يذكر لمواطنيها، كما أنها لم تحقق وخلال سنين طويلة من الحكم والسيطرة على مقاليد الأمور الشعارات التي رفعتها، حينما وصلت إلى سدة الحكم.

فالدول التي رفعت شعار الوحدة لم تنجز إلا المزيد من التجزئة والتشظي. والدول التي رفعت لواء الدفاع عن الطبقات المحرومة في المجتمع، أضحت هذه الطبقات هي أول ضحايا هذه التجربة وهذه الدولة..

ويشير إلى هذه المسألة الدكتور (برهان غليون) بقوله: أزمة الدولة أعمق إذن مما تبدو عليه عادة وكأنها أزمة نظام، أنها أزمة فكرتها ذاتها. وتلاشي روح الولاء للسلطة الوطنية والانتساب للمشروع الذي كانت تقترحه على المجتمع نابع بالضبط من انكشاف عجز السلطة هذه عن إنجازه، أي عن خيانتها له، وليس بسبب تحققه. وهذا يعني أيضا أنه نابع من تنامي الاقتناع بأن هذا المشروع بالصورة التي تبلور فيها لا يمكن أن يشكل مدخلا إلى التقدم الإنساني. وهكذا، وفي أقل من عقدين، أصبحت القيم التي كانت تغذي لدى الجمهور الواسع شعبية دولة التقدم وتثير حماسة للانخراط فيها والتماهي معها، هي نفسها القيم التي تدفع الجمهور إلى رفضها والتنكر لها. لقد كان يكفي أن تظهر لا فاعلية البرنامج الوطني أو عيوبه، عروبيا كان هذا البرنامج أم قطريا، حتى تفقد الدولة توازناتها المادية والمعنوية، وتضيع هي نفسها هويتها وتفقد مقدرتها على استقطاب الولاء وتحقيق الاندماج والإجماع.

فالدول الأيدلوجية والتي استخدمت كل إمكانات الدولة لتعميم أيدلوجيتها وقهر الناس على خياراتها ومتبنياتها السياسية والثقافية، هي ذاتها الدول التي أجهضت كل مشروعات التحرر الحقيقي والخروج من مآزق الراهن. وهذه الدولة بنمطها القروسطوي وعنفها وجبروتها وعسكرتها لمجتمعها، أجهضت الكثير من الآمال والتطلعات.

لذلك فإن المطلوب اليوم، هو الخروج من هذه الشرنقة الأيدلوجية، التي تحيل كل شيء إلى قانون إما مع أو ضد وبناء دولة القانون والإنسان، التي تسعى لصياغة قانون لضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع، وإلى تأهيل الإنسان، وإطلاق حرياته وتطلعاته.

فإننا كعرب لم نحصد من الدول الأيدلوجية، إلا المزيد من الصعاب والتراجع والتقهقر إلى الوراء. فالوحدة التي حلم بها الآباء، انتهت إلى دولة أيدلوجية مغلقة تكرس التجزئة وتنمي العصبيات، وباسم التنمية والعدالة الاجتماعية حصدنا نمو رأسمالية الدولة وتضخمت شريحة الانتهازيين والوصوليين.

ولقد علمتنا التجارب أن الدول التي تنفصل عن مجتمعها وتحاربه في معتقداته واختياراته الثقافية والسياسية، وتفرض عليه نظاما قهريا، فإن مآلها الفشل وفقدان المعنى من وجودها. وهكذا وبفعل عوامل عديدة وعلى رأسها سيادة الدول الأيدلوجية التي لا ترى إلا مصالحها الضيقة، وتوظف كل الامكانات من أجل إثبات مقولاتها وأيدلوجيتها، وضيعت بفعل ذلك مصالح شعبها وامتهنت كرامته، اختلطت المعايير، واشتبكت القضايا، وسقطت الكثير من الشعارات المرفوعة. فالقتال أصبح داخليا، والحرب أضحت أهلية، والتطرف والإرهاب أصبح من نصيبنا جميعا. لهذا كله إننا أحوج ما نكون اليوم إلى تلك الدولة التي تعتبر أيدلوجيتها وشرعيتها هو في خدمة الإنسان وصيانة حقوقه وكرامته بصرف النظر عن أصوله الأيدلوجية أو القومية أو العرقية..

إننا في العالم العربي بحاجة إلى تلك الدولة التي تحتضن الجميع وتصبح بحق وحقيقة دولة الجميع.

والوصول إلى دولة الإنسان والقانون في العالم العربي، ليس مستحيلا، وإنما هو بحاجة إلى الكثير من الجهد المتواصل لإنجاز هذا التطلع التاريخي.. وإن دولة الإنسان التي تصون حقوقه وتحفظ نواميسه وكرامته، ليست يوتيبيا تاريخية، وإنما هي حقيقة قائمة، ولقد تمكنت بعض المجتمعات الإنسانية من تحقيقها.. وأن شعوبنا العربية بطاقاتها العلمية وقدراتها الاقتصادية وطموحاتها الحضارية وأشواقها التاريخية، تستحق دولة تكون رافعة حقيقية لهذه الشعوب، لا قامعة وكابحة لطموحاتها وتطلعاتها الضاربة بجذورها في عمق التاريخ والإنسان.

وإنه بدون توجه العرب نحو بناء دولهم الوطنية على أسس القانون وحقوق الإنسان، فإن مشاكلهم ستتفاقم وأزماتهم ستستفحل وضغوطات الخارج ستؤثر على مصيرهم ومستقبلهم.

وإن التحول نحو دولة القانون والإنسان، بحاجة إلى الأمور التالية:

1- الإرادة السياسية التي تتجه صوب تجاوز كل المعيقات والمشاكل التي تحول دون بناء دولة القانون والإنسان. حيث أنه لا يمكن بناء دولة جديدة في العالم العربي بدون إرادة سياسية تغير وتطور وتذلل العقبات وتواجه كل ما يدفع نحو إبقاء الأمور ساكنة وجامدة ومتخشبة. فالإرادة السياسية بما تعني من قرار صريح وعمل متواصل ومبادرات نوعية وتطوير للمناخ والبيئة الاجتماعية والثقافية، هي من العوامل الأساسية للتحول نحو دولة القانون والإنسان في الفضاء العربي..

2- تحرير المجتمع المدني ورفع القيود عن حركته وفعاليته. حيث أن الدولة بوحدها، لا تتمكن من خلق كل شروط ومتطلبات التحول. وإنما هي بحاجة إلى جهد المجتمع المدني، الذي يستطيع القيام بالكثير من الخطوات والأعمال في هذا الاتجاه. لهذا فإن رفع القيود اليوم عن أنشطة مؤسسات المجتمع المدني، يعد من الأمور الهامة، التي تساهم في تعزيز الأمن الاجتماعي والمحافظة على الاستقرار السياسي. فالحاجة ماسة اليوم لتذليل كل العقبات التي تحول دون فعالية المجتمع المدني في العالم العربي. وإن الفرصة مؤاتية اليوم، لإنهاء تلك الحساسيات التي تحملها بعض النخب السياسية السائدة، تجاه مؤسسات المجتمع المدني ووظائفها وأدوارها. فإن هذه المؤسسات ليست بديلا عن الدولة، ولا تستهدف في أنشطتها تضعيف دور الدولة. بل هي مساند حقيقي ومؤسسي للدولة، كما أنه لا تقوم له قائمة بدون دولة مستقرة وثابتة.

فالدولة اليوم في العالم العربي، بحاجة إلى جهد مؤسسات المجتمع المدني، كما أن المجتمع المدني بمؤسساته وهياكله، هو بحاجة إلى الدولة الحاضنة والراعية والضامنة لعمل مؤسسات المجتمع المدني. فالحاجة متبادلة، والأدوار والوظائف متكاملة. وإن الظروف السياسية التي يواجهها العالم العربي، تتطلب بناء الدولة في الواقع العربي على أسس جديدة وبمضامين جديدة. فالدولة التي ألغت المجتمع وحاربت قواه الحية، هي أحد المسئولين الأساسيين عن الواقع المتردي الذي وصلنا إليه جميعا. وسنبقى نعيش القهقرى ما دامت الدولة العربية بمضمونها الأيدلوجي التي صحرت الحياة المدنية هي السائدة.. فثمة ضرورة ملحة اليوم لإعادة صياغة مفهوم ومضمون الدولة في التجربة العربية المعاصرة.

فالدولة التي لا تحترم حقوق الإنسان، وتتجاوز الدستور والقانون لأتفه الأسباب، هي الدولة التي أخفقت في مشروعات التنمية والبناء الاقتصادي، وهي التي انهزمت أمام التحديات والمخاطر الخارجية. والعلاقة جد عميقة بين إخفاق الدولة الداخلي وهزيمتها الخارجية. ولا سبيل أمام العرب اليوم، إلا بناء دولة الإنسان والقانون وصيانة الحقوق والنواميس، هذه الدولة حتى ولو امتلكت إمكانات محدودة وقدرات متواضعة، هي قادرة بتلاحمها مع شعبها وبتفاني شعبها في الدفاع عنها، على مواجهة كل التحديات والمخاطر.

فلتتجه كل الطاقات والقدرات والكفاءات، نحو إرساء مضامين دولة الإنسان في دنيا العرب.

.......................................
الهوامش
1. القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 8.
2. القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية 152.
3. ندوة التنمية البشرية في الوطن العربي، ص354، مركز دراسات الوحدة العربية.
4. القرآن الكريم، سورة الكهف، الآية 26.
5. القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 124.
6. القرآن الكريم، سورة الشعراء، الآية 151-152.
7. مجلة منبر الحوار، العدد 34، ص17، السنة التاسعة، خريف 1994م.
8. الشيخ محمد يعقوب الكليني، أصول الكافي ج3، ص 568، دار التعارف، لبنان، 1990 م.
9. الشيخ مرتضى مطهري، جولة في رحاب نهج البلاغة، ص124، دار التعارف للمطبوعات، الطبعة الثالثة، 1980 م.
10. مجلة قضايا إسلامية معاصرة، العددان التاسع والعاشر، ص 189، 1421 هـ- 2000 م.
11. ندوة الإسلام والعدالة - مناقشة مستقبل حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ص 44، سلسلة غرب وشرق، فصلت للدراسات والترجمة والنشر، ترجمة راتب شعبو، الطبعة الأولى، 2000 م.

اضف تعليق