q
الإسلام متهم في دنيا اليوم، حتى في الدول الإسلامية. فمن يتصدّى لمهمة إرشاد الشباب الذين ولّوا وجوههم عن الإسلام؟ وهذا واجب كفائي، ولكن لا يوجد من فيه الكفاية. فيجب على كل من يقدر، أن يتعلّم ما يريد قوله وكيف يقول، أي بالبلاغ المبين. فالإبلاغ لا يكفي لوحده...
تعريب: علاء الكاظمي

على أعتاب حلول شهر رمضان العظيم 1442للهجرة، وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة مهمّة قيّمة، مساء يوم الجمعة المصادف للسادس والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1442 للهجرة (9/4/2021م)، ووجّهها للمبلّغين الدينيين والمؤمنين والمؤمنات كافّة، إليكم نصّها الكامل:

بسم الله الرحمن الرحيم

روي عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أنّه قال: (اغتنموا الفرص فإنّها تمرّ مرّ السّحاب).

أي اغتنموا الفرص التي هي بمثابة الغيوم تأتي وتمرّ وتنتهي. ونحن على أعتاب شهر رمضان العظيم، أسال الله تعالى ببركة محمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، أن يوفّقنا ويوفّق جميع المؤمنين والمؤمنات في كل مكان بالدنيا إلى تشخيص مسؤولياتنا ومسؤولياتهم وأن يعرفونها، ويقوموا بأدائها.

قضيّتان واجبتان

قضيتان هما واجب عيني. الأولى بنفسها هي واجب عيني، والأخرى وبسبب عدم وجود من فيه الكفاية، صارت اليوم واجب عيني. وشهر رمضان العظيم هو الفرصة الأنسب لكي يهتمّ المرء بهاتين القضيتين أكثر وأفضل، ليوفّق لهما.

الأولى: تزكية النفس. والثانية: تبليغ الإسلام ونشره. فيجب على الجميع تزكية أنفسهم، فهي واجبة على الجميع، على الشباب وعلى كبار السنّ، وعلى كل رجل وامرأة. ويجب على كل واحد أن يهيّئ مقدّمات وجود هذا الأمر بقدر اختياره وبقدر ما يتمكّن عليه، ويدرك ذلك جيّداً، حتى يتحقّق الورع. وقد ذكر مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته الشريفة باستقبال شهر رمضان العظيم، مجموعة من الفضائل. وبعد انتهاء الخطبة، سأله مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (يارسول الله أيّ الأعمال أفضل في هذا الشهر؟ فقال صلى الله عليه وآله: أفضل الأعمال الورع عن محارم الله). والورع بحاجة إلى مقدّمات وجود، فالورع لايأتي اعتباطاً، بل على الإنسان أن يدعو الله تعالى ويطلب منه كراراً، ويتوسّل به بأهل البيت عليهم السلام، ويصمّم، ويراقب نفسه دائماً، لكي يحصل بالنتيجة على الورع الذي هو أفضل الأعمال في شهر رمضان العظيم، حتى وإن تمّ هذا الأمر شيئا فشيئا. وهذا واجب عيني كصلاة الظهر وصلاة العصر، وصلاة الصبح، وكالصيام بشهر رمضان العظيم، الذي يجب عينيّاً على كل مكلّف إن لم يك مسافراً أو مريضاً. ومن مقدّمات وجود الورع، أن يطالع المرء حياة وأحوال الذين نالوا الورع ووصلوا لمراتبه، أو سمع عن حياتهم، فيتعلّم منهم ويصمّم على أن يكون مثلهم. فلقد رأينا في التاريخ وفي زماننا وحولنا، من الشباب من نالوا مرتبة الورع، وبإمكان الشباب أن يتعلّموا من غيرهم ويصيروا مثلهم. أي يتعلّموا كيف نال غيرهم الورع، وكيف تحلّى كبير السن بالورع، فيتعلّم منه كبار السن أيضا. فمن المهم جدّاً أن يتعلّم المرء من القصص.

أهمية الأحكام الإلهيّة

إنّ الأحكام الالهية تحظى بأهميّة بالغة جدّاً عند الله عزّ وجلّ، بحيث أنّ القرآن الكريم قال بالنسبة لأشرف الأولين والآخرين، الذي لا يحتمل فيه أي نسبة من عدم الامتثال أو المخالفة: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) سورة الحاقة: الآيات 44ـ46. ويقول علماء اللغة العربية عن كلمة (لو) انّها حرف امتناع لامتناع. أي هي لمورد ليس بالوجود أصلاً ولا يوجود أبداً، لا حالاً ولا حاضراً ولا حتى بالمستقبل، كما في قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) سورة الأنبياء: الآية22. فالجملة صحيحة مع انّ مقدّماتها باطلة. وعدد آيات القرآن الكريم قرابة ستة آلاف آية، فكم منها ترتبط بالأحكام؟ والمعروف انّها قرابة خمسمئة آية. وكم من آيات القرآن تختصّ بالقصص؟ وكم هي قصص القرآن؟ ولعل آيات الأحكام قرابة خمسمئة آية. أي أقلّ من القصص، والسبب هو لأنّ القصص لها التأثير الأكبر والأكثر على الانسان.

لذا على الإنسان أن يبحث من الآن، أي قبل حلول شهر رمضان العظيم، فإذا كان من الشباب يبحث أيّ من الشباب كانوا من الصالحين؟ وكيف صاروا من الصالحين؟ وعليه أن يصبح مثلهم. وهكذا على الفتيات أن يصمّمن على أن ينلن الورع كما ناله غيرهنّ من أقرانهنّ. فعلى الجميع أن يقرؤوا قصص وتاريخ الكبار من الرجال والشخصيات ويتعلّموا منهم.

قصّتان للعبرة والتعلّم

هنا أشير إلى نموذجين من ذلك، الأول قصة معروفة ويرجع تاريخها إلى أكثر من مئتي سنّة أو أقل. والثانية أنا شخصيا شاهدتها. والأولى هي لشاب كان في الحوزة العلمية بمدينة أصفهان الإيرانية. فذات ليلة وبعد منتصف الليل، خرجت فتاة من بيت كان ضيفاً على أهله، وأرادت الذهاب إلى بيتها، لكنها خافت، فالتجأت إلى الحوزة العلمية المذكورة، وطرقت الباب ففتحها لها شاب من طلبة العلوم الدينية الذي عرف فيما بعد بالمرحوم الميرداماد السيّد محمد باقر. وكان الشاب من الطلبة وكان يقظاً، فقال للفتاة ماتريدين، وما تعملي هنا؟ فقالت أردت الذهاب إلى بيتنا، ولكن خفت لأنّ الشوارع والأزقّة خالية والوقت الآن هو نصف الليل، فجئت إلى هنا لكي أبقى في هذا المكان حتى الصباح، أي أنا التجأت إلى هذا المكان. فكان لهذا الشاب غرفة صغيرة، فقال للفتاة ادخلي فيها، فدخلت فيها ونامت. وبقي الشاب يقظاً إلى الصباح، وكان الجود بارداً، ونامت الفتاة براحة بال.

بلى لقد كان ذلك الشاب صاحب نفس أمّارة بالسوء، وكان الشيطان له بالمرصاد كما هو الأمر لنا جميعاً. وفي الصباح استيقظت الفتاة وأودعت الشاب وذهبت إلى بيتها. وذكروا بعد ذلك نقلاً عن الفتاة انّها قالت: كنت أشمّ تلك الليلة رائحة لحم يحترق. ونقلوا بعدها انّ النفس الأمّارة بالسوء والشيطان كانا يضغطان على الشاب الطالب، ويوسوسا له، ولكن كان الشاب ولأجل الغلبة على هوى نفسه والشيطان، كان يقرّب يديه من النار التي كان موقدة بالغرفة للتدفئة ويحرق اصبعه حتى ينشغل بحرقة اصبعه وألم الحرق.

الشاب الطالب الورع

فعليكم أيّها الشباب الأعزاء أن تكونوا مثل ذلك الشاب. وشهر رمضان العظيم هو خير فرصة، فصمّموا، وهذا ممكن ويتحقّق. فصمّموا على أن تكونوا مثله، وتتعلّموا كيف وصل إلى تلك المرتبة. فالشيطان يغوي الجميع، كما أراد أن يغوي ذلك الشاب الطالب. والجميع لديهم النفس الأمّارة بالسوء، كما كانت لذلك الشاب، وهذا نموذج واحد عن الورع. فعلى الجميع أن يتعلّموا من غيرهم من أقاربهم ومعارفهم وجيرانهم، وممن رافقوهم في السفر والحضر، وممن لا يعرفونهم، ومن المشاة في زيارات أهل البيت عليهم السلام. فحقّاً إنّه ليدعو إلى التأسف أن يأتي شهر رمضان العظيم وينتهي ولا يتغيّر المرء أو لا يكون أفضل من السابق، فالإنسان مهما كان جيّداً يمكنه أن يكون الأحسن. والورع له مراتب ويمكن نيلها.

التعلّم من مرجع التقليد

القصّة الثانية هي عن رجل كبير السن وهو المرحوم الوالد. فالوالد نال مقام المرجعية بعد وفاة المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني، وبعد المرحوم السيّد حسين القمّي، حيث توفي الأول في شهر ذي الحجّة والثاني في شهر ربيع الأول أو الثاني. وكان الوالد يدير حوزة كربلاء المقدّسة بصعوبة، لأنّه كان في أول مرجعيته، وكان لا يملك من المال إلاّ القليل وهو أقل من مئة دينار شهرياً لأجل صرفه على الطلبة والفقراء والمساكين ولغيرها من الضروريات. وكان هذا المبلغ قليل جدّاً، ولكن كانت القيمة الشرائية له كبيرة. وبعد أشهر جاء رجل من بغداد، وقال للوالد أنا كنت من مقلّدي السيّد أبو الحسن، وفي ذمّتي قرابة سبعة عشر ألف دينار من الخمس، ورجعت إليكم في التقليد وأريد أن أعطيكم هذا المبلغ. فكم كان هذا المبلغ مهمّاً وضروريّاً لمرجع تقليد كان بحاجة إلى المال، وكان يدير الأعمال بمئة دينار شهرياً وبصعوبة، وكان يستدين شهرياً لأجل تنفيذ أعماله؟ لا شكّ انّه كان يكفيه لأشهر وأشهر وأشهر وسنين. فسأله الوالد هل داورت هذا المبلغ مع المرحوم السيّد أبو الحسن؟ والمداورة هي أن يأتي الشخص إلى مرجعه ويقول له بأنّ عليه كذا مقدار من الخمس، ولكنني لا أتمكّن حالياً من تسديده، ولكن أملك أرضاً أو بستاناً أو أملاكاً أخرى أو أقوم بالتجارة، ولكنّني أفتقد للمال حالياً. فيقول له المرجع لا إشكال في ذلك، سدّده متى استطعت. وهذه المسألة مذكورة في الرسائل العملية. وهذه المسألة هي أن يقول المقلّد لمقلّده: لدي الآن ألف دينار من مجموع سبعة عشر ألف، وأعطيها لكم بعنوان الخمس، وأنتم أقرضوني هذا المقدار أي الألف دينار. وبعدها يأتي بألف دينار أخرى ويستقرضها أيضاً، وهكذا يستقرض المبلغ كلّه أي سبعة عشر ألف دينار، ويكون هذا المبلغ في ذمّته تجاه مرجع تقليده، ويكون الخمس دَيناً عليه.

قال جماعة من العلماء إنّ هذه المداورة ـ وهي مذكورة في العروة الوثقى، وبإمكان أهل العلم أن يراجعوها ويراجعوا الرسائل العملية أيضاً ـ لا تأتي بأثر إضافي. وعليه يجب أن يعطي هذا المبلغ إلى مرجع تقليده أو غيره إن توفّي مرجع تقليده. وبعض المراجع ومنهم المرحوم الوالد كان يحتاط وجوباً، وكانت له فتيا مضمونها: إن عمل بالمداورة، التي هي غير الخمس، سيكون مديوناً للمرجع الذي كان يقلّده. فقال الوالد لذلك الرجل، هل داورت هذا المبلغ مع السيّد أبو الحسن؟ فقال الرجل نعم. فقال الوالد لا استلم المبلغ منك. وبما إنّ السيد أبو الحسن قد توفي فأنت مديون له، فاذهب وابحث من يطلب السيّد أبو الحسن، وسدّد به ديونه. فأصرّ الرجل على الوالد أن يأخذ المبلغ منه، ولكن الوالد لم يقبل أبداً.

يرفضه وهو بحاجة إليه

لقد كان للوالد النفس الأمّارة بالسوء، وكان الشيطان يسعى إلى إغوائه. ولو انّ الوالد كان قد استلم المبلغ المذكور، فكان يكفيه لإنجاز الكثير والكثير من الأعمال، وكان يفرغ من الكثير من المشاكل المالية، ولسنين عديدة. لكنه يستلم المبلغ، مهما أصرّ عليه الرجل، ولم يك هذا الامر يحتسب عند الوالد من الحرام، ولم يفتى بذلك. إذن أليس بإمكاننا نحن كبار السن أن هكذا نكون؟ أليس بإمكاننا أن نتعلّم؟ وأن يتعلّم الشباب من ذلك الشاب الطالب المتوفّى، ويتعلّم كبار السن من كبار السن ومن مرجع التقليد المتوفّى.

ويمرّ على وفاة السيّد الميرداماد قرابة ستمئة سنة، وعلى وفاة الوالد قرابة مئة سنة. وكل شاب وكبير بالسن لا شكّ أنهما يموتان يوماً ما، فينبغي التعلّم، وشهر رمضان العظيم خير فرصة، بل فرصة جيّدة جدّاً للتعلّم. فمن الأمور الجيّدة بشهر رمضان هو الصوم، الذي يهيّئ المرء قدراً ما ويجعله على استعداد. والثانية أجواء شهر رمضان بالأخص للذين تصوم عوائلهم، سواء كانوا في المدينة أو في حيّ أو في قريّة وريف، فصيام العائلة يكون أمراً مشجّعاً. والأهم من ذلك كلّه، هي الأدعية والزيارات والصلوات الخاصّة بشهر رمضان العظيم، ومنها دعاء أبي حمزة الثمالي، الذي لو يقرأه المرء بتوجّه وانتباه، حتى وإن لم يقرأه كلّه في ليلة واحدة، بل يقرأ صفحة صفحة، ليعرف بماذا يخاطب الله تبارك وتعالى. فلقد كان الإمام زين العابدين صلوات الله عليه يقرأ هذا الدعاء وهو يبكي، وهو الإمام المعصوم الذي لا يذنب، ولا يعمل بالمكروه، ولا يحتمل فيه عمل المكروه، وهذا مدعاة للتعلّم.

تدبّروا بالأدعية

فعلى الذين لا يعرفون معاني اللغات العربية الفصحى الواردة في الأدعية، أن يستعينوا بكتب الأدعية كمفاتيح الجنان وغيرها التي لا أعرف كم هي، التي تتضمّن الترجمة للأدعية أو شرح معانيها، حتى يعرفوا معاني الأدعية، ولكي يعرفوا بماذا يخاطبون الله عزّ وجلّ، وهذا هو المهم، وهذه هي المرحلة الأولى. فقد ذكرت الروايات الشريفة: (حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه)، وهذا الأمر ممكن العمل به في شهر رمضان العظيم، وكذلك في باقي أشهر السنة، ولكن الاستعداد والتهيّؤ لهذه الأدعية في شهر رمضان العظيم هو أكثر وأحسن. فقد قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، ما مضمونه، إنّ الشياطين في شهر رمضان، في غلّ وقيود، أي إنّ قدرتهم على الإغواء في هذا الشهر العظيم، قليلة وأقل.

إذن على الجميع أن يعملوا بهذا الأمر، وليعرف كل واحد مسؤولياته تجاه غيره، أي الكاسب، والموظّف، والرجل والمرأة، والزوجة تجاه زوجها، والزوج تجاه زوجته، وتجاه الأولاد، والأولاد تجاه الوالدين، والحاكم تجاه الشعب، والشعوب تجاه حكوماتهم، وأكابر العائلة وأكابر العشائر، والعشيرة تجاه العشائر، وواجب الزوجة تجاه زوجها، أي يعرفوا الواجبات والمسؤوليات تجاه بعضهم ولا يكتفوا بالمستحبّات والمكروهات. فكل واحد عليه أن يعرف مسؤولياته وواجباته تجاه غيره، وأورع الناس من اجتنب المحرّمات. وترك أيّ واجب يعدّ من الحرام، فيجب ترك كل حرام. ولا شكّ انّه من اللائق والجدير أن يتفكّر المرء بهذا الخصوص ويخطو فيه ولو خطوات معدودة. فالله تعالى لم يجعل الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء أقوى من العقل ومن الأنبياء عليهم السلام. ولأجل أن يمتحن الناس، جعل لهم الحجّة الباطنة وهو العقل، وحجّة ظاهرة وهم الأنبياء عليهم السلام والأئمة صلوات الله عليهم. فالشيطان يسعى إلى إغواء الإنسان من الخارج، والنفس الأمّارة من الداخل والباطن.

وبهذا الخصوص، توجد رواية عميقة المضمون، وسائر الروايات وجميعها عميقة المضامين، وتقول الرواية: أغلق بابك فإنّ الشيطان لا يفتح باباً. فالشيطان خارج النفس، وخارج البيت، فإن كان باب البيت مفتوحاً فسيدخله الشيطان، فعلى الإنسان أن يوصد باب البيت أمام الشيطان، وكذلك باب قلبه، فالشيطان لا يمتلك مفتاح الباب، ولكن إن شاهد الباب مفتوحاً، فسيدخل لا محالة، ليعمل عمله. ولذا يجب غلق الباب، وهذا الأمر عليكم أن تضعوه نصب أعينكم دوماً، واعملوا به شيئاً فشيئاً، وخطوة خطوة، وشهر رمضان العظيم فرصة جيّدة جدّاً، ومناسبة جيّدة جدّاً، لهذا الأمر. وهذه هي القضيّة الأولى.

نشر الإسلام

أما القضيّة الثانية: وهي واجب كفائي، ولكن وحسب الظاهر، لا يوجد من فيه الكفاية، فصارت اليوم من الواجب العيني على الجميع، كل حسب قدرته. بلى ليس بإمكان المرء أن يأتي بالواجبات العينية كلّها، فهو معذور، ولكن يمكنه قدر إمكانه، ومن هذا الواجب هو تبليغ الإسلام ونشره (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ) سورة النساء: الآية 165. فعلى جميع الذين تعلّموا ويعلموا أن يعلّموا غيرهم، من زوجة وزوج، وأب وأم، وأبناء، وأستاذ ومعلّم. أي يعلّموا من لا يعرف ولا يعلم شيئاً عن الاسلام ولا عن الواجبات والإلزامات. ففي يوم القيامة سيحاسب الذين علموا وتعلمّوا ولم يعلّموا غيرهم. كما سيحاسب الذين لم يتعلّموا أيضاً ويُسألوا عن سبب عدم تعلّمهم. فجميع الذين تعلّموا ويعلموا عليهم أن يعلّموا غيرهم، قدر ما يتمكّنوا، لأنّ القدرة من شرائط العامّة، أي قدر ما يمكن ويقدروا عليه.

فيجب تبليغ الإسلام وهداية الناس وإرشادهم، وأقلّه تعليمهم الواجبات والمحرّمات، وذلك عبر جهتين، الأولى التأثير، وهو البلاغ المبين الذي إشار إليه القرآن الكريم، ويعني عدم الاكتفاء بالقول مرّة واحدة فقط. فهل انّ النبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله قال لمشركي مكّة مرّة واحدة: (قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا)، واكتفى؟ وهذا لم أجده في أي كتاب، وهو لا يوجد أصلاً. وسنعلم يوم القيامة كم مرّة وكم ألف مرّة قال صلى الله عليه وآله: (قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا)؟ فقد قال ذلك في المسجد الحرام، ولألوف المرّات كما ذكرت الروايات، فكان يقول لهذا وذاك ولأقاربه، ولغيرهم. ولكل من كان يحتمل في التأثير. وهذا من الواجب. والهدف الآخر من تبليغ الإسلام هو لئلا يكون للناس على الله حجّة، فيجب أن نقول حتى للذين لدينا اليقين بأنّهم لم يعملوا حتى لو قلنا لهم.

الواجب إلقاء الحجّة

كان النبي صلى الله عليه وآله يقول للكل، أي للذين كان موقناً بأنّهم سيعملون، أو كان يحتمل منهم العمل. فقد كتب التاريخ انّ ستة من أعمام النبي رحلوا عن الدنيا وهم من المشركين، فهل كان النبي صلى الله عليه وآله لا يعلم بحالهم؟ كما رحل الكثير من أبناء عمومته وأحفادهم عن الدنيا وهم من المشركين. وذكروا انّ ثلاث من عمّات النبي صلى الله عليه وآله رحلن عن الدنيا وهنّ مشركات، وكل اولئك كانوا في مكّة. وبعضهم توفي قبل النبي صلى الله عليه وآله وقبل الإسلام، وبعضهم في الإسلام.

فالتبليغ هو لأجل التأثير ولأجل أن يعمل به غيرنا، أو لأجل أن لا تكون الحجّة لأحد على الله، فيقول إلهي لم أعلم ولم يخطر على بالي، وكنت قاصراً. ففي القرآن الكريم والروايات الشريفة، أنّ الله تعالى يسأل جميع الأنبياء: كيف بلّغتم؟ بلى انّه جلّ وعلا يعلم بذلك، ويعلم بحال أنبيائه وأنّهم لم يتخلّفوا عن التبليغ، ولكن هذا السؤال والاستفهام هو لغيرهم، أي للذين سمعوا وعلموا ولكن لم يعملوا. فالله تعالى يعلم انّ نبيّه عيسى عليه السلام لم يقل اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله، ولكنه جلّ وعلا يسأله يوم القيامة: (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ) سورة المائدة: الآية116؟ وهل أنت ياعيسى قلت للناس انّه يوجد ثلاثة آلهة وهم الله وعيسى وأمّه أي مريم؟ فالله تعالى يعلم انّ عيسى لم يقل بذلك، فلماذا يسأله؟ والجواب انهّ تعالى يسأله ليعلم الذين اتّبعوا النبي عيسى عليه السلام واتخذوا آلهة ثلاثة، لتتم الحجّة عليهم. وهكذا الأمر بالنسبة لأعمام النبي صلى الله عليه وآله، كأبي لهب، فالنبي صلى الله عليه وآله كان يعلم انّ ما يقوله لا يؤثر على أبي لهب وهو من أعمامه كما لم يؤثّر كلامه على أبي جهل، ولكنه صلى الله عليه وآله قال له ليتمّ الحجّة عليه. أي يجب أن تتمّ الحجّة على الجميع. ونحن معذورون قصوراً ولا تقصيراً، بالنسبة لما لا نقدر عليه، أو لما لا نتمكّن عليه ومنه، أو لما لا يخطر على أذهاننا، وإلاّ سنكون غير معذورين.

وسائل التبليغ

فيمكننا اليوم أن نبلّغ الإسلام عبر اللسان، والتأليف والكتابة، وأن نقوم بهداية الآخرين وإرشادهم، فردياً أو جماعة، عبر المنبر، وعبر القنوات الفضائية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذي هو اليوم بين يدي أكثر الشباب. فاليوم، أكثرنا يعرف ويدري، أكثر من السابق، انّهم يتّهمون الله عزّ وجلّ اليوم في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات لأهل الضلال والفساد، وهي اليوم أكثر من السابق في دنيا اليوم. فمن يتصدّى للدفاع عن الله تعالى؟ ومن يتصدّى للشبهات التي تروّج اليوم أكثر وأكثر من السابق؟ ومن يدافع؟ أليس من مسؤوليات الحوزات والجامعات ومن مسؤولية الكسبة وغيرهم، كل حسب قدرته؟

كما انّ الإسلام متهم في دنيا اليوم، حتى في الدول الإسلامية. فمن يتصدّى لمهمة إرشاد الشباب الذين ولّوا وجوههم عن الإسلام؟ وهذا واجب كفائي، ولكن لا يوجد من فيه الكفاية. فيجب على كل من يقدر، أن يتعلّم ما يريد قوله وكيف يقول، أي بالبلاغ المبين. فالإبلاغ لا يكفي لوحده. فأنا شخصيّاً شاهدت في مسيري ذات يوم بعض السافرات كنّ جالسات في مكان ما، وكان يتقدّمني في المشي أحد الأشخاص، فتقرّب إليهنّ، وكن يتحدّثن مع بعضهنّ، وكنت بعيداً عن ذلك عدّة أمتار، فظن الشخص انّه يقوم بالتبليغ، فتوجّه إلى تلك السافرات وقال لهنّ بعنف: أنتنّ تقمن بعمل حرام، وتركهنّ بسرعة. ولم يعرف من تلك النساء ما قاله الرجل إلاّ واحدة منهنّ، وتكلّمت عليه بكلمة فحش. فهل ما قام به ذلك الشخص هو من البلاغ المبين؟ كلا وكلا، فلا يكفي البلاغ لوحده، بل يجب بالبلاغ المبين، قدر الإمكان. فالقصور غير التقصير، ولا تكليف عليه إن كان قاصراً. ولكن كل فرد له القدرة الكثيرة على أن يقوم بالتبليغ، وبالأخص الشباب الأعزاء والغيارى، في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، الذين بإمكانهم أن يقوموا بكثير من الأعمال. ولنعلم انّه ليس من الضروري أن يؤثّر التبليغ والقول لمرّة واحدة، بل لعلّه يتطلّب القول والتبليغ، لمئات المرات، حتى يؤتي أكله. ومن الواجب أن يقول المرء قوله مئات المرّات، فإنّه من الواجب الكفائي، لئلا يكون للناس على الله حجّة، ولكن في حال عدم وجود من فيه الكفاية يصبح من الواجب العيني.

وجوب الدفاع عن المقدّسات

كما إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله متهم في دنيا اليوم. فكلكم قد سمع بحوادث حرق المصحف الشريف، ورسم الصور المسيئة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله، ومن المؤسف انّ جذور هذه الممارسات كلها من بني أمية وبني العباس، فهؤلاء هم الذين بدؤا بها ونراها في دنيا اليوم. فاولئك اتّهموا الله تعالى، كما نرى في الكتب وببعض كتب العامّة اتّهامهم للإسلام. فقد اتّهموا نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، واتّهموا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أيضاً.

إذن أليس من الواجب الدفاع عن الإمام صلوات الله عليه في دنيا اليوم؟ مع انّه صلوات الله عليه له الكثير والملايين من الأتباع. ولكن نرى اليوم إثارة الكثير من الشبهات. ففي زمن النبي صلى الله عليه وآله، كان الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فلماذا لا نرى هذه الحالة اليوم؟ مع انّ أيدينا مفتوحة للعمل أكثر.

لقد كتبوا عن خطبة الغدير للنبي صلى الله عليه وآله، أنّه حضرها مئة وعشرون ألف، ولم يك من المتعارف أن يتكلّم النبي صلى الله عليه وآله بصوت عال، بل كان يتكلّم بما هو المتعارف عنه صلى الله عليه وآله، فكم من أولئك النفر قد سمعوا كلامه صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير؟ أحدهم قال مئة، وآخر قال ألف، وثالث قال خمسة أو عشرة آلاف. وكيف سمع الباقون؟ وكتبوا انّ بعض الأفراد قد انتشروا بين الحضور، فكانوا ينقلون ما يسمعونه من النبي إلى الباقين بصوت عال أو مرتفع، حيث كان الأول ينقل للثاني والثاني للثالث، وهكذا. وهذا ما رأيت أنا شخصياً مثله في الصحن الحسيني الشريف في مدينة كربلاء المقدّسة، في يوم عيد الفطر بصلاة العيد وكذلك في يوم عيد الأضحى بصلاته. ففي حينها لم تك متوفرة مكبّرات الصوت، وعند أداء صلاة العيد، كان قرابة خمسة أو ستة أشخاص، يقفون وسط الصحن، وكانوا يوصلون صوت قارئ القنوت إلى الآخرين في أطراف الصحن الأربعة. وبعض الأشخاص كانوا في وسط الناس، وبعضهم على المنابر وبعضهم على مكان مرتفع، وكانوا يقرؤون القنوت حتى يقرأه معه من لا يعرف القنوت، فكيف بزمن النبي صلى الله عليه وآله. فالبيان يجب أن يصل وببلاغ مبين.

من أسباب التهم والتهجّم

لماذا يتّهمون النبي صلى الله عليه وآله في دنيا اليوم؟ ومن الذي يتهمه؟ وبماذا يتهمونه؟ وبماذا يتهمون الإسلام؟ وبماذا يتهمون القرآن؟ فالقرآن كلامه واضح وصريح، ولكن لا يعمل به مع الأسف الشديد، بل يعملون بعكس ما في القرآن. فغير المسلمين من أين يأخذون الاسلام؟ إنّهم ينظرون إلى الدول الإسلامية وإلى ممارسات وأعمال حكوماتها، ويجعلونها الملاك والمعيار.

لكن في حكومة النبي صلى الله عليه وآله التي دامت عشر سنوات، وكذلك في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي استمرّت لخمس سنوات وامتدّت رقعتها إلى قرابة نصف المعمورة، لا نجد في هاتين الحكومتين حتى حالة إعدام سياسي واحدة، ولا سجين سياسي واحد. فهل دنيا اليوم تعلم بهذه الحقائق؟ فغير المسلمين بدنيا اليوم ينظرون إلى الدول الإسلامية. ففي العراق مثلاً، وفي غضون عقد واحد، حدث خمس انقلابات، وأنا شخصياً شهدتها، من سنة 58 إلى 68 للميلاد، وبشكل دقيق في غضون إحدى عشر سنة، وكان في شهر تموز سنة 58 أي في وسط السنة. وأنا شهدت تلك الانقلابات والقصص التي سردت عنها وما كتبته الصحف والجرائد، والله يعلم كم وكم ألوف من الناس تم إعدامهم. فاقرؤوا ما كتبته الصحف عن تلك الحقبة الزمنية حتى تعرفوا عنها الأكثر، فالكثير من الحوادث والأمور لم تكتبها الصحف في وقتها بل كتبت فيما بعد.

فالعراق هو بلد إسلامي، وهو بلد إسلامي حتى في تلك السنين، فهل الذين قاموا بالانقلاب كانوا من غير العراق؟ فمن يوصل للناس في دنيا اليوم ويعرّفهم على أنّه لم يك في حكومتي نبيّ الإسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما حتى إعدام سياسي واحد. أليس هذا من الواجب؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الواجب؟ أليس على الجميع؟ فالكل مكلّفون، وعلى الجميع أن يعرفوا هذه الأمور والحقائق. فلا معنى له أن يقول المرء إنّي أتعلّم ما هو أو ما هي محلّ الابتلاء لي وللآخرين. فالأمر الذي هو من الواجب، يجب على الأنسان أن يعرفهه ويؤدّيه، ولا فرق في الواجبات. فيجب العمل بالواجب ببلاغ مبين، بأن يتعلّم ويعرف ما الذي يريد إيصاله وتعريفه، وكيف؟

من فضائح مجتمع حكم معاوية

أرسل معاوية شخص إلى العراق، وقال له اذهب إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، واسأل منه عن فلان القضية، ولا تذكر له بأنني قد أرسلتك إليه. وكانت القضية هي فساد عائلي وقع في الشام، ولم يك معاوية يتحرّج في ذلك، بل كان يخاف أن يحكم بحكم حول تلك القضية، وربما تصل إلى الإمام علي عليه السلام فيحكم عليها وفق الشرع والصحيح، أي بخلاف ما حكم عليها معاوية، فيفتضح أمر الأخير. فقال معاوية للرسول: اسأل من علي عن هذه القضية، ولا تخبره بأنّها منّي. وكانت الشام حينها تحت سلطة معاوية، أي خارج حكومة الإمام علي عليه السلام التي امتدت على رقعة كبيرة من المعمورة وتضمّنت العشرات من الدول الإسلامية. فجاء الشخص وسأل الإمام عنها. وهذه مذكورة في موسوعة بحار الأنوار وغيرها من الكتب. فقال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: هذا ليس بأرضنا. أي إنّ تلك القضية لم تحدث ولم تقع في رقعة حكومتي أصلاً. وبعدها افتضح أمر السؤال بأنّه من معاوية. فكم من مثل هذه القضية والحوادث حصلت ووقعت وحدثت، في ذلك الوقت، وفي الدول الإسلامية؟ هل هي بالألوف أو بالملايين؟ ولماذا لم تقع في زمن وحكومة الإمام امير المؤمنين صلوات الله عليه؟

مسؤوليات وخصائص إمام المسلمين

بلى لم يك في حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتى فتاة عزباء واحدة، فابحثوا أنتم عن هذا الأمر في التاريخ. ولم يك حتى شاب أعزب واحد، ولم يك غير متزوّج وغير متزوّجة بسبب الفقر أو عدم القدرة المالية. فقد كان إمام المسلمين وهو أمير المؤمنين صلوات الله عليه يؤمّن لهم كل تلك الأمور، وبعضها كان يؤمّنها لهم بالدَين والاستدانة.

مثل تلك الأمور نقلتها الكتب والروايات في البحار وغيرها، ومنها انّه استشهد الإمام امير المؤمنين صلوات الله عليه وكان مديوناً. وتكفّل الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه بأداء ديون الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما. فهل إنّ الديون التي كانت على الإمام عليّ صلوات الله عليه كانت لقصر فخم بناه له؟ فلا بد للدنيا اليوم أن تعرف مثل هذه الأمور عن الإمام علي عليه السلام. فمن يقوم بهذا الأمر؟ ومتى؟ أليس الوسائل متوفرة اليوم، وأقلّها وأبسطها مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية. فإذا لم تصل إلى الدنيا اليوم، فمتى تصل؟

لقد كتبوا في تاريخ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إنّ حكومته خلت حتى من فقير واحد مات بسبب الفقر أو الجوع. وقد قال الإمام صلوات الله عليه بنفسه: (ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع). لأنّ الفقير والجائع كان يحصل على ما يرفع فقره وجوعه، عبر إمام المسلمين أو عبر غيره.

إمام المسلمين مسؤول عن كل شيء

بعد انكسار أهل الجمل في حرب البصرة التي بدؤوا هم بها وفرضوها على الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فرّ الكثير منهم، وفي طريق فرارهم صادفوا امرأة حامل فخافت منهم وسقطت على الأرض ميّتة هي وجنيها، فوصل خبرها إلى الامام، فأعطى الإمام صلوات الله عليه ديتها ودية جنينها لأنّه كان هو الحاكم الإسلامي. في حين انّ المرأة قد ماتت بسبب أصحاب الجمل وليس من قبل أصحاب الإمام عليه السلام. فإمام المسلمين مسؤول عن كل شيء، وهذا ما يجب أن تعرفه الدنيا اليوم. وشهر رمضان العظيم أفضل فرصة لإيصال الحقائق وتعريفها للناس، التي تكون بعض الأحيان واجبة ومسؤولية.

من روائع تعامل النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله

وصيّتان مهمتان أوصي بها الجميع، وبالخصوص الشباب المسلم والغيور في الدول غير الإسلامية، إحداها قصة حاطب بن أبي بلتعة، والثانية قصة رأس المنافقين ابن اُبي. وهذه مذكورة في جميع كتب التفاسير للقرآن الكريم لدى كافّة المسلمين، حيث ذكرها القرآن الكريم، فذكرتها كل كتب الحديث للمسلمين من كافّة المذاهب، ولها ارتباط بنيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وهي من تاريخ النبيّ صلى الله عليه وآله. وهنا لا أود أن أذكر القصّة بتفاصيلها، فمن لم يعرفها، ومنهم الشباب الأعزاء، عليهم أن يراجعوا بأنفسهم كتب التفاسير والتواريخ والأحاديث ليعرفوها، أو يسألوا عنها. فقد قال القرآن الكريم: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) سورة التوبة: الآية84. فما الذي أراد أن يفعله ابن اُبي؟

لقد أراد ابن اُبي أن يقوم بمؤامرة وبقلب نظام الحكم، مثل ما حصل في العراق، واتّهموا بعض الأشخاص بها وأعدموهم لأجلها. فأعلن ابن اُبي عن المؤامرة بالعلن، ولكن لم يتعرّض له النبي صلى الله عليه وآله حتى بكلمة واحدة، ولم يصدر بحقّه حكم الاعتقال والسجن أو التعذيب أو الاعدام، ولا حتى طلب التوبة منه. ففي أيّة دولة من دول العالم اليوم تجدون مثل ما قام به نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، حتى في الدول التي هي أكثر حرية في عالم اليوم، وهذا ما يجب أن تعرفه الدنيا. فعلى الدنيا أن تعرف إنسانية النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله التي كانت أكثر من الانسانية حتى بالنسبة لمن كان يتآمر ضدّه وعليه وينوي قلب نظام الحكم عليه.

بلى، هكذا هو عقل نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وإنسانيته، وهكذا هي حكومته صلى الله عليه وآله. فكم من الناس بدنيا اليوم يعرفون مثل هذه الأمور؟ هل عشرة بالمئة منهم يعرفونها؟ أو أقل أو أكثر؟ بل ومن المؤسف انّه حتى الكثير من المسلمين لا يعرفونها. فعلى الشباب الأعزاء في الدول غير الإسلامية أن يقوموا بتعريف هذه الحقائق، عبر القنوات الفضائية وعبر المجلاّت والخطابة أو بعرض التاريخ، وعبر الكتابة والتأليف، وعبر ما ذكرته الكتب، ومنها قصة حاطب بن أبي بلتعة.

كان حاطب بن أبي بلتعة من المشركين الذين أسلموا على يد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان في المدينة المنوّرة مع النبيّ صلى الله عليه وآله، وكان له أقرباء في مكّة المكرّمة وكانوا من المشركين، كمجموعة أخرى من المسلمين في المدينة المنوّرة الذي لهم أقرباء مشركون في مكّة. وبعد مضي سنوات عن بقاء رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، وإثارة مشركي مكّة الحروب على رسول الله صلى الله عليه وآله، الواحدة تلو الأخرى، في بدر واُحد وحنين وغيرها وغيرها، وقيام النبيّ صلى الله عليه وآله بالدفاع في كل جميع تلك الحروب، وانتصاره فيها، وانكسار المشركين، تعب المشركون قبيل فتح مكّة المكرّمة، ولم يثيروا بعد حرباً على رسول الله صلى الله عليه وآله، على الأقلّ من مكّة، وإن كانوا يثيرون اليهود والذين كانوا في أطراف المدينة المنوّرة من غيرهم أيضاً وبعض قبائل المشركين في خارج مكّة.

جاسوس وجاسوسة

ومضت فترة ليست بالقصيرة ولم يكن للمشركين في مكّة علم بما يقوم به رسول الله صلى الله عليه وآله للمستقبل. فجاؤوا إلى بعض أقرباء حاطب بن أبي بلتعة في مكّة، وطلبوا منهم أن يكتبوا إلى حاطب ليكتب لهم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وأنّه ماذا يصنع وماذا يريد. فكتبوا إلى حاطب باعتباره في المدينة المنوّرة وعند رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعثوا الرسالة مع امرأة مشركة وكانت مغنّية ومعروفة في ذلك الوقت بمكّة بما لا يحمد وكان اسمها سارة، وأعطوها الرسالة.

جاءت سارة بالرسالة إلى المدينة وأوصلتها لحاطب، فكتب الأخير في جواب الرسالة للمشركين كلمات وهي انّ النبيّ يريدكم فخذوا حذركم. وأعطى الرسالة إلى سارة لتذهب بها إلى المشركين في مكّة. ومنذ قبل يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله كل شيء بإذن الله عزّ وجلّ، ولكن لم تك من عادة المعصومين صلوات الله عليهم أن يظهروا علمهم الواقعي غالباً إلاّ نادراً.

وكانت سارة قد جاءت إلى المدينة وفي الطريق التقت برسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لها: هل جئت مؤمنة؟ أي هل آمنت وأسلمت وتركت مكّة؟ قالت لا. فقال لها هل جئت مهاجرة؟ قالت لا، فقال لها فما الذي جاء بك. فلم تقل بأنّها تحمل رسالة إلى حاطب من المشركين بل قالت جئت من الفقر إلى المدينة. فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال لها كلمة تدلّ على ما لاتحمد عليها سارة في مكّة. ولكن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يعطوا لسارة ركوب وأموال وملابس، وهي حاملة لرسالة فيها كشف الأسرار الحربية في وقت الحرب. فلم تك هناك هدنة بين رسول الله صلى الله عليه وآله والمشركين. فالمشركون لم يتركوا رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن في ذلك الوقت لا يملكون أن يثيروا حرباً أخرى على رسول الله صلى الله عليه وآله.

النبيّ يفضح التجسّس

وذكرت كتب التفاسير والأحاديث والتواريخ، انّ حاطب أعطى سارة عشرة دنانير من ذهب، وأوصاها بأن تتنكّب الجادة، أي الطريق المعروف بين المدينة ومكّة، وأن تسلك طريقاً آخراً غير معروف، حتى لا ينكشف أمرها. فسلكت سارة طريقاً غير مألوف، وبعد مدّة أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع جماعة آخرين من الأصحاب وكان فيهم الزبير والمقداد، وأخبرهم بأنّ سارة تحمل رسالة من حاطب إلى المشركين في مكّة فاذهبوا إليها وستجدونها في فلان المنطقة، وخذوا الرسالة منها وأتوني بها. فذهب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومن معه إلى سارة، والتقوا بها وهي تذهب مسرعة إلى مكّة، فأوقفوها وطلبوا منها أن تخرج الرسالة، فنكرت ذلك. وكلما قالوا لها أخرجي الرسالة أنكرت أشدّ الإنكار. فطلب بعض الأصحاب منها أن تنزل، فنزلت وفتّشوها وفتشّوها ما على راحلتها فلم يجدوا شيئاً، فقالوا لأمير المؤمنين صلوات الله عليه لنرجع فلم نجد عندها شيئاً. فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يقول شيئاً خلاف الواقع، فقطعاً معها رسالة. فجاء الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى سارة وتكلّم معها بشدّة، فقالت تنحّوا عنّي، فانعزلت في أمتار، وفتحت غطاء رأسها وأخرجت الرسالة من داخل شعر رأسها وأعطتها للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

العفو عن الجاسوس!

إنّ سارة كانت جاسوسة مشركة حملت أسرار الحرب في وقت الحرب، من جاسوس مسلم كان في داخل المسلمين وكشف أسرار الحرب إلى المحاربين المشركين، في مكّة، ولكن ومع علمه بذلك لم يصنع رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً سلبياً مع سارة، ولم يصنع مثله مع حاطب بن أبي بلتعة ولم يقتله، بالرغم من انّ بعض المسلمين اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وآله قتله. ولكن وعلى العرف المعروف في ذلك الزمان، لم يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله حاطب ولم يسجنه ولم يعذّبه ولم يأذن بشيء سلبي بالنسبة إليه ولم يصادر أمواله. أليس هذا التعامل من الإنسانية؟ بل وأفضل وأرقى من الإنسانية؟ وهل لا يهتز ضمير البشرية لمثل هذا التعامل من نبي الإسلام صلى الله عليه وآله؟ ومن الذي يوصل مثل هذه الحقائق إلى الدنيا؟

كونوا على يقين، لو انّ الدنيا تعرف هذه الحقائق، ويعرفها غير المسلمين، عبر ما هو مذكور في القصتين أعلاه فقط، فسترون دخول الكثير من الناس في دين الله أفواجاً وأفواجاً، وخلال بضع سنين، وهذه مسؤولية الجميع والكل، كل حسب قدرته وحسب استطاعته وقدر ما يتمكّن.

الواجب بشهر رمضان العظيم

إذن، ما يجب العمل به في شهر رمضان العظيم، تربية النفس إلى مستوى تزكيتها، وبمستوى الورع الذي له مراتب رفيعة. والثاني تبليغ الإسلام ونشره. أي الاسلام الحقيقي، لا إسلام الصلاة والحجّ والصيام وغيرها الذي كان في زمن بني أمية وبني العباس. فعن هذا النوع من الإسلام كتبت العديد والعديد من كتب التاريخ، وهي ليست بالعشرة ولا بالعشرين، كتبت الألوف والألوف من الممارسات الظالمة التي وقعت في الدول الإسلامية بزمن اولئك. فاولئك كانوا يسملون أعين الناس وهم أحياء، وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكتبه في إحدى رسائله إلى معاوية، حيث كتب له انّك تسمل عيون الناس. وسمل العيون تتم بإحماء حديدة أو سيف، ويقرّبونها من عين الضحية بعد تقييده وتكتيفه حتى لا يمكنه الحركة، ثم يخرجون بها عين الضحيّة. وهذه الممارسات كانت تحدث في دول تسمى بالإسلامية، وكانت تقام فيها صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة، وكان إمامهم أمثال معاوية ويزيد. فكم سملوا من العيون في زمن بني أمية وبني العباس؟ ومن الذين كانوا ضحايا هذا التعذيب؟ لقد كان الضحايا من كانت له مشكلة سياسية فقط مع بني أميّة وبني العباس، الذين شوّهوا صورة الإسلام. ومثل هذه الممارسات حدثت في زمان هشام بن عبد الملك، الذي أمر بسمل عين أحد الشيعة، وكذلك حدثت في زمن المتوكّل العباسي ومن قبله في زمن هارون والمأمون، ومعاوية ويزيد ومروان وبنيه. وهذا النوع من الإسلام هو الذي تعرفه الدنيا، لا الإسلام الحقيقي.

إذن على الجميع، ومن الواجب العيني، لا الكفائي، أن يقوموا بمسؤولياتهم بهذا الخصوص، ويعملوا على رفع التهمة والاتهام عن الإسلام الحقيقي وعن القرآن الكريم، وعن نبيّ الإسلام والأئمة الهداة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، لأنّه لا يوجد اليوم من فيه الكفاية.

أسال الله تبارك وتعالى أن يوفّق الجميع للأمرين اللذين مرّ ذكرهما، أكثر وأكثر، وأن يمنّ بالتوفيق على من لم يحظ به. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

اضف تعليق