q
ضرورة العمل على توفير الاحتياجات الحياتية بالممكن البسيط لان السعادة ليست في قصور ولا سيارات ولا دخول مطاعم فخمة اطلاقاً ولا ملابس مرتفعة الاثمان، ومن الحكمة ان يقتصد الانسان في انفاقه على ما يزيد عن حاجته الفعلية لان قد يواجه يوماً ما ابتلاء او كرب او ضائقة مالية...

تشبح اعين الكثير من البشر صوب تحقيق حياة على مستوى عال من الرفاهية التي يعتقدون انها صانعة للراحة والامن النفسي والاستقرار، ومن اجل ذلك يرهقون أنفسهم بجد وجهد عاليين املاً في الوصول الى الحالة المثالية من العيش او العيش بما يلائم متطلبات العصر كما هو التبرير الشائع، سيما ان الحياة البشرية في تطور او فلنقل في تغير مستمر وكل تغير يحصل يرافقه تزايد في الحاجات، فحاجات الانسان اليوم ليس ذات حاجاته قبل 20 عام مثلاً، وتوسع حاجات الانسان يعني بالضرورة ارتفاع مستوى رفاهيته وترفه.

قد عرف الترف بأنّه البطر في النعمة، وتجاوز حد الإعتدال فيها للوصول للملذات والملهيات، وعرف ايضاً بأنّه المغالاة في النعمة والإكثار من الترفيه وزيادة الملذات من الأكل والشرب والملبس والمسكن وغيرها، والذي يكرس في سبيله الكثير من الجهد ويقتل الكثير من الوقت سيما لدى من ترتفع سقف احلامه، وفي حالات كثير لن يبلغ الترف وحينها سيصاب بالاحباط والضجر وكره الحياة.

واذاما اتفقنا ان الترف هو ما يزيد عن حاجات الفرد الأساسية فالإنسان الحديث (الذي يعيش في العصر الحديث) يعيش على كم هائل من أمور الترف المرهقة، ويختلف مفهوم الترف ومحدداته بين مجتمع واخر فما ينظر اليه على انه ترف في مجتمع معين ينظر اليه بأنه حاجة ضرورية لاستمرار الانسان في مجتمع اخر.

واذا عاش الانسان حياة مترفة وان كان عن طريق الصدفة فأنه يتعود على هذه الحالة وان كان في خياله، وقد تنتقل مجتمعات معينة من مجتمعات حاجة لمجتمعات ترف، والعكس ممكن، وتبرير الترف بأنه حاجة ارتبطت بالتركيبة الاجتماعية فعلى سبيل المثال يجمع أعضاء العشيرة المال ليقيموا وليمة فخمة او شراء سيارة فارهة وبأثمان عالية جداً بداعي انه شيخهم بحاجة الى مثل هذه السيارة لأنه يمثل وجه العشيرة ويعكس وضعهم الاقتصادي وصورتهم للأخرين، وهذا الترف المحرم الذي يعيشه سياسيونا الذين يبنون القصور وينعمون بثرواتنا ونحن نيام ما كان لو كانوا يعرفون حدودهم وقيمتهم.

الكائن الوحيد الذي يتحكر الرفاهية وينفرد في كونه مستهلك اكثر مما هو منتج واكثر ما يحتاج فعلياً هو الانسان، وهو الوحيد الذي تجده في احيان كثيرة يمارس كل الرذائل والموبقات والحيوانية من اجل الوصول اليها، فقد يقتني الانسان اشياء ومستلزمات ليس لهم فيها حاجة ملحة او حقيقية كما يمكن ان يسلكون سلوكيات ملتوية للحصول على راحتهم بل للتظاهر امام المجتمع انهم أنهم مرفهين ومترفين وهذا خلاف طبيعة الانسان وفطرته السليمة مما يؤشر وجود خلل في السلوك الانساني ونشوز عنه، وفي هذا الاطار علماء علم الاجتماع النفسي يرون أن نظرة المجتمع الخاصة وتصوراته هي المحدد الرئيس لحاجاته المادية والمعنوية الفائضة عن حاجاته الأساسية للبقاء من طعام أساسي ومسكن بسيط كما هو قائم الان في مجتمعنا.

جميعنا نتفق اننا نختلق في مجتمعنا حاجات ومتطلبات وهمية ونغلفها بغلاف الحاجة الماسة على الرغم من عدم وجود اصل لها فيما سبق من الازمنة، فالتظاهر بارتداء الملابس ذات العلامات الفاخرة والمسامات (ماركات او براند) والتفاخر بالسيارات الحديثة وحتى الجلوس في مطاعم ذات سمعة عالية لغرض اشباع النقص الداخلي فينا والدليل بمجرد الدخول الى اماكن جميلة يشرع الغالب في التقاط صور السيلفي ونشرها في مواقع التواصل كونهم يشعرون ان مثل دخول هذه الاماكن سيعطيهم مكانة مجتمعية مثلاً.

من اكثر سلبيات الترف على المجتمع هي: انه اصبح قسيم ابناءه فكون فريق من المترفين واخر من الكادحين، وحين يرى الفقراء غير القانعين وغير الواعين نوع الحياة التي يحياها المترفون سيتحفزون الى الوصول الى حياة مماثلة ولو على حساب كرامتهم والتزاماتهم الاخلاقية والشرعية والقيمية، او انهم حين يعجزون عن الوصول الى حالة الترف سيتحولون الى اناس حانقين على المجتمع وناقمين عليه بأي وسيلة او أي اداة اصبحت في متناولهم وكثير من الجرائم التي تحصل يوميا ربما هدفها الحصول على المال الذي سيوفر كل شيء فيما بعد حسب اعتقادهم.

والمترفين تجدهم اكثر الناس ابتعاداً عن المجتمع والشعور بحاجات الناس وآلامهم وابعدهم عن مد يد العون للمعوزين والفقراء والايتام اللذين يملئون الارض لانهم في الغالب يعيشون في اجواء مختلفة عن تلك الاجواء التي يعيشها غالبية المجتمع وبذا فقدوا ادميتهم وانسانيتهم وهذا اسوء ما يصيب الانسان ويقتله وهو على قيد الحياة.

في الختام نوصي بعدد من التوصيات التي تجعل من الانسان سعيداً الى حدما ويشعر بالارتياح النفسي ومنها ضرورة العمل على توفير الاحتياجات الحياتية بالممكن البسيط لان السعادة ليست في قصور ولا سيارات ولا دخول مطاعم فخمة اطلاقاً ولا ملابس مرتفعة الاثمان، ومن الحكمة ان يقتصد الانسان في انفاقه على ما يزيد عن حاجته الفعلية لان قد يواجه يوماً ما ابتلاء او كرب او ضائقة مالية قد تستنزف منه ثروته التي استزف كل قواه في سبيل جمعها، وبذا يمكنه إعادة التوازن لجوانب المجتمع الاجتماعية والنفسية له.

اضف تعليق