q
لابد ان نسلم بوجود الخوف في حياتنا بصورة عامة والخوف من المجهول او المستقبل في شعورنا أحد انواعه، وهذا الخوف احياناً مبرر واخرى غير مبرر، وقد يلازمنا في مختلف مرحل حياتنا او اكثرها، فالأصوات الاولى التي يسمعها الطفل تمثل له خوف من شيء يجهله بعدها يخشى الظواهر...

لابد ان نسلم بوجود الخوف في حياتنا بصورة عامة والخوف من المجهول او المستقبل في شعورنا احد انواعه، وهذا الخوف احياناً مبرر واخرى غير مبرر، وقد يلازمنا في مختلف مرحل حياتنا او اكثرها، فالأصوات الاولى التي يسمعها الطفل تمثل له خوف من شيء يجهله بعدها يخشى الظواهر الكونية كالبرق والرعد وغيرها لأنه عاجز عن تفسيرها، وبعد دخول عالم الروضة او المدرسة يصبح خوفه من الاختبارات المدرسية وان كانت بسيطة، وتمر السنوات ليصبح الخوف من المجهول يتمثل في ارتباكه في اتخاذ قرار الكلية التي سوف يلتحق بها وماذا سيؤول اليه مستقبله بعد التخرج وكيف سيجد وظيفة وكيف يختار شريك الحياة المناسب اجتماعياً وفكرياً، من ثم يبدأ الخوف على مصير الاطفال والبحث عن سبل الحياة الكريمة لهم، ويستمر الحال وصولاً الخوف من المرض وفراق الأحباب وأشياء أخرى عديدة.

وهذا النوع من الخوف في حدوده الطبيعية صحي جداً وأن أصبحنا قادرين على تجاوزه سيصبح مجرد شعور طبيعي الا اذا تحول الى نوبات هلع يؤدى بنا إلى مشاعر متضاربة من الحيرة والتردد والقلق والفشل في اتخاذ القرارات المستقبلية المعقدة وحتى البسيطة حينها يصبح مرض نفسي يسترعي الوقوف عليه وعلى مسبباته وعلاجه.

نحن البشر فضوليين وعدم المعرفة بالنسبة الينا امر غير مرغوب مطلقاً ودائماً نحبذ أن نكون على دراية بكل ما يحدث وما قد يحدث اضافة الى الآثار البعيدة المدى لتصرفاتنا الحالية وأدمغتنا مدفوعة للتنبؤ بالمستقبل وفهمنا للعالم يتولد بالمزج بين ذكرياتنا عن الماضي والمعلومات التي ترفدنا بها الحواس الآن لكي نتمكن من تخمين النتائج على النحو الأمثل.

استاذ علم النفس في جامعة سان مورس ليفربول في بريطانيا الدكتور (بنيامين روسر) يقول: "إنها حالة يخلّفها اللا يقين، فأن كنت في وضع يشعرك بأن شيئا سيئا على وشك الوقوع، فإنك تعرف ما سيحدث وسيكون بوسعك التفكير بطرق للتعامل مع الأمر أما إن كنت في وضع حيث المصير ضبابي ومبهم فإنك ستكون في حالة ذهنية متأهبة دون القدرة على التحضر بشكل تام لأي نتيجة كانت سلبية أم إيجابية"، فعلي سبيل المثال نشعر بالراحة الكبيرة بعد قرار اقالتنا من منصب معين بالمقارنة بالفترة التي تسبقها والتي يتم فيها تسريب اخبار الاقالة او التلويح بها.

حالة اللا يقين هذه تبدو مزعجة الى الحد الذي يجعل الناس يفضلون التعرض الى صعقة كهربائية بدل ان يبقون ينتظرون احتمالية تعرضهم للصعقة، وهذه هي النتيجة التي توصل اليها باحثون بجامعة لندن عندما جعلوا مجموعة من الأشخاص يمارسون لعبة إلكترونية تختبئ فيها الأفاعي خلف صخور معينة وفي كل مرة يجدون فيها المشاركون أفعى كانوا يتلقون صعقة كهربائية خفيفة لاحقا ليقوم الحاسوب بقياس مستوى اللا يقين باستخدام تخمينات اللاعبين واستجابتهم للتوتر بناء على كمية التعرق وحجم بؤبؤ العين، وقد تبين ان المشاركين في اللعبة كانوا أكثر توترا عندما لا يعلمون إن كانت هناك صعقة كهربائية عما اذا كان عليه الأمر عندما يصبحوا واثقين كليا من إمكانية تعرضهم لها.

السبيل الى التعامل مع هذه الهواجس والسيطرة عليها هو معرفة اسبابها التي تؤدي بنا بدورها إلى دوامة من الخوف وهي: اولا قد يكون الخوف من المجهول بسبب الخوف من فقدان شخص او خسارة مال او عدم التوفيق في مشروع ما وهو ما يدفع الفرد إلى عدم اتخاذ أي خطوة تجاه هذا المشروع، واحياناً يكون الخوف منبعه التركيز على تجارب الاخرين غير الموفقة والمقارنة بها والخوف من تكرارها، كما ان ضعف ثقة الانسان بخالقه الى الحد الذي يجعله يعتمد عليه بصورة كاملة يشكل سبباً اخر من اسباب وجود الخوف من المجهول، ومن ثم ضعف ثقته بنفسه هي الاخرى من تعرقل تجاوزه الازمة.

ثمة استراتيجيات تساعدنا على التصدي لنوبات اللا يقين التي تسيطر على حياتنا وتمكننا من بناء قدراتنا على التكيف مع الارهاصات، اذا ما اتفقنا على عدم وجود شيء مؤكد لكن بوسعنا جميعا أن نتعلم كيف نجتاز متاهة الحياة بصورة أفضل ونفلت منها بلا ندوب وهي: ثقة الانسان بخالقه وحسن الضن بأنه لن يتركه يعاني مشقات الحياة وانه لن يثقل كاهله بما لا يستطع عليه صبرا هي اولى الخطوات نحو تقويض هذا الخوف، بعدها يأتي دور ثقة الانسان بنفسه وامكاناته التي تساعده في تخطي المصاعب ان حصلت وهذه الثقة يجب أن تكون مغلفة بدراسة المخاطر والإلمام بعوامل النجاح والفشل.

ومن الاهمية بمكان الاستفادة من تجارب الآخرين عبر معرفة الاخطاء التي اسقطتهم وبالتالي تجنب تكرارها، كما أن التركيز في الحاضر من شأنه أن يبقينا بعيداً عن الخوف الذي يتغذى على المستقبل المجهول ويتم هذا بممارسة التأمل الذهني الذي يساعد على البقاء في الراهن، واخيراً من المفيد افتراض الأفضل طالما أن ذلك ممكن عوض أن تفترض الأسوأ طوال مدة الانتظار، وبذا يمكن ان نقوض الى حد بعيد من خوفنا من المجهول ونتغلب على مخاطره النفسية.

اضف تعليق