q
تعد حقوق الإنسان غاية للتنظيم الوطني والدولي كونها النتيجة الطبيعية للاعتراف بذاتية الفرد، ولذا دأبت الوثائق الوطنية والدولية على الاعتراف بالضمانات والآليات التي من شأنها أن تحد من انتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولتتحقق الحماية لابد من وجود أجهزة وسلطات مستقلة تتمتع بالوجود القانوني والاستقلال الذاتي...

تعد حقوق الإنسان غاية للتنظيم الوطني والدولي كونها النتيجة الطبيعية للاعتراف بذاتية الفرد، ولذا دأبت الوثائق الوطنية والدولية على الاعتراف بالضمانات والآليات التي من شأنها أن تحد من انتهاك حقوق الإنسان وحرياته لاسيما الأساسية منها، ولتتحقق الحماية لابد من وجود أجهزة وسلطات مستقلة تتمتع بالوجود القانوني والاستقلال الذاتي والمهنية والموضوعية لتلقي الشكاوى وفحصها والبت بها والتهيئة لاتخاذ اللازم بشأنها.

فالشكوى إذن وسيلة إجرائية من شأنها تحريك الرقابة، أو هي إدعاء من شخص تجاه أخر بأنه ارتكب ضده فعلا مخالفاً للشرع أو القانون، فيطلب من الجهة الرسمية التحقيق بالأمر وتحري مسؤولية الجاني، وفي إطار قوانين أصول المحاكمات هي طلب يقدم إلى الجهة القضائية المختصة لاتخاذ الإجراءات القضائية بحق الجاني أو مرتكب الجريمة، وفي إطار القوانين الإدارية هي التعبير عن عدم الرضا عن أداء الموظف أو الهيئة الإدارية.

وفي جميع الأحوال الشكوى طلب يقدم للجهة المختصة لتقوم ببعض الإجراءات التي تتحرى من خلالها وقوع فعل معين يشكل انتهاك لقواعد قانونية، وبهذا هي تختلف عن الإخبار الذي يعد مجرد إبلاغ يقدم للسلطات المختصة بوقوع جريمة أو مخالفة، فهو يقدم من أي شخص بينما الشكوى تقدم من المجني عليه أو من يقوم مقامه حصراً، وبالرجوع للشكوى في الإطار الدولي يمكننا القول إنها طلب من فرد أو دولة للأجهزة المعنية بالرقابة على تطبيق النصوص الاتفاقية المتعلقة بحقوق الإنسان، ضد دولة أو فرد انتهك حرمة الحقوق أو الحريات، والشكاوى الدولية نوعان رئيسان هما:

أولاً: الشكوى المقدمة من طرف دولة: إذ تقوم إحدى الدول الأطراف في اتفاق أو منظمة دولية بتقديم شكوى ضد دولة أخرى طرف أيضا تدعي انتهاك الأخيرة للنصوص الاتفاقية.

ثانياً: الشكوى المقدمة من طرف شخص: ويقوم بالعدة الأشخاص بتقديم شكاوى ضد الدولة التي يحملون جنسيتها أو دولة أجنبية يدعون انتهاكها للنصوص الاتفاقية الضامنة لحقوقهم وحرياتهم ويطلبون إدانتها ووقف الانتهاك وتحقيق الإنصاف.

كما إن الشكاوى الدولية تقع على نوعين رئيسين هما:

الشكاوى المقدمة إلى المنظمات الدولية وأجهزتها المختصة: فهذا النوع يقدم إلى لجنة أو هيئة أو مجلس يتبع منظمة دولية فعلى سبيل المثال نص قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم (1503 لسنة 1970/ المعدل عام 2000) على إمكانية تقديم الشكاوى إلى لجنة حقوق الإنسان سابقاً (مجلس حقوق الإنسان) لفحص الأنماط المستمرة والخطيرة من الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان حيث يمكن للدول أو الأفراد التقدم بشكوى إلى المجلس بهذا الخصوص، ويمكن لمنظمات المجتمع المدني لا سيما ممن تتمتع بصفة مراقب في المجلس التقدم بهذه الشكاوى ومتابعة سير التحقيق فيها حتى إعلان النتائج، وفي العام 2007 استبدلت الآلية أعلاه بالقرار المرقم (5/1 في 18/5/2007)، ونظام الإجراءات الجديد الخاص بالشكاوى يضم فريقي عمل من الخبراء رفيعي المستوى لتلقي البلاغات والشكاوى والتحقيق فيها وتقديم تقرير مفصل إلى المجلس المعني بحقوق الإنسان، وبعد القيام بجملة من الإجراءات ومنها استطلاع رأي الدولة المشكو منها تقوم بإيداع تقريرها الخاص لدى المجلس، كما ان هنالك لجنة أخرى معنية بشؤون المرأة وتوجد لجان مماثلة في إطار منظمة العمل الدولية وغيرها.

والشكاوى المقدمة في إطار الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف: ولها تطبيقات عديدة أشهرها:

‌أ- ما ورد في المادة (11) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري للعام 1965 والتي نصت على الآتي "إذا اعتبرت دولة طرف أن دولة طرفاً أخرى لا تضع أحكام هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، كان لها أن تلفت نظر اللجنة إلي ذلك. وتقوم اللجنة حينئذ بإحالة رسالة لفت النظر إلى الطرف المعني..."

‌ب- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 والذي ورد النص فيه بالمادة (41) على أن "لكل دولة طرف في هذا العهد أن تعلن في أي حين، بمقتضى أحكام هذه المادة، أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة بلاغات تنطوي على ادعاء دولة طرف بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات التي يرتبها عليها هذا العهد،....".

‌ج- كما نصت المادة (32) من اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري للعام 2006على أنه "يجوز لأي دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعلن في أي وقت اعترافها باختصاص اللجنة بتلقي وبحث بلاغات تزعم دولة طرف بموجبها ان دولة طرفاً أخرى لا تفي بالتزاماتها".

من جهة أخرى سمحت بعض الاتفاقيات للأفراد وليس فقط للدول بتقديم الشكاوى منها مثلاً:

‌أ- البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1977 والذي نص في المادة الأولى منه على "تعترف كل دولة طرف في العهد، تصبح طرفا في هذا البروتوكول، باختصاص اللجنة في استلام ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الداخلين في ولاية تلك الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في العهد".

‌ب- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي تنص في مادتها الـ(22) على أنه "يجوز لأية دولة طرف في هذه الاتفاقية أن تعلن في أي وقت أنها تعترف بمتقضى هذه المادة باختصاص اللجنة في تسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ويدعون أنهم ضحايا لانتهاك دولة طرف أحكام الاتفاقية".

‌ج- وبذات الصياغة تقريباً تكرر الأمر باتفاقيات عدة منها اتفاقية حقوق الطفل للعام 1989 في البروتوكول الثالث وفي المادة (31) من اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري 2006، واتفاقية حماية الأشخاص ذوي الإعاقة في البروتوكول الملحق...

‌د- كما أشارت بعض الاتفاقيات الإقليمية لهذا الأمر ومنها الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان للعام 1950 في المادة (25) والتي نصت على أن "يجوز للجنة أن تتلقى الشكاوي المرسلة إلى السكرتير العام لمجلس أوروبا من أي شخص، أو من المنظمات غير الحكومية، أو من مجموعات الأفراد بأنهم ضحايا انتهاك للحقوق الموضحة بهذه المعاهدة من جانب أحد الأطراف السامية المتعاقدة".

ولنظام الشكوى الدولية أهداف عديدة منها:

1- توفير الحماية للدول والأفراد والفئات الأكثر عرضة للاعتداء على حقوقهم.

2- تحقيق الأنصاف بمعاقبة الدولة أو الفرد الذي ارتكب المخالفة وتعويض المتضرر.

3- يشكل نظام الشكوى رادعا للطرف المعتدي كونه يحرك الرقابة الدولية المنظمة في النصوص الاتفاقية ومن شأنها ان تنتهي إلى إدانة الطرف المعتدي أو تقرير مسؤوليته الدولية.

علما ان لكل لجنة أو مجلس متقدم آلية عمل وتشكيل خاص ولكنها تتبنى بالغالب وظائف محددة تمارسها وفق وسائل محددة منها:

1- التقارير: فاللجان بالعادة تتلقى التقارير الخاصة بحقوق الإنسان من الدول الأطراف أو من الجهات الموثوقة المتخصصة بهذا الملف منها المنظمات غير الحكومية الدولية كالصليب الأحمر و(human rights watch ) وغيرهما من المنظمات، ولعل التقارير الدورية التي يقوم ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة في البلدان المختلفة لاسيما التي تشهد صراعا من نوع ما تعد المعين الأول في موضوع الانتهاكات ومن يقف ورائها.

2- تلقي الشكاوى: والتي وردت بعدة صياغات كالتظلمات أو البلاغ أو الشكوى وما سواها وهي تفيد المعنى المتقدم أي طلب تحريك الإجراءات التحقيقية للتأكد من وقوع مخالفة للالتزامات الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات.

3- تشكيل فرق العمل: والتي من شأنها ان تقوم بالزيارات الميدانية للبلدان التي وقعت فيها المخالفات والالتقاء بالضحايا والمباشرة بالتحري وجمع البيانات.

4- مناقشة البلاغات والشكاوى والتقارير بالجلسات العلنية: إذ تدرج على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي أو مجلس حقوق الإنسان بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أو من إحدى الدول الأعضاء أو بطلب من اللجنة ذاتها لتناقش على الملأ.

كما وتجدر الإشارة إلى إن المفوض السامي لحقوق الإنسان المرتبط بالأمين العام يعد بمثابة السكرتير الخاص لأغلب اللجان المتقدمة، وهو حلقة وصل بين الدول واللجان وأجهزة الأمم المتحدة لاسيما الأمانة العامة، كما يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة بوظائف غاية بالأهمية لتحقيق التعاون الدولي لحل المشاكل ذات الصبغة الاجتماعية أو الاقتصادية وبالخصوص ما يتعلق بترسيخ مفهوم حقوق الإنسان وتشجيع الدول الأعضاء على العمل بروح الفريق الواحد بمواجهة انتهاكات الحقوق والحريات.

وقد كانت له اليد الطولى في إبرام أكثر الاتفاقيات المتعلقة بحماية الإنسان وهو بلا شك يستفيد من تقارير اللجان المختصة بالرقابة، أو من الشكاوى المقدمة أمامها ليعد تقاريره السنوية، ويسعى إلى إبرام اتفاقيات جديدة تعالج مكامن النقص والقصور في الشرعة الدولية، وكدليل على ما تقدم تشير المادة (40) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى ان اللجنة المختصة بتلقي الشكاوى تحيل التقارير التي تسلمتها من الدول الأطراف إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأشار العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة (16) منه إلى ان التقارير توجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة والذي بدوره يحيل نسخاً منها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للنظر فيها طبقاً لأحكام العهد، ويبرز دور الجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفها الجهاز الذي يضم كل الدول ويمكن ان تعرض في أروقتها نتائج التحقيق لاستحصال قرار الإدانة أو ما شاكل.

أخيراً نشير إلى ما ورد في نظام روما الأساس الذي بمقتضاه تشكلت المحكمة الجنائية الدولية العام 1998 في المادة (15) التي بينت إمكانية المدعي العام للمحكمة بتلقي الشكاوى فقد ورد النص على ذلك بالصياغة الآتية "للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة، يقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المستقاة ويجوز له, لهذا الغرض, التماس معلومات إضافية من الدول, أو أجهزة الأمم المتحدة, أو المنظمات الحكومية الدولية، أو غير الحكومية, أو أية مصادر أخرى موثوق بها يراها ملائمة, ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة" والنص المتقد بالغ الوضوح في إمكانية تلقي بيانات وشكاوى ومعلومات من المتضررين أو اللجان متقدمة الذكر.

ويطيب لنا أن نذكر إن الحراك الشعبي العراقي الذي انطلق العام الماضي في أوائل تشرين الأول وتمت مجابهته بقسوة مفرطة يعوزه القيادة القادرة على تشكيل اللجان المتخصصة للمضي إلى هذه اللجان والمجالس والمحاكم الدولية لإنصاف الضحايا ومنع القابضين على السلطة من التفكير في التعسف في استخدام النفوذ، والأهم منع الإفلات من العقاب فقد توارد إلى أسماعنا محاولة بعض المتهمين الهرب خارج البلاد وبالفعل تمكن البعض منهم من ذلك، ولا يزال البعض الأخر حراً طليقاً.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق