q
لم تتم هزيمة الإرهاب الإسلامي المتطرف سواء عسكريا او ايدولوجيا وما يزال يشكل تهديدا مستمرا للغرب وبعد كل هذه السنوات ما تزال أفغانستان تفتقد لهياكل حكم مستقرة قادرة على التصدي للإرهاب المحلي والفساد وتجارة المخدرات ناهيك عن إعطاء الأفغان الأمل بمستقبل يعم فيه السلام والرخاء...
بقلم: يوشكا فيشر

برلين – ان الدراما الأفغانية تقترب من نهايتها أو على اقل تقدير بالنسبة للجيوش الغربية فبعد عقدين من الزمان بالضبط من هجوم القاعدة على مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك فإن من المفترض ان آخر القوات الغربية سوف تغادر أفغانستان في الأول من سبتمبر 2021 بشرط ان يلتزم الرئيس الأمريكي جو بايدن بالجدول الزمني الذي أعلنه. كان يجب ان تنتهي الحرب في وقت من الأوقات ولكن بعد كل هذه الدماء التي سفكت والأموال التي انفقت فإن الكثيرين يتساءلون ما هي الإنجازات التي تحققت ان وجدت.

على الرغم من اضعاف الحرب لشبكة القاعدة الإرهابية فإنه لم يتم تدميرها. لقد تمكنت الولايات المتحدة الامريكية من تعقب وقتل زعيم الجماعة أسامة بن لادن وطرد طالبان من كابول ولكن خارج العاصمة ومناطق قليلة أخرى فإن طالبان اقوى من أي وقت مضى وهي تستعد لاستعادة السلطة عندما تغادر القوات الغربية.

لم تتم هزيمة الإرهاب الإسلامي المتطرف سواء عسكريا او ايدولوجيا وما يزال يشكل تهديدا مستمرا للغرب وبعد كل هذه السنوات ما تزال أفغانستان تفتقد لهياكل حكم مستقرة قادرة على التصدي للإرهاب المحلي والفساد وتجارة المخدرات ناهيك عن إعطاء الأفغان الأمل بمستقبل يعم فيه السلام والرخاء. ان من المحتمل ان يصبح الاستقرار الإقليمي أكثر هشاشة بعد الانسحاب الغربي مقارنة بالوضع الحالي.

يجب ان لا نخدع أنفسنا فانسحاب القوات الغربية هو عبارة عن هزيمة سيكون لها عواقب إنسانية دراماتيكية فبالنسبة للشعب الافغاني سوف تستمر الحرب. ان العودة المحتملة لطالبان ونهجهم الإسلامي الذي يعود للعصور الحجرية سوف يدفع النساء والفتيات مجددا لارتداء البرقع بالإضافة الى حرمانهن من حقوقهن الإنسانية كما سوف تحاول مجموعات كبيرة من الأفغان المتعلمين بشكل جيد من المناطق الحضرية الهرب الى الغرب. اما أولئك الذين سيبقون في البلاد فسوف يواجهون مصيرا كئيبا مع معظم الأقليات الاثنية والدينية.

يتساءل المرء ما إذا كان الاتحاد الأوروبي والناتو مستعدين بحق لما قد يحصل. ان الانسحاب منطقي من الناحية العسكرية فالغرب لا يوجد لديه ما يكسبه في أفغانستان ولكن من الناحية الإنسانية والأخلاقية فإن الغرب يقترب من كارثة متوقعة والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص يجب ان يتوقع تدفقا هائلا للاجئين يذكرنا بلاجئي القوارب الفيتناميين والذين سعوا لإن يجدوا ملاذا لهم في الغرب بعد الانسحاب الأمريكي من فيتنام.

ان الثمن الجيوسياسي سيكون مرتفعا كذلك فكيف سوف تفسّر المجموعات الإسلامية المتطرفة قبول الغرب للهزيمة؟ هل سوف تصبح أفغانستان ملاذا آمنا للإرهاب مجددا كما كان عليه الحال بعد نهاية الحرب الباردة وانسحاب ما كان يعرف بالجيش الأحمر؟ وبالنسبة الى خارج منطقة آسيا الوسطى فهل من الممكن ان تستجيب روسيا والصين لهذا الضعف الغربي الملحوظ بمزيد من العدوانية تجاه أوكرانيا وتايوان على التوالي؟

لقد أشار بايدن في رسالته الافتتاحية ان " أمريكا قد عادت "ولكن خسارة مصداقية الولايات المتحدة الامريكية بعد رئاسة دونالد ترامب لا يمكن عكسها بتلك السهولة فعملية استعادة مكانة أمريكا في العالم سوف تأخذ وقتا ويمكن ان تؤدي الى حسابات خاطئة خطيرة من قبل أعداء الولايات المتحدة ومنافسيها.

أما في أفغانستان فإن نهاية الوجود الغربي الطويل الأمد سوف يخلق فراغا في السلطة سوف تسعى القوى الإقليمية المتنافسة لملئه. ان العشرين سنة الماضية لم تكن تتعلق فقط بأمريكا وحربها على القاعدة وطالبان فبالنسبة لباكستان فإن الحرب كانت دوما تتعلق بحماية حديقتها الخلفية ضد عدوها اللدود الهند. ان الإرهاب الإسلامي هو أداة مهمة ضمن الجهود الباكستانية وهذا يفسر لماذا كانت سياستها تجاه الولايات المتحدة الامريكية مبهمة للغاية فالباكستان من ناحية سمحت للولايات المتحدة الامريكية باستخدام موانئها واراضيها من اجل تزويد القوات الامريكية في أفغانستان بالمؤن ومن ناحية أخرى قدمت الباكستان ملاذا آمنا للإرهابيين الإسلاميين بما في ذلك بن لادن والكثير من قادة طالبان.

وفي الوقت نفسه، سعى النظام الإيراني منذ فترة طويلة لحماية الشيعة الأفغان وحدوده الشرقية وذلك بالمحافظة على وجود له في غرب أفغانستان. ان لدى القوة الأكبر والأوسع انتشارا في المنطقة "الصين " مصالح كبيرة في البلاد بما في ذلك مصالح جيوسياسية وأخرى تتعلق بالموارد الطبيعية وبالإضافة الى كونها مركزا تجاريا محتملا لمبادرة الحزام والطريق الصينية فإن علاقة أفغانستان الوثيقة بالباكستان يمكن ان تصبح أكثر أهمية الان بعد ان اشعلت الصين مجددا نزاعها الحدودي في جبال الهيمالايا مع الهند.

بينما ساعد الوجود الغربي في أفغانستان على احتواء تلك الصراعات فإن من المرجح ان انسحاب الغرب سيكون له تأثيرا معاكسا فالصين سوف تحاول ان تفرض نفسها كخليفة أمريكا فيما يتعلق بالهيمنة الإقليمية ولكن مدى قدرة الصين على التعامل مع برميل البارود هذا بشكل أفضل من السوفيات أو الامريكان هي قضية أخرى وان كانت هناك أسباب جيدة تدعونا لإن نشكك بإنها تستطيع تحقيق ذلك.

ان مأساة أفغانستان أو على الأقل منذ القرن التاسع عشر انها كانت وبشكل مستمر موضع اهتمام وتركيز مصالح القوى الكبرى فمنذ مرحلة مبكرة كانت أفغانستان نقطة خلاف رئيسية بين الامبراطوريتان البريطانية والروسية في تدافعها من اجل الوصول لوسط وجنوب آسيا وبعد ذلك في القرن العشرين وجدت أفغانستان نفسها في مرمى نيران الحرب الباردة وذلك عندما غزاها السوفيات سنة 1979.

بعد الانسحاب السوفياتي سنة 1989، انزلقت البلاد الى خضم حرب أهلية وأصبحت قاعدة لمجموعات مثل القاعدة بينما عززت طالبان من قبضتها على السلطة وبعد 11 سبتمبر 2001 انقضّت الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها الغربيون على البلاد وباختصار فإن أفغانستان في خضم حروب لمدة نصف قرن ولا يوجد سبب يدعونا للاعتقاد ان معاناتها سوف تنتهي قريبا.

لا يوجد بديل مستقر للوجود العسكري الغربي في أفغانستان. ان تاريخ 12 سبتمبر 2021 لن يجلب عالما أفضل وأكثر أمانا. بل على العكس من ذلك فإن الانسحاب الغربي سوف يؤدي في نهاية المطاف الى كارثة إنسانية. سوف يكون الشعب الافغاني اول من يعاني ولكن من شبه المؤكد انه لن يكون الأخير.

* يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا ونائب المستشار من 1998 إلى 2005، كان زعيمًا لحزب الخضر الألماني لما يقرب من 20 عامًا.
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق