q
لابد من التنبّه إلى الجانب التنظيمي والمالي لهذه الجامعات، والعمل على تنظيمه وفق تشريعات تضمن حقوق ومصالح الجميع، ولا تُترك هذه العملية رهن المصالح والأمزجة الفردية، كذلك هناك مشكلات في المجال العلمي من حيث الجودة وأعداد الطلبة، تحتاج إلى تنظيم أكثر دقة، لكي تصبح الجامعات الأهلية مظهرا علميا متحضرا من مظاهر العراق الجديد...

في مقال سابق ذكرنا بأن ظهور الجامعات الأهلية في حياة العراقيين، تمثل خطوة إلى أمام، بل هي من علامات مرحلة ما بعد التغيير السياسي في العراق، ولهذا لا نخطئ إذا قلنا بأن الجامعات الأهلية والمدارس الأهلية بجميع مراحلها ومسمياتها، تضيف رصيدا علميا وثقافيا جيدا للجهد التعليمي التدريسي الحكومي.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد من الإضافة، بل تعد الدراسة الأهلية بكل مراحلها، علامة مهمة من علامات التحرر السياسي من ربقة الحاكم الأوحد، ومن سيطرة الحكومات المستبدة، أو تلك التي تغالي في اعتماد المنهج الاشتراكي، فتُخضِع اقتصاد الدولة كله بمرافقه ومؤسساته المختلفة إلى سيطرة الدولة والحكومة، ولا تكتفي بذلك بل تجعل جميع المؤسسات بمختلف مجالاتها خاضعة لها وتحت هيمنتها الإدارية والإنتاجية.

كثرة الجامعات الأهلية قد يبدو مظهرا جيدا من حيث الشكل، ولكن حين نتابع حيثيات تنظيم العمل في هذه المؤسسة العلمية، فإننا سوف نعثر على ثغرات متعددة في الجانب العملي والعلمي أيضا، في الجانب العملي يتعلق الأمر بالقضايا الإدارية، والمزاجية التي تحكمها، بالإضافة إلى تقديم مصلحة القائمين على هذه الجامعات، من دون أخذ الاعتبار بمصالح الطلبة أو الأساتذة الأكاديميين في الجانب التدريسي.

لهذا من المهم أن تتم معالجة هذه الثغرات بطريقة متوازنة لا تؤذي الأطراف التي تدخل في عملية التعليم، وأقصد بهم الطالب، الأستاذ، المستثمر، إدارة الجامعة، هذه الأطراف كلها لها مصالح لابد من مراعاتها بطريقة متبادَلة، حتى تبقى هذه الجامعات علامات جيدة تشي بتحضّر المجتمع وتقدمه.

قلة الخبرات وعدم نضوج التجربة

اليوم لدينا جامعات أهلية كثيرة وكبيرة، وهو أمر جيد كما ذكرت، لكننا في العراق نعاني من قلة الخبرات في هذا المجال، فكما هو معروف لابد من نضوج أية تجربة خاصة إذا كانت تتعلق بالتعليم، وهذا النضوج يستدعي زمنا كافيا، واستفادة متواصلة من تجارب الدول الأخرى في مجال التعليم الأهلي، ولابد من أن نتحاشى الأخطاء في هذا المضمار مع مرور الوقت حتى نتخلص من الجوانب الرديئة والسلبية في تجربتنا التعليمة بالجامعات الأهلية.

من الأخطاء التي نراها ذات تأثير مسيء في تجربة الجامعات الأهلية، منحها ما يسمى بـ (الاستقلال المالي)، وهو كما يُعرَف من معناه بأن إدارة الجامعة والمستثمر أو الذين يديرون الجامعة، لهم الحرية في إجراءاتهم المالية بخصوص مواصلة التعليم في جامعاتهم، والغرض من هذا السماح والاستقلالية في الجانب المالي واضح، إذ يأتي لتشجيع هذه المؤسسات الأهلية وعدم التدخل في خصوصياتها، وهو أمر جيد.

لكن ماذا لو أساءت بعض إدارات ومستثمري الجامعات الأهلية استخدام هذا البند (الاستقلال المالي)، وكلنا نعرف أن المستثمرين بينهم الذي يبحث عن الربح غير المشروع مثلما هناك مستثمرون ملتزمون بالحدود القانونية والإنسانية للربح، لكن هناك أيضا من يأخذه الطمع وتعمي عيونه الجشع، فيستغل بند (الاستقلال المالي) لتحقيق أكبر نفع مادي ممكن من دون وجه حق، أو باعتماد أساليب لا تخدم الطلاب أو المستفيدين من هذه الجامعات.

ولو أننا تطرقنا إلى جانب واحد من جوانب الحرية المالية لإدارات الجامعات، فإننا نرى بعضهم يستغلون حاجة الطبقة التعليمية التدريسية من ذوي الشهادات العليا، فيحددون لهم أجورا مالية لا تتناسب مع الجهود العلمية والتدريسية التي يقدمونها في هذه الجامعات للطلبة، كما ان هذه الأجور (والرواتب) قد لا تكفي لإعالة عائلة (التدريسي الأكاديمي) وفي نفس الوقت غير مسموح له بالاعتراض على المستثمر أو على إدارة الجامعة.

إبعاد الأمزجة وتحييد المصالح

وطالما هناك بطالة وهناك أعداد كبيرة من ذوي الشهادات العليا (الدكتوراه و الماجستير)، وأن البديل متوفر دائما، بل هناك عشرات مستعدون لسد الشاغر فورا، فإن الإدارات والمستثمرين لهذه الجامعات الأهلية يوغلون في قضية استغلال التدريسيين، وهو أمر لا يستطيع كثيرون من ذوي الشأن إنكاره، لذلك من الأفضل بل من المطلوب أن توضع ضوابط واضحة تحدد هذه القضية وتنظمها، ولا تتركها لأمزجة ورغبات وطمع بعض الإدارات.

كمثال على هذا النوع من الاستغلال هناك جامعات أهلية، تقوم باعتماد خدمات أعداد من حملة شهادة الماجستير في إلقاء المحاضرات على الطلبة في الاختصاصات المختلفة، مقابل أجر محدد قيمته (250) ألف دينار فقط، علما إن هذا المبلغ قد لا يكفي لتسديد أجرة السيارات، وقس على هذا الإجراء في تعسفات أخرى في المجال المالي.

لهذه لابد من التنبّه إلى الجانب التنظيمي والمالي لهذه الجامعات، والعمل على تنظيمه وفق تشريعات تضمن حقوق ومصالح الجميع، ولا تُترك هذه العملية رهن المصالح والأمزجة الفردية، كذلك هناك مشكلات في المجال العلمي من حيث الجودة وأعداد الطلبة، والأقساط المالية للطلبة، وغيرها من الأمور، تحتاج إلى تنظيم أكثر دقة، لكي تصبح الجامعات الأهلية مظهرا علميا متحضرا من مظاهر العراق الجديد.

اضف تعليق