q
زيارة الأربعين المقدسة حدث عظيم وخالد، وأسباب ذلك واضحة ومعروفة للجميع، فهي مدعومة بكل الجوانب والشروط التي تجعل منها متفرّدة من بين أحداث التاريخ، بل وعلى مستوى الفعاليات البشرية في كلّ دهورها وأحداثها وتواريخها، فما هي هذه المميزات الكبرى التي تتميز بها زيارة الأربعين المقدسة عن سواها من الأحداث التاريخية أو الحالية؟ ...

الأحداث العظيمة الخالدة في التاريخ وفي الحاضر والمستقبل نادرة جدا، بل قد تكون فريدة من نوعها، لهذا وصفها المؤرخون والكتاب والعلماء والمهتمون بأنها (عظيمة وخالدة)، وبسبب ندرتها فإنها تكتسب تفرّدها من بين الأحداث التاريخية والآنية والمستقبلية.

وزيارة الأربعين المقدسة حدث (عظيم وخالد)، وأسباب ذلك واضحة ومعروفة للجميع، فهي مدعومة بكل الجوانب والشروط التي تجعل منها متفرّدة من بين أحداث التاريخ، بل وعلى مستوى الفعاليات البشرية في كلّ دهورها وأحداثها وتواريخها، فما هي هذه المميزات الكبرى التي تتميز بها زيارة الأربعين المقدسة عن سواها من الأحداث التاريخية أو الحالية؟

أولا: إنها المناسبة التي تستقطب حشودا بشرية هي الأعلى والأكثر من جميع المناسبات الكبرى التي تحدث على مستوى العالم تاريخيا وآنيا، ولنا أن نذكر ما بلغه عدد الزائرين الكرام لإحياء مراسيم الأربعين لهذه السنة وقد فاق الـ العشرين مليون زائر.

ثانيا: لم يسبق لمناسبة أخرى أن تتصاعد فيها الحشود الزائرة والحاضرة والتي تحيي تفاصيل وطقوس هذه المناسبة، بهذه الصورة التصاعدية المذهلة، وهذا دليل على قوة المبادئ والقيم التي تدعو لها وتنتمي إليها وتنطلق منها.

ثالثا: الصعوبة البالغة التي ترافق إحياء مراسيم هذه الزيارة، بدءًا من لحظة توجّه الزائر إليها، وما يكابده من وعثاء السفر، وصولا إلى مدينة كربلاء المقدسة التي تتشرف بضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذه المصاعب وصلت في بعض الزيارات إلى حدّ فقدان النفس والحياة، ومع ذلك لا يزال إصرار الزائرين الكرام قائما على إحيائها سنويا.

قيم العمل الطوعي الجماعي

رابعا: لم يسبق لمناسبة كبرى مثل الأربعين الحسيني، أن اقترنت بتهديد مباشر لحياة الزائرين، سواء من قبل الأنظمة المستبدة التي حكمت العراق على مرّ القرون، أو من قبل المتطرفين التكفيريين الإرهابيين الذي يتصدون للزوار بالمفخخات أو بالأحزمة الناسفة أو التفجيرات البشعة كما حدث في تفجيرات كربلاء المقدسة بعد سقوط الصنم في 2003.

خامسا: لم تقترن أية مناسبة بشرية، بما اقترنت به زيارة الأربعين المقدسة من خدمات هائلة، يقدمها الأهالي بشكل طوعي لملايين الزوار القادمين من المعمورة كلها، بحيث تُقدَّم خدمات الإطعام والمنام والراحة على مدى أسابيع متواصلة دونما ملل أو كلل.

سادسا: أسهمت هذه الزيارة المقدسة بتربية أجيال متلاحقة من الأطفال والشباب على روح التعاون والتكافل، وتشجيع وبث روح العمل الطوعي الجماعي، مما انعكس بشكل واضح على تنمية روح الإيثار عند هذه الأجيال، وجعلهم أكثر حماسا وتفاعلا مع الأحداث المختلفة التي تكتنف حياتهم، وهذه ميزة تتفرد بها هذه المناسبة عن سواها على مستوى عالمي.

سابعا: تُقام في هذه الزيارة المقدسة آلاف المواكب الحسينية، وقد بلغ عددها في هذه السنة (2022) أكثر من (12000) اثني عشر ألف موكبا حسينيا بحسب إحصائية من العتبة الحسينية، وتقدم هذه المواكب مختلف النشاطات والفعاليات منها الثقافي والفني والخدمي والتوجيهي، فتنعكس حصيلة ذلك على حياة الناس نحو الأفضل.

ثامنا: على المستوى الاقتصادي تجتذب هذه المناسبة آلاف الباعة والكسبة من عموم العراق وحتى من خارجه، فيعملون في بيع بضاعتهم على الزوار القادمين من مدن العراق ومن دول العالم الأخرى، مما يشكل مصدر رزق جيد ومهم لهؤلاء الباعة.

زيارة الأربعين بارقة أمل للعراقيين

تاسعا: تحفّز هذه الزيارة السنوية المباركة المسؤولين في كربلاء المقدسة وفي العراق كله، للتفكير والتخطيط لتوسيع المدينة المقدسة، ودعم وتطوير بناها التحتية المختلفة كي تكون قادرة على استيعاب الأعداد المليونية الكبيرة والمتصاعدة، وهذا ينعكس إيجابا على الجميع، بالإضافة إلى المشاريع البنائية والخدمية التي تتبناها العتبات المقدسة في هذا المجال.

عاشرا: تحفز هذه الزيارة المعنيين على تطوير شبكات الطرق المناسبة والحديثة، بما يتناسب والأعداد الكبيرة للسيارات والحافلات والقطارات التي تقلّ الزائرين نحو كربلاء المقدسة، وتشكل حافزا لتطوير العراق بأسره حتى يكون قادرا على استقبال الزوار بطريقة أفضل.

حادي عشر: تقدّم زيارة الأربعين بارقة أمل للعراقيين جميعا للبدء بمشروع السياحة الدينية المثمرة، وبما يدعم اقتصاد الدولة، ويعود بالخير على العراقيين، فالملايين التي تقصد زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) والمراقد المقدسة الأخرى يمكن أن تكون دافعا جيدا للمسؤولين العراقيين، كي يخصصوا الميزانيات والأموال اللازمة لتطوير المدن وتفعيل السياحة الدينية التي يمكن أن تدعم البنية الاقتصادية للعراق، خصوصا بعد أن ينضب النفط من باطن الأرض كما هو مثبت علميا.

ثاني عشر: تعد زيارة الأربعين بيئة مثالية لنشر القيم الأخلاقية الصالحة بين الجميع، وهي بذلك تدعم بناء العلاقات الاجتماعية وتطويرها، فضلا عن تطوير علاقات العمل المختلفة، بما يحافظ على الحقوق، ونشر قيمة الاحترام المتبادَل بين الجميع.

ثالث عشر: من المزايا الكبيرة التي تثبت أهمية زيارة الأربعين، وتجعلها متفردة على مستوى الأحداث والمناسبات التاريخية الكبرى، دعمها لثقافة التعاون والتكافل بين الناس بغض النظر عن (هوية الانتماء)، فهنالك المسيحي وهنالك الأعراق المختلفة القادمة من مدن العراق والعالم، ولكن كلها تنصهر في بوتقة (زيارة الأربعين) وقيمها وإنسانيتها، لينتج عن ذلك ثقافة إنسانية تعاونية قلّ نظيرها في العالم.

وأخيرا ألا يحق لنا أن نطلق على هذه الزيارة السنوية المباركة، بأنها (عظيمة وخالدة)، وأنها تقدم لنا جميعا بارقة أمل كبيرة وحقيقية لصنع حاضر مزهر ومستقبل مشرق، ثم ألا يشكل هذا دافعا وحافزا لجميع المسؤولين (من كل قادة النخب)، أن يخططوا بشكل دقيق ومخلص وفعلي لجعل مدينة كربلاء المقدسة قادرة (من حيث البنية التحتية) على استقبال وإحياء مراسيم زيارة الأربعين بأفضل صورة ممكنة؟

اضف تعليق