q
حرب اليمن حرب بالوكالة بين السعودية حليفة الولايات المتحدة، وإيران، وطرفا النزاع يرغبان في إجراء التسوية السياسية، وهناك ترحيب سعودي وترحيب يمني وترحيب كذلك من الحوثيين، فالجميع يريد أن يعم الأمن والسلام في المنطقة، والجميع يرغب في وساطة حل ترضي الأطراف المتنازعة وتنهي فتيل الحرب وإنهاء الكارثة...

بدأ العد العكسي لانتهاء أزمة حرب اليمن بعد سنوات عجاف مرت على الشعب اليمني، ضاعت فيها كل مقومات الحياة المستقرة بعد أن كانت اليمن تعرف باليمن السعيد، وكانت سنوات خسائر كبيرة بالنسبة للسعودية سواء كانت مادية وبشرية وعسكرية.

فمنذ عام 2014، يشهد اليمن حربا بين الحوثيين المدعومين من إيران وبين القوات الموالية لحكومة الرئيس المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي، بدأت مع شن الحوثيين هجوما سيطروا على إثره على العاصمة صنعاء، وتصاعد النزاع في مارس 2015 مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للقوات الحكومية، مما تسببت الحرب الطاحنة في مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، الأمر الذي ولّد ما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ كارثة إنسانية في العالم.

فبعد الوعود التي أطلقتها الإدارة الجديدة للبيت الأبيض برفع جماعة الحوثيين من قائمة الإرهاب، ووقف هجماتهم المستمرة ضد السعودية فورا، بدت وكأن هناك نهاية لهذه الحرب والدعوة إلى بدأ الجلوس على طاولة المفاوضات مع الحوثيين، في حين الأخير يعتبر عمله العسكري هو لكسب ورقة ضاغطة على السعودية، بإعتبار أن من يمتلك القوة هو من تكون بيده أكثر الفرص والحظوظ لأخذ الامتيازات، خصوصا إذا تحدثنا عن توافق الأطراف الثلاثة بين (الحكومة الانتقالية والحكومة الشرعية والحوثيين)، لهذا يسعى كل طرف إلى إمتلاك ورقة ضغط ضد الآخر.

في هذا التسارع، تأتي دعوات واشنطن للسعودية بضرورة إيقاف الحملات العسكرية والعمل الجاد على إجراء تسوية سياسية في اليمن، وبطبيعة الحال فإن السعودية لن ترفض هذه الوساطة برعاية البيت الأبيض، بحسب ما أوضحه ابن سلمان (لموقع لغريفيث): "حرص السعودية على التوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن وفق المرجعيات الثلاث (في إشارة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني (2013-2014)، والمبادرة الخليجية، وقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن)، يحقق الأمن والاستقرار لليمن وشعبه ويحافظ على أمن المنطقة"، فقد تغيرت اللهجة السعودية من عاصفة الحزم وتكثيف الغارات الجوية إلى المحافظة على أمن المنطقة والسلمية!، وهذا يسجل للحوثيين نتيجة الضغط المستمر على السعودية خصوصا بعد تراجع أو تخلي الإمارات عن دعم الحرب، بل أصبحت الإمارات معرقلا للسعودية بدعمها الانتقاليين الجنوبيين.

فيما نشرت إذاعة مونت كارلو الفرنسية: "هناك مخاوف سعودية من حدوث تمرد خطير على حدودها الجنوبية، حال انسحاب قواتها من اليمن وانتهت الحرب بما يشبه انتصار الحوثيين"، هذا التخوف لدى السعوديين بالوقت الذي تكون قواتها متواجدة على أرض اليمن ولا تستطيع أن تحمي أراضيها من هجمات الحوثيين، وربما يكون هناك تمرد في جنوب السعودية وشمال اليمن ينتج عنه هجمات أو دخول عناصر مسلحة إلى الأراضي السعودية، خصوصا بعد تسليح الجماعات اليمنية وتدريبهم واكتسابهم الخبرة الكافية في حرب الشوارع، وبالتالي سيكون الخاسر الأكبر في هذه الحرب هي السعودية لخسارتها المادية والعسكرية والبشرية وأيضا عدم تحقيق مبتغاها في فرض القوة والسيطرة على ارض اليمن سياسيا واقتصاديا.

يرى محللون دوليون أن السعودية قد ارتكبت خطأ استراتيجيا كبيرا في إدارتها للحرب في اليمن، مشيرين إلى أن الأسلحة المنتشرة بين سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليونا سيكون سببا في قلق السعودية، بالإضافة إلى تعرضها من وقت لآخر لهجمات بالطائرات المسيرة، وقع أكبرها في سبتمبر 2019 عندما استهدف الحوثيون منشآت نفطية تابعة لشركة ارامكو في مدينة جدة.

وبعدما أطلقت تحالفها في 2015، أصبحت السعودية عالقة في مستنقع عسكري، فقد فشلت سنوات من الضربات في التغلب على المتمردين واسترداد العاصمة صنعاء، كما أن الحوثيين وسعوا بشكل مطّرد نفوذهم في شمال البلاد، وأصبح اليوم الانتصار حليف الحوثيون بإعتبار أنهم لم ينسحبوا ولم ينهزموا ولم يدحروا، وقد أصبحوا قوة مؤثرة في المنطقة يمكنها التفاوض والمطالبة بمجموعة من الامتيازات والمصالح وخصوصا في اليمن.

أما الإمارات فهي لا تزال متواجدة على جنوب أرض اليمن وهي الرابح الأكبر من هذه الحرب، وحتى بعد انتهاء الحرب فهناك ممن يدينون الولاء للإمارات وخصوصا الانتقاليين، بالإضافة إلى تكثيف تواجدها العسكري والاقتصادي والسياسي في جزيرة سقطرى التي تعتبرها الإمارات العمود الفقري لاقتصادها، وربما يكون تواجد إسرائيلي على أرض هذه الجزيرة تحت تغطية إماراتية.

في هذا الإطار، لا يجب أن نغفل عن دور إيران في الحرب على اليمن حتى لو كانت لا تظهر للعلن ولكن هي طرف أساسي فيها، وتعتبر نفسها اللاعب الأساس والأقوى، لا يمكن تجاوزها في أي تفاوض أو حل سلمي في المنطقة، فقد توالت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بخصوص التسوية السياسية وضرورة العمل على إنهاء الحرب من طرف السعودية لأنها صاحبة الشرارة الأولى في هذه الحرب، وعليها أن تدفع ثمن سنوات الدمار التي لحقت باليمن، وكما عبر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف: "إن إيران ترحب بأي وساطة من أجل الحل في اليمن، وأن ابن سلمان قد أخطأ في الحرب"، كما تعد إيران نفسها بأنها قد حققت أهدافها في هذه الحرب، وتعتبر خرجت منتصرة في ظل الانقسام بين الشمال والجنوب اليمني، واعتماد الحوثيين كطرف رئيس في الأزمة.

في الوقت الذي يؤكد بايدن على ضمان توفير الحماية اللازمة للأراضي السعودية بالدفاع عنها وعن شعبها، وتعهد بمواصلة دعم عمليات مكافحة الإرهاب خصوصا في وقت لا تزال الجماعات المسلحة الإرهابية تنشط في هذا البلد، فالتوقف الكامل عن دعم السعودية، وإجبارها على وقف الحرب سيعد انتصارا لإيران، وهذا أمر ليس في صالح الولايات المتحدة، لأنه سيخل بالتوازن الستراتيجي في المنطقة، وهو أمر غير مقبول أميركيا، وتوقع محللون، أن تتوقف مؤقتا العمليات العسكرية في اليمن، وتحاول الأطراف المتنازعة عقد جولة جديدة من المفاوضات، تحت ضغط أميركي.

مما سبق، يُنظر إلى حرب اليمن على نطاق واسع على أنها حرب بالوكالة بين السعودية حليفة الولايات المتحدة، وإيران، وطرفا النزاع يرغبان في إجراء التسوية السياسية، وهناك ترحيب سعودي وترحيب يمني وترحيب كذلك من الحوثيين، فالجميع يريد أن يعم الأمن والسلام في المنطقة، والجميع يرغب في وساطة حل ترضي الأطراف المتنازعة وتنهي فتيل الحرب وإنهاء الكارثة التي دامت لأعوام خلفت الدمار وفقدان الأرواح والخسائر المادية والعسكرية والاقتصادية، ولكن ربما يختلف الجميع من حيث آلية العمل، فهل سيكون لحلحلة أزمة حرب اليمن بارقة أمل بعد تصريحات بايدن، أم ستبقى حبيسة الترحيبات الإعلامية؟.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق