q
قبل مدة كتبت عن ضرورة ايجاد تصنيف جديد للمثقف، لأن الدور الذي اضطلع به بعض المثقفين عبر التاريخ، لم يكن فقط تنويريا ومقتصرا على الإضاءات العامة الكبيرة، لاسيما الفلاسفة والمفكرين الذين غطى نتاجهم العالم كله، بل كان الكثيرون منهم قد اسهموا في صناعة الحدث الآني...

قبل مدة كتبت عن ضرورة ايجاد تصنيف جديد للمثقف، لأن الدور الذي اضطلع به بعض المثقفين عبر التاريخ، لم يكن فقط تنويريا ومقتصرا على الإضاءات العامة الكبيرة، لاسيما الفلاسفة والمفكرين الذين غطى نتاجهم العالم كله، بل كان الكثيرون منهم قد اسهموا في صناعة الحدث الآني، من خلال حضورهم الميداني ومشاركتهم الجماهير في مدخلاته المباشرة وصولا الى مخرجاته، ولعل الدليل الابرز على ذلك الثورة الفرنسية العام 1789 ومن ثم ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا العام 1917، لأن التنظيرات وحدها، وان كانت وما زالت تؤسس لوعي جمعي جديد.

لكنها لم تعد حاسمة في احداث التغيير المنشود، عندما يمر اي بلد في ازمات او ظروف معقدة ومتداخلة تتطلب نزول المثقف بشكل مباشر لفرزنة الأمور، فالبشرية اليوم وصلت الى مرحلة متقدمة نسبيا من الوعي، بحيث أصبحت اغلب خلاصات الرؤى والطروحات الفلسفية والفكرية، جزءا من الثقافة العامة للمتعلمين في العالم، وبذلك لم يعد المثقف هو فقط من يدبج المقالات او يؤلف الكتب، بل لعل من بين هؤلاء صاروا جزءا من عملية التضليل.

في المقابل برز كثيرون من غير الكتاب او المشتغلين في الحقل الكتابي، بوصفهم مثقفين من نوع جديد، من خلال طروحاتهم المباشرة المعبرة عن وعي متقدم في معالجاتهم لقضايا الحياة والسياسة بشكل عام، وصاروا من الملهمين للمفكرين والمثقفين والكتاب!

لقد تحدث كثيرون عن ضعف دور المثقف العراقي بعد العام 2003، وكنا نقول بان دور المثقفين كان كبيرا، ولم نكن نقصد فقط اولئك الذين يمارسون النشاطات الكتابية، وبعض هؤلاء كانوا سلبيين جدا، بل نقصد ايضا النشطاء الواعين والفاعلين، ممن ظلت اصواتهم ترتفع وتعبر عن تطلعات الشعب طيلة السنين الماضية عبر وسائل الاعلام والميادين المؤثرة، واسهموا بشكل واضح في تصحيح الكثير من المسارات الخاطئة، التي ارادت لها بعض القوى السياسية، ان تتكرس وفقا لرؤيتها، لقد كانت وقفة المثقفين من غير المشتغلين في الحقل الكتابي في التصدي لمسودة قانون المحكمة الاتحادية، الذي أقر اخيرا بعد تعديله تحت ضغطهم، وقفة حاسمة ويمكن وصفها بالتاريخية.

وبذلك نعتقد ان دور المثقفين العراقيين، لم يكن هامشيا او خارج المعادلة كما يظن البعض، وهذا يدعوننا بالضرورة الى التأكيد، على أن مفهوم المثقف لم يعد حكرا على نشطاء القلم وحدهم، فمثقف اليوم هو العنصر الفاعل في التغيير وبرؤية تغني الناس عن قراءة الكثير من المجلدات، التي اعتصر خلاصاتها هؤلاء وعبروا عنها بحيوية ذهنية وارادة وطنية، وغيروا الواقع!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق