q
الذي يمارس عمليات القتل باسم الحق والحقيقة، هو يقتلهما ويقبرهما في آن من خلال عمليات القتل وإبادة الناس وتطهير جغرافيته ممن يعتقد أنهم خصومه وأعداءه. فالاختلاف بين المسلمين حقيقة تاريخية واجتماعية، لا يمكن نكرانها أو تغطيتها. ولكن ينبغي أن ندرك جميعا أن استدعاء العنف وعمليات القتل...

تعلمنا تجارب جميع الحروب التقليدية وغير التقليدية، أن القتل والتفجير وعمليات الاغتيال والتخريب وما إلى ذلك من وسائل البطش و التنكيل، أنها لا تنهي مشكلة، ولا تعالج أزمة، بل توفر على المستويين النفسي والتاريخي كل مبررات ومسوغات الحقد والضغينة والكره بين البشر..

فعمليات القتل والتطهير العرقي والقبلي والمذهبي والديني، وإن كانت فظيعة ودامية، وتبرز بكل عناوينها ومحطاتها حجم ومدى التوحش الذي يصيب الإنسان، فيحوله إلى طاقة مدمرة وعدمية لذاته وللآخرين وللطبيعة أيضا.. فالقتل مهما كان فظيعا لا يؤسس لاستقرار سياسي واجتماعي.. ومن يبحث عن الاستقرار بكل مستوياته، عبر وسائل القتل والتهجير والتطهير، فإنه يؤسس بطريقة أو أخرى، لجولات أخرى من القتل أكثر دموية ووحشية وفظاعة.. والدعوة إلى القتل لا تقل فظاعة ووحشية عن ممارسة القتل..

لذلك فإن كل دعوات القتل وتصفية الخصوم، هي حرب بعينها.. من هنا فإننا نرفض كل دعوات القتل والتطهير مهما كانت عناوينها ومبرراتها، كما نرفض في ذات الوقت ممارسة فعل القتل.. والعلاقة مباشرة بين الدعوة إلى القتل وممارسته.. فالذي نقتله في عقولنا ونفوسنا ومشاعرنا، حين تحين الفرصة سنقتله فعلا في جسده.. وينبغي أن لا نستسهل في هذا السياق عمليات القتل.. لأن من الجرائم التي تستدعي باستمرار سفك الدم والتعدي على حقوق الآخرين المادية والمعنوية..

وتتجلى حاجتنا جميعا إلى رفض لغة القتل وخطابات الدعوة والتسويغ إليه في أزمنة الفتنة، وشعور الجميع بأنه مستهدف في وجوده وحقوقه.. لأن هذا الخطاب الذي يدعو إلى القتل، ويستسهل شأنه وكأنه من لوازم الوجود الإنساني العزيز والكريم، هو في حقيقة الأمر يدشن لعصر مديد من الاقتتال الداخلي بين المسلمين.. لذلك مهما كانت الصعوبات، ومهما كانت المآسي التي تشهدها بعض مجتمعات المسلمين، ومهما كانت الصعوبات التي تعترض تعايش المسلمين مع بعضهم، ينبغي أن لا نندفع صوب تبرير عمليات القتل والتطهير بكل أشكاله..

والذي يمارس عمليات القتل باسم الحق والحقيقة، هو يقتلهما ويقبرهما في آن من خلال عمليات القتل وإبادة الناس وتطهير جغرافيته ممن يعتقد أنهم خصومه وأعداءه.. فالاختلاف بين المسلمين حقيقة تاريخية واجتماعية، لا يمكن نكرانها أو تغطيتها.. ولكن ينبغي أن ندرك جميعا أن استدعاء العنف وعمليات القتل في واقع المسلمين الراهن، يزيد من الإحن والأحقاد، ولكنه لا يعالج المشكلات الحاصلة بين المسلمين.. لأنها مشكلات مهما كان حجمها، لا يمكن أن تعالج بعمليات القتل وممارسة العنف ضد بعضنا البعض.. وفي سياق رفضنا العميق لعمليات العنف والقتل، التي تجري في أكثر من بلد عربي وإسلامي، نود التأكيد على النقاط التالية:

1- إن العلاقات السنية – الشيعية تمر بمرحلة صعبة وخطيرة، حيث تعددت مخاطر تفجير هذه العلاقة، وإدخالها في أتون المزيد من أشكال الخصومة المستديمة.. ونحن هنا ندعو أهل العلم والحكمة من كل الأطراف، إلى ضرورة القيام بمبادرات عملية وجدية، تستهدف إدارة هذه الاختلافات والتباينات بعيدا عن خطابات العنف وتسويغ عمليات القتل.. وواقع العلاقة الإسلامية الصعب الذي تعيشه المنطقة بكل أطرافها، ليس قدرا مقدرا، وينبغي أن لا نستسلم له، وإنما من رحم هذه المآسي التي تشهدها بعض البلدان العربية والإسلامية، من الضروري أن تتشكل إرادة إسلامية صادقة لمعالجة هذه المآسي، وإعادة صياغة العلاقة على أسس ومبادئ الدين المشترك والاحترام المتبادل وصيانة حقوق الجميع المادية والمعنوية..

ولابد من القول: أن جميع الأطراف، تمتلك قصصا وأحداثا وممارسات، تبرر لها الموقف الحالي التي هي عليه، ولكن لا يمكن أن تطفأ النار المشتعلة بنار مثلها.. والنار المشتعلة اليوم، تتطلب عاطفة حارة وجياشة لاستشعار كل المآسي والمشاكل والصعوبات، ولكن في مقام العمل والممارسة نحن أحوج إلى عقل بارد، يناقش كل الأمور بهدوء وعلم وموضوعية، حتى يتسنى لنا الوصول إلى معالجات صائبة لهذه الأزمات التي تؤرق الجميع وتهددهم في آن..

لذلك فإننا ندعو جميع المؤسسات الدينية والدعوية والفعاليات الإسلامية من كل الأطراف، إلى الإسراع في القيام بمبادرات مصالحة، تستهدف تدوير الزوايا، والبحث عن حلول واقعية تنهي حالات الاقتتال في بعض المناطق الإسلامية، التي بدأت تأخذ لها طابعا مذهبيا وطائفيا..

فالمطلوب ليس استمرار المواجهة وتنقل الفتن بين المسلمين، وإنما الحوار كوسيلة أساسية لمعالجة جميع الأمور بجدية وموضوعية..

2- جميعنا يؤلمنا ويهز ضمائرنا ووجداننا ما نشاهده من عمليات القتل والحروب المتنقلة بين المسلمين.. ولكن هذا الألم والغضب، ينبغي أن لا يدفعنا إلى كب الزيت على النار، وإنما ينبغي أن يدفعنا إلى البحث عن حلول ومعالجات بعيدا عن لغة القتل والتفجير والعنف..

لهذا من الضروري أن نرفع الغطاء الديني والاجتماعي، عن كل الخطابات التي تحرض على القتل وتحث على ممارسة العنف.. لأنها خطابات تفضي إلى المزيد من إسالة الدماء دون مبرر شرعي وعقلي لها.. لأن العنف يستجلب المزيد من الفتن، التي إذا استشرت لا سمح الله، فإنها ستفضي إلى كوارث يندى لها جبين الإنسانية..

3- إننا في ذات الوقت الذي ندرك فيه حجم التباينات والتناقضات التي تعيشها الساحة الإسلامية في هذه الحقبة العصيبة والحاسة، ندرك في الآن نفسه أن دفع الأمور باتجاه المواجهة المفتوحة ستدمر الجميع، ولا رابح منها إلا أعداء الأمة.. فمهما كانت تناقضاتنا وملاحظاتنا الشرعية والسياسية على بعضنا البعض، فإن المواجهة والبحث عن انتصارات كاسحة لأي طرف، هي أوهام تزيد من آلام المسلمين دون وجود أفق حقيقي للمعالجة العادلة.. لذلك فإننا نعتقد أنه مهما كانت تناقضاتنا ومآخذنا على بعضنا البعض، لا حل أمامنا جميعا إلا الحوار والمزيد منه، لاستيلاد حلول ناجعة تضمن معالجة الفتن من جذورها، دون التضحية بمكاسب المسلمين الراهنة والمستقبلية..

فتعالوا جميعا نحافظ على سلمنا الأهلي وعيشنا المشترك، برفض كل دعوات القتل والعنف والتحريض، والبحث عن حلول عملية للمشكلات الراهنة..

إنها دعوة ملحة لبلورة خيار الطريق الثالث لبناء العلاقة بين مذاهب المسلمين، بعيدا عن لغة الاستقطاب المذهبي والحروب الطائفية..

اضف تعليق