q
الجميع يريدون المشاركة في السلطة، سواء كانوا فائزين أم خاسرين، وما لم يشتركوا في السلطة لن يسمحوا بحصول أي استقرار سياسي واقتصادي، وهم إنما يمارسون تلك الضغوط من تظاهرات وقطع للشوارع وغيرها من حملات دعائية في الطعن بالانتخابات ماهي إلا وسيلة لإجبار الطرف الفائز على قبول مبدأ المحاصصة...

انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية، بإعلان مفوضية الانتخابات فوز بعض الكتل والأحزاب والشخصيات المستقلة وخسارة أو تراجع بعضها. وبينما أعلنت الكتل الفائزة قبولها للنتائج الأولية؛ رفضت الكتل والأحزاب الخاسرة تلك النتائج. واتهموا المفوضية بالتضليل والتزوير، وسوء الإدارة. وطالبوا بالفرز اليدوي لجميع الدوائر والمحطات الانتخابية. في الوقت الذي أشاد جميع المشاركين في العملية الانتخابية بالإجراءات التي أخذتها المفوضية لمنع التلاعب والتزوير قبيل إعلان النتائج؛ فما عدا مما بدا؟

لابد من الإشارة (أولا) أن نسبة أقبال المواطنين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات كانت أقل من التوقعات، حيث بلغت نسبة المشاركة نحو أقل من 43 % بحسب مفوضية الانتخابات، منها نحو 20% كانت باطلة، بمعنى أن أصحابها كانوا عامدين إبطالها باختيار أكثر من مرشح بقصد عدم استغلالها من بعض الموظفين المحسوبين على الكتل والأحزاب المرشحة للانتخابات. وهذا يعني أن نسبة المشاركة الحقيقية تقل عن 40% في أفضل الحالات.

ولابد من الإشارة (ثانية) أن نسبة الذين لم يشاركوا بالانتخابات نحو 60% من المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب، وهذا يعني أن النسبة الأكبر من المواطنين لم تكن تعنيهم نتائج الانتخابات لأسباب منها الإحباط واليأس الذي أصابهم، نتيجة تجارب انتخابية سابقة. وقد جاءت نسبة المشاركة الجماهرية الضعيفة رغم أن المرجعيات الدينية والكتل السياسية والزعامات العشائرية والمدنية كانت قد دعت الناس إلى المشاركة في الانتخابات لأجل تغيير الفاسدين والعاجزين والذين لم يتمكنوا من تحقيق الخدمات والحقوق التي يطالب بها المواطنون.

و(ثالثا) إن عدم حصول بعض الكتل السياسية مثل تيار الحكمة وتكتل العبادي وقلة الأصوات التي حصلت عليها كتلة الفتح التي تضم بدر والعصائب قد شكل صدمة ليس لقيادات هذه الكتل والأحزاب، بل للمراقبين السياسيين، وأوقعهم في شك وريبة من صحة النتائج التي أعلنت عنها المفوضية. لماذا؟ لأن الشائع أن لهذه الكتل الخاسرة مؤيدون وأنصار كثر، ومع ذلك لم يحصلوا على المقاعد النيابية المتوقعة، وهو الأمر الذي دعا الكتل الخاسرة إلى اتهام المفوضية بالتضليل والتزوير، ومطالبتها بالعد والفرز اليدوي، وانضم لها كتل أخرى كانت قد حصلت على أصوات تأهلها للتنافس مع الكتل الكبيرة، مثل كتلة دولة القانون والحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

و(رابعا) من الطبيعي أن تفرز نتائج العملية الانتخابية فائزين وخاسرين. وليس بالضرورة أن الخاسر يعني أنه لم يحصل على أي مقعد برلماني، بل قد يحصل الخاسر على مقاعد برلمانية، ولكنها أقل مما توقعه. وفي كل الأحوال فان قانون الانتخابات يتيح للكتل البرلمانية التي حصلت على مقاعد برلمانية أقل أن تتحد فيما بينها من أجل تأليف كتلة برلمانية أكبر، وبالتالي يكون من حقها أن تختار التشكيلة الحكومية أو أنها تشترك مع الكتلة الانتخابية الأكبر لتشكيل الحكومة، واختيار رئيسا للوزراء.

و(خامسا) إن قانون الانتخابات يتيح للكتل والأحزاب المشاركة في الانتخابات النيابية تقديم الطعون على النتائج الأولية للانتخابات خلال ثلاثة أيام، تبدأ من اليوم التالي لنشر تلك النتائج. وبناء على ذلك أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، عن (فتح باب تقديم الطعون على نتائج انتخابات البرلمان التي أجريت يومي الجمعة والأحد الماضيين. حيث يحق للمتضرر من قرار مجلس المفوضين بإعلان النتائج الأولية للتصويت العام والخاص تقديم الطعن بذلك القرار، بحسب قانون المفوضية الذي أعطى حق الطعن للحزب السياسي أو المرشح بقرار مجلس المفوضين خلال 3 أيام تبدأ من اليوم التالي لنشر نتائج الانتخابات. وإن المتضرر يحق له تقديم الطعن إلى المكتب الوطني أو مكتب المحافظة أو أي مكتب انتخابي للمفوضية أو مكتب هيئة الإقليم أو بصورة مباشرة إلى الهيئة القضائية، وإن مجلس المفوضين يتولى الإجابة على طلبات الهيئة القضائية للانتخابات، واستفساراتها بشأن الطعون خلال مدة لا تتجاوز 7 أيام عمل من تاريخ ورودها إليه. وإن الهيئة القضائية للانتخابات تبت في الطعن المقدم خلال مدة لا تزيد على 10 أيام من تاريخ إجابة مجلس المفوضين على الطعن).

و(سادسا) صحيح أن هناك وسائل ضغط أخرى لتصحيح مسار نتائج الانتخابات أو التأكد بالفعل من صحة تلك النتائج، مثل الخروج بتظاهرات سلمية، أو اعتصامات، أو ممارسة الضغوط الإعلامية من خلال القنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي. ولكن مثل هذه النشاطات، وإن كانت نشاطات سلمية إلا أنها ستؤثر كثيرا على المواطنين مباشرة من خلال قطع الطرق، ومنع المؤسسات الحكومية من ممارسة نشاطاتها، وسوف لا يساعد على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلد، وستكون له عواقب وخيمة على جميع الكتل السياسية، وما حصل في تظاهرات تشرين من قتل وتدمير وتخريب وخسائر في الأرواح والأموال لهو خير دليل على ذلك.

ثم إن مثل هذه التظاهرات سيكون لها تأثير سلبي على المواطنين الناخبين من الذين ذهبوا إلى مراكز الانتخابات وأدلوا بصواتهم، لأن ذلك مؤشر خطير أن المواطنين سواء ذهبوا إلى الانتخابات أم لم يذهبوا لن يؤثر ذلك على نتائج الانتخابات، فالمطلوب هو فوز الجميع وانتقال الجميع إلى الحكومة، كل حزب يقود وزارة من الوزارات، فيستحوذ على أموالها ومشروعاتها ووظائفها من دون مراعاة خدمات الناس وحقوقهم. وهو ما سيدفع المواطنين في الدورة الانتخابية القادمة إلى عدم مشاركة في الانتخابات بشكل سيؤثر على كل النظام السياسي برمته.

و(سابعا وأخيرا) واضح لكل الناس لاسيما المراقبين السياسيين أن المشكلة الحقيقية ليست في أن الانتخابات كانت مزورة أو غير مزورة، فهناك شبه إجماع وطني ودولي أن هذه الانتخابات هي أفضل بكثير من الانتخابات السابقة منذ عام 2005، حيث كانت الانتخابات السابقة تقوم على مبدأ الطائفة والقومية والحزبية، بينما هذه الانتخابات قامت على أساس المنطقة والمعرفة بسيرة المرشح.

وواضح أن نتائج الانتخابات أي انتخابات ستفرز حتما فائزين وخاسرين، وهي نتيجة طبيعية لأي انتخابات حرة ونزيهة، وعلى الفائزين أن يتحملوا مسؤولية إدارة البلد، وعلى الخاسرين أن يرضخوا إلى هذه النتائج، وأن يعيدوا حساباتهم وخططهم وبرامجهم في الدورة القادمة. ولكن المشكلة عندنا أن عددا كبيرا من الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية هم لا يؤمنون أصلا بالانتخابات ولا بنتائجها، ولكن لسوء حظهم أن الانتخابات هي الوسيلة القانونية الوحيدة للوصول إلى سدة الحكم، ولا مناص من المشاركة فيها.

واضح أن الجميع يريدون المشاركة في السلطة، سواء كانوا فائزين أم خاسرين، وما لم يشتركوا في السلطة لن يسمحوا بحصول أي استقرار سياسي واقتصادي لهذا البلد، وهم إنما يمارسون تلك الضغوط من تظاهرات وقطع للشوارع وغيرها من حملات دعائية في الطعن بالانتخابات ماهي إلا وسيلة لإجبار الطرف الفائز على قبول مبدأ المحاصصة الحزبية، وهو من حيث المبدأ ما سيلجأ إليها في يوم ما الطرف الفائز، لأنه يحمل نفس التوجه الذي يحمله الخاسر.

في النهاية؛ ما لم يُسمح للفائز بتأليف حكومته، ومالم يقتنع الخاسر بخسارته، ويأخذ دور المعارضة السياسية، فلا مشاركة جماهرية في الدورة الانتخابية القادمة، ولا ديمقراطية ولا حرية، وعلى النظام السياسي السلام.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2021
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق