q
لا يبدو الى الآن أي توجه من قبل القوى التقليدية الخاسرة على الأقل في أي معارضة برلمانية فإنها تضغط الان ليس من اجل المعارضة وانما من اجل تحقيق مكاسب سياسية لتكون مؤثرة لجمهورها في المرحلة الانتخابية لأنها تخشى من التراجع أكثر في الدورة الانتخابية القادمة وكذلك لتحقق ضمانات...

أفرزت انتخابات العاشر من تشرين الأول من عام 2021 نتائج كانت مغايرة لكل الانتخابات النيابية السابقة منذ انتخابات الجمعية العامة وصولاً الى انتخابات عام 2018 وصادمة لعدد من القوى السياسية التقليدية في حين كانت النتائج مرضية جدا لقوى سياسية أخرى، حتى بات الصراع بين القوى الخاسرة يصل الى مراحل تهديد السلم الأهلي عبر النزول الى الشارع والتهديد بحمل السلاح او تهديد الدولة والعملية السياسية، وهو ما يمثل نقطة سلبية تضاف الى السلبيات الكثيرة لهذه القوى السياسية الماسكة بزمام السلطة ولتجعل العملية السياسية امام منحدر اخر.

وقد تسن سنة سيئة لكل خاسر في الانتخابات هذا اذا علما ان الانتخابات حسب المعطيات الداخلية والاممية جرت بصورة شفافة، وهو ما سيضر القوى الخاسرة قبل غيرها كونها مساهمة ومؤسسة لكل مجريات العملية السياسية في العراق بعد التغيير وهدم العملية السياسية يضرها قبل غيرها لأنها كانت في مقدمة الإخفاق والفشل في معالجة الواقع السياسي، والخدمي والاقتصادي.

وبالمجمل ان العملية الانتخابية أولاً جرت بقانون اقرته كل القوى الفائزة والخاسرة الان، وكذلك تشكيل المفوضية بقانون كمؤسسة إجرائية من حيث مجلس مفوضيها المتكون من القضاة وكذلك أجهزتها الفنية والإدارية، ثانيا ان القوى الخاسرة لم تستطيع ان تقنع الناخب بصورة عامة حول برنامجها الانتخابي او مشروعها السياسي او على الأقل إنجازاتها في المرحلة السابقة، كما انها ظلت مرتكزة على رمزيات معينة والتي أصبحت محل جدل بين القوى الدينية والسياسية وكذلك الشعبية مما قلل من رمزيتها لدى المواطن.

الى جانب أسباب أخرى لا تقل أهمية عن الأسباب السابقة منها سوء توزيع المرشحين في ظل قانون متعدد الدوائر والنزول بأكثر من قائمة ومرشح للدائرة الواحدة مما تسبب بتشتيت الأصوات الانتخابية في حين كان من المفترض دخول هذه التحالفات الخاسرة بقوائم منفردة، وينزل كل كيان بمرشح واحد او اثنين على اكثر تقدير.

هذه القوائم الخاسرة والتي تأخذ من التصعيد حالا لها لم تدرك هذه الأسباب وقد لا تريد ان تعترف بها وتصدر ما افرزته الانتخابات الى نظرية المؤامرة خصوصا القوى الخاسرة في محافظات بغداد والوسط والجنوب بعد ان أظهرت الكتلة الصدرية تفوقها بأكثر من 70 مقعداً، في حين ان هناك قوى خاسرة في محافظات غرب وشمال بغداد، وإقليم كردستان وتراجعت قوى أخرى، وهذا ما شمل تحالف عزم في قبالة تفوق تحالف تقدم في حين تراجع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني امام تقدم الحزب الديمقراطي الكردستاني، اما في الوسط والجنوب فهناك تغيير كبير في نتائج الانتخابات وهو سيعطي ابعاداً جديدة في التحول الديمقراطي والحزبي، وعموم المشهد السياسي، وربما حتى على حجوم ومستقبل القوى السياسية في العراق إضافةً الى شكل البرلمان القادم كواقع القوى السياسية من الحكومة والمعارضة وهذا إيجابي الى حد كبير ويعطي فسحة فيما يمكن ان نسميه بأول تحول باتجاه الديمقراطية الحقيقية في العراق.

فبقدر خسارة قوى تحالف الفتح المقربة لإيران او تراجعها الى حد كبير التي تضم قوى منظمة بدر، والعصائب، والنهج الوطني، وحركة عطاء، وخسارة تحالفات جديدة داعمة للفتح مثل تكتل حقوق، هناك تقدم ملحوظ لدولة القانون الشريك في الأيديولوجيا والاهداف لقوى تحالف الفتح، وتقدم اكبر للكتلة الصدرية، حيث حققت نتائج تفوق اقرب منافسيها تكتل تقدم بأكثر من أربعين مقعد، وهذا راجع الى عدة أسباب أهمها التحشيد الصدري، ووضع هدف مهم امام الجماهير المتمثل بالتصدي لأعلى منصب في السلطة التنفيذية (رئاسة الوزراء)، ثانيا توزيع المرشحين بدقة على الدوائر الانتخابية وتوجيه الناخبين الى تحديد خيارات الانتخاب لهذا المرشح او ذاك.

النقطة الثالثة وقد تكون راجعة الى عوامل قدمتها قوى من خارج التيار الصدري مثل حرب التسقيط وحروب الحرائق في مؤسسات الدولة وغير ذلك الذي شن قبل الانتخابات والذي أدى الى انسحاب التيار الصدري آنذاك من الانتخابات ولتضغط نفس هذه القوى على التيار وبتقديم ضمانات وان كانت غير ملزمة لكنها استطاعت ان يكون هناك تأثير اعلامي وشعبي وراي عام محلي ودولي صب لصالح التيار الصدري فعندما عاد اصبح هناك تصور اخر لدى جمهوره على الأقل.

اما التغيير الكبير على مستوى الوسط والجنوب هو صعود قوى جديدة واغلبها ولدت من رحم احتجاجات تشرين ابرزها حركة امتداد بزعامة علاء الركابي ومقرها مدينة الناصرية في جنوب العراق وحركة اشراقة كانون...، كما حقق المستقلون بصورة كاملة نتائج كبيرة على مستوى بغداد، والنجف، ومحافظات الوسط والجنوب، وهو ما سيوفر لهم إمكانية في تكوين كتلة سياسية تضم اعداد جيدة تصل الى أكثر من 50 نائبا داخل مجلس النواب، وسيجعل لهذه الكتلة إمكانية طرح مشاريع او جوانب تتعلق بالاستجواب او سحب الثقة ولو على مستوى اثارة هكذا مسائل اذا ما اتخذت من المعارضة سلوكا لها في المرحلة المقبلة وهو ما سيتحقق على الاغلب لتثبيت وجودها شعبيا حتى تحقق نتائج افضل في المرحلة المقبلة.

ومما تقدم نستطيع القول "ان تراجع القوى التقليدي في الانتخابات وتقدم قوى شعبية وقوى وشخوص جديدة مرحلة مهمة اذا ما كان التوجه في المرحلة القادمة باتجاه مسارين:

المسار الأول: القوى الفائزة على مستوى الكتلة الصدرية أعلنت رغبتها ككتلة فائزة بالانتخابات بتشكيل الحكومة وبالتحالف مع بعض القوى السنية كتحالف تقدم، وقوى كردية بزعامة مسعود برزاني، والتحاور مع بعض القوى الشيعية، ووفق مبدأ الأغلبية في تشكيل الرئاسات الثلاث، وهو ما يمثل تحول عند مسارات الحكومات السابقة حيث كانت تشكل وفق قاعدة التوافقات والمحاصصة لكن توجه الاغلبية من قبل الكتلة الصدرية سيواجه تحدين التحدي الأول من قبل الأطراف الشيعية المتمثلة بما يعرف بالاطار التنسيقي الذي يضغط الان على مستوى الشارع الشعبي والتصعيد لتحقيق مكسب على مستوى تشكيل الحكومة، وفي ظل رغبة اقوى تكتلاته المتمثلة بدولة القانون في تشكيل كتلة أكبر لتشكيل الحكومة برئاسة نوري المالكي، اما التحدي الثاني هو ان هناك كتل مكوناتية لا تريد ان تغير في مسارات تشكيل الحكومة عبر التوافقات لحسابات مستقبلية تتعلق ببعض القوى التقليدية من حيث التحالفات السابقة وربما تريد ان تشركها في هذه التوافقات لحسابات مستقبلية.

المسار الثاني: القوى الفائزة على مستوى افرازات احتجاجات تشرين حيث ان التغيير الثاني مثلما قلنا تمثل بصعود كبير لقوى جديدة كتشعبات احتجاجات تشرين من تجمعات، وقوى، ومستقلين، حيث ستبدو هذه القوى متغير جديد في المعادلة العراقية في معطياتها الحاكمة والمعارضة، واذا ما اتجهت للمعارضة الحقيقة الدستورية فهذا يعني اول مرة تشكل معارضة داخل مجلس النواب في العراق بعد التغيير ولو تمثل معارضة اقلية، وان تطرح برامج وفعاليات واقعية في معالجة الملفات الشائكة مثل ملف الفساد في سلوك المعارضة النيابية اذا ما اتجهت القوى التقليدية الأخرى الى المسارات السابقة في الدخول في توزيع الرئاسات الثلاث والوزرات والدرجات الخاصة.

ولا يبدو الى الآن أي توجه من قبل القوى التقليدية الخاسرة على الأقل في أي معارضة برلمانية فإنها تضغط الان ليس من اجل المعارضة وانما من اجل تحقيق مكاسب سياسية لتكون مؤثرة لجمهورها في المرحلة الانتخابية لأنها تخشى من التراجع أكثر في الدورة الانتخابية القادمة وكذلك لتحقق ضمانات سياسية وقضائية في معالجة بعض الملفات الشائكة التي تخص هذه المجموعات والقوى.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق