q
فقد تعرجت علاقة المرأة بالرجل الذي تمكن في مقاطع تاريخية طويلة وفي مجتمعات كثيرة من فرض استبداد رجولي على المرأة، ومنعها في حالات كثيرة من القيام بدورها الايجابي في صنع الحضارة. وكثيرا ما اعتبرت المرأة مخلوقا من الدرجة الثانية فيما احتل الرجل الدرجة الاولى بدون وجه حق...

الضرورة هي ما لا يمكن الاستغناء عنه، او كما في قواميس اللغة العربية "ما تمسّ إليه الحاجة"، والضرورة الحضارية هي ما لا يمكن نشوء وتطور الحضارة بدونه، والحضارة هي نتاج التفاعل بين الانسان والطبيعة، على اساس المعادلة الحضارية التالية:

الحضارة= عناصر المركب الحضاري الخمسةx منظومة القيم العليا الحافة بهذه العناصر، وهي المعادلة التي يمكن تفكيكها على النحو التالي:

الحضارة=(انسانxق١+ارضxق٢+زمنxق٣+علمxق٤+عملxق٥)

حيث تعني (ق) منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة. وق١ الى ٥ تعني منظومة القيم الفرعية الخاصة بكل عنصر من عناصر المركب الحضاري.

ويلاحظ ان الانسان هو العنصر الاول والاساس في المركب الحضاري. والانسان يشمل الرجل والمرأة، وهما في موقع متساوٍ وليس هناك تفاضل بينهما.

ويشير القران الكريم الى هذه الحقيقة بقوله:

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً".

وربما وقع بعض الناس في التباس في فهم هذه الاية، ويزول هذا الالتباس اذا عرفنا ان هذه الاية تتحدث عن عمليتي خلق اثنتين وليس عملية خلق واحدة. وان الله خلق الرجل وخلق المرأة من "نفس واحدة". ومن هذين الزوجين، الرجل والمرأة، "بث منهما رجالا كثيرا ونساء".

وهذا هو اساس المساواة بين الرجل المرأة فيما يتعلق بالدور الحضاري لكل منهما، او كما تؤكد اية قرآنية اخرى تقول: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ".

والمعلوم ان الرجل والمرأة يقومان بدورهما الحضاري على اساس المركز القانوني المشترك لهما في التاريخ، والذي تشير اليه اية قرآنية ثالثة تقول: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة." ويشترك الرجل والمرأة في الاستخلاف الرباني لهما في الارض، وهو مركز يتيح لهما السيادة الكاملة على مصيرهما، وبالتالي اساس التساوي بينهما في الدور السياسي لهما.

وهذا كله نابع من قانون كوني عام هو قانون الزوجية الذي يشير اليه القران الكريم بقوله: "سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ"، وقوله: "وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ"، وقوله: "وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ".

اذا كان هذا هو الموقع الذي يرسمه القرآن للمرأة، فان سياسة الرجل لم تكن متطابقة مع هذا الفهم على طول الخط التاريخي. فقد تعرجت علاقة المرأة بالرجل الذي تمكن في مقاطع تاريخية طويلة وفي مجتمعات كثيرة من فرض استبداد رجولي على المرأة، ومنعها في حالات كثيرة من القيام بدورها الايجابي في صنع الحضارة. وكثيرا ما اعتبرت المرأة مخلوقا من الدرجة الثانية فيما احتل الرجل الدرجة الاولى بدون وجه حق.

لكن البشرية ادركت تدريجيا ان منع المرأة من القيام بدورها الحضاري يحدث خللا كبيرا في المركب الحضاري ويعيق تقدم المجتمعات لان المرأة سواء ادرك الرجل ذلك ام لم يدرك ضرورة حضارية لا يمكن الاستغناء عن دورها المتعادل مع دور الرجل. واذا كانت الطبيعة قد فرضت نوعا من تقسيم العمل بين الرجل والمرأة على صعيد الانجاب مثلا، واذا كان من غير الممكن تغيير هذا التقسيم الطبيعي للعمل، فان ذلك لا يمثل دليلا على نقص المرأة او عدم قدرتها على العمل الحضاري في المجالات الاخرى المشتركة على قدم المساواة بين الرجل والمرأة. وبناء على هذا فان اية ستراتيجية للنهوض الحضاري يجب ان تسجل في جدول اعمالها الضرورة الحضارية للمرأة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق