q
في خضم الاحتياجات المتزايدة يكون الراتب بمثابة ضيف خفيف الظل لا يمكث طويلا حتى ينتقل الى موقع آخر، قد يكون عند اهل الأسواق القريبة من المنزل، وبذلك يبقى الموظف كغيره من الشرائح التي لا تسد قوتها الشهري، وتبحث عن طرق أخرى لتمويل الانفاق الكبير الذي فاق التوقعات، وسط صمت حكومي إزاء الانخفاض الشديد في القوة الشرائية...

كلما وضعت معادلة رياضية ومخطط اقتصادي يساعدني على تخليص الشهر بسلام دون الحاجة الى الاقتراض، تفشل جميع المعادلات والمخططات واضطر التودد الى الاقربون فهم أولى بتحمل الأعباء معي ومشاركتي هموم اكمال الراتب الشهري الذي لا يبقى صامدا سوى أيام قليلة وكأنه ضيف خفيف الظل يفضل عدم المكوث طويلا.

في السنوات الأخيرة ازدادت شريحة الموظفين بنسبة كبيرة من المجتمع، وصارت اغلب الاسر لديها شخص او اثنين يعملون في القطاع الحكومي، أي يعتمدون على الراتب الشهري لتمشية مصروفاتهم اليومية، ومن الصعب ان يعمل مثل هؤلاء الأشخاص بعمل آخر خارج أوقات الدوام الرسمي لاستحالة ذلك من الناحية الجسدية، أي ما يتعلق بالتعب والارهاق الذي يصيب الانسان، وكذلك من الناحية العملية المتعلق بقلة او ندرة فرص العمل في المساء.

فشل المخططات التي يضعها الموظف في نهاية الشهر مع اقتراب موعد استلام الراتب، يرجع الى سبب رئيس وقد يكون الوحيد، والسبب هو تأجيل اغلب الاحتياجات الضرورية وغيرها الى الاستلام وبالتالي تتكالب عليه الطلبات من الاهل بالإضافة الى الاحتياجات الشخصية، التي ترهق المرتب وتُبخر الجزء الأكبر منه دون وضع أي حسابات للأيام القادمة.

وقد يكون من الأخطاء غير الارادية هو الاعتماد بشكل كلي على الراتب الشهري، فلابد لأي شخص ان يضع من اهم أولوياته هو البحث عن مصلحة أخرى؛ لتؤمن له مردود مالي يكون عونا للمرتب ومساعدا على الادخار تحسبا للظروف الطارئة، لاسيما ونحن نعيش في بلد متقلب المزاج على المستوى السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي.

وليس ببعيد ما حصل إبان الازمة الاقتصادية التي مر بها العراق، وتأخر بسببها إقرار الموازنة العامة، مما أدى الى تأخير تسليم الرواتب لأكثر من شهر ونصف، ولا داعي لذكر المأساة التي عاشها اغلب أبناء الشب العراقي الذين يعتمدون اعتماد كلي على الراتب الشهري، بصرف النظر عن قيمته سواء كان مرتفعا او متوسطا او قليلا، الأهم من ذلك هو وجود دخل شهري يقود هذه العائلة.

لم يستطع المرتب الشهري من الصمود بوجه المتطلبات المتزايدة في كل يوم، فلا يوجد شهر يشبه الآخر من حيث الاحتياجات، ومع ذلك يبقى مقدار الراتب الشهري كما هو غير قابل للزيادة او التغيير لمواجهة الآفات الاقتصادية الكبيرة التي تهاجم جيوب الافراد وتقضي على مدخراتهم يوما بعد آخر.

ومثلما للموازنة العامة هنالك أوجه للصرف، فللراتب وجوه وليس وجها واحدا، أولها الإيجار الشهري إذا كنت ممن لا يملك بيتا خاصا او تسكن مع بيت العائلة الكبير وقررت الاستقلال، ويذهب الى المحطة الأخرى وهي صاحب المولدة الذي يراقب مرورك من امام مكانه ليلا ونهارا وقد يعرف بمواعيد تسليم الرواتب أكثر منك.

ولا تنتهي الرحلة عند المشغل بل تستمر الى مزود الاشتراك الشهري بالأنترنت، فله أيضا الحصة الشهرية التي تؤمن استمرار الخدمة وتجعلك على تواصل مع المحيط القريب منك، لمعرفة ماذا يدور وكيف يحصل، وبالتالي يصبح من المستحيل الاستغناء عن هذه الخدمة التي أصبحت كأهمية الاكل والشراب.

ناهيك عما احدثه غياب البطاقة التموينية من ضغط كبير على الدخل الشهري، الى جانب ارتفاع الأسعار المرعب الذي التقف حفنة الأوراق الكثيرة التي تسمى بالراتب، اذ سرعان ما تتطاير بين المحال التجارية التي تضم ما يحتاجه الفرد والعائلة من سلع ومواد أساسية لا يمكن إكمال الحياة بدونها.

المبلغ القليل الذي لا يتجاوز الخمسين او المئة ألف، يبقى يتجول بين الجيوب في الأيام الأخيرة من الشهر، وسيبقى يتخفى خوفا من الوقوع بالأحراج امام صاحبه الذي يحتاج لشراء بعض الملابس، او لديه الرغبة في الخروج الى نزهة مع الرفاق او الاسرة، لكن المانع الوحيد لكل ذلك، هو قصر اليد وخلوها من المال الذي يكفي لهذه المهمة.

وفي خضم الاحتياجات المتزايدة يكون الراتب بمثابة ضيف خفيف الظل لا يمكث طويلا حتى ينتقل الى موقع آخر، قد يكون عند اهل الأسواق القريبة من المنزل، وبذلك يبقى الموظف كغيره من الشرائح التي لا تسد قوتها الشهري، وتبحث عن طرق أخرى لتمويل الانفاق الكبير الذي فاق التوقعات، وسط صمت حكومي إزاء الانخفاض الشديد في القوة الشرائية.

اضف تعليق