q
تحلم الدول بامتلاكها أكثر من منفذ حدودي يكون الجسر الذي تطل من خلاله على العالم الخارجي، فكيف ببلد مثل العراق يمتلك أكثر من عشرين منفذا بريا وجويا وبحريا؟، لكنه لا يجيد التعامل مع هذه النعم التي منحها إياها الله، وبقت جميع ثرواته متبعثرة وحدوده مفتوحة على مصراعيها...

تحلم الدول بامتلاكها أكثر من منفذ حدودي يكون الجسر الذي تطل من خلاله على العالم الخارجي، فكيف ببلد مثل العراق يمتلك أكثر من عشرين منفذا بريا وجويا وبحريا؟، لكنه لا يجيد التعامل مع هذه النعم التي منحها إياها الله، وبقت جميع ثرواته متبعثرة وحدوده مفتوحة على مصراعيها لمن هب ودب دون ضبط وسيطرة مركزية من قبل حكومة بغداد.

عدم تمكن العراق من ضبط الحركة عبر حدوده كبده الكثير من الخسائر، وفي كل مرة تختلف هذه الخسائر عن سابقاتها، ففي الفترة التي عقبت تغيير النظام، تحول العراق الى سوق للتجارة العالمية والإقليمية، فلا توجد ضابطة لدخول البضائع والسلع عبر منافذه المتعددة.

وصارت عجلات الحمل الثقيلة تتجول في مدن الفرات الأوسط والجنوب وكذلك المناطق الشمالية حاملة على متنها السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية الأخرى، كالأجهزة المنزلية وغيرها من الأشياء التي يفتقر اليها السوق العراقي ويتعطش لها المواطن نتيجة الحرمان الطويل والانعزال الذي تعمده النظام السابق.

وقد غرقت السوق المحلية بشتى الأصناف من السلع والخدمات ذات الجودة الرديئة والمتوسطة، ويعود السبب وراء ذلك الدخول هو الفوضى السياسية التي يعيشها البلد، وعدم تنظيم عملية دخول البضائع وفق الشروط العالمية الموضوعة من قبل السيطرة النوعية.

ونتيجة لذلك تكدست السلع في المخازن، وفي اغلب الأحيان لا تخضع للرقابة الصحية وجاء معظمها منتهي الصلاحية لا يصلح للاستخدام البشري، وعلى الجانب الآخر فقد شهدت المنافذ الحدودية حملة واسعة لإدخال العجلات التي لا يسمح لها بالسير في بلدانها الام او في البلدان التي استوردتها، بينما العراق تقبلها على علاتها وانتشرت الفوضى في الشوارع كافة.

علينا ان لا ننسى ان العراق في ذلك الحين يفتقد الى البنى التحتية التي بموجبها يستوعب كمية العجلات الداخلة بصورة غير ممنهجة وعشوائية، وهذا بحد ذاته أضاف مشكلة أخرى الى المشكلات العراقية التي اخذت بالظهور بعد تغيير النظام، فقد اجبر السلطات فيما بعد الى تشريع قانون التسقيط أي عدم منح لوحات للمواطن مالم يسقط عجلة أخرى ليفسح لها المجال في الشارع المكتظ.

في جمع البلدان ينظر الى المنافذ الحدودية على انها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها او إهمالها بأي شكل من الاشكال، فأي نسبة عدم اهتمام يعني الاخلال في النظام الاقتصادي والأمني والصحي للبلد، وكذلك وقوع الضرر الغذائي عبر إدخال المواد المسرطنة او التي تم تصنيعها لأجواء وطبيعة بشرية غير العراقية او العربية كاللحوم وغيرها.

لذلك تحرص الدول على سلامة حدودها من الاختراق وتمنع جميع حالات التلاعب التي تحصل عبر المنافذ، كإبطال عمليات التهريب التي تحصل عبر الاتفاقات السرية بين أصحاب النفوس الضعيفة من التجار ومالكي القرار في ذلك المعبر، وحصلت مثل هذه الحالات الكثيرة والتي تتقاطع مع القانون جملة وتفصيلا.

وقد أثر ذلك الامر على ترسيخ صورة ذهنية سلبية عن المنافذ الحدودية، فعند الحديث عن هذا الملف لا تأتي اليك سوى الأشياء المرتبطة بالسلب والنهب والأساليب الملتوية التي تتبعها منظومات الفساد وتسيطر على مجمل العمليات الحاصلة عبر المنافذ الحدودية، فلا تزال جهة ما او جهات متعددة تتحكم بما يخرج ويدخل الى ارصفة الموانئ.

وشعر الكاظمي بعد توليه رئاسة الحكومة بما تمثله المنافذ الحدودية من أهمية اقتصادية تدر ملايين الدولارات شهريا، وعمد لتنفيذ هذا الامر الى تغيير بعض مدراء المعابر واتبع سياسة جديدة لإدارة هذه المنافذ واستمر الحال مدة قصيرة لا تتناسب مع حجم الهالة الإعلامية التي احاطت بالموضوع، لكن مع كل هذا لم يطلع الشعب العراقي على الإيرادات الحقيقية التي تضيفها الضرائب الى الميزانية العامة للدولة.

بعد حين وبحسب معلومات مؤكدة من قبل العالمين في المنافذ أكدوا ان الأوضاع عادت كما في السابق ولم يتغير شيء بعد الصولة الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي التي توظفها الحكومة لتمرير القضايا على الجمهور الداخلي، وها نحن نتجاوز العام على إجراءات الكاظمي الشكلية ولم نعرف اين تذهب الأموال المتحصلة وما مقدارها.

ينم ذلك عن وجود مافيات فساد تتجاوز قدرة الدولة في السيطرة على منافذها الحدودية وبالتالي نصل الى حقيقة مرة لا يمكن تجرعها، وهي ان هدر الأموال الحاصل عبر هذه الطرق سيستمر ولا تستطيع أي حكومة تتبجح بالقوة والامكانية على التحكم في الخيرات الأتية عبر هذه البوابات الاقتصادية المهمة في جميع البلدان سوى العراق الذي يهدر ثروته بكل هدوء.

ولكي نتخلص من هذه المشاكل المتراكمة هنالك نظام عالمي الكتروني لديه القدرة على التعامل التقني مع جميع المدخلات والمخرجات عبر المنافذ، شريطة ان يخضع هذا النظام الى سلطة رقابية في بغداد بعيدا عن سطوة الجهات المتحكمة منذ سنوات بتدفق الأموال والسلع من والى البلاد، وبالتالي تكون الحكومة العراقية قد وفرت على نفسها الوقت والجهد بنسبة كبيرة لا يمكن مقارنتها بالطرق التقليدية الورقية المتبعة حاليا.

إذا اتبع هذا النظام بالتأكيد سيحفظ للعراق ثروته من الضياع الى جانب ذلك ستقل نسبة الانحدار الأمني الي خلف انتشار العديد من الظواهر السلبية بما في ذلك دخول المخدرات والاشياء الضارة بصحة الانسان والمجتمع، وستجعل منه بلدا له سيادته وقوته التي لا يمكن قهرها او التعدي عليها من قبل الجهات التي اعتادت خرق القانون والعبور عليه.

اضف تعليق