q
فالسلطة في البلدان العربية بمفهومها القهري التسلطي والبائس تنتج مشهدا سرياليا من التخلف الفكري والعلمي والاقتصادي ولا تثمر غير الحنظل والمرارة والانحطاط حتى أصبحت دولنا كالجثة الهامدة وكقفر تصفر فيه الرياح وتمور فيه شتى صنوف الانحرافات والمشاهد المخزية. ولا غرابة إذا في بقائنا من دون الأمم الأخرى...

كلنا نحب السلطة ونسعى إليها كما نحب المرأة الجميلة الفاتنة ونرغب في ودها وقد تأتي على حين غفلة كالقدر المحتوم ونحاول بشتى الطرق الوصول إليها والتربع على كرسيها الوثير وعرشها دون التفكير في إكراهاتها واستحقاقاتها وأهدافها وأخطارها ومصائبها اللعينة.

فالسلطة ببهرجها ودسائسها وغموضها جاذبة للنفوس فالكل يريد التمتع بحلاوتها وخطب ودها والبقاء في حضيرتها أكبر مدة ممكنة ولو باستعمال الحيلة والمكر والقضاء على شعب كامل والمشي على الجماجم.

فالسلطة كالمرض القهري الذي يصيب محترفي السياسة والتسلط فلا يفارقهم طوال حياتهم ويعيش معهم ويملك تفكيرهم وأحاسيسهم ويقض مضجعهم ليلا ونهارا حتى وإن اكتووا بنارها وأعماهم غبارها ونالوا ما نالوا من السخط الشعبي والتحقير.

ففي عالمنا العربي تعتبر السلطة نعمة النعم وقمة اللذة بحيث الجميع في خدمتها وطاعتها والتقرب منها والتذلل لها ومنحها النفس والنفيس لا رقابة عليها ولا محاسبة لها بيدها الثروة تعطيها لمن تشاء فترفع للقمة رعاع القوم وتذل عليته إلى أسفل السافلين وتجعل من الدولة ملكية خاصة لها والشعب خدما وعجما فيها.

فهذه السلطة المطلقة والمريضة بالقهر التاريخي الامبراطوري والسلطاني والتي ترتدي أقنعة الدين والعظمة الأسطورية قد أتت في غفلة من التاريخ بلا مشاريع ولا أهداف واستراتيجيا ورؤية حصيفة ضمن مؤامرات دولية وتحالفات مشبوهة بين القوى العظمى.

والسلطة بالمفهوم البائس للكلمة هو البحث عن غنيمة بغير استحقاق علمي أو عملي أو سياسي بحيث يكون الوصول إليها عن طريق الصدفة والانتهازية والمساندة الأجنبية لتمرير مشروع لا يخدم مصلحة الوطن بل مصالح شخصية أو فئوية أو دولية.

والسلطة أشكال وألوان فهناك السلطة الدينية والسلطة المعرفية والسلطة السياسية والسلطة الأبوية وسلطة القانون والحق بحيث تتعدد المفاهيم والاتجاهات ومكوناتها غامضة وملتبسة أمام العامة ولا نرى منها غير أطراف القميص والشعارات الرنانة.

ولا غرابة إن قلنا أن كل واحد منا يملك السلطة دون أن يعرف ذلك وأقربها منا السلطة الطبيعية كسلطة الأب والأم في العائلة وسلطة النفس والعقل على صاحبها فكما يسيء رئيس الدولة أو المؤسسة استعمال سلطته يفعل الشخص بنفسه أو الأب بأبنائه.

وإذا ما لم تتوفر السلطة السياسية أمام بعض الأفراد فهناك الأحزاب والمنظمات والنقابات وكل واحد يعتبر نفسه سلطان زمانه في مكانه ويقوم بنفس الأفعال المتاحة لرؤساء الدول أو أكثر والأغلبية منهم يعيش انفصاما قهريا بين ما يبوح به لمريديه وبين ما يبديه من ولاء وطاعة وانتهازية لصاحب السلطة وهذا يعد نفاقا وسلطة فاسدة بدون منازع.

ولفساد هذه السلط جميعا وانتهازيتها وكذبها على المواطن وعملها العشوائي الشللي بدون مشروع ورؤية صادقة وحكيمة وكل همها البحث عن الكرسي بأي ثمن والحصول على امتيازات مدفوعة من قبل المنخرطين ودافعي الضرائب مقابل الأوهام والخديعة لا يمكن الحديث عن سلطة راقية ومنتجة للحداثة والتطور.

فالسلطة في البلدان العربية بمفهومها القهري التسلطي والبائس تنتج مشهدا سرياليا من التخلف الفكري والعلمي والاقتصادي ولا تثمر غير الحنظل والمرارة والانحطاط حتى أصبحت دولنا كالجثة الهامدة وكقفر تصفر فيه الرياح وتمور فيه شتى صنوف الانحرافات والمشاهد المخزية.

ولا غرابة إذا في بقائنا من دون الأمم الأخرى الصاعدة منها والراسخة في التقدم في أسفل الحضارة وفي قاع العالم ننتظر رحمة من السماء ونحن نائمون في العسل والأحلام وفالحون فقط في الركض وراء الأوهام وجبارون طغاة أمام شعوبنا المقهورة الجائعة وسيوفنا على أعناقنا حادة وقاطعة ومهرولون بائسون طامعون أذلاء أمام السفارات الأجنبية لعل صك السلطة والرضاء يأتي من بين أيديهم في قفة العار والمذلة.

فالمرض القهري للسلطة يجعلها في خوف دائم من الرعية فتحتمي بالقصور والقلاع والعسس وترتمي في أحضان الأجنبي وتمنحه سلطة أخذ القرار مكانها لتبقى لها فقط سلطة فارغة ولهذا فأغلب الرؤساء يهتمون بالأمور التافهة وينغلقون على أنفسهم كالمصابين بالجذام أو الجنون إلى أن تحين ساعتهم عندما تنتهي مهمتهم فيقتلعون مثل الضرس المريض ويرمونهم في مزبلة التاريخ.

والغريب أن أكثر الناس لا يتعظون من أحداث التاريخ ولا يغيرون من عاداتهم السيئة كحبهم الأعمى للسلطة رغم علمهم بما قد تؤول إليه الأمور ظانين أن ما أصاب الآخرين لن يطالهم وهم محصنون وفي حماية الدول الأجنبية النافذة.

ولعنة السلطة كثيرا ما تأتي على عوارض يمكن التنبؤ بها واتقاء شرها وأهوالها فمجرد شرارة واحدة على أطراف البيدر يحترق الأخضر واليابس ويتحطم المعبد على الرؤوس.

اضف تعليق