q
مشكلة النقص الحاد في الأبنية المدرسية تعتبر من المشكلات الازلية في العراق، وخصوصا بعد تغيير النظام، فلا توجد خطط فعلية للبناء، واغلب المشروعات وهمية، هدرت أموالها بين الجهات المشرفة والمنفذة لأغلب المشاريع، والنتيجة هو النقص الفادح في اعداد المدارس، الإهمال الحكومي لهذا القطاع، جعلنا نشاهد انطلاق العديد من المبادرات الاجتماعية لبناء مدارس متعددة...

حصلت مجموعة شبابية في احدى المناطق الريفية بمحافظة عراقية على موافقة المديرية العامة للتربية، من اجل تشييد مدرسة لتخفيف الزخم في المدرسة الحكومية الوحيدة في المنطقة والتي تجاوز عدد الطلبة في الصف الواحد فيها 70 طالبا، ويكفي لك هذا الرقم ان تتخيل الوضع اليومي لمثل هذه الصفوف، وما يشكله ذلك من تهديد خطير للعملية التربوية.

المدرسة الريفية ليس وحدها من تضيق صفوفها بأعداد التلاميذ المتزايد عاما بعد آخر، ومع هذا الضغط الكبير على المدارس، تقف وزارة التربية ومن خلفها الحكومة المركزية عاجزة عن المبادرة بحلول ليست وقتية، وتكتفي بالحلول الترقيعية المؤقتة التي تنهار بموسمين او موسم دراسي.

ومن بين هذه الحلول، أنشأت الحكومة المدارس الكرفانية، وهي عبارة عن غرف مصنعة من الحديد مع مواد عازلة، وتسمى أيضاً بالبناء الجاهز المؤقت، استخدمت في العراق كحل مؤقت إلى حين إنشاء مدارس تتضمن قاعات دراسية بحسب الأصول، وبالشكل الذي يلائم التقدم الحاصل في المجال العمراني.

استخدمت المدارس الكرفانية نتيجة الانفجار السكاني الكبير الذي تشده اغلب المدن العراقية، بفعل الهجرة او النزوح من منطقة الى أخرى او عن طريق التنقل بين المدن، ما يؤدي الى كثافة في مدينة معينة مقارنة بالمدن الأخرى، ولم نجد وقفة حكومية لإيقاف الترهل في بعض المدارس وتفضيل السكوت عما يدور في المجال التعليمي.

نتتبع معك عزيزي القارئ لنوضح الأسباب الرئيسية التي دفعت أهالي بعض المناطق الى الاعتماد على الميسورين منهم لبناء مدرسة تحمي أطفالهم تقلبات الجو والتغيرات المناخية، لاسيما وان الكثير من المدارس الكرفانية معرضة للحريق بسبب تماس كهربائي او نتيجة خطأ من قبل أحد الافراد.

وذلك الامر يمنع الأهالي من الذهاب لمثل هذه المدارس الخاوية، التي لا توفر أدنى نسب الأمان بالنسبة للأبناء، وهو ما اجبر العديد من الاسر على التسجيل في المدارس الاهلية وتحمل الأعباء المالية الإضافية، لضمان حياة أبنائهم بعيدا عن الجانب العلمي ومستواهم الدراسي.

وتتناقل الاخبار عن وضع حجر الأساس لألف مدرسة في عموم البلاد وفق الاتفاقية الصينية لبناء المدارس، اذ يمثل هذا الرقم اقل الربع من الحاجة الفعلية من المدارس في العراق، حيث أفادت تقارير رسمية ان العراق بحاجة الى 8000 مدرسة لفك الاختناقات والدوامات المزدوجة.

ولو وضعنا فرضية ان العراق استمر بهذا القدر من الاهتمام ونفذ العدد الذي وضع حجر أساسه، فلا يعني ذلك انتهاء المعاناة جراء نقص المدارس، ذلك لان العدد الكلي للطلبة في ارتفاع مستمر، ما يجعل استمرار الحاجة الى بناء وحدات إضافية لاستيعاب تلك الاعداد قائم.

لكن ووفق المعطيات الموجودة فان العراق لا يمكن له السيطرة على الانفجار السكاني غير المنضبط، والمؤدي الى ضغط كبير على المنظومة التربوية، ويجعلها في حالة احراج دائمة امام المواطنين، المتعطشين لرؤية ابنية مدرسية نظيفة تحتوي على جميع شروط السلامة وتمكن الملاكات التربوية من تقديم المواد العلمية بصورة سلسلة ومريحة.

مشكلة النقص الحاد في الأبنية المدرسية تعتبر من المشكلات الازلية في العراق، وخصوصا بعد تغيير النظام، فلا توجد خطط فعلية للبناء، واغلب المشروعات وهمية، هدرت أموالها بين الجهات المشرفة والمنفذة لأغلب المشاريع، والنتيجة هو النقص الفادح في اعداد المدارس.

الإهمال الحكومي لهذا القطاع، جعلنا نشاهد انطلاق العديد من المبادرات الاجتماعية لبناء مدارس متعددة، وهنا انقلبت الآية، وأدى الأهالي الوظيفة الحكومية، التي يتوجب عليها توفير الحد الأدنى من الوسائل التربوية، وعدم السماح لمثل هذه الازمة ان تظهر وتنتشر في مناطق كثيرة.

لقد فقد المواطن الثقة بالجهاز الحكومي على مستويات عدة، والدليل هي حملات التبرع التي تصادفنا ونسمعها لبناء بعض المدارس وصيانة مدارس أخرى، ومن يسمع بهذه المبادرات في الخارج، يتصور ان العراق سيعلن افلاسه في الأيام القليلة القادمة.

بينما العراق كان ولا يزال من اغنى بلدان المنطقة، وأكثرها يحمل تاريخا مشرفا واهتماما بالعلم والمعرفة، لكنه تحول بفعل السياسات الخاطئة والعشوائية التي تتحكم بالبلد، الى واحد من البلدان المتخلفة في الحقل التعليمي، حتى تذيل اغلب التصنيفات التي تصدر من جهات رسمية شرعت بتقديم تقييمات للجوانب العلمية والتربوية لدول المنطقة.

وقد أغفل العراق الخطط التنموية التي تعتمد بدرجة أساسية على عناصر القوة الموجودة في المجتمعات، وتتجسد أحد اهم ملامح القوة في الاهتمام بالجوانب العلمية، لبناء تعليم رصين وقوي ينتج عقولا قادرة على التفكير المنظم، الى جانب امتلاكها المهارة الكافية للاستفادة من التفكير الإيجابي واستثماره في الجوانب العلمية.

ومن المشاكل الكبيرة التي الى الآن لم يتمكن صاحب القرار تجاوزها هي رداءة البناء، وقلة الاهتمام في المواد الداخلة بتشييد هذه المدارس، وهو ما جعل عدد ليس قليل من المدارس بحاجة الى إعادة صيانة بعد دخولها الخدمة بعام او عاميين، وسبق أن أعلنت منظمة اليونيسف في مايو (أيار) 2019 في بيان، أن 50 في المئة من مدارس العراق تحتاج إلى إعادة صيانة وترميم، فما بالك اليوم!

توفير بيئة مدرسية صحيحة وفق الشروط القياسية العالمية، يسهم وبصورة كبيرة في تعزيز الهوية الوطنية، ويخلق جيل ينتمي لبلده، حريص على تطوره ونهضته، لكن إذا بقي هذا الجيل يراقب قطرات المطر قبل سقوطها على رأسه في المدارس الكرفانية، والسرادق، سيخلق ذلك الحال نفور حاد من المقاعد الدراسية وازدياد معدلات الجهل والتخلف.

اضف تعليق