q
الطلاق خبرة سلبية في حياة الإنسان تسببها معاناة وتنتج عنها معاناة حاصلة عن فك رباط الزوجية بسبب عدم الانسجام وضمور الألفة وتجاوز حدود الإلتزام بين الزوجين. رغم أن هذه الخبرة السلبية كائنة في المجتمعات منذ كينونة الزواج، غير أن معدلات حصولها تزايدت بشكل عام في العقود الخمس الأخيرة...

ما هي المتغيرات الثقافية والسلوكية التي ساهمت في زيادة حالات الطلاق؟ وكيف يمكن انتاج ثقافة اجتماعية جديدة لإحتواء أزمة الطلاق؟

الطلاق خبرة سلبية في حياة الإنسان تسببها معاناة وتنتج عنها معاناة حاصلة عن فك رباط الزوجية بسبب عدم الانسجام أو/ وضمور الألفة أو/ وتجاوز حدود الإلتزام بين الزوجين. رغم أن هذه الخبرة السلبية كائنة في المجتمعات منذ كينونة الزواج، غير أن معدلات حصولها تزايدت بشكل عام في العقود الخمس الأخيرة في كل مجتمعات العالم إلى درجة تلفت الأنظار وتوحي بضرورة الوقوف على حيثيات هذه الظاهرة والبحث عن أسبابها ودواعيها.

قد تتوافق الرؤى على مجمل من الدواعي والأسباب تفسر ذلك نذكر منها ما يلي:

أولا- التغير في المفاهيم وفي نسبية الأعراف والقيم:

في زمن بعد الحداثة تبدلت تدريجياً كثير من الاعتبارات الإنسانية وانبعثت مفاهيم جديدة طغت على المفاهيم القديمة إلى حد تجاوز الأعراف الإجتماعية والقيم. فبعد أن كان الزواج في الغرب عهد مقدس بين الزوجين لا يمكن نقضه أو فكه، حيث كان الطلاق محرما في الشريعة المسيحية وخلة إجتماعية كبيرة من جهة وكان فعلا مكروها نادرا عند المسلمين من جهة أخرى، صار اليوم تجربة شائعة تحصل في المجتمعات وبين الأسر ولا ينبعث عنها استنكار أو استغراب وعجب.

هذا التبدل في النهج شاركت فيه عوامل وأسباب من بينها ابتعاد الأجيال الجديدة عن القيم العقائدية السائدة وعن الاعراف الإجتماعية المتبعة نتيجة للتأثر بثقافات زمن ما بعد الحداثة وثقافات المدنية التي رافقتها والتي نشأت بادىء ذي بدء في البلدان الغربية وما لبثت أن انتقلت اشعاعاتها إلى سائر الدول بسرعة البرق وخصوصا إبان ثورة المعلومات "التكنواثيرية" مؤخراً.

ثانياً- الانفتاح الإعلامي وانبعاث وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة:

دخل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بكل أنواعه إلى بيوت الناس من غير إذن، فتلقفته الأجيال الصاعدة وتأثرت به إلى حد المسح الدماغي في بعض الأحيان. لم تك الحصانة التربوية كافية لدرء اخطار هذا المد الإعلامي الجارف وغير الهادف والدخيل على قيم مجتمعاتنا المستندة على أخلاق العقيدة والقيم.

الاحتكاك بين الناس عبر شبكات التواصل الإجتماعي المختلفة سهل العوارض والمعيقات التي كانت تحول ضد الاختلاطات السطحية العائمة وربما غير الموزونة بين الأفراد مما تضر في السلوكيات والتصرفات الإيجابية سواء أكان ذلك في مراحل قبل الزواج أو بعده. فقد يسيء الفرد في إختيار الشخص المناسب من خلال هذه الوسائل بسبب سطحية العلاقات من جهة، أو قد تورطه في الانزلاق بعلاقات حميمة تفسد عليه علاقته الزوجية القائمة أصلا من جهة اخرى.

ثالثاً- استقلالية المرأة:

منذ الستينات من القرن المنصرم بدأت المرأة في مشاركة الرجل في تسنم الأعمال والمراكز والمهن، بعدما كانت ربة بيت تهتم في تربية الأطفال وإدارة شؤون بيتها. كان الرجل هو المعيل المادي الأوحد في العائلة وكانت الزوجة تجاري زوجها طوعا أو كرها وتطيعه رغم تنمره واستبداده احيانا، حفاظا على لقمة العيش وشعورا بالضعف في بعض الاحيان.

باشرت المرأة بالشعور بالاستقلالية وفي بواعث القوة حينما توفرت لها مصادر المادة. هذا التحول في الإعتماد المادي اخرجها من هواجس الحاجة المادية ففرضت وجودها واراداتها التي ربما شكلت محور تنافر وتباينات في وجهات النظر في إدارة الشؤون الخاصة والعامة بينها وبين زوجها والتي قد تؤدي إلى شرخ في العلاقات الزوجية الطبيعية في بعض الحالات.

رابعا- حقوق المرأة:

لا غبار على ضرورة تمتع المرأة بحقوقها الشرعية كونها كيان إنساني رفيع يستحق التقييم والاعتبار، غير أن بعض الدعوات من المنظمات المختصة في حقوق المرأة تشوبها المبالغة والتحريض على السلبيات. هذه الدعوات قد تحفز بعض النساء إلى المبالغة في ردود الأفعال وفي التصرفات التي قد تتجاوز الخطوط الحمراء في العلاقات الزوجية الطبيعية الصحيحة والمبنية على أسس الحقوق والواجبات للزوج والزوجة.

برزت ونتيجة هذه الثقافات المتطرفة ظاهرة "الاسترجال" عند بعض النساء حيث يعتبر الزوج غريم وند وليس شريك حياة، وتحت شعارات حقوق المرأة ومبدأ المساواة مع الرجل بدأت رحلة الصراع وحملات التنفير التي تحجب المرأة عن تحمل الزوج وتصرفاته وتثبط من عزيمتها وصبرها على تحمل مسؤولياتها العائلية.

هذه الحملات التنفيرية قادتها بعض المنظمات المغالية وجهات إعلامية خاصة وحركات نسائية متطرفة أو حتى عناصر داخلية من أسر الزوج أو الزوجة تعمق الخلافات وتغذيها وتشجع على الانفصال وهدم عش الزوجية. فمثلما حطمت الديمقراطيات المستوردة مستقبل بلدان وشعوبها فقد تحطم شعارات حقوق المرأة المستوردة في مغالاتها لحمة الأسرة وصيرورتها عندنا. من خلال هذه المتغيرات ودواعيها ومكامن الخطر فيها يمكن التنظير في معالجة ظاهرة الطلاق المستشرية من خلال الوقوف على مواقع الخلل وإصلاحها.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها (مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث) في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان: (دور المتغيرات الاجتماعية في أزمة الطلاق)

اضف تعليق


التعليقات

عبداأمير
العراق
اصبتم وأجدتم أيما إجادة...أن الجهات التي تشحن المرأة بمبادرة
المساواة..غربية الأصل.ومغرضة.أنها على دراية ودراسة معمقة
للميول الغريزة للأنسان من كلا الجنسين ولمختلف الأعمار.. ووضعت برامج ومناهج وأسست هيآت المتخصصين للعمل بها عبر مواقع التواصل الأجتماعي. لأثارة ودغغة مشاعر كل فرد ودفعه بأتجاه
التصرف وفقا للغرائز الكامنة بأتجاه تحطيم المثل والقيم التي
يصفونها بالمحلية.وتكريس عالمية القيم وفقا لمفهومهم الرأسمالي2023-03-27