q
حل النزاع بين الشمال والجنوب يجب أن يتم وفقًا للقوانين والدستور اليمني. أما بالنسبة للأمن القومي، والتهديد الإيراني، فهذه الكذبة العالمية تفضحها أسوأ كارثة إنسانية خلفها التحالف السعودي الإماراتي في العالم، وتتعمق هذه المأساة أكثر فأكثر مع استمرار حصار اليمن. أما حكومة "مجلس القيادة الرئاسي وحكومة المجلس...

الشرعية الدستورية للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً

دخلت الجمهورية اليمنية بأكملها في حالة من انعدام الأمن والفساد المستشري بسبب سقوط "الرئيس هادي وحكومته"، الذي منح الشرعية الدستورية كرئيس منتخب (توافقي) للبلاد منذ عام 2012، بموجب مبادرة مجلس التعاون الخليجي وبدعم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. لحماية حكومة الرئيس هادي الشرعية من أنصار الله، بدأت الأعمال العدائية في اليمن منذ عام 2015 حتى يومنا هذا بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكان شعارهم حماية واستعادة السلطة الشرعية للرئيس هادي وحكومته التي أطاح بها الحوثيون.

في أغسطس 2019، قاد المجلس الانتقالي الجنوبي انقلاباً مشابهاً لانقلاب الحوثيين ضد حكومة الرئيس هادي المعترف بها دولياً، طردوا الحكومة الشرعية والقوات الموالية لها من عدن (العاصمة المؤقتة) وهذا يعني فقدان الرئيس هادي "الشرعية". هذا يؤثر على شرعية التدخل السعودي في اليمن ويعزز بشكل كبير موقف الحوثيين كقوة فاعلة، تقع تحت سلطتها 80٪ من سكان اليمن. كما يصعب على السعودية مقاومة حكومة المجلس الانتقالي الجنوبي التي تدعمها الإمارات الشريك الرئيسي في التحالف.

إذا سقطت شرعية هادي، ستفقد السعودية غطاءها الدولي لمواجهة الحوثيين في اليمن. لذلك، يضطر السعوديون للبحث عن حلول توافقية مع المجلس الانتقالي الجنوبي. لكن هذا لا يعني أن علاقاتها مع الإمارات فيما يتعلق باليمن ستكون جيدة. من هنا بدأ تحالف البلدين في اليمن بالتفكك عملياً. في نوفمبر 2019، تم توقيع "اتفاقية الرياض" بين السعودية (ممثلة بالحكومة المعترف بها دوليًا) والإمارات (ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي) وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وهكذا تم الحفاظ على الشرعية الدستورية الهشة للرئيس هادي وحكومته. في 7 نوفمبر 2022، أطاحت الرياض بالرئيس هادي وحكومته (التوافقية) المنتخبة من قبل القوى السياسية اليمنية في صنعاء عام 2012. وتشكيل ما يسمى بـ "مجلس القيادة الرئاسي"، الذي ليس له صبغة دستورية. بموجب الدستور، إذا غاب الرئيس عن المشهد، يتولى نائب الرئيس مهامه لمدة 60 يومًا تُجرى خلالها الانتخابات. ووفقًا للدستور اليمني، إذا غادر الرئيس ونائبه المشهد في نفس الوقت هنا يتولى رئيس مجلس النواب السلطة في اليمن.

هناك أيضًا سيناريو مثالي، وفقًا لرأي الباحثة في الشؤون اليمنية هيلين لانكر، إيجاد رئيس يتمتع بشعبية لدى اليمنيين بمختلف انتماءاتهم السياسية وملتزمًا بقضية السلام. ويجب أن تكون هذه الشخصية على دراية بمطالب الجنوب ومظالم الشمال. ولكن، كما تقول الباحثة، من الصعب العثور على شخصية تلبي هذه المتطلبات. وهكذا، مع سقوط هادي، سقطت شرعية التدخل السعودي الإماراتي في اليمن. وحربهما على اليمن تعتبر الآن عدواناً على اليمن يتطلب حماية دولية لليمن. نتيجة عزل هادي، ظهرت عدداً من حكومات الظل الموازية لـ (مجلس القيادة الرئاسي) ذراع السعودية، كل هذه الحكومات تدعم من الرياض وأبو ظبي.

ولهذا، يعاني اليمنيون الجنوبيون الآن من مشاكل يومية مختلفة، ودولتهم ضائعة، ولا توجد مؤسسات ولا سلطة لها الحق في السيطرة وإقرار سيادة القانون. ومما يعزز هذا إفتقار جنوب اليمن إلى مؤسسات الدولة الفعالة لذا الحرب في اليمن مستمرة ولا تلوح في الأفق نهاية للأزمة الإنسانية التي يعاني منها ملايين اليمنيين. ونتيجة لذلك، فإن تلك الأحلام اليمنية الجنوبية، التي طالبت في ذلك الوقت بفصل جنوب اليمن عن شماله، كانت تطمح إلى حياة طبيعية وبداية جديدة لمؤسسات حقيقية من شأنها تطبيع الأوضاع، وتبني دولة مدنية حديثة، وتعيد الاحترام إلى سكان مدينة عدن، التي كانت قبل الاستقلال ثاني أو ثالث أكثر الموانئ ازدحامًا في العالم. بعد معاناة لعقود من فساد الجبهة القومية والحزب الاشتراكي، وأخيراً من فساد طغمة الرئيس علي عبد الله صالح الذين عملوا على إقصائهم وتهميشهم وحرمانهم من أي فرصة لإدارة شؤون مدينتهم.

الآن بدأنا نشهد صحوة جنوبية، صحيح أنها الآن ضعيفة وفي مهدها، لكنها تتصاعد بعد أن فهم الجنوبي خداع التحالف بادعاءاته بـ "دعم الشرعية" ومحاربة "النفوذ الإيراني". و"محاربة الإرهاب". هذه الصحوة المجتمعية من أهم العوامل التي من شأنها قلب موازين القوى لصالح الحراك الوطني اليمني (الحراك الجنوبي)، إلى جانب تطوير القدرة الدفاعية لأنصار الله. إضافة إلى ذلك، من المهم للغاية إعادة تقييم عمل الحراك الجنوبي، والتخلي عن احتكار القيادة، ونشر روح الديمقراطية في الحراك الجنوبي، وعدم تكرار أخطاء المجلس الانتقالي الجنوبي واعتماده على القوى الخارجية.

رحيل هادي وتشكيل (مجلس القيادة الرئاسي)

لا يشكل خروج هادي من الرئاسة نقطة تحول رئيسية في الحرب في اليمن، لكن من الصعب التنبؤ بنتائجها على وجه اليقين. هادي يفتقر إلى الكاريزما. لقد اختار المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة والأمم المتحدة والسعودية، هادي رئيساً لسبب واحد فقط، وهو ما يمثله: استمرارية الدستور. هادي مجرد رئيس مؤقت، رئيس انتقالي لعامين فقط، لا أكثر. لهذا الاستفتاء الشعبي احتوى على اسمه فقط دون إمكانية التصويت بـ "لا". تم تمديد رئاسة هادي في فبراير 2014 للعام الثالث دون تصويت، هذه المرة. لكن الحوثيين تمكنوا من السيطرة على صنعاء قبل نهاية العام ووضعوا هادي قيد الإقامة الجبرية. استقال هادي في النهاية، وفر إلى عدن ثم رفض الاستقالة، وسافر إلى السعودية وفي مارس 2015 دعا الدول المجاورة للتدخل عسكريًا واستعادة سلطته. وافق المجتمع الدولي على التصرف وكأن هادي لديه السلطة اللازمة.

وهكذا بدأ التحالف بقيادة السعودية في شن غارات في اليمن، وتحولت حكومة هادي من "الحكومة الشرعية في اليمن" إلى "الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً". في ذلك الوقت، تم طرح السؤال: ماذا سيحدث إذا استيقظ اليمن يومًا ما واكتشف وفاة هادي؟ اليمن منقسم بشدة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة ذات مغزى شبه مستحيل. بدون هادي، ستتبخر الشرعية الضعيفة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. لا يوجد رجل في اليمن اليوم يمكن القول إنه قادر على توحيد معظم فصائل المشهد اليمني المنقسم، وفشل الرئيس رشاد العليمي دليل على ذلك.

إن تنحية هادي من رئاسة الجمهورية لن يؤدي إلا إلى تسريع انقسام وتفكك الدولة اليمنية، هذا ما نراه الآن. لا سيطرة فعلية على الأرض لأي قوى أو مكون سياسي في عدن أو غيرها من المحافظات الجنوبية. لأن السيطرة تعني المسؤولية عن الأحداث سواء كانت أمنية أو اقتصادية، وما يحدث في عدن أن هناك تحركات، سواء في المجلس الانتقالي أو الحكومة الشرعية، لكنهم لا يستطيعون اتخاذ القرارات. اليوم، عدن تحت سيطرة الميليشيات الإرهابية، حيث غاب الدور القيادي للرئيس والحكومة الشرعية. سقط الجنوب تحت سيطرة السلطات المحلية أو الميليشيات، والدولة غائبة.

المنافسة السعودية الإماراتية على تقسيم اليمن

وبحسب رأي محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله "كان هناك اتفاق بين السعودية والإمارات على تسليم الجنوب إلى الإمارات، واعتمدت السعودية على عودة هادي إلى صنعاء كرئيس صوري ومن خلاله تحقق طموحاتها في جميع أنحاء اليمن، وعندما أدركت ان ذلك غير ممكن، توجهت نحو المحافظات المحتلة (الجنوبية) التي كان من المفترض أن تكون حصرية للإمارات بالاتفاق. هذا التوجه السعودي نحو الجنوب أثار خلافا مع الإمارات.

الإعلان عن انسحاب الإمارات من الحرب ضد الحوثيين منتصف يوليو 2019، مع تأكيد استمرار تحالفها مع السعودية في اليمن. يبدو انها عملية تهرب سياسي أرادت الإمارات منها، فقط لتأكيد خروجها من الحرب وتبرئة مسؤوليتها من أي جرائم حرب أو أي تبعات قانونية أخرى قد ترتكب. في الوقت نفسه تحافظ على النفوذ الذي حققته من خلال عملائها من المكونات السياسية والميليشيات المسلحة، وتتجه الآن لتكريس ذلك النفوذ وترسيمه بشكل نهائي. في الوقت الذي ترى فيه السعودية أن حربها في اليمن لم تنته بعد وأن أنصار الله ثابتون على مواقفهم، لذلك فإن تقاسم ما جمعه التحالف ربما لم يحن وقته. لهذا السبب نرى النفوذ والمصالح الإماراتية تتعارض دائمًا مع المصالح السعودية في جنوب اليمن. لم تقف المواجهة الإماراتية ضد السعودية، في المستقبل القريب ستنشأ مواجهة أخرى مع سلطنة عمان. الإمارات العربية المتحدة ليس لها حدود برية مع اليمن، لها مخرج واحد: مقايضة أراض مع السعودية أو سلطنة عمان على حساب أراض يمنية. في كلتا الحالتين، لن تخسر الإمارات شيئًا، هي المستفيد، وإلا ستظهر الإمارات كقوة استعمارية، وهذا مرفوض من قبل اليمن ودولياً.

لسوء الحظ، قادة ممالك الخليج الفارسي، مثل النعامة يدفنون رؤوسهم في الرمال، يتنصتون على الاستشارات المختلفة التي ترغب المؤسسات ومراكز البحوث الأوروبية والأمريكية في تقديمها. وهنا توترت العلاقة بسبب دور الإمارات والمصالح السعودية في اليمن أكثر من أي وقت مضى بعد استقالة الرئيس هادي، رئيس "الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً" الذي شكل جبهة دولية لمواجهة الحوثيون في اليمن. إن إقالة هادي بقرار الرياض وأبو ظبي، يؤثر على شرعية التدخل السعودي في اليمن ويعزز بشكل كبير مكانة الحوثيين كسلطة الأمر الواقع (80٪ من سكان اليمن تحت حكمها)، وهي الآن في وضع يحق لها الدفاع عن السيادة السياسية والجغرافية والاقتصادية لليمن، أما حل النزاع بين الشمال والجنوب يجب أن يتم وفقًا للقوانين والدستور اليمني. أما بالنسبة للأمن القومي، والتهديد الإيراني، فهذه الكذبة العالمية تفضحها أسوأ كارثة إنسانية خلفها التحالف السعودي الإماراتي في العالم، وتتعمق هذه المأساة أكثر فأكثر مع استمرار حصار اليمن. أما حكومة "مجلس القيادة الرئاسي" وحكومة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، فكلاهما يفتقر إلى الشرعية الدستورية والدولية وكلاهما عاجز عن توحيد أطراف المشهد السياسي اليمني المنقسم والمتضارب بالفعل.

الخلاف بين الإمارات والسعودية عميق، حيث تدعم الرياض حزب الإصلاح، فرع الإخوان المسلمين في اليمن. الإمارات العربية المتحدة تعارض جماعة الإخوان وبدلاً من ذلك تدعم المسلحين الذين يحافظون على علاقات غير عدائية مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية (والتي يجب على الإمارات محاربتها)، وفقًا للباحثة هيلين لوكنر في كتابها اليمن في أزمة. وهكذا فإن الإمارات في حرب غير معلنة مع السعودية في اليمن.

* كاتب ومحلل سياسي يمني

اضف تعليق