q
أنا قررت الانتماء للأحزاب لكن ليست الأحزاب بشكلها الحالي المشوه، بل سوف أعمل بكل طاقتي كمواطن عراقي على تأسيس نظام حزبي تنافسي يتخذ من السلمية والتنافس بالكفاءة وسيلة للترقي، هذا النظام الحزبي يخدم البلد ويسهم في تقوية منظومته السياسية بشكل عام...

الصورة السوداوية للعمل الحزبي في العراق لا تمنعنا من البحث عن طريقة للانتماء إليها، قد يكون الانتماء لأحد الأحزاب مُبَرراً بكونها العمود الفقري لديمومة العملية الديمقراطية، ومنها تستطيع سرد العديد من مبررات الانتماء لحزب سياسي معين.

أما أنا فقد قررت الانتماء لأحد الأحزاب وفق مبررات أغلفها بالعِلم، ففي مناهج العلوم السياسية توصف الأحزاب بأنها وساطة بين الشعب والسلطة، بمعنى أن هناك حكومة تجسد السلطة السياسية في إطار الدولة، وفي الجهة المقابلة هناك مواطنون لهم مصالح معينة يرغبون في تحقيقها.

مصالح المواطنين يمكن تجميعها في مؤسسة مستقلة عن الحكومة تسمى الأحزاب السياسية، لكنها (الأحزاب) تبحث في ذات الوقت عن مكان لها داخل هذه الحكومة أو تحاول أن تشكل الحكومة بمفردها.

ويقدم استاذ العلوم السياسية الدكتور محمد عفان في محاضراته مواصفات الحزب السياسي وهي:

أولاً: التنظيم

فالحزب السياسي له تنظيم مستقر وثابت، أي ليس تنظيماً مؤقتاً مثل الحملات الانتخابية بل تنظيم طويل الأمد، وله تمثيل واسع في كافة أرجاء البلد.

ثانياً: البرنامج السياسي

لا يوجد حزب بدون برنامج سياسي، ومن شروط برنامجه أن يكون شاملاً لكل قطاعات الدولة، لأن الحزب في النهاية هو مشروع حكومة مستقبلية، ومن ثم فلا يمكن الحديث عن حزب له برنامج يهتم بالزراعة فقط، لأن الاهتمام بقطاع واحد يناسب جماعات المصالح أو جماعات الضغط.

الحزب لديه برنامج قائم على رؤية وانحيازات معينة، وفي كل دورة انتخابية يقوم بصياغة رؤيته على شكل برنامج تنفيذي مبني أساساً على البرنامج الأصلي.

ثالثاً: آلية عمل الحزب

الحزب الذي يدعي بأنه لا يريد الوصول إلى السلطة من أجل تنفيذ برنامجه السياسي، فهذا ليس بحزب بل جماعة ضغط، لذلك يكون السعي للوصول إلى السلطة أحد أهم صفات الحزب، لكن آليته في الوصول إلى السلطة يجب ان تكون وفق القواعد القانونية المعمول بها في البلد.

مثلاً لا يمكن اعتبار الجماعة التي تصل إلى السلطة بانقلاب سياسي بأنها حزب، ولا يمكن وصف الجماعة التي تملك جناحاً مسلحاً بأنه حزب، لأن آليات العمل الحزبي تتضمن الوصول إلى السلطة عبر الطرق التي رسمها القانون وبشكل سلمي.

رابعاً: الإلتزام بالعمل السلمي

يجب أن يلتزم الحزب بالعمل السلمي في الوصول إلى السلطة عن طريق انتخابات نزيهة تشرف عليها هيأة انتخابية مستقلة، بحيث لا يمكن التلاعب بقانون الانتخابات ولا بالهيأة الانتخابية ولا بنتائج الانتخابات.

هذا فيما يتعلق بالحزب نفسه، أما في الإطار الأوسع وهو المنظومة الحزبية أو البيئة التي يعمل داخلها الحزب، فقد يكون هناك نظام الحزب الواحد كما كان الوضع عليه في عهد الديكتاتور صدام حسين، أو نظام ثنائي الحزب كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، أو نظام متعدد الأحزاب.

ومن أهم المرتكزات الأساسية للعمل الحزبي في أي بلد ديمقراطي، أن تكون هناك تنافسية حزبية مبنية على أساس مجموعة من القواعد القانونية المحددة، لأن التنافسية تجعل الأحزاب تبحث عن الشخصيات الكفوءة القادرة على التنافس مع بعضها البعض.

في البيئة الحزبية القائمة على التنافس لا يستطيع الحزب التضحية بمستقبله من أجل شخص غير كفوة، ولا يسمح الحزب ببقاء زعيمه مدى الحياة، بل إن تحقيق مجموعة من النجاحات هو ما يسهم في ترقية الشخص داخل السلم الحزبي.

على هذا الأساس تتحول الأحزاب السياسية إلى مصانع كبرى لتخريج القادة والوزراء وكل الممارسين للعمل السياسي الذين يعملون على ضبط النظام الديمقراطي وحمايته من السقوط، ومن ثم فإن الدولة التي تتمتع بمنظومة حزبية قوية سوف تكون دولة قوية بكل تأكيد.

أما إذا ضعفت الممارسة الحزبية وتحولت إلى بيوتات وعوائل ومصالح ضيقة خارج إطار القانون هنا يتسرب الضعف إلى المنظومة السياسية بوجه عام، فتجد الانسدادات تحدث مع كل انتخابات، وقد تصل الأمور إلى حد الاقتتال.

أنا قررت الانتماء إلى الأحزاب التنافسية المؤمنة بالقواعد القانونية المحددة على أساس المصالح العليا للبلد، لا على أساس مصلحة جماعة سياسية لا يتغير زعيمها منذ طفولته وحتى آخر يوم في حياته.

قررت الانتماء لحزب سياسي لا يغير قانون الانتخابات في كل دورة انتخابية، وحزب يؤمن بتداول السلطة داخل الحزب نفسه، ويجري الانتخابات لزعيمه بطريقة شفافة بعيداً عن سلوكيات الولاء المطلق.

لكنني لم أجد في العراق أحزاباً سياسية، بل جماعات من الناس يدورون في فلك زعيم ديني أو قومي بلا رؤية ولا برنامج، كل ما في عملهم هو إرضاء الزعيم وطاعته، ولست من المؤمنين بالطاعة في العمل السياسي الديمقراطي.

الديمقراطية قائمة على الاختيار من بين بدائل كثيرة، وهي مناقضة لفكرة الولاء والطاعة.

نعم أنا قررت الانتماء للاحزاب لكن ليست الأحزاب بشكلها الحالي المشوه، بل سوف أعمل بكل طاقتي كمواطن عراقي على تأسيس نظام حزبي تنافسي يتخذ من السلمية والتنافس بالكفاءة وسيلة للترقي، هذا النظام الحزبي يخدم البلد ويسهم في تقوية منظومته السياسية بشكل عام.

اضف تعليق