q
أجل المقالة يتحدد قصرا وطولا، بحسب الروح الذي يسري فيها، فإذا كان الروح قصيرا أصبح أجل المقالة قصيرا، وإذا كان الروح طويلا أصبح أجل المقالة طويلا، والكاتب هو الذي يبث هذه الروح في المقالة، ويتحكم عندئذ في أجلها. ولعل هذه هي فضيلة المقالة الفكرية، على ما سواها من...

من ملامح الرؤية عندي في كتابة المقالة، أنني أرغب وأحاول قدر المستطاع أن أعطي المقالة أجلا طويلا، وعمرا مديدا، يبقى مع الزمن ولا يغادره، أجلا لا يتأثر بتقادم الأيام، وتعاقب الأجيال، وبشكل يضمن للمقالة حق البقاء والديمومة أثرا وتأثيرا، هذه رغبتي على مستوى التصور، وليس بالضرورة أنها حصلت وتحصل على مستوى الفعل والتحقق.

والكاتب هو الذي يتحكم عادة في أجل المقالة، بقصد أو من دون قصد، بوعي أو من دون وعي، بين أن يكون أجل المقالة قصيرا، وبين أن يكون أجلها طويلا، أو في منزلة ما بين هذين الأجلين، فالمقالة التي تتحدد بزمن يكون أجلها معلقا بهذا الزمن قصرا وطولا، والمقالة التي لا تتحدد بزمن أو تتعالى على الزمن، يكون أجلها طويلا.

والقاعدة في هذا الشأن، أن أجل المقالة يتحدد قصرا وطولا، بحسب الروح الذي يسري فيها، فإذا كان الروح قصيرا أصبح أجل المقالة قصيرا، وإذا كان الروح طويلا أصبح أجل المقالة طويلا، والكاتب هو الذي يبث هذه الروح في المقالة، ويتحكم عندئذ في أجلها.

ولعل هذه هي فضيلة المقالة الفكرية، على ما سواها من أنماط المقالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونعني بهذه الأنماط من المقالات تحديدا، المقالة التي تتصل بحدث، أو تتحدد بواقعة، أو تتأطر بمناسبة، تدور حولها وجودا وبقاء، وتتعلق بها أثرا وتأثيرا، وتتحدد بها سعة وأفقا.

وجودا وبقاء لكون أن الحدث أو الواقعة أو المناسبة هي التي كانت سببا لظهور المقالة من العدم إلى الوجود، وأثرا وتأثيرا بمعنى أن أثر المقالة وتأثيرها هو من أثر الحادثة وتأثيرها، ومن أثر الواقعة وتأثيرها، ومن أثر المناسبة وتأثيرها، وسعة وأفقا بمعنى أن سعة المقالة وأفقها هو من سعة الحدث وأفقه، ومن سعة الواقعة وأفقها، ومن سعة المناسبة وأفقها.

ولكن ما أثر وتأثير المقالة الفكرية إذا كانت لا تتحدد بزمن أو تتعالى على الزمن؟ وهل هناك تأثير خارج نطاق الزمن؟

من هذه الجهة يمكن القول إن المقالة غير الفكرية أثرها وتأثيرها يحصل بطريقة فورية، وفي دفعة واحدة، وخلال فترة معينة، بينما المقالة الفكرية أثرها وتأثيرها لا يحصل بطريقة فورية وإنما بطريقة متتالية، ولا يحصل في دفعة واحدة، وإنما في دفعات متقطعة، تعطي لها سمة التأثير الدائم والمستمر.

وقد يقال أيضا، إن أثر وتأثير المقالة الفكرية يحصل عند من يقترب منها، ومن يقترب منها هم عادة أصحاب الاهتمام الفكري والثقافي، وهؤلاء يمثلون شريحة من المجتمع، تتفاوت كما ونوعا باختلاف المجتمعات نفسها.

أمام هذه الإشكالية، لا تدعي المقالة الفكرية أنها تتفرد بسعة وشدة التأثير على عموم الناس، وقد يتحدد تأثيرها بشريحة معينة، لكن هذه الشريحة لها وزنها وأثرها وتأثيرها في معظم أو جميع المجتمعات.

والمفارقة الأخرى، أن من يقترب من المقالة الفكرية هو من يدرك الحاجة إليها، وتظل الحاجة إليها عادة باقية ومستمرة، واعني هنا تحديدا المقالة الفكرية الوازنة والموزونة بشهادة أهل الخبرة والدراية.

* الأستاذ زكي الميلاد، باحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة-رئيس تحرير مجلة الكلمة
http://www.almilad.org

اضف تعليق