q
أعطني اثني عشر طفلاً أصحاء، سليمي التكوين، وهيئ لي الظروف المناسبة لعالمي الخاص لتربيتهم وسأضمن لكم تدريب أي منهم، بعد اختياره بشكلٍ عشوائي، لأن يصبح أخصائياً في أي مجالٍ ليصبح طبيباً، أو محامياً، أو رساماً، أو تاجراً أو حتى شحاذاً أو لصاً، بغض النظر عن مواهبه وميوله ونزعاته وقدراته وحرفته وعرق أجداده...

بين فرحة ولادة مولود جديد والهم الذي يحيط بالوالدين لتوفير مستلزمات الحياة لهذا الطفل تسقط الكثير من الاعتبارات سهواً او عمداً فلا يحسب حساب لها، وتستمر الامر دون ان تدرك نتائجه على المدى القريب لكنها تبدو واضحة فيما بعد ولات حين مندم.

يقول (واطسن) وهو أحد علماء النفس الامريكي ومؤسس المدرسة السلوكية "أعطني اثني عشر طفلاً أصحاء، سليمي التكوين، وهيئ لي الظروف المناسبة لعالمي الخاص لتربيتهم وسأضمن لكم تدريب أي منهم، بعد اختياره بشكلٍ عشوائي، لأن يصبح أخصائياً في أي مجالٍ ليصبح طبيباً، أو محامياً، أو رساماً، أو تاجراً أو حتى شحاذاً أو لصاً، بغض النظر عن مواهبه وميوله ونزعاته وقدراته وحرفته وعرق أجداده"، هذه المقولة تعطي الانطباع الكامل عم كيفية صناعة الانسان وفي اي قالب يوضع سيظهر بهذا القالب من دون ادنى شك.

الاطفال يكونون كالطين الصناعي بيد الاهل وهم له الحرية والقرار في تنشئته تنشئة جيدة او جعله انسان وضيع تافه لا يشتمل على معاني الانسانية من غياب الاهداف الى الضياع والى غير ذلك من امراض العصر ومشكلاته الكثيرة، لكون الطفل يكتسب العادات التي يتعود عليها والتقاليد التي ينشأ في وسطها.

هذه الفترة (فترة الطفولة) يطلق عليها علماء النفس اسم الفترة التكوينية لأن الإنسان يتكون فيها ويتحدد فيها ذكاؤه، وتتلخص اهمية مرحلة الطفولة في اكساب الطفل للعادات والتقاليد والقيم المتنوعة، فإن نشأ في أسرة سوية أصبح سوي والعكس هو الصواب.

لكن كلامنا لا يعني بالضرورة ان استحالة ان يعدل سلوك الانسان ذاتياً او محيطياً، فجميعنا لدينا القدرة في التخلص من طباعنا السلبية واكتساب طباعاً وقيم جديدة إذا امتلكنا التقرير قبله النية للتغير وبدون هذه النية لن يتغير شيء لكون الدافع النفسي غائب.

من الظلم الذي يتعرض له الاطفال انهم يمنحون كل ما يطلبون في فترة مبكرة جداً من حياتهم لكن هذا الدعم يتوقف بعد النزوة الاولى اما بسبب القصور عن التوفير او عدم وعي الحاجات الحقيقة له فيزج بهم في سوق العمل دون الاكتراث للنتائج التي تترتب على ذلك، وجميعنا يشاهد مثل هؤلاء الاطفال المظلومين اقول مظلومين لكونهم لم يختاروا طريقة حياتهم انما فرضت عليهم ووجدوا أنفسهم مجبرين لتقبل هذا الواقع والتعايش معه.

فنشاهدهم يجوبون الشوارع بحث عن المال مقابل تلوثهم بأدران الشارع واكتسابهم لألفاظ غير لطيفة كما اتصافهم بالعدوانية نتيجة للظلم الذي وقع عليهم، ومن ذلك تنتج رغبة عارمة في الانتقام من المحيط لتعويض الحرمان والقهر، كما انهم حين يتركون في الشارع بهذه الكيفية سيتعرضون للعنف الجسدي والجنسي والاستغلال بكل انواعه.

ومن الاخطاء الكارثية التي يمارسها الاهل في التربية سيما غير المتعلمين منهم انهم لا يعيروا اهتماماً لموضوعة دراستهم وتركهم يقررون استمرارهم في الدراسة ام الاستمرار وبذا تنتج المجتمعات في كل مرة اجيالاً سطحية التفكير بسيطة العقول للحد الذي يجعلها تفكر في قوت يومها وحين تحصل عليه تكتفي به ولن تبحث عن غير ذلك وهي بذلك الى الحيوانات أقرب من الانسان للأسف.

كما يخطئ الابوين ايضاً حين يسلمون ابنائهم للأجهزة اللوحية والحواسيب وجميع اشكال التكنلوجيا لتربيهم هي كما تشاء ومن ذلك يلاحظ انسلاخ تام عن محددات وقيمه والانصياع لما يشاهد في العالم عبر الشاشات اللعينة التي اوصلت الطفل الى ان يكون بشخصية لا تشبه شخصية الحقيقة بالمرة من حيث الألفاظ الغريبة والسلوكيات المستوردة وما اكثرها وأسخفها، وبهذه السلوكيات لا ينبغي ان نلوم الاطفال على افعالهم بل الاحرى ان نلوم ونحاسب من اوصلهم الى هذه الحالة السيئة، فهم ضحايا وليس سيئون في الغالب.

إذا كنت ترى نفسك غير قادر توفير مايليق بأبنائك من جميع متطلبات العيش الكريم فلا تأتي به الى دنيا المصاعب فالعمل ليس مبرراً لإجبارهم بترك تعليمهم فأنت المسؤول عنهم وهم في هذه المرحلة ليسوا مسؤولين عن شيء مادي ومسؤوليتهم الاهتمام بتعليمهم فقط، كما حري بك ان تحدث توازناً بين الواقع الذي يعيش الطفل وبين ما يراه في الاجهزة كي لا يكون اسيراً لثقافات وقيم دخيلة لا تمت الى واقعنا بصلة من قريب ولا من بعيد وهنا يمكن ان نجعل من ادميتهم محفوظة ومحترمة.

اضف تعليق