q
إسلاميات - عقائد

موانع استجابة الدعاء

لماذا لا تستجاب أدعية بعض الناس، وماذا نصنع كي تستجاب أدعيتنا؟-(3)

الشروط الثمانية، أداء حقوق الله. العمل بسنة رسول الله وإحياء شريعته. العمل بكافة أحكام القرآن وتعاليمه. الخوف الحقيقي من النار بتجنب كافة المعاصي. الرغبة الصادقة في الجنّة بالقيام بكافة الأفعال التي تقرّبنا إليها. شكر نِعَم المولى كلها. معاداة الشيطان حقاً بالقول والفعل والسلوك. أن تجعلوا عيوبكم نصب أعينكم...

وبعد أن أشرنا إلى العديد من شروط استجابة الدعاء التي تكون الاستجابة عند توفرها حتمية بإذن الله تعالى وبدونها (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(1)، فلنشر إلى بعض موانع استجابة الدعاء:

رواية رائعة: ثمانية أسباب لعدم استجابة الأدعية

والرواية الآتية رواية هامة جداً إذ تذكر ثمانية أسباب لعدم استجابة الدعاء فقد (رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ خَطَبَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ خُطْبَةً بَلِيغَةً فَقَالَ فِي آخِرِهَا: (أَيُّهَا النَّاسُ سَبْعُ مَصَائِبَ عِظَامٍ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا عَالِمٌ زَلَّ، وَعَابِدٌ مَلَّ، وَمُؤْمِنٌ خَلَّ، وَمُؤْتَمَنٌ غَلَّ، وَغَنِيٌّ أَقَلَّ، وَعَزِيزٌ ذَلَّ، وَفَقِيرٌ اعْتَلَّ).

فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَنْتَ الْقِبْلَةُ إِذَا مَا ضَلَلْنَا وَالنُّورُ إِذَا مَا أَظْلَمْنَا، وَلَكِنْ نَسْأَلُكَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فَمَا بَالُنَا نَدْعُو فَلَا يُجَابُ؟!

قَالَ (عليه السلام): (إِنَّ قُلُوبَكُمْ خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَالٍ:

أَوَّلُهَا: أَنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللَّهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ مَعْرِفَتُكُمْ شَيْئاً.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ سُنَّتَهُ وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إِيمَانِكُمْ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ.

وَالرَّابِعَةُ: أَنَّكُمْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ تَخَافُونَ مِنَ النَّارِ وَأَنْتُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَقْدَمُونَ إِلَيْهَا بِمَعَاصِيكُمْ فَأَيْنَ خَوْفُكُمْ.

وَالْخَامِسَةُ: أَنَّكُمْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ تَرْغَبُونَ فِي الْجَنَّةِ وَأَنْتُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُمْ مِنْهَا فَأَيْنَ رَغْبَتُكُمْ فِيهَا.

وَالسَّادِسَةُ: أَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ نِعْمَةَ الْمَوْلَى وَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا.

وَالسَّابِعَةُ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِعَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ وَقَالَ إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فَعَادَيْتُمُوهُ بِلَا قَوْلٍ وَوَالَيْتُمُوهُ بِلَا مُخَالَفَةٍ.

وَالثَّامِنَةُ: أَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عُيُوبَ النَّاسِ نُصْبَ عُيُونِكُمْ وَعُيُوبَكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُمْ أَحَقُّ باللَّوْمِ مِنْهُ.

فَأَيُّ دُعَاءٍ يُسْتَجَابُ لَكُمْ مَعَ هَذَا وَقَدْ سَدَدْتُمْ أَبْوَابَهُ وَطُرُقَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَخْلِصُوا سَرَائِرَكُمْ وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ)((2.

وإذا عكسنا تلك الموانع، كانت شروطاً(3) والشروط الثمانية هي بعبارة أخرى موجزة:

أولاً: أداء حقوق الله تعالى.

ثانياً: العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإحياء شريعته.

ثالثاً: العمل بكافة أحكام القرآن الكريم وتعاليمه.

رابعاً: الخوف الحقيقي من النار بتجنب كافة المعاصي.

خامساً: الرغبة الصادقة في الجنّة بالقيام بكافة الأفعال التي تقرّبنا إليها.

سادساً: شكر نِعَم المولى كلها.

سابعاً: معاداة الشيطان حقاً بالقول والفعل والسلوك.

ثامناً: أن تجعلوا عيوبكم نصب أعينكم (وتصلحوها) وأن لا تتطلعوا إلى عيوب الآخرين.

ثالثاً ـ عموم الإجابة ولو في زمن آخر وبنحو آخر

النحو الثالث: وقد يجاب بأن الأدعية كلها تستجاب ولكل الموالين، ولكن قد تكون الإجابة في زمن آخر وقد تكون بنحو آخر؛ وقد لا يستجاب له فوراً ليزداد قرباً، أو لا يستجاب له لأنه دعا بالشر وما لا يحلّ.

فأولاً: قد تكون استجابة الدعاء في زمن آخر، وذلك فيما لو لم تقتضِ مصلحة العبد الداعي نفسه، إجابة دعائه فوراً، وهو لا يعلم ذلك، فيستجيب الله دعاءه ولكن بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة مثلاً، وذلك كما لو طلب من الله تعالى الشفاء من مرضه الآن وكان في علم الله تعالى إنه لو شفي الآن فإنه سيسافر إلى بلد آخر فيقتل هنالك، أو سيسافر بالسفينة الآتية فتغرق ويغرق معها، أو أنه لو شفي الآن كان سيجرح جرحاً بليغاً أو سيُقتل أو سيَقتل أحداً ظلماً في معركة ناشبة، أو أنه لو شفي الآن كان سيعتقل بتهمة كاذبة ويعذب عذاباً شديداً أو شبه ذلك فيؤخر الله استجابة دعائه ريثما يندفع عنه الخطر.

وثانياً: بل قد يؤخر الله إجابة الدعاء، ليستمر العبد بالدعاء أكثر فأكثر ليحظى بقرب من الله أكبر وبثواب أكثر، لأن الدعاء في حد ذاته عبادة، وقد علم الله أنه لو أعطاه حاجته فوراً فإنه سيتراخى في الدعاء ـ كمّاً أو كيفاً ـ، فيبتعد بنفس القدر عن الله تعالى، أو يقلّ قربه، أو لا يزداد قرباً.

وقد ورد في الحديث عن عثمان بن سعيد العمري في حديث قال رُوِّينَا عَنِ الْعَالِمِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا دَعَا الْمُؤْمِنُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَوْتٌ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ اقْضُوا حَاجَتَهُ فَاجْعَلُوهَا مُعَلَّقَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى يُكْثِرَ دُعَاءَهُ شَوْقاً مِنِّي إِلَيْهِ وَإِذَا دَعَا الْكَافِرُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَوْتٌ أَكْرَهُ سَمَاعَهُ اقْضُوا حَاجَتَهُ وَعَجِّلُوهَا حَتَّى لَا أَسْمَعَ صَوْتَهُ وَيَشْتَغِلَ بِمَا طَلَبَهُ عَنْ خُشُوعِهِ)(4).

وعن أبي الحسن (عليه السلام) (في حديث): (إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً فَيُؤَخِّرُ عَنْهُ تَعْجِيلَ إِجَابَتِهِ حُبّاً لِصَوْتِهِ وَاسْتِمَاعِ نَحِيبِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَخَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مَا يَطْلُبُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا عَجَّلَ لَهُمْ فِيهَا، وَأَيُّ شَيْ‏ءٍ الدُّنْيَا، إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ فِي الرَّخَاءِ نَحْواً مِنْ دُعَائِهِ فِي الشِّدَّةِ، لَيْسَ إِذَا أُعْطِيَ فَتَرَ فَلَا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ)(5).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَخِّرُوا إِجَابَتَهُ شَوْقاً إِلَى صَوْتِهِ وَدُعَائِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي دَعَوْتَنِي فَأَخَّرْتُ إِجَابَتَكَ وَثَوَابُكَ كَذَا وَكَذَا وَدَعَوْتَنِي فِي كَذَا وَكَذَا فَأَخَّرْتُ إِجَابَتَكَ وَثَوَابُكَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَيَتَمَنَّى الْمُؤْمِنُ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا مِمَّا يَرَى مِنْ حُسْنِ الثَّوَابِ)(6).

وعن الصادق (عليه السلام) (في حديث): (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ (عليه السلام): إِنَّ لِي دَعْوَةً مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ مَا أُجِبْتُ فِيهَا بِشَيْ‏ءٍ؟ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً احْتَبَسَ دَعْوَتَهُ لِيُنَاجِيَهُ وَيَسْأَلَهُ وَيَطْلُبَ إِلَيْهِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً عَجَّلَ دَعْوَتَهُ وَأَلْقَى فِي قَلْبِهِ الْيَأْسَ مِنْهَا)(7).

وثالثاً: إن استجابة الدعاء قد تكون بنحو آخر، فقد يطلب العبد من الرب أن يرزقه هذه الزوجة، فلا يستجاب له لكن الله يرزقه بدلاً منها زوجة أخرى أجمل منها وأتقى وأبرّ وأفضل، وقد يطلب العبد من الرب أن يعطيه هذه الدار فيعطيه الله بعد فترة، داراً أحسن منها، وقد يطلب من الله أن ينجح في امتحان الطب مثلاً، فيفشل لا لتقصير منه بل لأنه يعيل أسرته ويدرس فلم يكن له المجال الكافي للدراسة، لكن الله يستجيب دعاءه بنحو آخر إذ يقدر له أن يصبح تاجراً كبيراً أو محامياً عظيماً أو ما أشبه مما كان أفضل له لديناه وآخرته...

وبوجه آخر: قد يطلب من الله تعالى المال والغنى، لكن الله يرزقه بدله الذرية الصالحة إذ علم جل اسمه أنه لو اغتنى لانحرف هو وأبناؤه، فكان أن عوّضه الله تعالى بالذرية الصالحة، مما لو كان يعلم هو بذلك لطلب الذرية الصالحة بدل الأموال الزائلة.

ورابعاً: بل قد يطلب الإنسان الشرّ فلا يستجاب له، وقد قال تعالى: (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(8) وورد في الحديث:(يَا صَاحِبَ الدُّعَاءِ لَا تَسْأَلْ مَا لَا يَكُونُ وَلَا يَحِلُّ)(9) وما لا يحل هو الحرام وما لا يكون هو المحال.

وإلى ذلك كله تشير الرواية الآتية الرائعة: (وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ أَطْوَلَ لِلْمَسْأَلَةِ وَأَجْزَلَ لِلْعَطِيَّةِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْ‏ءَ فَلَمْ تُؤْتَهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلًا وَآجِلًا، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ، وَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَعْنِيكَ مِمَّا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ أَوْ يُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ وَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَلَا تَبْقَى لَهُ‏)(10).

والرواية الرائعة الآتية أيضاً فيها الكثير من النور والعبرة: (فَلَا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ وَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِيَّاكَ وَمُكَاشَفَةَ النَّاسِ فَإِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَصِلُ مَنْ قَطَعَنَا وَنُحْسِنُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْنَا فَنَرَى وَاللَّهِ فِي ذَلِكَ الْعَاقِبَةَ الْحَسَنَةَ إِنَّ صَاحِبَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا إِذَا سَأَلَ فَأُعْطِيَ طَلَبَ غَيْرَ الَّذِي سَأَلَ وَصَغُرَتِ النِّعْمَةُ فِي عَيْنِهِ فَلَا يَشْبَعُ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَإِذَا كَثُرَتِ النِّعَمُ كَانَ الْمُسْلِمُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَطَرٍ لِلْحُقُوقِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَا يُخَافُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِيهَا)(11).

وتلك الرواية الشريفة السابقة(12) أشارت إلى وجوه عديدة:

1 ـ إن تأخير الإجابة قد يكون لأجل أن يعطيك الله أجراً أعظم وثواباً أجزل.

2 ـ وقد لا تُعطى الحاجة نفسها ولكن تُعطى الأفضل منها جداً إما عاجلاً أو آجلاً، حسب مقتضيات باب التزاحم.

3 ـ وقد لا تُعطى الحاجة كي يتم دفع بلاء عظيم عنك، والبلاء قد يكون دنيوياً وقد يكون دينياً.

وجاء في موسوعة الفقه للسيد الوالد: (عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كَانَ بَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما)(13) وَبَيْنَ أَخْذِ فِرْعَوْنَ أَرْبَعِينَ عَاماً)((14.

أقول: الدعاء من الأسباب الكونية، فكما أن الإنسان إذا طلب الولد يعطى بعد تسعة أشهر، أو الثمر بعد مجيء فصله فكذلك الدعاء، وقد كان نضج الثمر في دعاء موسى (عليه السلام) بعد تلك المدة، فإذا أبطأ لم يكن يأس وإنما انتظار لوصول الوقت، وربما قدم الله سبحانه، لأن الأمر كله بيده تعالى.

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَدْعُو فَيُؤَخَّرُ إِجَابَتُهُ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ)(15).وعن إسحاق بن عمار قال: قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): قَالَ يُسْتَجَابُ لِلرَّجُلِ الدُّعَاءُ ثُمَّ يُؤَخَّرُ؟ قَالَ: (نَعَمْ عِشْرِينَ سَنَةً)(16).

أقول: هذا من باب المثال)(17).

رابعاً ـ إن عموم الاستجابة وفوريتها زمن صدور الروايات

النحو الرابع: وقد يقال بالنسبة إلى بعض الروايات والوعود التي بها كـ:(إِنَّ إِلَى جَانِبِكُمْ قَبْراً مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ...)(18) إن (درجات استجابة الدعاء) مرتهنة بالظروف المختلفة وبوضع الدين أو المذهب.

وتوضيحه: إن هذه الروايات من حيث تمصدقها لها جهتان بحسب ظرفين وزمانين مختلفين:

الجهة الأولى: ففي زمان صدورها وفي فترات محددة في علم الله، كان التقدير الإلهي بالاستجابة الكاملة والفورية لكل أحد في كل حاجة.

الجهة الثانية: وفي سائر الأزمنة فإن التقدير الإلهي استجابة الدعاء بنحو المقتضي فقد تكون فوراً وقد تكون بعد مدة، وقد يستجاب لهذا ولا يستجاب لذاك ولكن مع تعويضه بقضاء حاجة أهم له (في الدنيا أو في الآخرة)، وذلك كله بقرينة ضم سائر الروايات مما سبق بعضها والتي هي حاكمة على الروايات المطلِقة ومفسِّرة لها.

فرض ظهور الروايات في الإجابة الفورية زمن صدورها

ولكن الاستجابة الفورية الكاملة لكل أحد في زمن صدورها إنما يكون فيما لو تمسكنا بظاهرها الدال على أمرين: أ ـ استجابة الدعاء لكل أحد. ب ـ وكونه بنحو الفور.

فلو سلّمنا بهذا الظهور وبعدم صارفٍ عنه، فإن هذه الروايات تكون بنفسها الدليل على الأمرين ـ أي تحقق استجابة الدعاء في زمن صدور هذه الروايات، لكل أحد وعلى نحو الفور ـ ولا نحتاج إلى التماس دليل آخر من رواية تاريخية وغيرها، أي أنها تكون، بما نعلمه من صدقهم (عليهم السلام) وإحاطتهم، الدليل على التاريخ حيث إنهم أخبروا (عليه السلام)(19) عن أن ذلك سيحدث فلا بد أنه حدث في الفترة المقارنة لصدور الروايات، وبعبارة أخرى: كانت بعض رواياتهم إخباراً عن المستقبل وبعضها وعداً به، وخُلف الوعد قبيح وقول خلاف الواقع كذلك.

فهذا كله لو تمسكنا بظاهرها أو نصّ بعضها ولم نَحِد عنه، وأما لو رفعنا اليد عن ظاهرها بقرينة سائر الروايات الدالة على تأخير إجابة بعض الأدعية لمصلحة العبد نفسه أو الدالة على الإجابة ولكن بإعطاء الأفضل مما طلبه كما سبق، فإن هذه الروايات تندرج حينئذٍ في دائرة (المقتضي) كما سبق أي تكون دالة على استجابة الدعاء بنحو المقتضي المتوقف على توفر الشروط وانتفاء الموانع ولا يكون حينئذٍ بين الظروف والأزمنة فرق، ولكن وجود الفرق بين الظروف والأزمنة والأمكنة ـ إجمالاً ـ مما لا ريب فيه؛ إذ تستجاب الأدعية في بعض الأزمنة أو الأمكنة أو الظروف، أكثر من استجابتها في أمكنة أو أزمنة أو ظروف أخرى، فتدبر.

بعض المقربات لذلك

وأما الوجه في عدم استبعاد القول باستجابة الدعاء فوراً لكل أحد في بعض أزمنة الأئمة (عليهم السلام) (إضافة إلى ظهور تلك الروايات وعدم صارف عنها في حدود تلك الفترات، على القول بذلك) فهو بأن يقال: إن بعض أزمنة الأئمة (عليهم السلام) كانت كبعض أزمنة الأنبياء (عليهم السلام)، تستدعي تدخلاً غيبياً شاملاً للحفاظ على أصل الدين أو المذهب، وذلك لأن القاعدة العامة هي أنه كلما تعرض أصل الدين أو المذهب للخطر تدخّل الله تعالى بإعجاز منقطع النظير، وكلما لم يتعرض أصله لخطر الفناء تَرَكَ الله تعالى الأسباب الطبيعية على ما هي عليه من تأثيرها في مسبباتها (وإلى جوارها اقتضاء أمثال الدعاء والصدقة، لا عليتها التامة).

ويمكن أن توضّح ذلك الشواهد التالية:

المثال الأول: توقف حفظ حياة النبي (صلى الله عليه وآله) على إعجاز اختفائه في الغار قال تعالى: (إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ)(20) وإلا لقتل) وانهدم الدين كله، لذلك تدخل الله تعالى بهذه الطريقة الإعجازية، ولكن الدين عندما ألقى بجِرانه لم يمنع الله تعالى المتآمرين من قتله (صلى الله عليه وآله) بالسمّ.

مثال آخر: إن الله تعالى أنزل خمسة آلاف من الملائكة كنجدة فورية على الرسول) وأصحابه (يوم بدر) ولم ينزلهم (يوم أحد) كما جاء في سورة الأنفال: (إِذْ تَسْتَغيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفينَ)(21) وفي سورة آل عمران (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلينَ، بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمينَ)(22).

وأما (يوم أحد)، فلم يكن الأمر بهذه المثابة وكان التقصير من المسلمين أنفسهم لذا استحقوا ما لقوه من نَصبٍ وعَنَت، بمعنى أن الرماة عندما عصوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وتركوا ثنية الجبل طمعاً في المغانم، دارت الدوائر على جيش المسلمين وقتل منهم من قتل(23) وجرح من جرح، وهنا أوشك الكفار على الانتصار لولا ثبات علي (عليه السلام) ومن معه حول الرسول (صلى الله عليه وآله) (24) وقد جاء في تفسير القمي(25) ذيل الآية الكريمة: (فلما دخلوا المدينة قال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل الله تعالى: (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ)(26) الآية، وذلك أن يوم بدر قُتل من قريش سبعون، وأسر منهم سبعون، وكان الحكم في الأسارى القتل، فقامت الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: إن الله قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر ما يأخذون منه الفداء، فأخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الشرط فقالوا: قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد من نأخذ منهم الفداء وندخل الجنة، فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان في هذا اليوم وهو يوم أُحُد قُتل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعون، فقالوا: يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل الله (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ) إلى قوله: (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بما اشترطتم يوم بدر).

وقال الطوسي في التبيان(27) ذيل الآية: (والمعنى: ما كان لنبي J أن يحبس كافراً للفداء والمنّ حتى يثخن في الأرض... وقوله: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) يعني تريدون الفداء.. وهذه الآية نزلت في أسارى بدر قبل أن يكثر الإسلام، فلما كثر المسلمون قال تعالى: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(28). وقال في مجمع البيان في ذيل الآية ما يقارب ذلك، فراجع.

ولذا: (لما كان يوم أحُد وقُتل من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) سبعون، قالوا: يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنتَ تعدنا النصر)، فأنزل الله(29): (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها)، وهما سبعون قتيلاً من المشركين ببدر وفداء سبعين أيضاً (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) من أين ورد هذا البلاء العظيم علينا في هذه الحرب، حرب أحُد، (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)(30)، فأنتم السبب في حلوله بكم لاختياركم الفداء في حرب بدر...).

مثال آخر: الإعجاز الإلهي بفلق البحر لموسى (عليه السلام) وإغراق فرعون وجنوده، وكذلك الإعجاز الإلهي في إنقاذ نوح (عليه السلام) ومن معه وهم ثمانون فقط في السفينة، وإهلاك كافة الكافرين من أهل الأرض ونظائر ذلك، فهذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم تدخل الله تعالى إعجازياً في إنزال العذاب الفوري على (نبوخذ نصر) والعديد من الطغاة الذين قتلوا الأنبياء وعاثوا في البلاد الفساد قال تعالى: (وَإِذا قيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)(31) و(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولي‏ بَأْسٍ شَديدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفيراً)(32).

والذي يبدو أن مذهب أهل البيت (عليه السلام) كان معرّضاً للانقراض الكامل في فترات من أزمنة الأئمة (عليهم السلام) وذلك بسبب جور الأمويين والعباسيين المذهل وقتلهم الشيعة على التهمة والظنة ـ الحجاج مثلاً، المتوكل مثالاً آخر ـ وبسبب ماكنتهم الإعلامية الضخمة الهائلة التي تفعّلت أكثر زمن معاوية حتى بلغت إلى درجة أن يسبوا الإمام علياً (عليه السلام) على سبعين ألف أو على تسعين ألف منبر لمدة عشرات السنين(33) حتى تصور كثير من الناس أن علياً (عليه السلام) لم يكن يصلي!

ضرورة التدخل الإعجازي كضرورة التضحية الحسينية الفريدة

وحيث إن كافة الدول الإسلامية كانت بيد الأمويين والعباسيين، وحيث كان كل شيء بأيديهم: من الأموال الطائلة، والسجون والتعذيب، والإعلام المضلّل وعلماء البلاط المتكاثرين جداً، لذلك كان لا بد من:

أ ـ تضحية الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وبكافة أهل بيته (عليهم السلام) بل وتعريض نسائه، وهنّ حرائر النبوة، للأَسْرِ بتلك الطريقة المأساوية المفجعة المذهلة.

ب ـ ثم التدخل الغيبي الإلهي بحفظ هذه الثورة وقدسيتها ورمزيتها وحيويتها، بشكل إعجازي، بأنحاء شتى؛ إذ كان يستحيل ظاهراً الحفاظ عليها بغير ذلك ولذلك تكررت الكرامات(34) وكان أهم وسيلة للحفاظ على الثورة وإعطائها زخماً مستمراً هو؛ بحسب هذا المبنى، أن يقدّر الله العلي القدير بأن يكون الشفاء تحت قبة الإمام الحسين (عليه السلام) وفي تربته فورياً وعامّاً كاملاً شاملاً لكل أحد، وغطى ذلك عدة مساحات زمنية مفتاحية، بحيث إن كل من كان يدعو تحت القبة الشريفة في فترات من زمن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وفي بعض فترات سائر الأئمة (عليهم السلام)، كان يستجاب له فوراً (حتى وإن لم تتوفر فيه الشروط ولم تنتفِ فيه الموانع والمزاحمات التي أشرنا إليها آنفاً).

وذلك بأحد وجهين ـ على المبنيين ـ:

أ ـ إما بتقدير إلهي إعجازي مباشر.

ب ـ وإما بإعمال الأئمة (عليهم السلام) ولايتهم التكوينية فإنه إذا كان (أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّيْ‏ءِ كُنْ فَيَكُونُ)(35) فما بالك بمن هم نفس الرسول) (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ)(36) والذين ورد فيهم: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)(37) وذلك كله عكس الحالات التي كان المذهب فيها مما لا يمكن اقتلاعه، حيث عادت عندئذٍ الأسباب الغيبية إلى اقتضاءاتها الطبيعية.

تنبيه: إن هذا المدعى في مرتبة متأخرة عن المستظهر من الروايات، بمعنى أنه إن استظهرنا من نصوص: (مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ) أن المراد تنفيس الكربة وقضاء الحاجة فوراً، وكون المقضيّ هو الحاجة التي طلبها العبد بنفسها، لا أخرى مماثلة أو أفضل منها، فلا نرفع اليد عن هذا الظهور إلا في الأزمنة التي ثبت فيها عدم قضاء الحاجات كلها بنحو الفور وبعينها هي، وحيث لم يثبت كون زمن صدور الروايات كذلك (مما لا تقضى فيه الحاجات فوراً) فنبقى على ظاهر الروايات وأنه قد تحقق ذلك (قضاء الحاجات فوراً بنفسها وجميعاً) في بعض أزمنتهم (عليهم السلام)، فهذا هو ما في المرتبة الأولى، ثم نأتي بعد ذلك لتحليل الوجه فيه (بعد فرض تسليمه) وكيفيته وأن وجهه وكيفيته بتدخل إعجازي غيبي إلهي (أو بإعمال ولائي) لقضاء كل الحاجات فوراً رغم عدم توفر الشروط أو وجود الموانع.

ومما يشهد على أن ظروف الصادقين (عليهم السلام) كانت استثنائية جداً مما يعطي وجهاً لذلك المدعى(38) أو يكون مؤيداً على الأقل، العديد من الروايات الدالة على الإرهاب العام في بعض تلك الأزمنة، والـمُوجّه خاصة نحو زوار الإمام الحسين (عليه السلام) والروايات الدالة على الخوف والرعب الذي كان يتملّك الزوار، ولذا أَكثَرَ الشيعة من السؤال عن حكم زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، رغم الخوف، بل رغم القطع بالضرر الكبير بل حتى درجة القتل... ولذلك أيضاً حكم الإمامان (عليهما السلام) بجواز أو رجحان أو وجوب الزيارة رغم القطع بالضرر أو الظن به أو احتماله احتمالاً معتداً به، مع أن من الواضح أن (المستحب) وهو من اللاإقتضائيات لا يجوّز الحرام (إلقاء النفس في التهلكة أو في الضرر الكبير) التي هي من الاقتضائيات، مما لعله يستظهر منه ومن قرائن أخرى عديدة أن أصل المذهب كان متوقفاً على القيام بأمرين: تشريعي وتكويني:

أ ـ أما التشريعي فهو: تجويز الزيارة بل التحبيذ إليها بل إيجابها أحياناً رغم الضرر الكبير جداً المحتمل بل حتى المظنون بل حتى المقطوع، إذ كان الحفاظ على أصل المذهب (بل أصل الدين) متوقفاً على مثل ذلك فقد صار مقدمة الواجب بذلك.

ب ـ وأما التكويني فهو: التقدير الإعجازي الإلهي بالاستجابة الفورية لكافة أدعية من يزور الإمام الحسين (عليه السلام) كي يمنح ذلك مصداقية غيبية كبرى للثورة الحسينية، لدى المسلمين، ويكون ذلك عاملاً أكيداً يحافظ على هذه الشعيرة المقدسة ويقاوم مفعول الإرهاب والقتل والتنكيل الشديد الذي كان يمارس بحق الزائرين.

(لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِخَوْفٍ)

فلاحظ الروايات التالية الناهية عن ترك الزيارة لأجل الخوف (الأعم من السجن والقطع والقتل) والمحرّضة عليها رغم كل الأخطار:

فعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قَالَ لِي:

(يَا مُعَاوِيَةُ لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِخَوْفٍ، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهُ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَى اللَّهُ شَخْصَكَ وَسَوَادَكَ فِيمَنْ يَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ) وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْأَئِمَّةُ (عليهم السلام)، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا مَضَى وَيَغْفِرُ لَكَ ذُنُوبَ سَبْعِينَ سَنَةً، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ يُتْبَعُ بِهِ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُهُ رَسُولُ اللَّهِ))(39).

و: وقوله (عليه السلام): (لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِخَوْفٍ) مطلق يشمل الخوف من السجن أو القطع أو القتل، بل كان موردها ذلك وأشباهه.

وعن زرارة قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَا تَقُولُ فِيمَنْ زَارَ أَبَاكَ عَلَى خَوْفٍ، قَالَ (عليه السلام): (يُؤْمِنُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَتَلَقَّاهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي فِيهِ فَوْزُكَ)(40).

وعن ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْزِلُ الْأَرَّجَانَ وَقَلْبِي يُنَازِعُنِي إِلَى قَبْرِ أَبِيكَ، فَإِذَا خَرَجْتُ فَقَلْبِي مُشْفِقٌ وَجِلٌ حَتَّى أَرْجِعَ خَوْفاً مِنَ السُّلْطَانِ وَالسُّعَاةِ وَأَصْحَابِ الْمَسَالِحِ، فَقَالَ (عليه السلام): (يَا ابْنَ بُكَيْرٍ أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ فِينَا خَائِفاً، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ خَافَ لِخَوْفِنَا أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ، وَكَانَ مُحَدِّثُهُ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) تَحْتَ الْعَرْشِ، وَآمَنَهُ اللَّهُ مِنْ أَفْزَاعِ الْقِيَامَةِ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يَفْزَعُ، فَإِنْ فَزِعَ وَقَّرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَسَكَّنَتْ قَلْبَهُ بِالْبِشَارَةِ)(41).

والثواب على قدر الخوف

وعن محمد بن مسلم في حديث طويل، قال: (قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ 3: (هَلْ تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)؟)، قُلْتُ: نَعَمْ عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ: (مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ، وَمَنْ خَافَ فِي إِتْيَانِهِ آمَنَ اللَّهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَانْصَرَفَ بِالْمَغْفِرَةِ، وَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَزَارَهُ النَّبِيُّ) وَدَعَا لَهُ وَانْقَلَبَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُ سُوءٌ وَاتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ)(42) ولاحظ تصريحه (عليه السلام) بـ: (مَا كَانَ مِنْ هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ).

مؤيدية ورود معظم الروايات عن الصادِقَين (عليهما السلام)

ولعل مما يؤيد(43) ما ذكرناه من أن استجابة الدعاء لدى الحسين (عليه السلام) بقول مطلق وبنحو الفورية لكل شخص ولكل حاجة بدون استثناء كان خاصاً بفترات من أزمنتهم (عليهم السلام) إن الأعم الأغلب شبه المستغرق من الروايات الواردة في استجابة الدعاء عنده (عليه السلام) وَرَدَت من أحد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) مما يؤكد كون (مرحلتهما) مصيرية في مستقبل المذهب كله ـ بل والدين أيضاً ـ بحيث لو لم يقدّر الله تعالى تنجيز استجابة كافة الدعوات فوراً، وبحيث لو لم تجز (أو تجب) الزيارة في صورة الخوف الأكيد، لانقرض المذهب، فلاحظ الروايات التالية وكونها صادرة كلها من أحد الإمامين (عليهما السلام):

فعن فضيل بن يسار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إِنَّ إِلَى جَانِبِكُمْ لَقَبْراً مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ)(44).

وعنه عن عبيد الله بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن سلمة صاحب السابري عن أبي الصباح الكناني قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إِنَّ إِلَى جَانِبِكُمْ قَبْراً مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَأَرْبَعَةَ آلَافِ مَلَكٍ مُنْذُ قُبِضَ شُعْثاً غُبْراً يَبْكُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ زَارَهُ شَيَّعُوهُ إلى مأمنه، وَمَنْ مَرِضَ عَادُوهُ وَمَنْ مَاتَ اتَّبَعُوا جَنَازَتَهُ)(45) ولعل قوله (عليه السلام): (إِنَّ إِلَى جَانِبِكُمْ) يشعر(46) بكونه القضية خارجية إذ الخطاب كان لهم. ولكن كون مجرد صدور الروايات من أحدهما، مؤيداً ـ غير تام ـ، إلا بضميمة (الخوف) المصرح به في الروايات السابقة وشبه ذلك، فتأمل جيداً وتدبر.

وذِكر الإمام (عليه السلام) شروطاً للاستجابة أو لشفاء التربة

فهذا كله من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن الإمام (عليه السلام) يذكر أحياناً شروطاً للاستجابة، ولعل ذلك كان في فترة تراخي قبضة السلاطين، مما لم تبق معه ضرورة لإعمال الولاية المطلقة وذلك فيما لو قلنا ـ كما سبق ـ بدلالة ظواهر تلك الروايات(47) على الاستجابة الفورية العامة لكل الحاجات لكل أحد، وأما لو لم نقبل هذا المبنى فالأمر أوضح إذ تكون هذه الروايات وأشباهها مقيدة لإطلاق روايات (مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ...) فلاحظ الروايات التالية:

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إِنَّ إِلَى جَانِبِهَا(48) قَبْراً لَا يَأْتِيهِ مَكْرُوبٌ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِلَّا رَجَعَهُ اللَّهُ مَسْرُوراً بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ)(49) فهنا نجد التقييد بصلاة أربع ركعات على أن تكون (عِنْدَهُ (عليه السلام)). وذلك بناءً على أن المطلق والمقيد المثبتين يقيد أحدهما الآخر؛ فانه المتفاهم عرفاً، خلافاً لبعضٍ.

كما أن هناك روايات عديدة تصرح بأن الشفاء في تربته، ولكن بشروط خاصة:

عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن يونس بن الربيع: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِنَّ عِنْدَ رَأْسِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) لَتُرْبَةً حَمْرَاءَ، فِيهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ)، قَالَ: فَأَتَيْنَا الْقَبْرَ بَعْدَ مَا سَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَاحْتَفَرْنَا عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا حَفَرْنَا قَدْرَ ذِرَاعٍ ابْتَدَرَتْ عَلَيْنَا مِنْ رَأْسِ الْقَبْرِ مِثْلُ السِّهْلَةِ حَمْرَاءَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، فَحَمَلْنَاهَا إِلَى الْكُوفَةِ فَمَزَجْنَاهُ، وَأَقْبَلْنَا نُعْطِي النَّاسَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا)(50) إذاً: الشرط للشفاء الأكيد الحتمي هو هذه (التربة الحمراء) وهي قليلة ولا يحصل عليها كل أحد، وأما سائر تربته (عليه السلام) (حتى أربعة أميال) ففيها الشفاء طبعاً، ولكن بنحو المقتضي (نعم هو مقتضٍ شديد الاقتضاء بدون شك).

ولاحظ هذه الروائية المطولة الرائعة:

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام)‏: قَالَ كُنْتُ بِمَكَّةَ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي رَأَيْتُ أَصْحَابَنَا يَأْخُذُونَ مِنْ طِينِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَسْتَشْفُونَ بِهِ هَلْ فِي ذَلِكَ شَيْ‏ءٌ مِمَّا يَقُولُونَ مِنَ الشِّفَاءِ؟

قَالَ، قَالَ (عليه السلام): (يُسْتَشْفَى بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَبْرِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَكَذَلِكَ طِينُ قَبْرِ جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ) وَكَذَلِكَ طِينُ قَبْرِ الْحَسَنِ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ فَخُذْ مِنْهَا فَإِنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْمٍ وَجُنَّةٌ مِمَّا تَخَافُ وَلَا يَعْدِلُهَا شَيْ‏ءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَشْفَى بِهَا إِلَّا الدُّعَاءُ.

وَإِنَّمَا يُفْسِدُهَا مَا يُخَالِطُهَا مِنْ أَوْعِيَتِهَا وَقِلَّةُ الْيَقِينِ لِمَنْ يُعَالِجُ بِهَا فَأَمَّا مَنْ أَيْقَنَ أَنَّهَا لَهُ شِفَاءٌ إِذَا تَعَالَجَ بِهَا كَفَتْهُ بِإِذْنِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَالَجُ بِهِ، وَيُفْسِدُهَا الشَّيَاطِينُ وَالْجِنُّ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ يَتَمَسَّحُونَ بِهَا وَمَا تَمُرُّ بِشَيْ‏ءٍ إِلَّا شَمَّهَا وَأَمَّا الشَّيَاطِينُ وَكُفَّارُ الْجِنِّ فَإِنَّهُمْ يَحْسُدُونَ ابْنَ آدَمَ عَلَيْهَا فَيَتَمَسَّحُونَ بِهَا فَيَذْهَبُ عَامَّةُ طِيبِهَا وَلَا يَخْرُجُ الطِّينُ مِنَ الْحَيْرِ إِلَّا وَقَدِ اسْتَعَدَّ لَهُ مَا لَا يُحْصَى مِنْهُمْ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَفِي يَدَيْ صَاحِبِهَا وَهُمْ يَتَمَسَّحُونَ بِهَا، وَلَا يَقْدِرُونَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَدْخُلُوا الْحَيْرَ.

وَلَوْ كَانَ مِنَ التُّرْبَةِ شَيْ‏ءٌ يَسْلَمُ مَا عُولِجَ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا بَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ فَإِذَا أَخَذْتَهَا فَاكْتُمْهَا وَأَكْثِرْ عَلَيْهَا ذِكْرَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَأْخُذُ مِنَ التُّرْبَةِ شَيْئاً يَسْتَخِفُّ بِهِ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَطْرَحُهَا فِي مِخْلَاةِ الْإِبِلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ أَوْ فِي وِعَاءِ الطَّعَامِ وَمَا يَمْسَحُ بِهِ الْأَيْدِيَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْخُرْجِ وَالْجَوَالِقِ فَكَيْفَ يَسْتَشْفِي بِهِ مَنْ هَذَا حَالُهُ عِنْدَهُ وَلَكِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْيَقِينُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ)(51).

شروط الاستشفاء بالتربة

ويستفاد من هذا الحديث وجود شروط للاستشفاء بالتربة وهي:

1ـ اليقين أن التربة شفاء له حين يتعالج بها لا أن يأكلها شاكاً في أثرها أو مجرِّباً.

2 ـ أن يحفظها من أن يختلط بها شيء مما في الأوعية التي توضع فيها (كاختلاطها ببقايا طعام مشتبه أو بوساخات الكيس أو اليد أو ما أشبه).

3 ـ أن يحفظها من أن يتمسح بها الشياطين وكفار الجن، وذلك بحفظها وكتمانها والإكثار من ذكر الله تعالى عليها(52).

4 ـ احترامها وعدم الاستخفاف بها بأي وجه من الوجوه.

رواية رائعة جداً عن الشفاء الغيبي في التربة الحسينية

ولاحظ الرواية الأخرى الرائعة جداً:

وعن محمد بن مسلم‏ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَنَا وَجِعٌ، فَقِيلَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَجِعٌ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) شَرَاباً مَعَ الْغُلَامِ مُغَطًّى بِمِنْدِيلٍ فَنَاوَلَنِيهِ الْغُلَامُ وَقَالَ لِي: اشْرَبْهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَبْرَحَ حَتَّى تَشْرَبَهُ، فَتَنَاوَلْتُهُ؛ فَإِذَا رَائِحَةُ الْمِسْكِ مِنْهُ وَإِذَا شَرَابٌ طَيِّبُ الطَّعْمِ بَارِدٌ، فَلَمَّا شَرِبْتُهُ قَالَ لِيَ الْغُلَامُ: يَقُولُ لَكَ مَوْلَايَ: (إِذَا شَرِبْتَ فَتَعَالَ)، فَفَكَّرْتُ فِيمَا قَالَ لِي وَمَا أَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى رِجْلٍ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الشَّرَابُ فِي جَوْفِي فَكَأَنَّمَا نُشِطْتُ مِنْ عِقَالٍ فَأَتَيْتُ بَابَهُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَصَوَّتَ بِي: (صَحَّ الْجِسْمُ ادْخُلْ)، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا بَاكٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَبَّلْتُ يَدَهُ وَرَأْسَهُ.

فَقَالَ لِي: (وَمَا يُبْكِيكَ يَا مُحَمَّدُ؟) فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَبْكِي عَلَى اغْتِرَابِي وَبُعْدِ الشُّقَّةِ وَقِلَّةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُقَامِ عِنْدَكَ أَنْظُرُ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ لِي: (أَمَّا قِلَّةُ الْقُدْرَةِ فَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَنَا وَأَهْلَ مَوَدَّتِنَا وَجَعَلَ الْبَلَاءَ إِلَيْهِمْ سَرِيعاً، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْغُرْبَةِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبٌ وَفِي هَذَا الْخَلْقِ الْمَنْكُوسِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بُعْدِ الشُّقَّةِ فَلَكَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أُسْوَةٌ بِأَرْضٍ نَائِيَةٍ عَنَّا بِالْفُرَاتِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ حُبِّكَ قُرْبَنَا وَالنَّظَرِ إِلَيْنَا وَأَنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِكَ وَجَزَاؤُكَ عَلَيْهِ).

ثُمَّ قَالَ لِي: (هَلْ تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ؟) قُلْتُ: نَعَمْ عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ فَقَالَ: (مَا كَانَ فِي هَذَا أَشَدَّ فَالثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ فَمَنْ خَافَ فِي إِتْيَانِهِ آمَنَ اللَّهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَ انْصَرَفَ بِالْمَغْفِرَةِ وَ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ زَارَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) وَمَا يَصْنَعُ وَدَعَا لَهُ وَانْقَلَبَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ).

ثُمَّ قَالَ لِي: (كَيْفَ وَجَدْتَ الشَّرَابَ؟) فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ الرَّحْمَةِ وَأَنَّكَ وَصِيُّ الْأَوْصِيَاءِ لَقَدْ أَتَانِي الْغُلَامُ بِمَا بَعَثْتَ وَمَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَسْتَقِلَّ عَلَى قَدَمَيَّ وَلَقَدْ كُنْتُ آيِساً مِنْ نَفْسِي فَنَاوَلَنِي الشَّرَابَ فَشَرِبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُ مِثْلَ رِيحِهِ وَلَا أَطْيَبَ مِنْ ذَوْقِهِ وَلَا طَعْمِهِ وَلَا أَبْرَدَ مِنْهُ فَلَمَّا شَرِبْتُهُ قَالَ لِيَ الْغُلَامُ إِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكَ إِذَا شَرِبْتَهُ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ وَقَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ مَا بِي فَقُلْتُ لَأَذْهَبَنَّ إِلَيْهِ وَلَوْ ذَهَبَتْ نَفْسِي فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ وَكَأَنِّي أُنْشِطْتُ مِنْ عِقَالٍ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكُمْ رَحْمَةً لِشِيعَتِكُمْ.

فَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الشَّرَابَ الَّذِي شَرِبْتَهُ فِيهِ مِنْ طِينِ قُبُورِ آبَائِي وَهُوَ أَفْضَلُ مَا اسْتُشْفِيَ بِهِ فَلَا تَعْدِلَنَّ بِهِ فَإِنَّا نَسْقِيهِ صِبْيَانَنَا وَنِسَاءَنَا فَنَرَى فِيهِ كُلَّ خَيْرٍ).

فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا لَنَأْخُذُ مِنْهُ وَنَسْتَشْفِي بِهِ؟

فَقَالَ: (يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ فَيُخْرِجُهُ مِنَ الْحَيْرِ وَقَدْ أَظْهَرَهُ فَلَا يَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ الْجِنِّ بِهِ عَاهَةٌ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا شَيْ‏ءٍ بِهِ آفَةٌ إِلَّا شَمَّهُ فَتَذْهَبُ بَرَكَتُهُ فَيَصِيرُ بَرَكَتُهُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا الَّذِي نَتَعَالَجُ بِهِ لَيْسَ هَكَذَا، وَلَوْ لَا مَا ذَكَرْتُ لَكَ مَا تَمَسَّحَ بِهِ شَيْ‏ءٌ وَلَا شَرِبَ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ إِلَّا أَفَاقَ مِنْ سَاعَتِهِ وَمَا هُوَ إِلَّا كَحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَتَاهُ أَصْحَابُ الْعَاهَاتِ وَالْكُفْرِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ لَا يَتَمَسَّحُ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا أَفَاقَ، قَالَ: وَكَانَ كَأَبْيَضِ يَاقُوتَةٍ فَاسْوَدَّ حَتَّى صَارَ إِلَى مَا رَأَيْتَ).

فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟

فَقَالَ: (أَنْتَ تَصْنَعُ بِهِ مَعَ إِظْهَارِكَ إِيَّاهُ مَا يَصْنَعُ غَيْرُكَ تَسْتَخِفُّ بِهِ فَتَطْرَحُهُ فِي خُرْجِكَ وَ فِي أَشْيَاءَ دَنِسَةٍ فَيَذْهَبُ مَا فِيهِ مِمَّا تُرِيدُ بِهِ)، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ! قَالَ: (لَيْسَ يَأْخُذُهُ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَخْذِهِ وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ بِالنَّاسِ).

فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَكَيْفَ لِي أَنْ آخُذَهُ كَمَا تَأْخُذُ؟ فَقَالَ لِي: (أُعْطِيكَ مِنْهُ شَيْئاً؟) فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (فَإِذَا أَخَذْتَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟) قُلْتُ: أَذْهَبُ بِهِ مَعِي، قَالَ: (فِي أَيِّ شَيْ‏ءٍ تَجْعَلُهُ؟) قُلْتُ: فِي ثِيَابِي، قَالَ: (فَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى مَا كُنْتَ تَصْنَعُ، اشْرَبْ عِنْدَنَا مِنْهُ حَاجَتَكَ وَلَا تَحْمِلْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ لَكَ)، فَسَقَانِي مِنْهُ مَرَّتَيْنِ فَمَا أَعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ شَيْئاً مِمَّا كُنْتُ أَجِدُ حَتَّى انْصَرَفْتُ)(53).

شاهدان آخران

والذي يؤكد أنّ (حتمية استجابة الدعاء تحت قبته الشريفة فوراً، لكل أحد ولكل حاجة(54)) كانت ـ على فرضها ـ خاصة بفترات من زمنهم (عليهم السلام) وليست عامة لكل الأزمان (وإن العام لكل الأزمان هو: كون الدعاء تحت القبة بنحو المقتضي شديد الاقتضاء فهي قضية حقيقية بنحو المقتضي القوي، فإن الاقتضاء درجات، فكما أن الدعاء مقتضٍ للاستجابة لكنه في المسجد أو في السَّحَر أقوى اقتضاءً بكثير فكذلك الدعاء تحت القبة أو عند قبره الشريف شديد الاقتضاء جداً) أقول: الذي يؤكد أن استجابة الحاجات عند الدعاء تحت القبة، هو بنحو المقتضي (شديد الاقتضاء) لا بنحو العلّة التامة لفورية قضاء نفس(55) كل الحاجات التي يطلبها كل الناس، أمران:

أولاً: إننا نجد الكثير من الناس يدعون الله تحت القبة ولا يستجاب لهم بنحو الفور وعلى حسب ما طلبوا، وإن قدّر الله تعالى أن يستجيب لهم بنحو آخر بأن يعوّضهم باستجابة حاجة أخرى لم يطلبوها مع كونها أهم جداً من الحاجة التي طلبوها، أو يعوّضهم في الآخرة بما لا قياس بينه وبين ما طلبوه في الدنيا بحيث أنهم لو علموا ذلك لرجّحوا عدم تلبية حاجتهم الآن واصرّوا على تعويضهم في الآخرة... إذاً: لا يراد من الاستجابة، في أزماننا، ما يتوهمه بعض الناس من الاستجابة الفورية، خاصة وإن قيد الفورية لم يرد في روايات (مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ وَقَضَى حَاجَتَهُ) وغاية الأمر ظهور في الفور، ولكنه معارض بأقوى منه في الروايات الأخرى المصرّحة بالتأخير لأجلٍ أو لمصلحةٍ.

ثانياً: إن الاستجابة الفورية لكل الحاجات لكل أحد وبحسب نفس طلبه وحاجته مناقض لكون الدنيا دار امتحان وابتلاء، وإلا (لو كانت استجابة الدعاء تحت القبة، والشفاء بأكل التربة، هي بنحو الفور لكل أحد) لترك الناس كافة، الأطباء وتوجهوا بمئات الملايين إلى كربلاء وأخذوا الشفاء، وبذلك كان يختلّ النظام الذي وضعه الله تعالى لهذا العالم: (الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(56) و(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّـرِ الصَّابِرِينَ)(57) و(كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا)(58) و(إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)(59).

من حدود قاعدة اللطف

وبوجه آخر: إن قاعدة (اللطف) لا تقتضي التدخل الإعجازي الإلهي في استجابة (الدعاء) وشفاء (التربة) في كل الأزمنة ولكل الأشخاص بنحو الفور، بل إنها تقتضي ذلك في صورة تعرّض أصل الدين والمذهب للخطر، فكلما كان في مظان أن يُطفأ هذا النور تماماً، فإنه يكون على القاعدة(60) أن يقتضي التقدير الإلهي رفع درجة المقتضي وزيادته ليوصله إلى مرتبة العلّة التامة حتى مع فقد الأشخاص للشروط أو ابتلائهم بالموانع أو القواطع أو الروافع أو المزاحمات.

استجابة الدعاء الشاملة في البرزخ والمحشر

وأخيراً: قد يقال إنه يستفاد من بعض الروايات أن قضية استجابة الدعاء لزوار الحسين (عليه السلام) تكون بنحو العلّية التامة، في البرزخ أو في يوم المحشر فقط (وأما في الدنيا فبنحو الاقتضاء).

أي إن زوار الحسين (عليه السلام) تقضى لهم الحاجات التي يطلبونها وهم في البرزخ أو بالمحشر، كلها سواء أتعلقت بشؤون الدنيا كالدعاء لبعض ذويهم، أم بشؤون الآخرة، فلاحظ الرواية التالية:

عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) (كَأَنِّي(61) وَاللَّهِ بِالْمَلَائِكَةِ قَدْ زَاحَمُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)) قَالَ: قُلْتُ فَيَتَرَاءَوْنَ؟، قَالَ: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ لَزِمُوا وَاللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَمْسَحُونَ وُجُوهَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، قَالَ وَيُنْزِلُ اللَّهُ عَلَى زُوَّارِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) غُدْوَةً وَعَشِيَّةً مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ(62) وَخُدَّامُهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ) قَالَ قُلْتُ هَذِه:ِ وَاللَّهِ الْكَرَامَة.

قَالَ: (يَا مُفَضَّلُ أَزِيدُكَ قُلْتُ نَعَمْ سَيِّدِي قَالَ كَأَنِّي بِسَرِيرٍ مِنْ نُورٍ قَدْ وُضِعَ وَقَدْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوْهَرِ وَكَأَنِّي بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) جَالِسٌ عَلَى ذَلِكَ السَّرِيرِ وَحَوْلَهُ تِسْعُونَ أَلْفَ قُبَّةٍ خَضْرَاءَ وَكَأَنِّي بِالْمُؤْمِنِينَ يَزُورُونَهُ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ أَوْلِيَائِي سَلُونِي فَطَالَمَا(63) أُوذِيتُمْ وَذُلِّلْتُمْ وَاضْطُهِدْتُمْ فَهَذَا يَوْمٌ لَا تَسْأَلُونِّي حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا قَضَيْتُهَا لَكُمْ فَيَكُونُ أَكْلُهُمْ وَشُرْبُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فَهَذَا وَاللَّهِ الْكَرَامَةُ الَّتِي لَا انْقِضَاءَ لَهَا وَلَا يُدرك مُنْتَهَاهَا)(64). والظاهر أن آخرها قرينة على المراد من أولها، لا العكس.

ولكن هذا الوجه متأمل فيه، لمعارضته بالروايات الأكثر عدداً والأصح سنداً والأقوى دلالة على أن استجابة الدعاء هي في الدنيا أيضاً، فتدبر.

القادم: كيفية تأثير الأدعية في تغيير المقدرات التكوينية
القسم الأول: https://annabaa.org/arabic/dogmas/22567
القسم الثاني: https://annabaa.org/arabic/dogmas/22578

.........................................
(1) سورة الروم: 4.
(2) أعلام الدين: ص269.
(3) بناءً على أن كل مانع فإن عدمه شرط، وكل شرط فإن عدمه مانع، فتأمل والأمر سهل لأنه اصطلاح، فتدبر.
(4) مستدرك الوسائل: ج5 ص195.
(5) الكافي: ج2 ص488.
(6) الكافي: ج2 ص490.
(7) وسائل الشيعة: ج7 ص62.
(8) سورة الإسراء: 11.
(9) تحف العقول: ص122.
(10) تحف العقول: ص75.
(11) الكافي: ج2 ص488.
(12) (وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ أَطْوَلَ لِلْمَسْأَلَةِ...).
(13) سورة يونس: 89.
(14) الكافي: ج2 ص489.
(15) الكافي: ج2 ص489.
(16) الكافي: ج2 ص489.
(17) موسوعة الفقه ـ كتاب الآداب والسنن ـ: ج95/2 ص27 ـ 28.
(18) كامل الزيارات: 167.
(19) بناءً على استظهار ذلك، كما سبق في المتن.
(20) سورة التوبة: 40.
(21) سورة الأنفال: 9.
(22) سورة آل عمران: 123 ـ 125.
(23) وهم سبعون رجلاً.
(24) وقد تجلى النصر الإلهي الاعجازي بنحو آخر أي بنحو غير إرسال ألف أو ألفين أو خمسة آلاف من الملائكة، والذي هو مورد الشاهد.
(25) بحار الأنوار: ج20 ص66/ وتفسير القمي: ج1 ص126.
(26) سورة آل عمران: 165.
(27) التبيان: ج5 ص156.
(28) سورة محمد: 4.
(29) تفسير القمي: ج1 ص126 وص270 ذيل آية (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئ‏) بعدة صفحات، وراجع بحار الأنوار: ج20 ص66.
(30) سورة آل عمران: 165.
(31) سورة البقرة: 91.
(32) سورة الإسراء: 5 ـ 6.
(33) حتى زمن عمر بن العزيز (حكم سنة 99 حتى 101 هـ)، وحتى في فترات بعده إذ استمر الإرهاب الشديد تجاه الشيعة حتى وإن لم يسبوا الإمام علي (عليه السلام) على المنابر (مثلاً زمن المتوكل "حكم سنة 232 حتى 247هـ")
(34) كتكلّم رأسه الشريف على رأس القنا، ومجيء الإمام السجاد (عليه السلام) الإعجازي إلى كربلاء... وهكذا
(35) عدة الداعي: ص310 / وإرشاد القلوب: ج1 ص75.
(36) سورة آل عمران: 61.
(37) سورة الأحزاب: 33.
(38) من التدخل الغيبي الإعجازي بقضاء كل الحاجات فوراً، لأجل حفظ منجزات النهضة الحسينية المباركة.
(39) كامل الزيارات: ص117.
(40) كامل الزيارات: ص125.
(41) كامل الزيارات: ص126.
(42) كامل الزيارات: ص126.
(43) تلاحظ العناية في اختيار كلمة (يؤيد) هنا وفيما سبق دون (يدل)، والفائدة من المؤيدات تجميع القرائن والتعاضد فان إفادت الاطمئنان فهو المطلوب، وإلا كفتنا أجوبة (المقتضي) و(إجابة الأدعية ولو بنحو آخر أو في زمن آخر) وشبهها.
(44) كامل الزيارات: ص167.
(45) كامل الزيارات: ص167.
(46) لاحظ قولنا (يشعر) وليس (يدل).
(47) (مَا أَتَاهُ مَكْرُوبٌ...)
(48) الكوفة.
(49) كامل الزيارات: ص167.
(50) الكافي: ج4 ص588.
(51) كامل الزيارات: ص280.
(52) وفي بعض الروايات: أن يختمها فوراً بسورة القدر.
(53) كامل الزيارات: ص275.
(54) لاحظ القيود.
(55) نفس الحاجة التي طلبها العبد.
(56) سورة العنكبوت: 1 ـ 3.
(57) سورة البقرة: 155.
(58) سورة الإسراء: 20.
(59) سورة الأعراف: 155.
(60) لاحظ قولنا (على القاعدة).
(61) لعل المستظهر أنه (عليه السلام) كان ينظر إلى المؤمنين وهم في البرزخ أو في يوم المحشر.
(62) وهذه قرينة على أن الأمر في عالم البرزخ أو المحشر.
(63) وهذه قرينة على أن الأمر بعد عالم الدنيا.
(64) كامل الزيارات: ص135.

اضف تعليق