q
ولا تقتصر السلبيات على الجانب الخاص في قطاع العمل العراقي، ولكن ايضا البيروقراطية الحكومية والفساد والرشاوي الكبيرة التي تعترض الشركات في القطاع الخاص العراقي وعدم جدية الحكومة العراقية بتوفير الضمان الاجتماعي للموظف العراقي في القطاع الخاص ولا حتى لمساعدة الشركات من اجل زيادة رأس المال وزيادة نسبة العاملين...

عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث الجلسة الحوارية الشهرية في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان، (المبادرات الاجتماعية ودورها في تطوير مهارات الشباب في سوق العمل)، بمشاركة عدد من الباحثين، وقدم ورقة النقاش الباحث في المركز محمد علاء الصافي، جاء فيها:

مبادرات اجتماعية، مصطلح يشير الى أي نشاط يستهدف معالجة المشاكل الاجتماعية مثل إيصال الدعم والإغاثة للجماعات التي تعاني من مشاكل الفقر او محاربة ادمان المخدرات أو النشاطات الداعمة للبيئة والنشاطات الثقافية والفكرية والدينية.

أما في سوق العمل فتكون المبادرات عبر النشاطات التي تقدمها الشركات العامة والخاصة للمجتمعات المحلية من باب المساهمة الاجتماعية أو التسويق لمنتجاتها وخدماتها بصورة إيجابية.

تساهم المبادرات المجتمعية والعمل التطوعي بشـكل كبيـر فـي نهـوض وتطـور المجتمعـات وتعزيـز الشراكة بين كافة فئات المجتمع ومن ضمنها المنظمـات المحلية غير الحكومية والحكومية والقطاع الخاص نحـو تحقيـق الاهداف التنموية المستدامة. بالإضافـة إلـى ذلك، تساهم هذه المبادرات فـي تعزيـز الروابـط الإجتماعيـة والتكافـل الإجتماعـي بين كافة أطياف المجتمع. ان تنفيذ المبادرات، يتطلب توفر البيئة الداعمة لضمان نجاحها وفعاليتها. وهنا يقع على عاتق الحكومات والمؤسسات التنموية بمختلف تخصصاتها واجب توفير بيئة امنة وتفعيل إستراتيجيات وادوات دعم لهذه المبادرات وتأمين ما يلزم لتعزيز فرصها في النجاح. فالمبادرات الشبابية ذات اهمية بالغة وتلعب دورا كبيرا في ترسيخ ثقافة التطوع وعليه لابد من إيجاد مساحات آمنة من خلال المراكز الشبابية ومنظمات المجتمع المدني من اجل بناء القدرات واعداد برامج تأهيلية وفقا لإحتياجات الشباب والمجتمع، بالإضافة الى تأمين الدعم للشباب لتنفيذ مبادراتهم بطريقة خلاقة وآمنة.

ان عدم قدرة الاقتصاد العراقي على توفير فرص عمل جديـدة بـالكم الـلازم لاسـتيعاب العـدد الـضخم مـن العـاطلين عـن العمـل والداخلين الجـدد إلـى سـوق العمـل تعـد مـن أهـم التحديات التـي تواجـه الاقتـصاد بشكل عام، وهذا يحتاج إلى جهود حثيثة في ظل الطاقات الإنتاجية المعطلة فـي الدولة، وان مشكلات عدم الاستقرار الأمني والسياسي، يعـد أهـم العوائـق أمـام تهيئـة المنـاخ الاسـتثماري المـوأتي والجـاذب للاسـتثمار المحلـي والأجنبـي، إذ إن خلـق فرص العمل بمعدل مقبول سنويا لا يلائم الأعداد المتزايدة للأيدي العاملة والتي بحاجة لزيادة الموارد المتاحة للاستثمار بمعدلات تفوق المعدلات التي سادت في العقود الماضية لكي يتمكن الاقتصاد مـن تحقيق معدل نمو قادر على توفير فرص عمل جديدة لسوق العمل لكي يستوعب هـؤلاء الداخلين مع الموجودين من العاطلين المنتظرين الحصول على توظيف. لـذا فإن معدل البطالة الفعلية في العراق يفوق بشكل كبير معدل النمو في الاقتصاد العراقي.

إن قصور الرؤى السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية في كيفية إدارة الثروات المادية والبشرية الضخمة ومدى التبديد والهدر الذي حدث فـي هـذه الثـروات كما ان سياسة عـسكرة المجتمع والحروب واستنزاف الموارد انعكس علـى تخلف الأداء الاقتصادي وتخلف قطاعاته الحيوية في المجالات كافـة، فمثلمــا أرهـق الترهـل والبيروقراطية أجهزة القطاع العام فإن الإهمال والتهميش قـد أصاب القطاع الخاص أيضا وجعله رأسمالاً جامدا أو عاطلا ومهاجرا.

مازال العراق يعاني من نسبة بطالة تزيد عن 30 بالمئة على المستوى المحلي واكثر من 58 بالمئة على مستوى الشباب والخريجين الجدد في حين قدرت بعض التخمينات ان عدد العاطلين عن العمل قد يتجاوز حاجز ال 10 مليون نسمة خلال السنوات القادمة ويعني تقريباً هذا إن ربع السكان في العراق سيكونون من دون اعمال حقيقية، ويعد بعض الخبراء الاقتصاديين ان الواقع العراقي اسوء بكثير حتى من هذه التوقعات وحيث لا تمتلك وزارة التخطيط نسب حقيقية ولا واقعية لمثل هذه الاعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل ولاماهية وطبيعة المشكلة نبقى في ازمة مرهونة اكثر بتوقعات سلبية وسوداوية.

عدد العمالة الكبيرة غير المدربة واللامتمرسة في سوق عمل ناشيء يخلق ايضاً مشكلة كبيرة للشركات العراقية والاجنبية العاملة في العراق في الوقت الحالي، وحيث لدينا نسبة كبيرة من الشركات لاتكاد تجد مبتغاها في العامل والموظف المحلي العراقي، بالاضافة الى انعدام ثقافة العمل الحقيقية محلياً والتي لا تؤهل الشركات لجني الارباح في العراق مما يؤثر بشكل سلبي متفاقم على العمالة العراقية بصورة عكسية ايضاً، فأصبح البحث عن العامل والموظف الأجنبي هو الاتجاه الجديد لأغلب الشركات حالياً وهذا ما يؤثر على فرص اغلب العاطلين عن العمل حالياً وهو السبب الاكبر لزيادة نسب البطالة في العراق خلال العقد المنصرم.

البطالة الكبيرة في العراق لن تحل بصورة كلية عند توفير فرص عمل اكثر فقط او زيادة حجم الاستثمارات في داخل العراق، والذي قد يؤدي الى زيادة الطلب على الموظفين والعمال المحليين كما هو متوقع، ولكن نحن نحتاج الى مؤسسة معنية بإدارة ملف العاطلين عن العمل واجبار كل الشركات وايضا الموظفين الجدد على تلقي التدريب المطلوب واقامة الورشات والمؤتمرات والمهرجانات لتعريف الشباب بطبيعة سوق العمل المطلوبة، وكيفية الحصول على وظائف، وايضاً من خلال ادراج المواد الدراسية الاساسية لبناء ثقافة العمل والبحث عن فرص وظيفية وكيفية ادارة الملف الوظيفي بشكل خاص للشباب في الجامعات لاكتساب الثقافة العامة الضرورية لكيفية الحصول على وظائف والنجاح في الوظيفة.

قلة فرص أم ضعف مهارات؟

تكمن الأسباب الهيكليـة لانخفاض التوظيف إلـى خصائص الايدي العاملة إذ أن كثيرا من الـشباب يفتقـر إلى التدريب اللازم مع ما يحتاجه سـوق العمل وضعف المهارات الشخصية بسبب الاعتماد على المؤسسات التعليمية والتي تفتقر بالأساس الى منهج ينمي المهارات والابداع لدى الطلبة، وكذلك فإن من أهم الأسباب فـي ضعف سوق العمل شدة الاعتماد على القطاع العام في التوظيف فضلا عـن عوامل الحروب وعدم الاستقرار الأمنـي لسنوات طويلة.

إن واقع سوق العمل المتأزم مع عدم وضوح فلسفة النظام الاقتصادي واستراتيجيته والمشاكل المصاحبة لعملية الانتقال نحو اقتصاد السوق، كلها تفسر الضعف الواضح في سوق العمل وعدم قدرته على توليد وظائف جديدة، وتقليل مستويات التوظيف في القطاع الحكومي.

الاعتماد على استيراد العمالة الأجنبية سواء في القطاع العام او الخاص وعدم استثمار الثروة البشرية الشبابية الكبيرة في العراق وتطويرها ساهم بخلق مشاكل كبيرة، أهمها البطالة وعدم استقرار الشارع حيث شهد العراق موجات كبيرة من الاحتجاجات كان وقودها الأساس هم الشباب العاطل عن العمل، كما ان مشاكل نفسية كثيرة توطنت لدى الشاب العراقي مثل اليأس والسلبية وادمان المخدرات والنقمة على كل شيء مع ارتفاع مؤشر حالات الانتحار بشكل خطير لدى البعض منهم والأرقام والمؤشرات خطيرة جداً في السنوات الأخيرة.

أسباب أخرى برزت لدينا مثل الهجرة الى خارج البلد بأي وسيلة او التوجه نحو الانخراط في تنظيمات إرهابية والاتجاه نحو عسكرة المجتمع لأنها السبيل الوحيد لإيجاد فرصة عمل في الغالب وهي لا تحتاج الى مهارات كبيرة في النهاية.

إن القطاع الزراعي وهو من اهم القطاعات التي كان يعتمد عليها العراق لعقود طويلة عاجز عن توليد فرص العمل الكافية للأعـداد المتزايدة مـن سكان الريف ويؤيـد ذلـك لجوء العديد من أبناء الريف إلى المدن للعمل في أنشطة خدمية وفي قطاع البناء والتشييد، ولـذا تبرز الحاجة لتشجيع الاستثمار الخاص في الأنـشطة غير الزراعية في الريف لـضمان توليد فرص عمل جديدة، وستؤدي المـشاريع الـصغيرة التي ينبغي توجيههـا إلى الريف الى زيادة فـرص توليد الدخل وفرص العمل للعمال الزراعيين الذين لا يملكون أرضا زراعية.

ان إعادة هيكلة سوق العمل في الدول النامية يتطلب منح القطاع الخاص دورا مهما في عملية التوظيف وتحديـد نوعية ومستوى العمالة التي يحتاجها لاستمرار مسيرة التنمية والنمو في دول المنطقة بالإضافة إلى تطوير أنظمة التعليم ومناهجه وتطوير معاهد التدريب وتعزيزها.

ولا تقتصر السلبيات على الجانب الخاص في قطاع العمل العراقي، ولكن ايضا البيروقراطية الحكومية والفساد والرشاوي الكبيرة التي تعترض الشركات في القطاع الخاص العراقي وعدم جدية الحكومة العراقية بتوفير الضمان الاجتماعي للموظف العراقي في القطاع الخاص ولا حتى لمساعدة الشركات من اجل زيادة رأس المال وزيادة نسبة العاملين قد يكون سبب آخر وكشف النقاب الحقيقي عن هذا الجانب المظلم والمأساوي الذي يتم دفع رشاوي ونسب مالية للموظفين الحكوميين في القطاع الأمني والدوائر غير ذات الصلة.

في تصريح صحفي لمقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي السابق احمد الصفار، "حاولنا في بعض مواد موازنة 2021 أن نفسح المجال أمام القطاع الخاص للدخول في عملية النشاط الاقتصادي، ولم نستطع ذلك، حيث وُجهت اتهامات كبيرة لنا من بعض الأطراف".

كما أن "هناك سياسات من الداخل والخارج موجهة لإبقاء الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعياً وسوقا موجهة إلى الاستيراد من الدول الأخرى، لأن الدول المصدرة للعراق لا تريد تنشيط وتطوير القطاع الخاص العراقي، حتى لا تتضرر مصالحها".

وللاستزادة من الأفكار والحلول تم طرح السؤالين الآتيين:

س١/ ما هي الوسائل المقترحة لتفعيل القطاع الخاص كمنافس للقطاع العام؟

س٢/ كيف يمكن تطوير مهارات الشباب ليكونوا جزء من سوق العمل؟

المداخلات:

الدكتور مظهر محمد صالح:

عقد المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت مؤتمره خلال ايار من العام 2017 تحت شعار تمكين الاجيال نحو المستقبل وإنصبت النقاشات في جوهرها على موضوع تشغيل القوى الشبابية في العصر الرقمي او الثورة التكنولوجية الرابعة الراهنة.

فأمام ظاهرة عجز الشركات الكبرى عن التشغيل الواسع للقوى العاملة الشابة ذلك لإحلال تكنولوجيا عالية الكثافة وكذلك عجز الحكومات في توفير فرص العمل (ولاسيما من امم شابة نسبة الشباب فيها بنحو ٦٠ بالمئة من اجمالي قوة العمل والتي سيبلغها العراق في العام ٢٠٣٧) بسبب السير في مبدأ الحكومة الالكترونية الصغيرة الفاعلة، لذا فان الفرص المتاحة للتشغيل هي بلوغ مايسمى بالنظام الايكولوجي ECO system: اي الترابط المتسارع لكل الطاقات الموهوبة للشباب والقدرات الريادية المدعومة بالابتكارت التي يتعاطى معها العصر الرقمي لتشكيل حواضن عمل منتجة ومستفيدة في آن واحد، ذلك عبر ظواهر سلوكية ادارية ديناميكية (يطلق عليها اصطلاحاً بالتغير الجذري الخلاقdisruption) وهو مزيج بين الريادة الادارية والقدرة على الابتكار وتوظيف المواهب لتوليد منتجات جديدة واسواق جديدة تشكل جميعها اساس (النظام الايكولوجي) الذي قوامه المشروعات الصغيرة والمتوسطة المترابطة رقمياً.

فالترابطات بين مدخلات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومخرجاتها التي تتعاطى بقدرات معلوماتية متبادلة تأتي جميعها (كقوة تفاعلية) لتعظيم كفاءة الانتاج وادخال منتجات جديدة مولدة لأسواق جديدة كما ذكر. اما دور الدولة فسيبقى المجهز الاساس للبنى التحتية (المادية والقانونية) وتسهيل الاعمال وتبسيط الاجراءات مع التأكيد على مبدأ الشراكة والتفاعل بين الدولة والسوق.

كما اثيرت قضايا نظرية اقتصادية مهمة في مفهوم توازن السوق الرقمية، فعلى سبيل المثال أخذ قانون مارشال في العرض والطلب (لتحديد الاسعار التوازنية) مفهوماً جديدا في توازن السوق الرقمية.

فالأسعار التوازنية الرقمية هي تمثل تعادل الطلب مع العرض.

(حيث يمثل العرض هنا احتواء جميع المشكلات بما فيها مشكلات البنية التحتية والبيروقراطية الحكومية وغيرها والنزول بها الى حدها الادنى الامثل من خلال تبسيط الاجراءات وشفافية اللوائح الرقابية).

وهكذا فإن خلاصة الافكار التي جاء بها النظام الايكولوجي انفاً هو المخرج الاساسي لنظام التشغيل ومواجهة البطالة من خلال كثافة المنتج الجديد الذي يسهل تحقيق نموه تلك الادوات الرقمية

وقدراتها المعلوماتية سواء في مجال اقامة حاضنات الاعمال او تشييد نظام للوحدات السكنية الواطئة الكلفة او استعمال الطاقة الشمسية او التقنيات الحديثة في الزراعة او استخدام الذكاء الصناعي، اي من خلال اقامة وحدات انتاجية صغيرة ومتوسطة ومترابطة تعمل بقاعدة رقمية موحدة في تبادل المعلومات لتشكل جميعها النظام الايكولوجي الامثل الذي سيكون قوة فاعلة للتشغيل الاساسي للقوة البشرية الشابة.

يلحظ ان العراق في ظروفه الراهنة هو بأمس الحاجة الى خطوة فاعلة لتجميع الشركات الصغيرة والمتوسطة الرائدة لتشكيل نواة لنظام ايكولوجي يتوافر له التمويل الداخلي او الدولي سواء من وكالات التمويل الدولية او مشروع اقراض البنك المركزي او غيرها لبلوغ العصر الرقمي وامتيازاته في تشغيل الطاقات العاملة من الشباب وتوليد منتجات جديدة وفق قاعدة معلومات ميسرة لكل تجمع منتج، فعلى سبيل المثال لا الحصر يلحظ ان العالم العربي ينفق حاليا على الترجمة سنويا اكثر من ١،٢مليار دولار وهي فرصة لإقامة وحدات ترجمة بأدوات عصرية رقمية كنشاط مكون للنظام الايكولوجي والامثلة على ذلك كثيرة.

وعليه نرى اهمية السير بعصر رقمي جديد للعراق وبدعامتين اساسيتين:

اولهما: البدء بإقامة نظام للشركات الشبابية الرائدة(SME,s) في الحقول المختلفة كالزراعة والبناء وفروع الانتاج ذات الابتكارات الرقمية حصرياً بالتنسيق بين الوزارات ذات العلاقة كالتعليم العالي والشباب والرياضة والعمل والشؤون الاجتماعية والتخطيط وكذلك البنك الدولي والافادة من خبراته الواسعة بهذا الشأن.

والاخرى: تهيئة السبل اللازمة لتشجيع تأسيس شركات رائدة صغيرة للمنتجات المبتكرة وخلق اسواق وطنية جديدة باسم: الشركات الرائدة للشباب وزجها في نظام تجميعي واحد يعمل وفق قاعدة معلومات وبيانات كفوءة، بلوغاً لاقتصاد رقمي فعلي الذي يعني استخدام شبكات الانترنت لتسهيل اعمال المجتمع التبادلية والتعاقدية، مع التأكيد على مبدأ توافر العدالة الرقمية (اي جعل عمليات استخدام الانترنت متاحة للجميع دون تمييز او اقتصارها على فئات مجتمعية محددة).

الشيخ مرتضى معاش:

كل الأسباب هي بيد الدولة وهي من يقف حائل امام تطوير الاقتصاد وسوق العمل، والقطاع الخاص في العراق قطاع مهمش ويناضل من اجل إيجاد الفرص للاستمرار الا من امتلك وسائل القوة والنفوذ للاستمرار، ولا يمكن تطوير مهارات الداخلين في سوق العمل دون تطوير وتحرير القطاع الخاص.

لذا نحن نشجع المجتمع الأهلي وكما انه لديه مبادرات مهمة ورائعة في رعاية الايتام مثلا او المناسبات الدينية او اطعام الفقراء، أو كما شاهدنا في ازمة جائحة كورونا وكيف ساهم المجتمع بدعم الطبقات العاملة ممن تضرروا من الاغلاق والحظر وتوقف الاعمال بمساعدتهم ماديا ومعنويا، نحتاج اليوم ان نرى نفس الهمة والاستجابة بدعم وتأسيس صناديق الإقراض الخيرية لتمويل المشاريع الاقتصادية الصغيرة والكبيرة سواء من داخل العراق او من خارجه.

حتى في النظريات الغربية والاقتصادات الحرة هناك تصور ان الدولة هي العدو والمقيد الأول للاقتصاد ولا يمكن من تطوير مهارات الداخلين في سوق العمل دون تحرير الاقتصاد ودعم القطاع الخاص، المجتمع هو الذي يقوم بعملية قيادة الاقتصاد الحقيقي.

الكاتب حيدر الجراح:

هناك نوع من التناقض في خطاباتنا عندما نطلب من الشباب بالاعتماد على انفسهم بعيدا عن الحكومة لكننا في الوقت ذاته نطالب الحكومة بفتح المجال امام الشباب، تحضر الحكومة هاجساً ابدياً لا يمكن الفكاك منه في جميع الندوات والنشاطات التي تقيمها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأخرى، ماذا عن المجتمع الذي يشكل ويختار حكومته وفق احتياجاته وما يريده ويطمح اليه من خدمات وأمن؟

دائما الحكومة هي المخاطب وهي تتجاهلنا أصلا!

لذلك هناك انفصال بين النخبة والمجتمع ولا زلنا بعيدين عن السباحة في بحيرة المجتمع وهو الأولى باهتمامنا، لذا لابد من خلق بديل للمجتمع عن الحكومة من خلال طرح جديد من ثلاثية (المثقف – المجتمع – الدولة او الحكومة)، فلا يتم توجيه الخطاب للمجتمع واذا توجهنا فيكون الربط بالحكومة وهذه مشكلة كبيرة في وعينا للمشكلة نفسها.

الباحث حامد الجبوري:

بالعادة اقتصاد العمل يتكون من ركنين أساسيين هما عرض العمل والطلب على العمل، في العراق نعاني من زيادة في عرض العمل مقابل انخفاض في الطلب عليه ليوصلنا الى نسبة بطالة كبيرة وهنا يكون ما يسمى في علم الاقتصاد التشوه الصارخ في سوق العمل وهذا فيه العديد من الأسباب، منها: النمو السكاني ويعتبر العراق من الدول المتقدمة في النمو السكاني، سبب آخر هو الريع النفطي، وكما هو معروف ان الريع النفطي هو صناعة كثيفة رأس المال وليست كثيفة العمل وفي الواقع ان الطلب على الايدي العاملة يكون نحو صناعة كثيفة العمل وليس العكس ويجب ان نقلل التشوه الصارخ من خلال صناعات كثيفة لا تعتمد على الريع النفطي.

سبب آخر للتشوه الاقتصادي الصارخ في العراق، إدارة النشاط الاقتصادي لازال بيد الدولة في الدرجة الأولى وتقييد القطاع الخاص وانخفاض توليد فرص العمل، وسبب مهم آخر هو الفساد، وهو احد عوامل ارتفاع كلف الإنتاج في العراق ويقلل من الأرباح ويدخل المستثمر الخاص في دوامة شراء ذمم المسؤولين لتمشية الإجراءات البيروقراطية لفتح المصانع والمشاريع الاقتصادية والشركات.

سبب مهم وأخير هو انخفاض المهارات لدى الداخلين في سوق العمل، بسبب سوء مخرجات النظام التعليمي للبلد، نلاحظ ضعف مهارات معظم الخريجين وهذا يسبب نسبة بطالة عالية لان جميع وظائف القطاع الخاص تحتاج الى مهارات ولو بنسبة بسيطة.

على الدولة ان تنسحب بشكل حقيقي من دور فتح المصانع والشركات وان تتجه نحو اكمال وتهيئة البنى التحتية للقطاع الخاص حتى يرفع عنها كاهل الوظائف للمتقدمين في سوق العمل، ومحاربة الفساد بصورة جديّة.

احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

مقومات نجاح القطاع الخاص في العراق موجودة والايدي العاملة موجودة بوفرة والشركات العالمية تتسابق على الاستثمار في العراق بسبب الحاجة والمتطلبات الكبيرة في العديد من القطاعات، لكن هناك الكثير من القوانين والعقبات في الدولة تقيّد الاستثمار بل تحاربه، كما ان مراكز التدريب المهني التي كانت موجودة سابقا وكانت توفر عمالة ماهرة في مصانع وشركات الدولة الإنتاجية اختفت واصبح لدينا متقدمين للعمل بلا مهارات وهذا ما ساهم بتقليل فرصهم بالحصول على الوظائف مقابل استيراد عمالة اجنبية اكثر ضمان للمستثمرين.

السياسيات الفاشلة للدولة في الجانب الاقتصادي هي من اوصلتنا الى هذا الحال من نسبة بطالة عالية للشباب، في حين نرى ونقرأ الكثير من التجارب الناجحة لعراقيين في اوربا ساعدتهم القوانين والظروف على النجاح والدخول والمنافسة في سوق العمل.

الدكتور حميد مسلم الطرفي:

في البدء علينا الاعتراف ان العراق بوضعه الحالي ليس فيه قطاع عمل خاص ولا قطاع عمل عام ليتنافسا بل ما موجود هو ثلاثة ملايين موظف لا يعمل أحدهم اكثر من ربع ساعة في اليوم، ونحن حين نتحدث عن العمل فنعني المصانع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة لإنتاج السلع، أو الفلاحين وصغار المزارعين، ما موجود هو موظفون لتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين.

وحين يكون العمل الفعلي للموظف هو ربع ساعة في اليوم حسب تصريح المستشار الاقتصادي للسيد رئيس الوزراء مظهر محمد صالح وحين ينعم الموظف بما يقارب اربعين يوماً عطل رسمية في السنة و24 يوماً حقوق الاجازات اليومية حسب قانون الخدمة المدنية وثلاثين يوماً من الاجازات المرضية تمنح حسب رغبة الموظف لا حسب المرض وحين تكون 70‎%‎ من موازنة الدولة رواتب لهؤلاء الموظفين فيقيناً ان الجميع يطمع في أن يرضع من ثدي الدولة مباشرةً ولا يفكر في العمل الحر ولا يفكر في المشاريع الخاصة. العمل الأساسي للحكومة لكي تعيد التوازن وتُنشئ قطاعاً خاصاً وعاماً هو العمل على بناء حكومة قوية قادرة على حماية المنتج المحلي الزراعي والصناعي، ولو بأن يدفع المستهلك بعض الثمن، ثم يعود التنافس بعد ان يقف القطاع الخاص على قدميه. فأي نهضة زراعية أو صناعية ترتكز على ثلاث ركائز تتمثل في

1- ضبط الامن.

2- توفير الطاقة.

3- القدرة على التحكم بالاستيراد.

بهذه الركائز يقف سوق العمل في القطاع الخاص ويصبح مغرياً للسباب للدخول فيه ومن هنا يتم الانطلاق الى بناء المهارات فعندما تعلن الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة عن حاجتها لآلاف العمال والفنيين والمهندسين وعندما يتحول العمل في الزراعة الى عمل مثري وعندما تقوم الدولة ببناء مشاريع سكنية وصناعية ستراتيجية وتعطي ذلك لشركات مقاولة رصينة حينها سيزداد الطلب على الايدي العاملة وستقدم الشركات حوافز ومغريات لكسب العمال خصوصاً اذا كان هناك ضبط صارم لعملية دخول العمالة الاجنبية. وعلى قاعدة الحاجة ام الاختراع فسيهرع العمال الى تلقي الدورات المناسبة لرفع قدراتهم وكفاءاتهم حسب ما تقتضيه مواقع العمل.

الكاتب محمد علي جواد تقي:

معظم الشعوب والدول الناجحة هي من يثقف باتجاه العمل الخاص والنجاح التراكمي والنفس الطويل في الإنتاج واكتساب الخبرات لا الربح السريع او المريح من خلال الوظائف الحكومية البسيطة وهذا ما نفتقده في العراق بشكل كبير، لذا من المهم التحرك على الجانب الثقافي لهذه المسألة والتأكيد على حب الوطن وطرح نماذج متميزة وإبراز العادات الاصيلة للمجتمع مثل التكافل والتعاون وهذه اذا تعززت ستكون إنتاجية العامل اعلى وتساهم بتطويره اكثر.

على منظمات المجتمع المدني والمؤسسات ان تضغط على السلطة التشريعة او التنفيذية في مسألة سن القوانين ودعم الطبقة العاملة وان يستمر دورها الثقافي والتوعوي للشباب في هذا الشأن.

الدكتور حسين السرحان، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

معدل نمو السكان في العراق عالي جدا والفئة العمرية من 15 سنة حتى 25 سنة وهي فئة الخريجين فئة جداً كبيرة من الشعب العراقي حاصلين على شهادات جامعية ويفتقدون للمهارات في الغالب.

في العراق هناك ما يطلق عليه البطالة الاجبارية او البطالة الهيكلية بما معناه ان الشاب يريد وظيفة ولكن لا يريد العمل وهذا له سببان: السبب الأول لا توجد في العراق سياسات تشغيل وطنية قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل وتندرج ضمن خطة استراتيجية محكمة، وهذا سببه عدم وضوح شكل النظام الاقتصادي للدولة وتحوله من شكل قبل 2003 الى شكل آخر بعد 2003 دون أي تخطيط مسبق.

السبب الثاني هناك فجوة كبيرة بين النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل، ولا ينمي هذا النظام المهارات لدى الشاب العراقي أو يحفزه نحو الابداع والدخول في سوق العمل لذلك يجب إعادة النظر بشكل جدي في النظام التعليمي ومخرجاته في العراق.

الان هناك خطوات تقوم بها وزارة التخطيط وبالتعاون مع البنك الدولي ومنظمات دولية على مشروع رؤية الشباب 2030 لدراسة هذا الخلل وكيف ان العراق يملك شباب داخلين في سوق العمل ولكنهم لا يستطيعون العمل في نفس الوقت، ونحن امام تحدٍ كبير بضرورة توفير خمس ملايين فرصة عمل في نهاية هذا العقد لمواكبة زيادة السكان بهذا الشكل المنفلت.

ركود بيئة العمل في العراق بسبب عدم وجود سياسات اقتصادية والفساد المستشري في مفاصل الدولة ووجود الجماعات المسلحة التي تمارس عملية الابتزاز واخذ الاتاوات من الشركات وهذا اكبر عائق على الاستثمار الخارجي وحتى الداخلي احياناً، بالإضافة الى مشاكل البنى التحتية من كهرباء وطاقة وخطوط نقل والتي تكون عبء على المستثمرين وتزيد كلفة العمل.

كذلك عدم تطبيق القوانين بشكل صحيح منها قانون الضمان الاجتماعي وقانون تطوير القطاع الخاص والملف الأمني والذي هو أساس كل تقدم بموضوع الاقتصاد.

الدكتور إيهاب النواب، باحث اقتصادي:

ناقشنا كثيرا موضوع القطاع الخاص في العراق ومتطلبات سوق العمل، أي فكرة لا يمكن ان تطبق اذا لم يتوفر ايمان بها، تحولنا من نظام اشتراكي الى نظام مغاير بعد 2003 ولكن الطبقة السياسية التي تحكمت بالبلد لم تكن مؤمنة بهذا التغير، بل تم فرضه عليها من قبل سلطات الاحتلال الأمريكي لذلك نرى اليوم هناك من يتحدث عن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وهناك من يدعو الى اقتصاد حر، هناك تخبط وهذا التخبط انعكس على العراق ومشكلتنا هي بالدولة نفسها والطبقة السياسية التي لا تملك سياسة محددة وهمها فقط المكاسب الشخصية والحزبية دون استثناء ما تم ذكره من مشكلات لكن هذا برأيي اهم مشكلة تواجهنا.

الباحث حسن كاظم السباعي:

لتفعيل القطاع الخاص لابد من تحفيز الفاعلين فيه تماما كما يفعل القطاع العام إن لم يكن أكثر بدءا من زيادة الرواتب إلى التقاعد والضمانات المختلفة تزامنا مع دعم التطور في السلم الوظيفي بأخذ الدورات والدراسة والمشاركة في ميدان العمل لأخذ الخبرة بأجر مدفوع. ومع اختلاف مجالات القطاع الخاص، وحتى البعثات الدراسية لتأهيل العمال بعقد مسبق، وأن تتكفل الشركة بالتدريب والتأهيل مقابل العمل لزمن معلوم وهو منهج قرآني كما جرى بين النبييين الكريمين موسى وشعيب على نبينا وآله وعليهما السلام. أو أن يتقدم الموظف بعرض مؤهلاته ويدعم من قبل الشركة كما كان منهج نبي الله يوسف عليه السلام مع ملك مصر، فالإنسان الأفضل في الموقع الأفضل حسب خبرته وعلمه وأمانته كما نستلهم ذلك من بواطن عهد الأمير عليه السلام لمالك الأشتر.. وعلى ذكر عهد الأشتر فالدنيا لا تزدهر من أصل إلا بتوفر الأمن والبنى التحتية والموارد البشرية، فالإنسان لديه القدرة والجرأة والشجاعة لتطوير الشركة التي يعمل فيها إذا وجد البيئة المحفزة للإبداع بدون خوف ظلم أو جور.. وبضمان رزقه.

وفيما يرتبط بالسؤال الثاني؛ من البديهي وقبل كل مشروع لابد من توفير الأرضية أو البنى التحتية وإيجاد المناخ المناسب. وعلى سبيل المثال؛ دراسة ما يرتبط بسوق العمل وأخذ الدورات التعليمية في إدارة الأعمال والموارد البشرية والرقمية، والتدريب وأخذ الخبرة من خلال التطبيق والتدريب في سوق العمل بحيث يكون مستعد للعمل حين التخرج والانتهاء من تلك الدورات. كما لابد من دراسة الوسائل التي يحتاج إليها أثناء العمل أو قبل وبعد العمل؛ مثلا اليوم اتجه التطور لاستخدام الكمبيوتر وعالم الميديا والتجارة الالكترونية والثقافة الالكترونية، وكذلك دراسة كيفية استخدام الأجهزة الحديثة ومتابعة آخر تطورات التقنية. وكذلك تعلم اللغات العالمية المتداولة في سوق العمل.

وبالإضافة إلى ذلك فلابد من سعة الصدر والتحمل لتثمر الجهود ثمارها وإن طال الزمن.

حلول ومقترحات

وفي ختام الملتقى قدم الباحث في المركز مجموعة من الحلول والمقترحات:

- اطلاق مبادرات وطنية تهدف إلى بناء قدرات الشباب وتأهيلهم ودمجهم في سوق العمل بهدف تجهيزهم لرفد عجلة الاقتصاد بالكفاءات الشابة ومساعدتهم في تحسين ظروفهم الاقتصادية.

- تحويل المبادرات الى مشاريع وواقع عملي ملموس، فهي عملية تحتاج اهتمام وتخطيط استراتيجي وليس فقط مبادرات إعلامية بلا نتائج على ارض الواقع.

- إقامة دورات تطويرية وتنموية من قبل الدولة وشركات القطاع الخاص للشباب، لكي يتعرفوا على مواهبهم وكيفية استغلالها والاستفادة منها، مع حوافز منح الشهادات او حتى فرص العمل في الشركات.

- أخذ الدول المتقدمة نموذجا وفهم طرقهم وتطويرها وتطبيقها على شبابنا، والاستفادة من الأساليب الحديثة في التدريب والتطوير.

- نشر برامج علمية موجهة للشباب عبر التلفاز، ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى، لإدراك أهمية الموهبة وكيفية استغلالها.

- الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة ومقترحات وبرامج المنظمات الدولية والشركات الاستشارية المختصة وتطبيقها، والاستفادة من الأساليب الحديثة في التدريب والتطوير.

- استمالة رأس المال الفكري وجذبه إلى مؤسسات الدولة التطويرية، وبناء مراكز مختصة بالبحث والتطوير، تختص بالشباب وكيفية الاستفادة منهم.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2022
http://shrsc.com

اضف تعليق