q
يتوقع العديد من المحللين انخفاض الليرة في الأشهر المقبلة، في هبوط سيؤثر بشكل إضافي على القدرة الشرائية لدى الأتراك ويمكن أن يرغم الحكومة على البحث عن مليارات الدولارات وقد يقوم البنك المركزي التركي بطبع أوراق نقدية لتمويل الزيادات في رواتب موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية التي وعد بها إردوغان...

يواجه الاقتصاد التركي وضعا حرجا برأي محللين، فالسياسة الحالية التي يعتمدها الرئيس رجب طيب إردوغان تنطوي على خطر وشيك، في حين أن أي حلّ سيتطلب إجراءات أليمة.

قطع إردوغان الذي أعيد انتخابه الأحد لولاية من خمس سنوات، وعودا بمليارات الدولارات خلال الحملة الانتخابية، وضخ عشرات المليارات الأخرى لتعويم الليرة التركية قبل الاقتراع.

وقالت شركة "كابيتال ايكونوميكس" إن "ساعة الحقيقة قد تكون تقترب للاقتصاد التركي". بعد أن كان مدعوما بيد عاملة رخيصة ونظام مصرفي فعال، يعاني الاقتصاد التركي مشكلة تسببت بها السلطة التنفيذية نفسها ولا يواجهها سوى عدد قليل من الدول الأخرى.

هكذا خاض إردوغان حربا ضد نسب الفوائد المرتفعة التي يروج لها بحسب قوله "لوبي" اجنبي. كما ان الرئيس لجأ في السابق الى تعاليم الاسلام التي تحرم الربا.

ولكن الأسباب ابعد ذلك وهو السياسات الشعبوية التي رسخت الريع الحكومي للطبقة الموالية لاردوغان من اجل ضمان فوزه بالانتخابات وهو ما نجح به ولكن على حساب العملة التركية التي تستمر بالانخفاض ومعها انخفاض القدرة الشرائية لدى الأتراك.

فقد هبطت الليرة التركية إلى مستوى قياسي جديد مقابل الدولار، بعد أكثر من أسبوع على إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب إردوغان.

وتراجعت العملة التي عمل المصرف المركزي على دعمها قبل الانتخابات الرئاسية بنسبة خمسة في المئة إلى 22,77 ليرة للدولار.

تم تنصيب إردوغان بعد فوزه في الدورة الانتخابية الثانية في 28 أيار/مايو وشكّل حكومة جديدة عيّن فيها السياسي الداعم للأسواق محمد شيمشك وزيرا للمال.

ويعرف خبير الاقتصاد السابق لدى شركة "ميرل لينش" Merrill Lynch بمعارضته لسياسات إردوغان الاقتصادية غير التقليدية.

وهو شغل منصب وزير المال بين العامين 2009 و2015 ومنصب نائب رئيس الوزراء المكلف الاقتصاد حتى 2018، إلى أن استقال قبيل انهيار الليرة مرّات عدة ذلك العام.

وبعد وقت قصير من توليه المنصب، قال شيمشك "لا خيار لدينا غير العودة إلى المنطق"، في مؤشر على ابتعاده عن السياسة غير التقليدية القائمة على خفض معدلات الفائدة من أجل مكافحة التضخم المرتفع.

وقال خبير الاقتصاد المتخصص بالأسواق الناشئة تيموثي آش في لندن "بغض النظر عمّن يفوز في الانتخابات، كانت التوقعات بأن الليرة ستتراجع إلى مستوى أكثر تنافسية".

وأفاد آش في مذكرة أن تراجع الليرة يكشف "تأثير" دفع شيمشك المصرف المركزي إلى اتباع "سياسة عقلانية"، ما يعني عملة أضعف وأكثر تنافسية. وأضاف "نرى آثار تطبيع السياسة".

رفعت المصارف المركزية حول العالم معدلات الفائدة في مسعى للسيطرة على التضخم فيما كان إردوغان متمسكا بمعدلات الفائدة المنخفضة سعيا لتحفيز النمو. ووصف في إحدى المرات رفع المعدلات بأنه "أساس الشر كلّه" وتدعمه "جماعة ضغط تنفّذ مصالح" خارجية.

إزالة الفوضى

التقى شيمشك مع حفيظة غاية أركان، وهي مسؤولة مالية بارزة في الولايات المتحدة يُعتقد بأنها ستكون الحاكمة المقبلة للمصرف المركزي، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية.

ويتوقع كثيرون بأن تحل المساعدة السابقة للرئيس التنفيذي لمصرف الجمهورية الأول First Republic Bank والمديرة العامة لغولدمان ساكس Goldman Sachs مكان حاكم المصرف المركزي شهاب قافجي أوغلو.

وفي عهد قافجي أوغلو، خفض المصرف معدل الفائدة إلى 8,5 في المئة في حين كان المعدل 19 في المئة عام 2021.

وأشارت المحللة البارزة في مصرف سويس كوت Swissquote Bank إبيك أوزكاردسكايا إلى أنه يفترض بأن يعمل شيمشك حاليا على "إزالة الفوضى" التي سادت خلال عام ونصف العام من أجل استعادة ثقة المستثمرين. لكنها حذّرت أن "الأمر لن يكون سهلا".

وقالت في مذكرة "في السنوات الماضية، لم تفتقر تركيا إلى وزراء مال موهوبين أو مصرفيين أذكياء في البنك المركزي. لكن في كل مرة يحاول شخص ما أداء وظيفته أو وظيفتها بشكل صحيح -وهو ما يعني في تركيا رفع المعدلات- سرعان ما تتم إقالته أو إقالتها".

وتابعت "لذلك، ما يرغب المستثمرون برؤيته في تركيا هو ليس إلى أي حد يعد محمد شيمشك موهوبا في مجال المال، بل إلى أي حد سيقاوم ضغط مكتب الرئاسة لإبقاء معدلات الفائدة منخفضة".

وفقدت العملة 30 بالمئة في 2022 و44 بالمئة في 2021 وهو ما يعود إلى حد كبير لسياسات أردوغان غير التقليدية. وفقدت الليرة ما يزيد على 90 بالمئة من قيمتها على مدى العقد المنصرم خلال نوبات من الازدهار والكساد الاقتصادي وفي ظل تضخم جامح.

وهوت الليرة أكثر من تسعة بالمئة منذ بداية العام وخسرت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها على مدار عقد، مع مرور الاقتصاد بموجات من الازدهار والكساد ونوبات التضخم المرتفع.

لخوض معركته جيدا، قام اردوغان بتغيير حكام البنك المركزي. والنتائج كانت كارثية إذ هبطت الليرة التركية وتجاوز التضخم السنوي الرسمي نسبة 85% في الخريف، فيما تقدر مجموعة اقتصاديين اتراك مستقلين هذه النسبة بأكثر من الضعفين.

مصير المعجزة الاقتصادية

انتهت "المعجزة الاقتصادية" التركية التي كانت قائمة في سنوات الألفين خلال العقد الأول من حكم إردوغان، فقد غادر المستثمرون الأجانب خوفا من عدم الاستقرار ومن وضع اليد على مؤسسات كان يديرها في السابق تكنوقراط حياديون.

يقول بارتوش ساويكي من شركة Conotoxia "نقدر ان حيازة السندات التركية من قبل حاملي السندات الأجانب انخفض بحوالى 85% مقارنة مع 2013 السنة التي خسرت فيها الليرة حوالى 90% أمام الدولار".

المشكلة الأكثر إلحاحا بالنسبة لتركيا هي أن مصرفها المركزي تنقصه السيولة.

فقد أنفق البنك المركزي حوالى 30 مليار دولار لدعم الليرة منذ 1 كانون الأول/ديسمبر، ما دفع احتياطه من النقد الأجنبي إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ 2002.

ورأى تيموثي آش المحلل لدى شركة "بلوباي" أن "الوضع الحالي غير قابل للاستمرار".

البحث عن الحلول

قدم الخبراء حلين: رفع أسعار الفائدة أو ترك الليرة تهبط، حيث ألغت إجراءات الدعم النقدي ميزة أسعار الفائدة المنخفضة في اقتصاد يهيمن عليه قطاع التصنيع.

بحسب المحللين لدى أليانز فان سعر الصرف الفعلي لليرة "ارتفع بحوالى 35% منذ دخول النهج غير التقليدي للسياسة النقدية حيز التنفيذ بالكامل في كانون الاول/ديسمبر 2021".

وهم يرون أن "العودة إلى نظام سعر الصرف العائم ستكون ضرورية لاستعادة القدرة التنافسية للصادرات التركية".

يتوقع العديد من المحللين انخفاض الليرة في الأشهر المقبلة، في هبوط سيؤثر بشكل إضافي على القدرة الشرائية لدى الأتراك ويمكن أن يرغم الحكومة على البحث عن مليارات الدولارات لاتخاذ إجراءات دعم للأسر، بالإضافة إلى العديد من الوعود الانتخابية.

يخشى أتيلا يسيلادا من شركة الاستشارات Global Source Partners أن يقوم البنك المركزي التركي بطبع أوراق نقدية لتمويل الزيادات في رواتب موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية التي وعد بها إردوغان.

وقال يسيلادا "كيف ستمول الحكومة جهود إعادة الإعمار بدون طباعة الأوراق النقدية والاتجاه الى تضخم مفرط؟ هذا سؤال لا يود أحد الإجابة عليه".

يرى المحللون أن الحكومة التركية لن يكون أمامها من خيار آخر سوى رفع أسعار الفائدة.

يقول إمري بيكر من مجموعة أوراسيا الفكرية إن تركيا ستحاول أولا احتواء الطلب على الدولارات عبر "اجراءات احترازية شمولية وضوابط على رؤوس الأموال".

وقد يضطر إردوغان في نهاية المطاف إلى التخلي عن حملته ضد رفع نسب الفوائد.

لكن أتيلا يسيلادا يحذر من أن "رفع أسعار الفائدة سيخفض رؤوس أموال البنوك" التي "لن تكون قادرة على الإقراض لفترة طويلة".

المستثمرون يترقبون القادم

لم يكن إقبال المستثمرين الأجانب على السندات والأسهم التركية كبيرا في السنوات الماضية مع مرور الاقتصاد بموجات من الازدهار والكساد ونوبات كثيرة من ارتفاع التضخم وأزمة العملة التي أدت إلى خسارة الليرة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها خلال العقد الماضي.

وأدت تدخلات أردوغان المتزايدة للحفاظ على استقرار الليرة وإصراره على أن تكون أسعار الفائدة منخفضة جدا إلى زيادة الضغط على الميزانية المالية والقطاع المالي في تركيا. ومع تضاؤل الاحتياطيات، يرى كثيرون أن التغييرات حتمية لكن مدى تلك التغييرات أو مغزاها لا يزال غامضا.

وقال إمري أكتشاكماك مدير الأصول لدى إيست كابيتال التي تستثمر في تركيا "في بيئة يتسم فيها صنع القرار بالمركزية الشديدة، لن يهتم السوق بتغيير فريق الاقتصاد إلا إذا كان هذا التغيير يشير إلى تحول حاسم في صنع السياسات".

ظهرت انقسامات حول السياسة الاقتصادية في الأيام التي سبقت جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية عندما اجتمع أعضاء في الحزب الحاكم لمناقشة كيفية تبني سياسة جديدة لرفع أسعار الفائدة تدريجيا وكذلك برنامج الإقراض المحدد الهدف.

وقال روجر مارك المحلل في شركة (ناينتي وان) لإدارة الاستثمارات "أردوغان محاط بمؤيدين تم اختيارهم على ما يبدو على أساس الولاء، ويكمن الخطر في أن الأصوات الحكيمة، التي لا تزال موجودة في حزب العدالة والتنمية، أصبحت بعيدة جدا الآن ولا تأثير لها عليه في عملية صنع القرار".

ولم يعط أردوغان مؤشرات تذكر عن شكل السياسة الاقتصادية في الأسابيع والأشهر المقبلة، رغم اعترافه ببعض المشكلات التي تواجه الأمة التي يزيد عدد سكانها عن 80 مليون نسمة.

وقال في خطاب النصر، الذي ألقاه في أنقرة "الموضوع الأكثر إلحاحا في الأيام المقبلة هو تخفيف المشاكل الناجمة عن ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم وتعويض تأخر النمو". وتنبأ بتراجع التضخم، الذي بلغ حوالي 44 بالمئة في أبريل نيسان، مثل أسعار الفائدة بالضبط.

وذكر تونكاي تورسوكو مؤسس شركة تونكاي تورسوكو للأبحاث والاستشارات أن خطاب أردوغان أكد أن "الإدارة المالية تحظى باحترام دولي"، مما رفع الآمال في حدوث تحولات سياسية.

وأضاف تورسوكو "لكن لكي تستمر (الآمال) مرتفعة، من الضروري تحديد (أعضاء) مجلس الوزراء، وتوضيح الأسماء التي ستتولى إدارة الاقتصاد، والإعلان عن خارطة طريق جديدة، إن وجدت، بشأن الاقتصاد".

وقال توماس جيليت مدير إدارة التصنيفات السيادية في سكوب ريتينجز إن احتمال إجراء تعديل جزئي في الإجراءات الاقتصادية لا يزال قائما، لكن تفعيله يتطلب تنسيقا بين التخطيط والتنفيذ.

وفي كلمته خلال الاجتماع العام السنوي لاتحاد الغرف والتبادل السلعي بعد فوزه في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، قال أردوغان إن الحكومة ستجذب الاستثمارات إلى تركيا.

وقال أردوغان إن التضخم هو القضية الأكثر إلحاحا للبلاد، مضيفا أنه سيتراجع في أعقاب خفض سعر الفائدة إلى 8.5 بالمئة من 19 بالمئة قبل عامين.

وأضاف "نشيد اقتصادا يركز على الاستثمار والتوظيف مع فريق إدارة مالية يتمتع بسمعة دولية".

الليرة ورحلة الهبوط الطويلة

لعبت السلطات منذ أزمة 2021 المؤلمة دورا عمليا متزايدا في أسواق الصرف الأجنبي لدرجة أن بعض خبراء الاقتصاد صاروا الآن يناقشون علنا ما إذا كان لا يزال من الممكن اعتبار أن الليرة قد جرى تعويمها بشكل حر.

وأصبحت تحركات الليرة اليومية صغيرة بشكل غير طبيعي وتتجه في الغالب إلى اتجاه واحد هو التراجع.

وصارت شركات التصدير ملزمة الآن ببيع 40 بالمئة من عائدات النقد الأجنبي للبنك المركزي، في حين أن خطة حماية الودائع المصرفية من تقلبات سعر الصرف، والتي ساعدت في القضاء على اضطرابات عام 2021، لا تزال حائط دفاع حاسما رغم احتمال أن يكون باهظ التكلفة.

قال بول مكنامارا مدير ديون الأسواق الناشئة لدى جي.إيه.إم لإدارة الأصول "الشيء الأساسي هو الإبقاء على (قيمة) الليرة بشكل مصطنع".

ووضع المودعون نحو 33 مليار دولار في حسابات مصرفية محمية بموجب الخطة في الشهرين الماضيين ليصل المجموع إلى 121 مليار دولار، أي ما يقرب من ربع الودائع التركية بأكملها.

وقال مكنامارا "بشكل أساسي، من المستحيل إيجاد حل سهل وجيد لكل ذلك".

وارتفعت تكلفة تأمين ديون تركيا ضد التخلف عن السداد 40 بالمئة، وهبطت السندات الدولية بما تراوح بين 10 بالمئة و15 بالمئة، وسجلت مقاييس التقلبات الرئيسية في سوق العملات الأجنبية على مدى عام واحد مقبل أو يزيد مستويات قياسية مرتفعة.

يقول دارون عاصم أوغلو الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن المشكلة تكمن في مزيج السياسات واحتياطيات العملات الأجنبية والذهب المتضائلة.

وأضاف عاصم أوغلو "أنا مقتنع بأن ما لدينا الآن لا يمكن أن يستمر".

وتساءل قائلا "حسابات الليرة المحمية بالدولار، هل هي ذات مصداقية؟"، مشيرا إلى تكلفتها المحتملة على الحكومة في حالة حدوث أزمة كاملة وحقيقة أن أسعار الصرف الموازية تُعرض الآن على نطاق واسع في الأسواق التركية بسبب الطلب على الدولار.

وأضاف "إننا نعود إلى التسعينيات"، في إشارة إلى مرحلة سبقت واحدة من أشد أزمات تركيا والتي بلغت ذروتها في هبوط حاد لقيمة العملة في عام 2001.

هل بدأ العد التنازلي الأخير؟

تتجه الأنظار الآن إلى احتياطيات العملات الأجنبية والليرة مع تجاوزها مستوى 20 مقابل الدولار، وهي أحدث محطة رئيسية في رحلة هبوطها الطويلة.

وقال عاصم أوغلو إن من الصعب التكهن بما إن كانت ستحدث أزمة أو توقيت حدوثها. ومن المتوقع أن يعزز الموسم السياحي القوي الاحتياطيات مرة أخرى على المدى القصير، كما أن خزائن الدولة تلقت في الآونة الأخيرة تدفقات من دول خليجية "صديقة" وروسيا أيضا.

وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، توقع محللون لدى جيه.بي مورجان أن تنخفض الليرة إلى مستوى 30 مقابل الدولار دون تحول واضح نحو سياسات تقليدية.

ويشعر بعض المستثمرين بالقلق من أنه إذا تعافت السوق مرة أخرى، فقد تلجأ السلطات إلى المزيد من ضوابط رأس المال الصارمة، وهو أمر قالت الحكومة مرارا إنها لا تدرسه بينما تسعى لسد فجوة التمويل الخارجي البالغة 230 مليار دولار أو 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

واعتمدت الحكومة على مدى سنوات على أسواق الإقراض بالليرة الدولية لدرجة أن بيانات بنك إنجلترا المركزي تظهر أن التداول في المراكز الرئيسية مثل لندن قد تقلص إلى أقل من 10 مليارات دولار في اليوم في المتوسط من 56 مليار دولار في عام 2018.

وأدى الخلل المتزايد في سوق العملات إلى انحسار التفاؤل الذي جلب في السابق العديد من الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا.

وعن ذروة ازدهار عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع المصرفي، قال عاصم أوغلو "لم يكن يُنظر إلى تلك الأصول على أنها أصول رخيصة، بل كان يُنظر إليها على أنها جواهر". وردا على سؤال عن الوضع الذي يواجهه أردوغان الآن، على افتراض فوزه، قال "لا أرى بالضرورة مخرجا سهلا".

الرفاه بالائتمان وليس الإنتاجية

وشكّل عاما 2012 و2013 نقطة تحول بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يقيس الازدهار باحتسابه بالدولار، فضلا عن التوظيف وغيرهما من مقاييس الرفاه الاقتصادي.

ووفقا للإحصاءات الرسمية لحيازات السندات وبيانات (توركي داتا مونيتور) لمراقبة البيانات التركية فإن تلك الفترة شهدت ذروة الاستثمار الأجنبي. وتراجعت الليرة منذ ذلك الحين بما في ذلك بنسبة 80 بالمئة مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية مما قلص القوة الشرائية للأتراك.

ويوضح مراد أوجار المستشار لدى جلوبال سورس بارتنرز والمحاضر في جامعة كوتش بإسطنبول أن تزايد الإنتاجية الذي تحقق في السنوات الأولى من حكم العدالة والتنمية بدأ يتراجع بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009 وأن الائتمان أصبح المحرك الرئيسي للنمو وليس الإنتاجية.

وأشار إلى أن هذا، إلى جانب انخفاض القيمة الحقيقية لليرة الذي تفاقم لاحقا، يمثل "أحد التفسيرات المحتملة لهذا التحول في ثروات تركيا منذ عام 2013 - أو لماذا بدأ المواطن التركي العادي يزداد فقرا عند احتساب دخله بالدولار الأمريكي".

وكتب سونر تشابتاي في كتابه الصادر عام 2021 بعنوان (سلطان في الخريف) أن أردوغان يتمتع "بقاعدة من المؤيدين المحبين والمخلصين (لأن) المواطنين تمتعوا بمستويات معيشية أفضل بكثير من... معظم فترات القرن العشرين".

وأوضح أنه قبل وصول أردوغان للسلطة كان معدل الوفيات بين الأطفال الرضع مشابها لما كان عليه الوضع في سوريا قبل الحرب، بينما يشبه حاليا معدل الوفيات في إسبانيا.

لكن على مدار العقد الماضي تفاقمت الانقسامات السياسية في أنحاء البلاد مع لجوء أردوغان لحلفاء قوميين لتأمين أغلبيات برلمانية، قبل أن يقتنص موافقة شعبية في استفتاء لاعتماد النظام الرئاسي الذي جمع خيوط السلطة في قصره.

وانشق بعض المسؤولين الاقتصاديين البارزين عن حزب العدالة والتنمية معارضةً منهم للاستئثار بالسلطات. ويرى محللون أن تصدعات بدأت تظهر لاحقا في سياسات الحزب بما في ذلك الضغط على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة رغم الأزمة التي تعرضت لها الليرة في 2018 وأواخر 2021.

وقال بولنت جولتكين محافظ البنك المركزي التركي السابق والأستاذ المشارك بجامعة وارتون "يتذكر الجميع حكومة أردوغان الأولى عندما كان يُنظر إليه على أنه يؤسس لاقتصاد شامل. لكنه في الواقع ترك قطاعات غير مسبوقة من المجتمع تعتمد بشكل كامل على الحكومة، وهو أمر غير مستدام".

وتابع "إذا فاز أردوغان بالانتخابات وواصل سياسته الاقتصادية فإن الأمر سيصل لنقطة الانهيار التام عند مرحلة ما. الصورة شديدة القتامة... يمكنك أن تسوّف الأمور لفترة، لكن في نهاية المطاف عليك أن تدفع الفاتورة".

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق