q
بدأت مؤسسات بحثية في المملكة العربية السعودية في اتخاذ تدابير للتحايُل على مكانتها تحت التصنيف العالمي للجامعات، من خلال تشجيع كبار الباحثين على التحوُل إلى العمل تحت لوائها بدلًا من الجامعات التي ينتسبون بصفة رئيسية إليها، نظير مكاسب نقدية، وفي كثير من الأحيان دون إلزامهم بتقديم كثير من الإسهامات البحثية المُجدية...
بقلم: ميشيل كاتانزارو

الاقتباس: بدأت مؤسسات بحثية في المملكة العربية السعودية في اتخاذ تدابير للتحايُل على مكانتها تحت التصنيف العالمي للجامعات، من خلال تشجيع كبار الباحثين على التحوُل إلى العمل تحت لوائها بدلًا من الجامعات التي ينتسبون بصفة رئيسية إليها، نظير مكاسب نقدية، وفي كثير من الأحيان دون إلزامهم بتقديم كثير من الإسهامات البحثية المُجدية...

تعتزم بعض المؤسسات الجامعية السعودية اتخاذ تدابير لتشجيع الباحثين الأعلى ظهورًا على قوائم الاستشهادات البحثية على العمل تحت لوائها، لتعزز بذلك مكانتها في التصنيفات العالمية للجامعات.

بدأت مؤسسات بحثية في المملكة العربية السعودية في اتخاذ تدابير للتحايُل على مكانتها تحت التصنيف العالمي للجامعات، من خلال تشجيع كبار الباحثين على التحوُل إلى العمل تحت لوائها بدلًا من الجامعات التي ينتسبون بصفة رئيسية إليها، نظير مكاسب نقدية، وفي كثير من الأحيان دون إلزامهم بتقديم كثير من الإسهامات البحثية المُجدية. كان هذا هو ما خلص إليه تقرير منشور، أوضح كيف أنه على مدار العقد الماضي أقدم باحثون من بين الأعلى ظهورًا بقوائم الاستشهادات البحثية على مستوى العالم على العمل بصفة رئيسية تحت لواء جامعات بالمملكة بدلًا المؤسسات الجامعية التي انتموا بالأساس إليها. وهو ما أدى بدوره إلى تعزيز مكانة المؤسسات التعليمية السعودية ومرتبتها على قوائم تصنيف الجامعات، التي تأخذ في الاعتبار نصيب باحثي المؤسسات التعليمية الجامعية من الإسهامات البحثية التي يُشار إليها في استشهادات بحثية.

تعقيبًا على ذلك، يقول يوران بيلدينجرون، الذي شارك في إعداد هذا التقرير الذي نشرته في الرابع من مايو الماضي شركة «سيريس أكاديميك» SIRIS Academic، وهي شركة استشارات يقع مقرها في مدينة برشلونة الإسبانية: "لاحظنا نمطًا بدأت فجأة تظهر به اتجاهات إلى الانتساب بالدرجة الأولى إلى عدة مؤسسات جامعية سعودية". وبحسب التقرير، فإن "ممارسات التحايُل والانتماءات البحثية المُضللة في هذا الإطار يغذيان الشكوك القائمة في موثوقية الأبحاث العلمية".

أما بيري بويچدومينيك، اختصاصي بيولوجيا النبات الجزيئية، وعضو منتدى ممارسات النزاهة البحثية التابع لمؤسسة العلوم الأوروبية، فيقول: "إن إعلان الانتساب لجامعة ما دون التصدي للإفادة بعلاقة هذا الانتماء بالنتاج البحثي، سعيًا إلى الارتقاء بتصنيف مؤسسة جامعية ما، يُعد عزوفًا عن الامتثال للممارسات العلمية الجيدة. وهذا التلاعب بمدلول مؤشرات تصنيف الجامعات ليس إلا نتاجًا ثانويًا لتقديس التصنيفات ومؤشرات التقييم، وقد شجبنا مرارًا وتكرارًا هذا السلوك باعتباره من الممارسات المضللة".

وقد تناولت الدراسة التي استعرضها التقرير قائمة للباحثين الأعلى ظهورًا في الاستشهادات البحثية (HCRs)، تشرف على وضعها شركة «كلاريفيت» Clarivate المعنية بتحليل حركة نشر البحوث، ومقرها في لندن. وتضم القائمة المذكورة علماء وباحثين من بين أول 1% من واضعي الأبحاث الأعلى ظهورًا بقوائم الاستشهادات البحثية في أبحاث مجال ما أو سنة محددة على قاعدة بيانات «شبكة العلوم» Web of Science الخاصة بالشركة سالفة الذكر. ووجد التقرير أن عدد ما يرد في القائمة من باحثين ينتسبون بالدرجة الأولى إلى جامعات بالمملكة العربية السعودية قد ارتفع من 27 باحثًا إلى 109 باحثين بين عامي 2014 و2022. ويعمل هؤلاء الباحثون في مجموعة متنوعة من التخصصات، وينتمي عديد منهم بصفة ثانوية إلى جامعات بلدان مثل إسبانيا والصين والمملكة المتحدة وألمانيا والهند. ويشير هذا الاتجاه إلى أن المملكة العربية السعودية تفيض بعدد مهول وغير منطقي من هذه الفئة من الباحثين؛ ففي عام 2022، على سبيل المثال، بلغت نسبة هؤلاء من باحثيها 0.44%، مقارنة بنسبة بلغت 0.19% للعلماء المنتسبين إلى الولايات المتحدة و0.08% للباحثين المنتسبين إلى ألمانيا.

تعقيبًا على ذلك، يقول دومينجو دوكامبو، اختصاصي علم الرياضيات من جامعة فيجو في إسبانيا، الذي يعمل استشاريًا لدى شركة «سيريس أكاديميك»، لكن لم يشارك في إعداد التقرير المذكور: "هذا العدد الكبير من الباحثين الأعلى ظهورًا على قوائم الاستشهادات البحثية هو السبب الرئيس وراء تصنيف بعض الجامعات السعودية ضمن أفضل 150 جامعة على مستوى العالم". وقد استخدم دوكامبو في ورقة بحثية1 نُشرت عام 2013، بيانات مُعلنة، تغطي الجامعات التي ينتسب إليها الباحثون، بهدف التحقق من صحة تصنيف أكاديمي رائد للجامعات العالمية، معروف أيضًا باسم تصنيف شانجهاي. وهو تصنيف يضع في الاعتبار قائمة شركة «كلاريفيت» للباحثين الذين تبرز أسماؤهم بكثرة في الاستشهادات البحثية.

وقد جاء تقرير شركة «سيريس أكاديميك» في أعقاب نبأ كشفت عنه صحيفة «إلباييس» El País الإسبانية التي ذكرت في إبريل الماضي أن جامعة قرطبة في إسبانيا قد أوقفت عمل رافائيل لوك بها، وهو عالم كيمياء شغل منصب أستاذ بدوام كامل بها، بعدما عمد إلى تبديل اسم المؤسسة البحثية التي ينتسب بالأساس إليها من جامعة قرطبة إلى جامعة الملك سعود. ومن المُعتقَد أن تلك الخطوة قد نتج عنها تراجع ترتيب جامعة قرطبة على تصنيف شانجهاي بأكثر من 140 مركزًا. غير أنه في تصريح لصحيفة «إلباييس» أدلى به لوك، تعليقًا على المسألة أفاد بأنه لم يتلقَّ بصفة مباشرة أموالًا من مؤسسات سعودية، باستثناء تمويلات لأبحاثه إلى جانب توفير تذاكر سفر له على درجات ممتازة وإقامة في فنادق فاخرة. ولم يصدر ردًا على طلب دورية Nature بالتعليق على المسألة.

كذلك صرح باحثون إسبان آخرون لصحيفة «إلباييس» بأنهم قد تلقوا أموالاً من مؤسسات جامعية سعودية لقاء المثل، وأُجبرتهم جامعاتهم الإسبانية على ترك مناصبهم في السعودية، كما أن بعضهم الآخر يخضع لتحقيقات حاليًا وسط مخاوف من أن يكونوا قد تحولوا إلى الانتساب بصفة أساسية لجامعات أخرى نظير مبلغ نقدي.

عروض نقدية

قد يبدو أن التحليل الذي يجري حاليًا لدراسة هذه الظاهرة حديث من نوعه، بيد أن الوعي بهذه الممارسات ليس بالجديد. ولا يقدم تقرير شركة «سيريس» تفاصيل بشأن تدابير مالية محددة، اتخذتها مؤسسات جامعية لتعاقد من هذا النوع مع باحثين. غير أنه منذ أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، أفادت مجموعة من أبرز الباحثين حول العالم بأن جامعاتً سعودية قد تواصلت معهم، وقدمت لهم عروضًا نقدية نظير إضافتها إلى قائمة الجامعات التي ينتسبون إليها. وعلى ما يبدو، فإن إبرام تلك الصفقات تطلب في الأغلب من الباحثين قدرًا ضئيلًا من الإسهامات البحثية.

وقد ذكر تقرير لدورية «ساينس» Science عام 2011 أن 61 باحثًا كانوا قد وقعوا عقودًا مشابهة للعمل لدى جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وفقًا لاشتراطات تفاوتت في درجاتها فيما يتعلق بالمقابل المادي والإسهام البحثي. وآنذاك، أقرت جامعتان بالرياض، وهما جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك سعود (KSU)، التي ورد اسمها أيضًا بالتقرير، بأنهما تديران بالفعل برامج تسعى لاستقطاب كبار العلماء على المستوى الدولي، بيد أن الجامعتين أضافتا أنهما انتهجتا أفضل الممارسات المتبعة في مشروعات التعاون البحثي الدولي. ولم يصدر عن أي منهما رد على طلب دورية Nature بالتعليق على هذه التقرير الإخباري.

وفي عام 2014، بدا واضحًا أن القائمين على تصنيف شانجهاي قد أدركوا أن المؤسسات الجامعية يمكنها التحايُل لإعلاء مكانتها بالتصنيف من خلال نسب عديد من العلماء إليها. ومن ثم، بدأت اعتبارات التصنيف تقصر اهتمامها على الجامعات التي ينتسب بصفة أساسية لها باحثون ممن ترد أسماؤهم على قائمة شركة «كلاريفيت»، لأصحاب الأوراق البحثية الأعلى ظهورًا بين الاستشهادات البحثية. (وامتنع ممثلو الجهة القائمة على وضع تصنيف شانجهاي عن الرد على طلب دورية Nature بالتعليق على المسألة). بيد أن الممارسات ذاتها لا تزال قائمة، وتحوَّل تركيزها هذه المرة لينصب على التلاعب بالمؤسسات الجامعية التي ينتسب بصفة رئيسية إليها الباحثون. وفي السنوات التالية، ارتفع عدد الباحثين الذين يُنسبون بالأساس إلى جامعات سعودية، في حين انخفض عدد الأكاديميين الذين ينتمون انتماءً ثانويًا إلى جامعات هذا البلد من 130 إلى 10 باحثين خلال الفترة نفسها، وفقًا لتقرير شركة «سيريس أكاديميك» (انظر "تزايد انتساب الباحثين إلى جامعات سعودية").

على سبيل المثال، في عام 2019، تلقت اختصاصية علم الكيمياء ميرا بتروفيتش، التي تعمل بالمعهد الكتالوني لأبحاث المياه في جيرونا بإسبانيا، رسالة بريدية إليكترونية من جامعة الملك سعود، تدعوها للمشاركة في تعاون بحثي، بعد فترة وجيزة من ظهور اسمها في قائمة شركة «كلاريفيت» لواضعي الأوراق الأعلى ظهورًا في الاستشهادات البحثية لعام 2018. إلا أنها بعد فترة قصيرة من مراسلتها لأغراض هذا التعاوُن البحثي، تلقت رسالة بريدية إليكترونية تطلب إليها صراحة تغيير اسم الجامعة التي تنتسب إليها، نظير مبلغ نقدي. وهو ما علقت عليه قائلةً: "اعتقدت أن القائمون على الجامعة يعرضون على المشاركة في تعاوُن بحثي حقيقي". وجاء في تلك الرسالة: "يجب أن تكون جامعة الملك سعود على رأس الجامعات التي تنتسبين إليها على الموقع الرسمي لقائمة واضعي الأبحاث الأعلى ظهورًا في الاستشهادات البحثية التي تستضيفها شركة كلاريفيت". كذلك جاء في الرسالة: "فور تغيير الجامعة التي تنتسبين إليها، ستتلقين 70 ألف يورو". وهو عرض رفضته بتروفيتش، التي عللت لذلك قائلة: "خلا العرض الذي قدموه تمامًا من أي محتوى أكاديمي".

نمط لا لبس فيه

تجدر الإشارة إلى أن 109 من الباحثين الذين ينتسبون بالأساس إلى جامعات سعودية وترد أسماؤهم بين الباحثين الأعلى ظهورًا على قوائم الاستشهادات البحثية لشركة «كلاريفيت» عن عام 2022 يقيمون بالفعل في البلد، غير أن كثيرًا منهم لا يملك ما يمكن أن يُنظر إليه عادةً على أنه وظيفة أكاديمية رسمية في مؤسسة جامعية سعودية. وتوضح التقارير أن ما لا يقل عن 44 من هؤلاء الباحثين (وهم يشكلون نسبة قوامها 40% من الفئة سالفة الذكر من الباحثين) يشغلون فحسب منصب عضو زمالة باحث، أو منصب باحث زائر. وتُميِّز شركة «كلاريفيت» هؤلاء الباحثين في قائمتها الإلكترونية سالفة الذكر بعلامة نجمة. (اشتملت هذه القائمة لعام 2022 على 46 علامة نجمية، أشارت اثنتان منها إلى انتماءات لجامعات صينية، بينما أشارت العلامات الباقية إلى انتماءات لجامعات سعودية). فكان أن كتب ديفيد بيندلبري، رئيس قسم تحليل الأبحاث بشركة «كلاريفيت»، في رسالة بريدية إليكترونية إلى دورية Nature: "يتبع معظم الباحثين تقليدًا راسخًا يقضي بالإشارة إلى الجامعات التي يشغلون بها مثل هذه المناصب على أنها جهات ثانوية ينتسبون إليها، والإبقاء على جهة توظيفهم الأساسية على أنها الجهة الرئيسية التي ينتسبون إليها".

ويفيد تقرير لشركة «سيريس أكاديميك» بأنه في كثير من الحالات التي يتحول فيها الباحثون إلى الانتساب إلى مؤسسات جامعية جديدة تسلك هذه الظاهرة نمطًا بعينه، ألا وهو أن يُدرج اسم أحد العلماء على قائمة الباحثين الأعلى ظهورًا في الاستشهادات البحثية بتصنيفه على أنه ينتمي بالأساس إلى مؤسسة جامعية واحدة، ليتبدل هذا الانتماء في السنوات اللاحقة إلى مؤسسة جامعية سعودية (يبلغ الباحثون بأنفسهم شركة «كلاريفيت» بالجامعات التي ينتسبون إليها). وفي بعض الحالات، يعود الباحثون من جديد إلى الانتساب لمؤسستهم الأصلية بعد عام واحد أو اثنين.

جدير بالذكر أن ثلاثة أرباع الباحثين الأعلى ظهورًا على قوائم الاستشهادات البحثية ممن ينتسبون إلى المملكة العربية السعودية، ينتسبون ثانويًا إلى جامعات من دولة مختلفة. وتزداد هذه النسبة على نحو ملحوظ عن مثيلاتها في بلدان أخرى؛ فمثلا تبلغ نسبة الباحثين ممن ينتسبون بالدرجة الأولى إلى جامعات في الولايات المتحدة وثانويًا إلى جامعات دولة أخرى 2% فقط. بينما تبلغ النسبة ذاتها 13% بين الباحثين الذين ينتسبون بالدرجة الأولى إلى مؤسسات جامعية إسبانية.

جدير بالذكر أن كثيرين في أوساط المجتمعات البحثية ينتقدون الاعتماد على تصنيفات الجامعات؛ على اعتبار أنها تحيد بالجامعات عن أولوياتها، ولا تعكس القيمة الحقيقية للمؤسسة الجامعية. فتقول جيسلاين فيلياترو، المسؤولة المعنية بممارسات النزاهة البحثية من المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الصحية والطبية (INSERM)، وهي عضو في المجلس الاستشاري الدولي القائم على تصنيف شانجهاي: "لا شك أن جميع المؤشرات الكمية المستندة إلى الاستشهادات المرجعية تتأثر بمدى باستغلالها وهي عرضة للتلاعب بها. لذلك، فمن الأفضل لجميع هذه المؤشرات على اختلاف أنواعها ألا تنبني على تقديرات كمية يُعمل بها كمقاييس، وإنما كدلائل مؤشرة".

امتنعت وزارة التعليم السعودية عن الرد على طلب دورية Nature بالتعليق على هذا الموضوع.

اضف تعليق