q
إذا كانت روسيا على استعداد لأن تظل عدوانية وخطيرة، فيجب أن تكون الاستراتيجية هي تقليص حصتها في سوق الطاقة العالمية قدر الإمكان. ولكن كيف يمكن القيام بهذا؟ وأي الدول قد تستفيد من مثل هذه الاستراتيجية، فتساعد بالتالي في تحقيقها؟ وهل من الممكن أن يأتي هذا الجهد متوافقا...
بقلم: ريكاردو هوسمان

كمبريدج ــ في الطريق إلى الـصِـفر الصافي، حدث شيء هزلي. فبينما كانت المعايير البيئية والاجتماعية والمعايير الخاصة بالحوكمة تُـجـبِـر شركات النفط على تصفية استثماراتها في الوقود الأحفوري، وفي حين كانت الولايات المتحدة تعمل على إحكام سياساتها في إنتاج النفط وتتجه نحو إلغاء مشروع خط أنابيب Keystone XL المقترح، لأسباب بيئية، قررت روسيا غزو أوكرانيا.

وسرعان ما أعلنت الولايات المتحدة وكندا فرض الحظر على النفط الروسي، في حين كان الاتحاد الأوروبي ــ الذي يعتمد بدرجة أكبر على الطاقة الروسية ــ يكافح لوضع سياسة متماسكة. مع ارتفاع أسعار الطاقة إلى عنان السماء، ركزت الحكومات الغربية على زيادة الإمدادات غير الروسية، بما في ذلك عن طريق إعادة تشغيل محطات الفحم الأوروبية وتوسيع إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الطبيعي. قد يزعم الهازئون أن هذه حالة أوغسطينية تتمثل في الدعاء: "امنحني العفة والصبر، ولكن ليس الآن". من الواضح أن الأمر يستلزم إعادة النظر بشكل أكثر جذرية في جغرافية الطاقة السياسية وإزالة الكربون لمواجهة التهديد الروسي.

ساعدت طفرة النفط في تمكين عدوانية روسيا الجديدة. سجل إنتاج النفط الروسي انخفاضا حادا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وبلغ الحضيض عند مستوى 6.1 مليون برميل يوميا في عام 1998 ــ أقل بنحو خمسة ملايين برميل مقارنة بالعقد السابق. ولكن في وقت لاحق تعافى الإنتاج تماما، حيث وصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ 11.7 مليون برميل يوميا في عام 2019.

بفضل زيادة الإنتاج والفترات الطويلة من ارتفاع الأسعار حصل الرئيس فلاديمير بوتن على الموارد اللازمة لتعزيز قوة جيش روسيا وفرض سطوته وإرادته على الجميع. على سبيل المثال، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، بعد أن ملأت عشر سنوات من أسعار النفط المرتفعة وزيادة حصة روسيا في السوق خزائن الكرملين.

في ضوء الحرب الحالية التي يشنها بوتن ضد أوكرانيا، أعلنت أوروبا عن خطط لفطام نفسها عن الطاقة الروسية. لكنها مهمة مستحيلة إلى حد كبير. فكما تعلم العالَـم أثناء حظر النفط العربي عام 1973، ليس من المهم حقا من يفرض حظرا على من في سوق الطاقة العالمية المتكاملة. ما يهم حقا هو القدر الذي يستطيع المعتدي احتجازه من إمدادات النفط العالمية. إذا كانت هذه الحصة كبيرة، فسوف تصبح الطاقة أكثر تكلفة للجميع.

إذا كانت روسيا على استعداد لأن تظل عدوانية وخطيرة، فيجب أن تكون الاستراتيجية هي تقليص حصتها في سوق الطاقة العالمية قدر الإمكان. ولكن كيف يمكن القيام بهذا؟ وأي الدول قد تستفيد من مثل هذه الاستراتيجية، فتساعد بالتالي في تحقيقها؟ وهل من الممكن أن يأتي هذا الجهد متوافقا مع أهداف إزالة الكربون؟

قد تأتي الإجابات على هذه التساؤلات مفاجئة بعض الشيء. من المؤكد أن الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع سيجنيان فوائد أمنية من خلال المساعدة في تقليص حصة روسيا في سوق الطاقة العالمية. ويمكنهما القيام بذلك بتقييد قدرة روسيا على الوصول إلى التمويل الدولي وتكنولوجيا إنتاج النفط، وفرض ضريبة على الطاقة الروسية من أجل الحد من قدرة روسيا على الوصول إلى الأسواق.

لكن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ستستفيد أيضا من مثل هذه الاستراتيجية. في ديسمبر/كانون الأول 2016، عندما كانت أسعار النفط منخفضة، دخلت روسيا في تحالف مع أوبك لخفض الإنتاج ودعم الأسعار في إطار بنية أوسع تُـعـرَف باسم "أوبك +". عملت تلك الصفقة لصالح روسيا. وبحلول عام 2019، كانت أوبك خفضت الإنتاج بنحو 2.3 مليون برميل يوميا (مع خفض المملكة العربية السعودية لإنتاجها بمقدار 573 ألف برميل يوميا)، لكن روسيا زادت الإنتاج بمقدار 337 ألف برميل يوميا.

من منظور أوبك، لم يعد التحالف مع روسيا منطقيا. بدلا من ذلك، كان لدى أوبك الحافز لإضعاف منافس مهم استولى على حصة في السوق من أعضائها في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة. يجري معظم إنتاج أوبك في بلدان ذات احتياطيات ضخمة. وإذا تمكن العالم من إزالة الكربون، فسوف تظل هذه الاحتياطيات تحت الأرض بعد عام 2050. وعلى هذا فإن المنتجين يتنافسون لتحويل احتياطياتهم إلى نقود بدلا من تركها عالقة. وكلما تزايدت القيود المفروضة على روسيا، كل زادت الكميات التي يستطيع أعضاء أوبك بيعها.

ينطبق ذات المنطق على الولايات المتحدة، التي تتمتع بمقادير ضخمة من الاحتياطيات المعروفة من النفط المحكم والغاز، والتي يقل سعرها على أساس نقط التعادل عن 60 دولارا للبرميل. بالإضافة إلى هذا، يجري تداول الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة حاليا عند مستوى نحو 5.50 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية ــ وهذا جزء ضئيل من الأسعار في أوروبا، مما يبرر الاستثمارات الكبرى في قطارات الغاز الطبيعي الـمُـسال لتصدير الإنتاج إلى أوروبا وأماكن أخرى.

من منظور بيئي، تتمتع مشاريع النفط والغاز في الولايات المتحدة بميزة السرعة في التنفيذ وانتهاء الإنتاج. فقد تُـخـرِج بئر النفط أو الغاز الـمُـحكَمة أكثر من 85% من إنتاجها في أول عامين، في حين قد يستغرق تطوير آبار النفط التقليدية عشر سنوات ثم يستمر تشغيلها بعد ذلك لعقود من الزمن، إلى الفترة التي ينبغي للعالم عندها أن يقترب من الصفر الصافي. وعلى هذا، لا يجوز للزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الأميركي بهدف خفض حصة روسيا في السوق العالمية أن تستمر طويلا.

أخيرا، من الممكن أن تنضم الحركة البيئية إلى هذا الجهد. تتطلب إزالة الكربون خفض إنتاج النفط العالمي. الواقع أن النفط الروسي أثقل من معظم نفط أوبك أو النفط الأميركي، مما يعني أنه يولد مقادير أكبر من ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من الطاقة. وهو حمضي أيضا، مما يعني أنه يحتوي على قدر كبير من الكبريت، وهي مادة ملوثة كريهة. ولهذا، ربما يكون تقليص إنتاج النفط الروسي وسيلة جيدة لخفض الانبعاثات العالمية مع الحفاظ على إمداد العالم بالقدر الكافي من الطاقة إلى أن يتم تطوير بديل أنظف.

من المرجح أن تعارض الصين هذه الاستراتيجية. لكنها في عام 2019 اشترت 2.4% فقط من غازها الطبيعي، و14% من فحمها، و18.4% من نفطها الخام، و13.4% من منتجاتها المكررة من روسيا. وعلى هذا فإن ملاحقة أجندة غير تعاونية مع موردي الطاقة الرئيسيين ليست استراتيجية غير مكلفة للصين. علاوة على ذلك، سيستغرق حل المشكلات اللوجستية التي تقيد صادرات الطاقة الروسية إلى الصين وقتا طويلا وسوف يكون مكلفا، مما يوفر للمنتجين الروس مهلة راحة جزئية فقط.

سيكون العالم في حال أفضل إذا تمكن من خلع أنياب روسيا. وقد أصبح تشكيل تحالف دولي لتحقيق هذه الغاية أسهل بفعل الحافز المشترك المتمثل في تناول وجبة غداء النفط الروسي. وسوف يكون لزاما على أوبك أن تعيد النظر في علاقتها مع روسيا والدول المستهلكة للنفط، والتي تعتبر ضرورية لتقليص الإنتاج الروسي. كما يجب على مجموعة السبع وبقية دول الاتحاد الأوروبي أيضا أن تتبنى فِـكرا جديدا. ولكن من الممكن مواءمة الحوافز، وقد يقودنا هذا إلى عالَـم أكثر أمانا.

* ريكاردو هوسمان، وزير التخطيط السابق لفنزويلا وكبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية للبلدان الأمريكية، ومدير مركز التنمية الدولية بجامعة هارفارد وأستاذ علوم الاقتصاد في كلية هارفارد كينيدي، ومدير مختبر النمو بجامعة هارفارد.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق