q
ليست هناك حرب عالمية إلا ويقف وراءها كبار العالم، من دول وأنظمة سياسية يدفع بها الانتفاخ الذاتي إلى الانفجار، ولو أن الخسائر تطولها وحدها باعتبار أنها هي المتسببة بهذه الحروب الكبرى لهان الأمر كثيرا، ولكن المشكلة الكأداء أن الخسائر في جانبها الأكبر والتضحيات تطول صغار الدول والشعوب وفقرائها...

ليست هناك حرب عالمية إلا ويقف وراءها كبار العالم، من دول وأنظمة سياسية يدفع بها الانتفاخ الذاتي إلى الانفجار، ولو أن الخسائر تطولها وحدها باعتبار أنها هي المتسببة بهذه الحروب الكبرى لهان الأمر كثيرا، ولكن المشكلة الكأداء أن الخسائر في جانبها الأكبر والتضحيات تطول صغار الدول والشعوب وفقرائها، مع أن الكبار هم وحدهم من يدفعوا بالعالم نحو الانحدار في أتون الحروب الكارثية، كما حدث ذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، واليوم يقف العالم بين حين وآخر على شفا حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، والخوف كل الخوف أن تكون الدول الصغيرة والشعوب الضعيفة هي الحطب الوحيد لهذه الحرب.

كيف يمكن أن ينسى العالم المتقدم (العرب) بأنه المسؤول الأول والأخير عمّا يتعرض له كوكبنا من حروب مدمرة، ولماذا ترى الدول العظمى أنها الأكثر أحقية في إدارة شؤون العالم، بما في ذلك إشعال الحروب وفق أساليب وطرق لا أخلاقية يندى لها جبين الإنسانية، حيث ينبهر كثيرون بما حققه الغرب من تطور كبير في التقانة والصناعات وما شابه، وهي فعلا مكتشفات وابتكارات تستحق الانبهار، لاسيما ما يتعلق باكتشافات الفضاء، بيد أن غض الطرف عن جانب، والتركيز على جانب آخر، يدل على تغييب المعايير في الحكم على الغرب.

أخلاقيات وسلوك الغرب

إن الأخلاق والمبادئ الإنسانية هي المعيار الوحيد لضبط أخلاقيات وسلوك الغرب والدول الكبرى، وجميع من يقطن المعمورة، ولا يعني أن تكون متطورا في الصناعات والتكنولوجيا بأنك على صحيح في كل ما تقوم به، فحينما تكون متطورا ماديا (في التقانة والصناعات كافة)، ومتخلفا في الأخلاقيات، فإن هذا دليل واضح على وجود خلل في تركيبة المجتمع الغربي، بل وهو دليل قاطع الى حالة الانحدار السريع نحو الضمور والتلاشي، لأن الأصل في الوجود الإنساني ليس الصناعة والماديات، بل الفكر والروح والعقل الذي يخطط ويفكر، ويضع البدائل النظرية المطلوبة، ومنها بل وأهمها الأخلاقيات، وفي حال غياب الأخلاق، فإن الانحدار الحتمي سيكون مصير المجتمع، وما يحدث اليوم من تأجيج عالمي تقف وراءه الدول الكبرة لاسيما الغربية منها وفي المقدمة منها (الولايات المتحدة الأمريكية)، يدل على خلل فادح في المنظومة الأخلاقية للغرب والدول الكبرى فيه.

على أن ينبغي أن نفهم بأ اللهاث المحموم وراء التقدم المادي لا يجب أن يلغي الجانب الإنساني، فحين يتحول العالم كله إلى كرة نار يمكن أن تنفجر في أية لحظة بسبب صراعات ومصالح الدول الكبرى، فهذا يعني فقدان تام للجانب الأخلاقي، وهذا ما يحدث الآن في الغرب، إذ أن هناك تركيزا كبيرا على الجانب المادي والتطور التقني والصناعي، فيما يعاني الجانب الأخلاقي من الضمور والتراجع، بحجة حماية الحريات، ولعل المراقب يستطيع بسهولة أن يكتشف انحدار الغرب نحو الانحلال، حينما يطلع مثلا على تشريع الزواج المثلي في بعض الدول الأوربية، حيث أجاز عدد من السلطات القضائية المعنية زواج الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة!! بحجة حماية الحريات الشخصية، وهو تبرير فاشل قطعا، لأن حماية الحرية الشخصية لا تعني تدمير البنية الأخلاقية للمجتمع البشري عموما، خصوصا أن العالم الأفقر شعوبا ودولا ينظرون إلى أمريكا والغرب كنموذج لهم، لكن هذا النموذج لا يتردد لحظة في تدمير الأخلاق وإشعال نيران الحروب في مكان من العالم، ومثالنا الحي اليوم ما يحدث في سوريا من صراع دولي يقوده الجنون والاستعلاء والغطرسة.

مقارعة ضوابط الفطرة الإنسانية

في الواقع أن من ينسف أخلاقيات الإنسان، ويقارع قواعد فطرة الإنسان، ويشرع ما يحلو له بحجة الحرية الفردية، فإننا نتوقع منه تدمير العالم، وهذا ما يسير إليه العالم بقيادة الغرب، إن التشريعات الملتبسة كزواج المثلية يدل على نحو قاطع على الوهم الكبير الذي تقع فيه المجتمعات الغربية، بخصوص التعامل مع الحريات الشخصية، كذلك تجعل الناس المنبهرين بحرية الغرب على وهم اكبر، حينما يتصورون أن جوهر الحرية الإنسانية يكمن في مثل هذه التشريعات الشاذة التي تتقاطع كليا مع الطبيعة الإنسانية، وهكذا فإن تشريعات من هذا النوع لا تعبر عن وعي أعمق، ولا عن تطور يثير الرغبة لدى المجتمعات الأخرى بالسير على خطى الغرب، لسبب بسيط جدا أن مثل هذه الإجراءات والسلوكيات والتشريعات، تقف بالضد من الطبيعة البشرية التي تأسست على قواعد فطرية سليمة، تأخذ صحتها وشرعيتها من قوانين الطبيعة، أما نتائجها الخطيرة، فإنها تكمن في تغليف العالم بالتوتر والاحتقان من أقصاه إلى أقصاه كما يحدث اليوم في الشرق الأوسط نتيجة للصراع غير المقنن وغير الشريف بين أقوى دولتين عظميين أمريكا وروسيا ليذهب العالم الأكثر فقرا وضعفا ضحية لنزق هاتين القوتين المتنمرتين.

إن التحكيم بمصير البشرية بهذه الطريقة الرعناء لا تحمي أمريكا والغرب من نتائج هذا الانجراف الخطير نحو العنف، لقد سمعنا من وسائل الإعلام تلك الألفاظ والتصريحات المتبادلة بين رئيسيّ أقوى دولتين في العالم، وكيف هبط مستواهما إلى الدرجة الأدنى أخلاقيا واستهتار بمصير العالم وكوكب الأرض كله، إن ما أوصل الوضع العالمي إلى ما هو عليه، ضياع القيم والثوابت وانتهاك قواعد اللعبة التفق عليها، وهذا الذي يحدث ما هو إلا نتاج لنسف القيم الأخلاقية، إذ لا يتوقف الأمر عند مثل هذه الظواهر فحسب، بل من المعروف عن الدول الغربية أنها تخطط دائما لتصدير أزماتها الى دول العالم الأخرى، لذا فإن معظم ما يعانيه العالم من أزمات غالبا ما يكون مصدرها الغرب، كما لاحظنا ما حدث في الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم في 2008، فضلا عن الأمراض الغريبة التي تظهر بين حين وآخر، مع ظهور العلاجات اللازمة لها فورا، الأمر الذي يدل على إنتاج المرض ونشره ثم إنتاج العلاج لبيعه، من اجل الثراء وتحقيق الربح المادي، في ظل غياب تام للضمير الإنساني، بسبب التهالك المادي للغرب، حيث تم نسف المنظومة الأخلاقية من الجذور بفعل اللهاث وراء المادة وتضارب المصالح الذي ما فتئ أن يشعل النار في قلب الشرق الأوسط وليحدث بعد ذلك ما يحدث ولتذهب الأرض بسكانها إلى الجحيم.

اضف تعليق