q
يرى الأطباء أن التنبُّه إلى التاريخ الطبي قد يساعد على التمييز بين الإصابة بالحساسية والإصابة بـ«كوفيد»، ففي أغلب الأحيان، يدرك البالغون الذين يميلون إلى الإصابة بالحساسية الموسمية أنّهم سيعانون كل ربيعٍ الأعراض نفسها، وإن كانوا يراقبون حالتهم الصحية، فسيستطيعون أن يرجّحوا ما إذا كانت الأعراض التي يعانونها حساسيةً موسميةً، أم لا...
بقلم ماريانا لينهارو

للعام الثالث على التوالي، ظهرت الحساسيةُ الموسمية إلى جانب «كوفيد-19»، ووفقًا لعدد من الأطباء، أخذت صعوبة التمييز بين الحالتين المرضيتين تتزايد، فمع قدوم فصل الربيع، تزايد انتشار حبوب اللقاح، فبدأ المزيد من الأشخاص التساؤل عمّا إذا كان انسداد أنوفهم يدل على الإصابة بـ«كوفيد» أم بحساسية، تعقيبًا على ذلك يقول آرون جلات، طبيب الأمراض المُعدية ورئيسُ قسم الطب بمستشفى ماونت سيناي ساوث ناساو، والمتحدث باسم الجمعية الأمريكيّة للأمراض المعدية: "يكاد يكون من المستحيل التفريق بينهما".

أما أحمد صدَقات -اختصاصيّ طب الأذن والأنف والحنجرة، ومديرُ قسم طب الأنف والحساسية وجراحات قاعدة الجمجمة الأمامية في كلية الطب بجامعة سينسيناتي- فيقول: "لكلٍّ من سلالات «كوفيد-19» أعراضه المختلفة، على سبيل المثال، يبدو أنّ السلالة المتحورة «أوميكرون» Omicron تسبب عددًا أكبر من أعراض الجهاز التنفسي العلوي، كاحتقان الأنف وسيلانه والتهاب الحلق، مقارنةً بالسلالات المتحورة الأخرى"، ووفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإنَّ كلّ هذه التأثيرات -إضافةً إلى العُطاس والسعال والصداع والتعب- يُصادف حدوثها كذلك في حالات الإصابة بالحساسية.

إنّ إجراء فحوص الكشف عن «كوفيد» هو الطريقة الأكثر فاعليةً للبت في تلك المسألة، ولكن قد لا تثبت الإصابة بهذا المرض إلا بعد أيامٍ من ظهور أعراضه، ومع ذلك، فثمة قلة من السمات الفريدة التي قد تساعد على التمييز بين «كوفيد» والحساسية، تجدر الإشارة إلى أن الصورة السائدة من الفيروسات المسبِّبة لـ«كوفيد» في الولايات المتحدة هي سلالة ««BA.2 الفرعية المنحدرة من سلالة «أوميكرون»، واعتبارًا من الثلاثين من إبريل الماضي، تسببت هذه السلالة في نحو 62% من إصابات «كوفيد» في البلد، وميل سلالة «أوميكرون» إلى التسبُّب في مرضٍ أقل شدةً من السلالات المتحورة السابقة يُسهمُ في زيادة الالتباس حول ما إذا كانت أعراض المريض ناجمةً عن حساسية أم لا.

اختلافاتٌ كاشفة

في ذلك الصدد، تقول جانا تاك، اختصاصيّة أمراض الحساسية، والمتحدثة باسم الكليّة الأمريكية لأمراض الحساسية والربو والمناعة: "من المحتمل أن تكون الحمّى هي العَرَض الوحيد الذي يَستبعد إلى حدٍّ كبير كون أعراض المصاب ناجمةً عن حساسية"، فمع أنّ التهاب الأنف التحسسي يُعْرَف باسم "حمّى القش"، فإن ارتفاع درجة الحرارة ليس من الأعراض المرتبطة بالحساسية، وتوضح تاك ذلك قائلةً: "إذا كان شخصٌ ما يعاني حمًّى، فيمكن أن نجزم إلى حدٍّ كبيرٍ بأنه مصابٌ بمرضٍ فيروسي".

ويُعد فقدان حاسة الشم الشديد من الأعراض الأخرى التي تدل على الإصابة بـ«كوفيد»، حول ذلك يقول صدَقات: "عند فقدان حاسة الشم لدى الإصابة بـ«كوفيد-19»، فإنّ ذلك يكون مفاجئًا وبالغًا في الأكثرية العظمى من الحالات"، ويشير إلى أن الحساسيّة قد تسبب أيضًا ضعف حاسة الشم؛ لأنّ احتقان الأنف يمكن أن يمنع الجزيئات الحاملة للروائح من الوصول إلى أعلى الأنف، حيث توجد المستقبلات الشمية والأعصاب، بيد أن فقدان الشمّ يكون في أغلب حالات الحساسية جزئيًّا، على عكس فقدان الشمّ الشديد الذي رُصِدَ في العديد من مرضى «كوفيد»، ويدرس صدَقات أيضًا حالةً مرتبطةً بتغيّر حاسّة الشم تُسَمّى التهاب الجيوب الأنفية المزمن، وكان فريقه من أوائل الفرق البحثية التي وضعت توصيفًا لشدة المشكلات الشميّة لدى مرضى «كوفيد»، إلا أنه يشير إلى أنّ هذا العرَض نادرٌ إلى حدٍّ ما في حال المصابين بالسلالة المتحورة «أوميكرون»، ويُذكر أنه في دراسةٍ حديثةٍ نُشِرَتْ في دورية «إنترناشيونال فورام أوف أليرجي آند راينولوجي» International Forum of Allergy & Rhinology، أفاد نحو 25% من مرضى «كوفيد» بتغيّرٍ في حاسة الشم في وقتٍ سابقٍ من عامنا الجاري، عندما كانت السلالة «أوميكرون» هي السلالة المتحورة السائدة، مقارنةً بنحو 63% من المرضى، الذين أفادوا بإصابتهم بذلك العرَض في وقتٍ سابقٍ على الجائحة.

ووفقًا لجلات، يشيرُ تدمُّع العيون وانتفاخ الجفون -اللذان لا يُشاهَدان عادةً في حالة الإصابة بـ«كوفيد»- إلى الحساسية، (ومع ذلك، قد يسبب «كوفيد» مشكلاتٍ في العينين مثل التهاب الملتحمة)، وقد تكون مدة الأعراض كاشفةً أيضًا؛ إذ يشير صدَقات إلى أنّ أعراض الحالات الطفيفة من الإصابة بـ«كوفيد» تزول في غضون أسبوعين، أمّا أعراض الحساسية فقد تستمر مدةً أطول.

تعرّف على جسمك

يرى الأطباء أن التنبُّه إلى التاريخ الطبي قد يساعد على التمييز بين الإصابة بالحساسية والإصابة بـ«كوفيد»، تعقيبًا على ذلك تقول تاك: "في أغلب الأحيان، يدرك البالغون الذين يميلون إلى الإصابة بالحساسية الموسمية أنّهم سيعانون كل [ربيعٍ] الأعراض نفسها، وإن كانوا يراقبون حالتهم الصحية، فسيستطيعون أن يرجّحوا ما إذا كانت الأعراض التي يعانونها حساسيةً موسميةً، أم لا".

السياق مهمٌّ أيضًا؛ ففي هذا الإطار يقول صدَقات: "إذا بدأ ظهور الأعراض على شخصٍ ما بعد جزّ العشب، أو العمل في فناء منزله، أو تنظيف عليّة مليئة بالغبار، أو حتى بعد الجلوس في الفناء الخلفي في يومٍ ذي طقس منعش دافئ، فسيكون ذلك مؤشرًا أقوى على الحساسية"، من ناحيةٍ أخرى، إذا بدأت الأعراض بعد تجمّعٍ في مكان مُغلق، يُحتَمَلُ فيه مخالطة المرء لشخصٍ مريض، فقد يدل ذلك على إصابته بـ«كوفيد».

ماذا لو ظلت العلامات غيرَ واضحة؟

إذا كانت الأعراض غير قاطعة إلى درجةٍ تمنع تخمين الحالة المرضية عن بيِّنة، ينصح الأطباء بشدة بالخضوع لفحص الكشف عن «كوفيد»، تعليقًا على ذلك يقول جلات: "بات توفير فحوص الكشف عن «كوفيد» للمريض شديد السهولة، وعند وجود ما يدعو المرء إلى الشعور بالقلق من احتمالية كونه مصابًا بـ«كوفيد»، عليه أن يخضع لاختبار الكشف عن هذا المرض؛ فهذا هو الطريق السهل للحصول على جواب في ذلك الصدد"، فإذا ثبت عدم الإصابة بالمرض من اختبار الكشف السريع عنه، واستمرّت الأعراض، فربما يكون على المرء التفكير في الخضوع للاختبار مرةً أخرى في غضون يومٍ أو اثنين، إذ قد يكون المرض في مرحلةٍ مبكرةٍ جدًّا منه، لا تسمح بالكشف عن الفيروس المسبب له في الفحص.

وإذا أدركت أنّك خالطْتَ مصابًا بـ«كوفيد» مخالطةً لصيقة، فعليك أن تخضع للفحص بعد خمسة أيامٍ على الأقل من مخالطته، بغض النظر عمّا إذا كنت تعاني أعراضًا تشبه أعراض الحساسية أم لا، وذلك وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، وحتى لو كنت تعاني حساسيةً موسميةً، فهذا لا يعني أنّك لن تُصاب بـ«كوفيد» أيضًا، وتضيف تاك أنّ هذه التوصية مهمةٌ بالأخص للبالغين الذين يخرجون إلى العمل، وللأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة.

ويُعد تحديد ما إذا كان ينبغي للمرء أن يخضع للحجر الصحي أم لا، أكثرَ تعقيدًا؛ إذ يجب التصدي لكُل حالةٍ باعتبارها فريدةً من نوعها، وذلك بالاستناد إلى العديد من العوامل، ومن ضمنها الحصول على تطعيم ضد «كوفيد» أو لا، وحدوث إصابة بـ«كوفيد» في الأشهر الثلاثة السابقة على ظهور الأعراض، أو مخالطة شخص مصاب بالمرض مؤخرًا، وتستضيف هيئة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) على موقعها نظامًا لحساب مدى ضرورة الخضوع للحجر الصحي والعزل، يمكنه مساعدتك في اتخاذ هذا القرار.

التفاعل بين الحساسية و«كوفيد»

في وقتٍ مبكرٍ من الوباء، تخوَّف اختصاصيّو أمراض الحساسية -بناءً على سابق خبرتهم بنزلات الإنفلونزا- من أن يكون مرضى الربو التحسسي أكثر تعرُّضًا للإصابة بحالات شديدة من «كوفيد»، بيد أنه تبيّن عدم صحة هذه المخاوف؛ ففي ذلك الإطار تقول تاك: "لم تكن أحوال هؤلاء المرضى سيئةً لدى إصابتهم بـ«كوفيد»، وهو ما أشعرَنا جميعًا بارتياحٍ شديد"، "في الواقع، كانتْ استجابتهم أفضل مما توقعنا".

في الواقع، وجدَتْ دراسة نُشِرَت في دوريّة «ثوراكس» Thorax أنّ الأشخاص المصابين بالربو التحسسي قد يكونون أقل تعرضًا للإصابة بـعدوى «كوفيد»، مقارنةً بأولئك الذين لا يعانون هذه الحالة، فيقول صدَقات إنّ الأدلة الحديثة تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون التهابًا تحسسيًّا قد يكونون أقل تعرضًا للإصابة بالنوع غير التحسسي من الالتهابات المرتبطة بحالات «كوفيد» الشديدة، ويضيف قائلًا: "رأينا في بعض الدراسات أنّ المرضى الذين يميلون إلى الإصابة بالتهابٍ تحسسي لديهم مستوياتٌ أقل من مستقبلات الفيروس المسبب لـ«كوفيد-19»".

ولحسن الحظ، يساعد ارتداء الكمامة على الحماية من كلٍّ من «كوفيد» والحساسية الموسمية؛ فجزيئات حبوب اللقاح كبيرةٌ نسبيًّا، والكماماتُ فعّالةٌ في حماية الأنف والفم منها، ويرى صدقات أن ملاحظة هذه الفوائد العارضة كانَت من الجوانب الباعثة على التفاؤل خلال الجائحة، فيقول: "بوصفي طبيبًا، فإنّ كل ما أراه وأعالجه من حالات هو لمرضى الحساسية والجيوب الأنفية، وقد استفادَ هؤلاء المرضى كثيرًا من ارتداء الكمّامات، وكان تحسُّنهم مذهلًا"، أما وقد صار ارتداء الكمامات غير إلزامي في العديد من الحالات، يذكّر صدَقات مرضاه بفوائدها، ومن ضمنها إمكانيّة الاستمتاع في الهواء الطلق دون معاناة تدمُّع العيون والتهاب الجيوب الأنفية.

اضف تعليق