q
جوجل تحتل موقعا فريدا على الإنترنت فقد سيطرت على نحو 90% من السوق في ما يتصل بنشاط البحث لأكثر من عشر سنوات، مما دفع العديد من المدافعين المزعومين عن المنافسة إلى التنديد بالشركة لأنها \"تسيئ استغلال مركزها المهيمن\". لكن أغلب هذه الهجمات كانت مدفوعة بمزيج...
باسكال سالين

 

باريس ــ يبدو أن الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي تتخذ موقفا عدائيا من جوجل بشكل خاص. فقد غرمت المفوضية الأوروبية شركة جوجل 2.42 مليار يورو (2.75 مليار دولار أميركي) بتهمة خرق قواعد مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، بعد أن خلصت إلى أن "جوجل أساءت استغلال هيمنتها على السوق كمحرك بحث من خلال إعطاء ميزة غير قانونية لمنتج آخر من منتجات جوجل، أو خدمة التسوق المقارن".

ثم في الشهر الفائت، لاحقت المفوضية شركة جوجل مرة أخرى، فقضت بتغريمها 4.34 مليار يورو (4.94 مليار دولار أميركي) بسبب "ممارسات غير قانونية تتعلق بخدمات الأجهزة المحمولة التي تعمل بنظام أندرويد". فقد عقدت جوجل اتفاقيات مع شركات تصنيع الأجهزة المحمولة وشركات تشغيل الشبكات تقضي "بتثبيت تطبيق البحث جوجل والمتصفح (كروم) مسبقا على الأجهزة". وعلاوة على ذلك، يبدو أن البرلمان الأوروبي والعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ترغب في تفكيك جوجل من خلال فصل محرك البحث الخاص بها عن مصادر الإيرادات المحتملة الأخرى.

لا شك أن جوجل تحتل موقعا فريدا على الإنترنت فقد سيطرت على نحو 90% من السوق في ما يتصل بنشاط البحث لأكثر من عشر سنوات، مما دفع العديد من المدافعين المزعومين عن المنافسة إلى التنديد بالشركة لأنها "تسيئ استغلال مركزها المهيمن". لكن أغلب هذه الهجمات كانت مدفوعة بمزيج من المفاهيم الخاطئة والمزاعم المشكوك في صحتها من قِبَل منافسين لجوجل حول أضرار لحقت بهم.

الواقع أن منتقدي جوجل يعرفون الاحتكار بوصفه أي شركة تبلغ حصتها في السوق 100%، أو على الأقل حصة ضخمة بالقدر الكافي لجعل المنافسة المعقولة في حكم المستحيل. تقول النظرية الاقتصادية التقليدية إن الاحتكار يمكن أن يستغل المستهلكين من خلال فرض أسعار أعلى من تلك التي كانت لتصبح ممكنة في ظل ظروف "المنافسة النقية التامة". وبهذا المنطق البسيط، يتعين على المشرعين والقضاة أن يكبحوا جماح "النهابين" الاحتكاريين من خلال فرض غرامات ثقيلة عليهم، أو تفكيكهم، كما حدث مرات عديدة على مدار التاريخ.

لكن الانصياع لمثل هذا الخط من التفكير يستلزم أن يتجاهل المرء التمييز الجوهري بين نوعين من الاحتكارات: تلك التي تنشأ عن التشغيل الحر للسوق؛ وتلك التي تأتي كنتيجة لقسر من جانب الدولة. تقليديا، تُفهَم "المنافسة النقية التامة" على أنها تعني أن العديد من الشركات تنتج نفس السلعة بنفس الأساليب. لكن هذا التعريف يتبنى نهجا جامدا، فيقيس نتائج السوق عند نقطة منفردة في الزمن، حتى برغم أن الاقتصاد ذاته يتسم بالديناميكية.

لنتأمل هنا حالة شركة تطلق منتجا مبتكرا. بحكم التعريف، سوف تكون حصتها في السوق 100%، لبعض الوقت على الأقل. وتدين الشركة بموقفها "المهيمن" للجدارة، ولحقيقة مفادها أن المستهلكين يقدرون منتجها.

وكما يوضح هذا السيناريو، لا ينبغي تعريف المنافسة من خلال عدد اعتباطي من المنتجين، بل من خلال تحديد ما إذا كانت شركات أخرى لديها الحرية لدخول السوق. ففي نهاية المطاف، يُعَد دخول السوق الشرط المسبق الأساسي للإبداع. وإذا فرضت الدولة القيود على هذه الحرية على النحو الذي يؤدي إلى تأسيس هيمنة السوق أو الإبقاء عليها لصالح هيمنة منتج منفرد خاص أو عام، فإنها بهذا تخلق احتكارا ضارا، من خلال الحد بشدة من فرص الإبداع.

في حالة جوجل، لم يقم أحد بمنع آخرين من دخول سوق البحث على الإنترنت. وبالتالي فإن جوجل تدين بسمعتها في هذا المجال للموهبة والإبداع. فعندما دخلت جوجل السوق، لم تكن أول محرك بحث، وكانت أي شركة في مختلف أنحاء العالَم لديها مطلق الحرية للسعي وراء نفس الفرصة. وكانت الغَلَبة لجوجل لأنها قدمت خدمة أفضل من أي شركة أخرى، وفي وقت مبكر للغاية.

لا ينبغي لنا أن نعاقب جوجل على هذا النجاح. ففي غياب أي إكراه من جانب الدولة تصبح كلمة "مهيمنة" بلا معنى، وتفتقر الشكاوى المقدمة من منافسي جوجل المحتملين إلى الشرعية. إذ كان من الواجب عليهم أن يتحركوا عندما أتيحت لهم الفرصة. اليوم، تقدم جوجل الخدمات المهمة المتاحة، مثل البريد الإلكتروني، والترجمة، واستضافة الفيديو، وغير ذلك، بالمجان. وهي قادرة على القيام بذلك لأنها تحقق أرباحا من أنشطة أخرى، أو على وجه التحديد الإعلان على الإنترنت والمتصل بخدمة البحث. وبتفكيك شركة جوجل، نجازف بتقويض الوسيلة التي تمكنها من البقاء، ونفرض تكاليف أعلى على المستهلكين.

لنعد الآن إلى التدابير التي اتخذها الاتحاد الأوروبي مؤخرا. فرضت المفوضية غرامتها في يونيو/حزيران 2017 لأن جوجل "أعطت الأولوية لخدمة التسوق المقارن الخاصة بها" قبل تلك التي يقدمها منافسوها. ومع ذلك فإن كل من يستخدم جوجل وخدماتها المتعددة يفعل هذا بالمجان، وليس لأن جوجل ترغمهم على ذلك بأي شكل أو آخر. وبوسعهم أيضا أن يستخدموا خدمات أخرى، وعلى هذا فإن قرار استخدام جوجل لابد أن يعني أن جوجل تقدم الخدمات الأكثر إفادة لهم.

على نحو مماثل، لم تستخدم جوجل الإكراه في الحالة التي جرى تغريمها بموجبها في يوليو/تموز 2018. فقد دخلت في عقود طوعية مع شركات تصنيع الأجهزة، التي وافقت على التثبيت المسبق لبعض خدماتها. ولم يكن في الأمر "إساءة استغلال" لموقفها القوي في السوق. لم يكن في الأمر سوى ابتكار في سياق عقود حرة وأسواق حرة.

في حقيقة الأمر، إذا كان في الأمر أي "إساءة استغلال" لأي "موقف مهيمن"، فإن الاتحاد الأوروبي هو من ارتكب هذه الفِعلة. فمن خلال الإكراه، تقوم الدولة بتقييد الأفراد والشركات بما يمنعها من اتخاذ قراراتها في السوق، فتُعاقَب الشركات المبدعة نتيجة لهذا.

* باسكال سالين، أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة باريس-دوفين ورئيس سابق لجمعية مونت بيليرين
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق