q
في الوقت الحالي تحتاج المؤسسات الإعلامية بجميع صنوفها ان تضع المسؤولية الاجتماعية الحد الفاصل في انتاج وبث موادها وفق المعايير الأخلاقية، فضلا عن ادراكها أهميتها في تنوير المجتمع، وليس إغراقه في السطحيات والسلوكيات السلبية، فالالتزام تجاه المجتمع يكون من خلال وضع مستويات مهنية للصدق والموضوعية والتوازن...

تضع اغلب القنوات الفضائية في الفواصل التي تبثها بين موادها البرامجية، جملة من المبادئ الإعلامية، وهي الدقة والموضوعية، التوازن والحيادية وكلها في الواقع مجرد عبارات او شعارات فضفاضة لا أحد يؤمن فيها سواء من المتلقين او القائمين بالاتصال، ولسبب ربما بسيط جدا وهو عدم مراعاة الأخير مبدأ المسؤولية الاجتماعية التي تُحتم على الإعلام توخي الدقة في كل شيء.

نظرية المسؤولية الاجتماعية من النظريات التي ظهرت بعد ان تعرضت نظرية الحرية لعدد كبير من الانتقادات، فكان لابد من بروز بديل يملئ الساحة الإعلامية، حيث ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الأسس التي تقوم عليها هذه النظرية هي ممارسة العملية الإعلامية بحرية قائمة على المسؤولية الاجتماعية، وقد بينت القواعد والقوانين التي تجعل الرأي العام رقيبا على آداب المهنة، وذلك بعد أن استُخدمت وسائل الإعلام في الإثارة، والخوض في أخبار الجنس والجريمة، ما أدى إلى إساءة استخدام مفهوم الحرية.

ويرى أصحاب هذه النظرية أن الحرية حق وواجب ومسؤولية في الوقت نفسه، ومن هنا يجب أن تقبل وسائل الإعلام القيام بالتزامات معينة تجاه المجتمع، ويمكنها القيام بهذه الالتزامات عبر وضع مستويات أو معايير مهنية للإعلام مثل الصدق والموضوعية والتوازن والدقة.

هل هكذا الواقع؟

الواقع منافي تماما لما يُطرح عبر الشاشات التلفازية، اذ ان جميع المؤسسات الإعلامية او اغلبها، غير ملتزمة بهذه المعايير ولم تضعها ضمن المسلمات التي تحرص على عدم تجاوزها، التزاما منها بالمسؤولية الاجتماعية والأوضاع العامة التي عادة ما تكون مضطربة بفعل التحريض وإثارة النعرات والكراهية وغيرها من الأساليب المعتمدة إعلاميا.

للجمهور المتلقي لهذه الوسائل والمواد الإعلامية الحق في ان تكون عاداته وتقاليده ومبادئه محط اهتمام وتقدير من قبل القنوات التلفزيونية، فلا يمكن ان يتم تجاوز المصلحة العامة وتقديم البرامج بأسلوب هابط غير ملتزم بالذوق العام او المعايير المهنية الأخرى.

عدد كبير من الصحفيين يعتمد على مصادر معلومات موثوقة وتجعلهم على دراية بما يحصل خلف الكواليس، لكن في الوقت نفسه، ليس من الصحيح التصريح بهذه المعلومات في ظروف محددة حفاظا على هدوء الأوضاع والاستقرار الأمني في كثير من الأحيان، فقد تنشب حركات احتجاجية لمجرد معرفة الجماهير خيط معلومة حساسة مثلا تهم الرواتب او قانون الانتخابات الذي يزمع البرلمان اقراره بصورة تخالف مبادئ الديمقراطية.

يقع على عاتق الصحفيين مسؤوليتين مزدوجتين الأولى امام المجتمعات التي ينتمون اليها ويجب عليهم مراعاتها خلال مزاولة أعمالهم الصحفية وإنجاز واجباتهم الإعلامية، اما المسؤولية الثانية هي مسؤولياتهم أمام مؤسساتهم الإعلامية التي لا تكترث لما يعانيه الإعلامي من ضغوطات مجتمعية عليه الالتزام بها وعدم تجاوزها.

في ظل المسؤولية الثنائية يتحتم على العاملين في حقل الإعلام تفعيل نظرية المسؤولية الاجتماعية المغيبة من قبل المؤسسات المحلية، فهي تذيع وتنشر وتعرض كل ما يقع بين ايديها دون الاخذ بالحسبان ما قد يحدثه ذلك من اضطرابات متوقعة او قد يكون الهدف الأساس من طرحها في هذا التوقيت هو لهذه الاثارة.

في الوقت الحالي تحتاج المؤسسات الإعلامية بجميع صنوفها ان تضع المسؤولية الاجتماعية الحد الفاصل في انتاج وبث موادها وفق المعايير الأخلاقية، فضلا عن ادراكها أهميتها في تنوير المجتمع، وليس إغراقه في السطحيات والسلوكيات السلبية، فالالتزام تجاه المجتمع يكون من خلال وضع مستويات مهنية للصدق والموضوعية والتوازن.

اضف تعليق