q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

المسلم وتحديات الاستغراق في العبث

من هو المسلم؟ (7)

الذي يفلت من العقاب ويستمر على هذا المنوال، فإنه لا يرى وجود غاية في ما بعد الدنيا، وفي الآخرة، ولا يرى أن هناك حسابا وكتابا ومعادا، حيث يُحاسَب الإنسان على أعماله. والافلات من العقاب يحطم المجتمعات، ويسلب مفعولها وجوهرها الوجودي، ويجعلها بلا أخلاق وبلا قيم فطرية، ويجعل المجتمع...

في هذا المقال نستكمل محور المسلم بين العبث والغاية، وكيف يدرك معنى الوجود ويتفاعل مع وظيفته من المبدأ إلى المنتهى، وعدم الانحراف وراء الأهواء والمصالح والإغراءات، فيستثمر الدنيا بربح الآخرة، ويستثمر ذلك أيضا في الابتعاد عن العبث واللهو والّلعب.

من مظاهر الحياة المعاصرة اليوم تغول ظاهرة العبث بشدة، والعيش بلا غاية وبلا هدف في الحياة، بحيث أصبح العبث ثقافة متجذرة ومتشعبة ومتشظية في كل المجالات، في ثقافة الفكرة، وثقافة الجسد، وفي الأخلاق والسلوك.

ما هي مظاهر العبث؟

نحاول أن نستكشف هوية المسلم من خلال وضع النقاط على الحروف، وتبيين غايات المسلم، وكيف أن الدين الإسلامي يعطينا بالثقلين (كتاب الله والعترة الطاهرة) الرؤية والنور لفهم هوية وكيفية التعامل في إطار هذه الحياة العصرية، لكي يستطيع المسلم ان يستنقذ نفسه، ويجد نفسه وهويته ويعرف معنى وجوده.

نستكشف العبث من خلال المظاهر التي يظهر فيها، ويبرز فيها، كمجموعة قيم أو أعراف أو سلوكيات أو كلمات، أو عبر مجموعة من الافرازات الثقافية والاجتماعية التي يمكننا ملاحظتها، ومن تلك المظاهر:

ثقافة الإفلات من العقاب

أولا: الافلات من العقاب ومعناه أن ينجو الإنسان من كل ما يفعله من أفعال سيّئة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ويصبح هذا الافلات من العقاب كقيمة سلوكية أو كثقافة يعيشها الإنسان في حياته، ومعنى هذا فقدان الغاية بشكل مطلق، لأن الإنسان الذي يفلت من العقاب ويستمر على هذا المنوال، فإنه لا يرى وجود غاية في ما بعد الدنيا، وفي الآخرة، ولا يرى أن هناك حسابا وكتابا ومعادا، حيث يُحاسَب الإنسان على أعماله.

والافلات من العقاب يحطم المجتمعات، ويسلب مفعولها وجوهرها الوجودي، ويجعلها بلا أخلاق وبلا قيم فطرية، ويجعل المجتمع ظالما جائرا مستبيحا.

ونلاحظ ذلك في العصابات الإجرامية، فهم يقتلون ويستبيحون وينتهكون ويفعلون كل شيء خارج القيم والأخلاق، لأن المجرم هو فرد عبثي، لا يؤمن بشيء وبأن هناك عقاب وحساب، وحتى لو كان يؤمن بذلك، لكنه عمليا لا يهتمّ، لأن العبث أصبح متملّكا له، فأصبح عبدا له، وهذا من أخطر الأمور.

من أزمات الحياة العصرية التي نلاحظها اليوم، هي ظاهرة الإفلات من العقاب، فتحصل جرائم إبادة كبيرة، وتُستباح شعوب بكاملها، وتستعمَر شعوب وتُنهَب بلدان حتى بكرة ابيها، وتُقتَل بدماء باردة، ولا أحد يعبأ بذلك.

ظاهرة استحلال الحرام

تبدأ مشكلة الإفلات من العقاب من السيئة الصغيرة والجرم الصغير حيث يتهاون الإنسان في النظرة له، هناك ثقافة عند بعض الناس، وبالخصوص عند بعض الشباب، وهو التهاون في ارتكاب الحرام، فيرتكب الحرام ويقول من قال أن هذا حراما بل هذا حلال بالنسبة لي حتى لو كان حراما، فيرى أن كل شيء بالنسبة له حلال، وهذه الثقافة موجودة وتُبَّث في شبكات التواصل الاجتماعي وتغزو أفكار شبابنا للأسف الشديد.

فيتعلّم هذا الإنسان الإفلات من العقاب، حيث يبدأ من الأشياء الصغيرة، ثم يتحول إلى أشياء كبيرة، ويتعلم على انتهاك الحدود وعبور الخطوط الحمراء، وانتهاك القيم وانتهاك المحرمات، وانتهاك القانون، كل هذا يصبح ثقافة عند الإنسان وبالتالي سيدخل في دوامة العبث المتسلسل. لذلك فإن الإفلات من العقاب هو أحد المظاهر الرئيسية في ظاهرة العبث التي نعيشها اليوم.

استخدام القانون لانتهاك القانون

ومثال على ذلك الحكومات أو الأنظمة السياسية في المنطقة والعالم التي هي شريكة في جريمة الإفلات من العقاب، هذه الحكومات عندما تبقى وتتجذر وتصبح لها دولة في العمق، ولها امتداد اخطبوطي، سوف ينظر أفراد هذه الحكومة إلى مصالحهم الخاصة، بالنتيجة يستخدمون القانون لانتهاك القانون، ويستخدمون القانون للإفلات من العقاب والجزاء، لذلك هم أكثر الناس انتهاكا للقانون وإفلاتا من العقاب.

هذا الفساد الموجود في كثير من البلدان، أصبح ظاهرة عبثية متجذرة، فالفساد عبث بكل معنى الكلمة، فأصبح ظاهرة متجذرة بسبب نجاة الفاسد بالإفلات من العقاب، ينجو ويتمكن ويسيطر ويشتري كل المؤسسات الموجودة في الدولة.

النظام العبثي وعبث النظام

إن الفساد بشكل عام هو مظهر للعبث، وفساد الدولة وكل أجهزتها وفساد المجتمع هو مظهر للعبث، لأن هذا الامر يعني أن النظام عبثي وهو يستفيد من عبث النظام، فهناك ترابط بين النظام العبثي وعبث النظام، وحين نلاحظ اليوم بعض الدول والحكومات، سوف نلاحظ أنها دولا وحكومات فارغة، ولا تعرف إلى أين تسير، ولا إلى أين تريد أن تصل، وماذا تريد.

بالإمكان أن نسأل هذه الدول أو إحداها، عن طريقة إدارة الدولة، وإدارة الاقتصاد، وإدارة النظام السياسي، وإدارة الانتخابات، وإدارة المؤسسات والدوائر الرسمية للدولة، ماذا يمكن أن نفهم أو نستنتج من هذا النظام بكل ما يقوم به، ألا تفهم بأنه هو العبث؟، وحين تسأل المسؤول عن ما يجري ويعمل بالقانون وهو الموظف الذي يدير النظام الديمقراطي، فإنه يقول لك نريد أن نطبق القانون، ولكن أي قانون هذا الذي يضر بالإنسان، وأية ديمقراطية التي تضر بالإنسان، إذن إنه العبث.

لقد تم وضع كل هذه الأمور من أجل خدمة الإنسان، فهناك غايات ونتائج وعقاب وثواب، وكل فعل له عواقب (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة 7-8. وهكذا يتم كشف عبث النظام وأن جوهر هذا النظام هو العبث، لذلك فبعد فترة من الزمن سوف تسقط هذه الأنظمة، لاسيما تلك الأنظمة التي تعيش على العنف، وعلى القمع، وعلى القتال واستغلال النفوذ، وعلى التلاعب بكل شيء.

السير نحو النهاية السوداء

التلاعب بالقانون، والتلاعب بالنظام، والتلاعب بالمقدّرات، يدخل في مفهوم العبث، وهذا هو معنى الفوضى حيث يسير الجميع في مسيرة واحدة نحو النهاية الخطرة أو النهاية المحتومة السوداء، كلّهم يسيرون هكذا في هذه العشوائية.

لماذا اختاروا هذا الطريق؟ لان الانسان عندما يبقى على خطأ يستمر في هذا الخطأ، ويأتي بعده بخطأ، ثم خطأ، ثم خطأ، إلى أن تصبح لديه جبال من الأخطاء والذنوب، فإنه لا يعترف بأخطائه في حين يوجد لدينا في الروايات الشريفة (والتوبة تنفع)، لأنها تقوم بإيقاف سلاسل الأخطاء، وتأخذه نحو الطريق المعبَّد المستقيم.

تراكم العبث

الإنسان العبثي في البداية يخدع نفسه، ويتصوّر أن هذا العبث هو السعادة، لكن هذه ظلامية في حقيقة الأمر، لأن العبث ظلامية وليست سعادة، والغرور والتجبّر في هذا الإنسان، فتأخذه العزّة بالإثم، فيستمر في أخطائه إلى أن تأتي أو تحين اللحظة الأخيرة، فينهار كل شيء في هذا الإنسان أو المجتمع أو الدولة، وتنهار الأمم عندما تتراكم حالة العبث في تلك الأمم فتسقط.

تبديد الوقت

ثانيا: من مظاهر العبث أيضا، اللهو واللعب، فالإنسان يحتاج إلى اللعب الهادف أحيانا، وهذه عبارة مجازية، لأن اللهو بحد ذاته هو عبث، لكن الإنسان يحتاج الى الترويح عن نفسه بأفعال هادفة، وليس بأفعال عبثية هوجاء لا قيمة لها أو فارغة، لذلك أصبح اللهو والعبث اليوم من مظاهر الحياة العصرية المستحكمة، وأصبح الإنسان لا يفكر إلا بمتعته، وما يكسبه من مال لا هدف له إلا لمتعته الخاصة، فلا يحمل أية غاية أو أي هدف في الحياة وهذا ما نراه في تبديد وتحطيم الوقت والزمن.

العبث من أجل العبث

من ضمن اللهو واللعب الاستغراق الشديد في المتع، بحيث أصبحت المتعة غاية، والعبث أيضا أصبح غاية، بمعنى العبث من أجل العبث، وهو قمة الترف المحطِّم للإنسان.

الإنسان عندما يريد أن يبدد نفسه ويبدد وجوده، يصبح العبث لديه غاية لأنه لا يبالي بأي شيء آخر، فلا يبالي بقانون وضعي أو سماوي ولا بعرف أو تقاليد، حتى يصل إلى مرحلة يصبح فيه العبث واللهو سمة من سمات حياته، ولذلك فهو لا يبالي بأي شيء يحصل في العالم اليوم، ولا يبالي بالرأي العام حتى لو حدثت جريمة أو أي شيء آخر، لأن الرأي العام نفسه غير مهتم بشأن الإنسان ولا غايته، ولا بهدفيته في الحياة، بل يهتم بما يلتذّ به وما يؤنسه ويمتّعه فقط.

المشكلة أن القانون نفسه أصبح عبثا، لأن وُضِع من أجل العبث، فهو لا يُطبَّق بشكل صحيح، القانون بحد ذاته جيد، لاسيما أنه وُضع لتنظيم الحريات وحماية الحقوق، وحماية الملْكية، وحماية حق الإنسان وحريته، وحرية التعبير عن الرأي، فالقانون، ولكن بالنتيجة أصبح القانون عبثا وأداة بأيدي الدول الفاسدة والدول والحكومات القمعية.

إلى أين يتجه الإنسان العبثي؟

في بعض الأحيان من شدة استغراق الإنسان في المتع، يصبح ظلاميا، لأن مشكلة وخطر العبث، أنه يستخرج نور الإنسان من قلبه ويجعله أسودا وفارغا، فيمتلئ بالسيئات، فتكون حياة حياته عبثية بلا معنى وهو امر خطير جدا، لأنه يناقض فطرة الإنسان وضميره، فيشعر بعبثية سلوكه وحياته فيُصاب بالاكتئاب وبالحزن ويفقد شعوره بلذة الحياة.

الفراغ الفكري والثقافي والأخلاقي

ثالثا: الفراغ الفكري والثقافي والأخلاقي، فغاية الأخلاق والفكر والثقافة إرشاد الإنسان، ودليل لحياة جيدة ومثمرة وناجحة، فعندما يصبح الإنسان عبثيا يمتلئ فكره وداخله بالأفكار العبثية الخطيرة، وتصبح سلوكياته وثقافته عبثية كذلك، لأن منظومته الداخلية كلها تتغير بسبب العبث الذي دخل في حياته وخزّن في باطنه وداخله أفكارا وسلوكيات لا معنى لها.

فعلى سبيل المثال إذا أردنا أن نلاحظ ما يحدث في القمار والرهان والمخاطرة، فهذا نوع من الثقافة العبثية في الإنسان، وعندما يصبح الإنسان عبثيا يصبح هذا السلوك السيّئ متمركزا في داخله، ويظهر في أفعاله، فيصبح مدمنا على لعب القمار، وهذا يعني بدوره أن هذا الإنسان لا توجد غاية في حياته، وتصبح غايته هذه المخاطرة واللعبة العبثية التي استعبدت أفكاره واستعبدت نفسه، فأصبح عبدا لهذه اللعبة.

مخاطر ثقافة الانحلال

من ضمن مظاهر الفراغ الفكري والثقافي، هي ثقافة الانحلال، وبعضهم يسمّيها ثقافة التنوير، أو الثقافة التنويرية، بالطبع التنوير والتجديد أمران جيدان ومطلوبان، ولكن ليس بطريقة العبث، وإنما عن طريق الغاية، فالثقافة والتنوير يجب أن يكون من أجل إنقاذ الإنسان من الانحراف والسقوط في مستنقع المتع واللهو والمادية، ولكن هذا النوع من التنوير المزيف بحجة تخليص الإنسان من التخلف، يقود نحو المزيد من العبثية والانحراف.

حيث يضع صنّاع العبث أيديولوجيات خاصة لتبرير هذا الانحراف، ونلاحظ حاليا وجود كتب ودروس كثيرة تؤكد على العبث الفكري، ولو اننا نلاحظ الآن تلك الأعمال الفنية والسينمائية سنجد فيها كثرة الأساطير والخرافات، بينما كانوا في السابق ينتقدون الأساطير والخرافات في كتبهم، لكنهم أصبحوا اليوم هم يرفعون اساطير وخرافات جديدة ويبتكرونها، لكي يملأوا مخ الإنسان بهذه الأساطير والخرافات العبثية التي تخلو من الغاية. ولكي لا يبقى مخ الإنسان فارغا بعد أن نقلوه من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة، فلابد أن يعطوه فكرا جديدا.

فيتم تفريغ الإنسان من محتواه ثم يتم ملئه بمحتوى آخر، وسوف يحركونه بالاتجاه الذي يريدونه هم، بالنتيجة يصبح الإنسان عبثيا ويكون العبث مرادفا له، وهذا هو المقصود من ذلك، من خلال خلق عقيدة عبثية بلا غاية أساسية في مخ الإنسان، في حين أن الإنسان لابد أن يتكامل نفسيا وأخلاقيا، ويسمو في بناء الدنيا بناءً معنويا للوصول إلى الآخرة، فتكون الغاية هي الآخرة وليست الدنيا، وعندما تصبح الدنيا هي الغاية فهذا هو العبث.

الاستغراق في عالم من الخطايا

وبهذا المفهوم العبثي المتجدد فإن معنى الدنيا هو المتعة أو اللهو، والاستغراق في عالم اللذات، حيث يكون الإنسان منفتحا على كل الخطايا والذنوب، وعدم الالتزام مع عدم تحمّل المسؤولية.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ فَمَا خُلِقَ امْرُؤٌ عَبَثاً فَيَلْهُوَ وَلَا تُرِكَ سُدًى فَيَلْغُوَ وَمَا دُنْيَاهُ الَّتِي تَحَسَّنَتْ لَهُ بِخَلَفٍ مِنَ الْآخِرَةِ الَّتِي قَبَّحَهَا سُوءُ النَّظَرِ عِنْدَهُ وَمَا الْمَغْرُورُ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الدُّنْيَا بِأَعْلَى هِمَّتِهِ كَالْآخَرِ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الْآخِرَةِ بِأَدْنَى سُهْمَتِه)، فـ الله هو الغاية من خلال ممارسة التقوى التي هي ضد العبث، والتقوى تبني الجهاز المناعي للإنسان من أجل أن يكون جهازا مناعيا صحيّا من الجانب النفسي والأخلاقي والمعنوي والفكري والثقافي، وتقيه من مخاطر الانحراف والسقوط والضياع.

أما العبث فهو فايروس يحطم الجهاز المناعي، فيجعل من الإنسان لا شيء، كما نرى ذلك في المذهب الوجودي وهذه تسمية خاصة بمن يؤمن به، وهو في حقيقة الامر ليس مذهبا وجوديا، بل هو عدميّ، وهذا المذهب يقول، بأن كلّ شيء لا شيء، فقط وجود الإنسان هو شيء، يعني أن الإنسان هو بحد ذاته يأتي ويبني نفسه، من ناحية المنظومة الفكرية والقيمية والأخلاقية من دون أي شيء مسبق تابع للماضي سواء من الأعراف والقيم والأديان والثقافات، حيث يتخلص منها الإنسان كلّها، ويخلق من نفسه لنفسه دينا خاصا به، وثقافة خاصة به من خلال وجوده.

وهذا معنى العبث، حيث برزت هذه الظاهرة في ستينيات القرن الماضي، من خلال مجموعة كانت تسمى بـ (الهيبيّين)، وهم يعيشون حياة عبثية مطلقة بلا حدود، فالمذهب الوجودي في نفسه وماهيته عبثي، وهي نتاج الفلسفة المادية المعاصرة التي تسلب من الإنسان إنسانيته، وتضعه في وجود فوضوي لا معنى له.

لذلك حدث انحلال أخلاقي كبير، وارتكبت المحظورات بأية طريقة كانت، فالعلاقات الجنسية مفتوحة، وهذا هو العبث العدمي، أو العدمية العبثية التي تشكل اليوم مشكلة خطيرة، حيث دمرت الجهاز المناعي للإنسان، ودمّرت تقواه وامتناعه عن المحظورات والممنوعات، وقدرته على التمسك بالأخلاقيات والمسؤوليات.

غاية في وجوده

(فما خُلق امرئ عبثا)، فـ الله تعالى لم يخلق الإنسان اعتباطا ولا جزافا، ولم يخلقه في الأرض لكي يلهو ويلعب فيها كما يشاء، بل هناك غاية، فإذا كان هناك رجلا أخذ طفله ودخل به إلى غابة، وقال لطفله هيا عليك أن تلهو وتلعب في هذه الغابة، فماذا يقول عنه الناس؟، حتما سيقولون عنه إنه رجل عبثي، وإلا كيف تورّط ابنك في هذا الامر حيث يصبح فريسة سهلة للحيوانات او الضياع في المجهول، فهناك مسؤولية عليك تجاه ابنك، ولابد أن تحميه وترعاه ولا تتركه يواجه مصيره هكذا.

إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان حتى يهمله، أو يجعله عابثا، بل خلقه في إطار غاية ومسؤولية، (ولا تُرك سدى فيلغو)، الله سبحانه وتعالى لم يهمل الإنسان ولم يتركه وحده ليصبح بالنتيجة شيء لا مضمون له، فاللهو هو العمل الفارغ ولا مضمون له، وهو مجرّد من الجوهر ومن المعنى والمضمون، لذلك فإن للإنسان غاية في وجوده.

وهناك رجوع إلى الله تعالى في مسيرة تقدمية لابد أن يسير فيها الإنسان نحو الغاية الحتمية.

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) المؤمنون 115.

والكلام له تتمة...

* سلسلة حوارات تبث على قناة المرجعية تحت عنوان (جواهر الأفكار)

اضف تعليق