q
تاريخ العاشر من تشرين الأول من كل عام، هو اليوم العالمي للصحة العقلية، وفي ظل الحروب والأزمات المتتالية، أضحى الناس في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى مزيد من الدعم النفسي أكثر من أي وقت مضى. وأظهرت بعض المبادرات نجاحات أولية. لكن هل يغطي ذلك مناطق الحروب والأزمات؟...

قد يبدو الأمر مُستهجناً، أو غير معروف لكثيرين، ولكنَّ هناك يوماً عالمياً للصحة النفسية، موعده في 10 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام. وفي حين يتساءل كثيرون عن الهدف من هذا اليوم، نجد عند قراءة الأرقام التي تتعلق بالصحة النفسية على مستوى العالم والصادرة عن "منظمة الصحة العالمية" وغيرها من المؤسسات التي تُعنى بهذا المجال، أنه لا بد من يوم عالمي يدفع الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والعاملين في هذا المجال إلى التوعية بما يُعانيه مليارات من البشر، ومحاولة إيجاد الحلول للحد من معاناتهم.

يُعاني مليار شخص تقريباً في العالم من اضطرابات نفسية، ويُودي تعاطي الكحول والمخدرات بحياة 3 ملايين شخص سنوياً، فيما يحصد الانتحار شخصاً واحداً كل 40 ثانية، وهو السبب الرئيس الثاني لوفاة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.

واليوم، يتأثر مليارات الأشخاص حول العالم بجائحة كورونا التي تفاقم أيضاً الضرر على الصحة النفسية للبشر. ويُعد الاكتئاب أحد الأسباب الرئيسة للمرض والإعاقة بين المراهقين والبالغين، حيث يُعاني واحد من بين كل 5 من الأطفال والمراهقين من أحد الاضطرابات النفسية. وغالباً ما يتوفى الأشخاص المصابون باضطرابات نفسية حادة مثل الفصام، قبل الآخرين بعشر أو عشرين سنة.

ولا يتلقى أكثر من 75 في المئة من المصابين بأمراض نفسية، في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، أي علاج على الإطلاق، نتيجة النقص المُزمن الذي استمر على مدى عقود في مجال تعزيز الصحة النفسية والوقاية من أمراضها ورعاية المصابين بها. وما زال الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان بحق الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية، ممارسات منتشرة في تلك المجتمعات.

ويُعد فقدان الإنتاجية الناجم عن الاكتئاب والقلق، أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً، ويكلف الاقتصاد العالمي نحو تريليون دولار أميركي سنوياً، بينما تخصص الحكومات أقل من 2 في المئة من ميزانياتها الوطنية للصحة النفسية. وذلك على الرغم من أن كل دولار أميركي يستثمر في التوسع في العلاج من الاكتئاب والقلق، يحقق عائداً قدره 5 دولارات أميركية.

وفي ظل الحروب والأزمات المتتالية، أضحى الناس في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى مزيد من الدعم النفسي أكثر من أي وقت مضى. وأظهرت بعض المبادرات نجاحات أولية. لكن هل يغطي ذلك مناطق الحروب والأزمات؟

تاريخ العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، هو اليوم العالمي للصحة العقلية. هو حدث سنوي يهدف، بحسب منظمة الصحة العالمية إلى "حشد الوعي بالقضايا لتعزيز الصحة النفسية". ينصب التركيز الرئيسي هذا العام على لفت الانتباه إلى الأحداث التي كان لها تأثير كبير على الصحة العقلية للجميع، من جائحة فيروس كورونا إلى الانكماش الاقتصادي.

الحروب والأزمات عوائق أمام الصحة النفسية

وفق تقرير منظمة الصحة العالمية للصحة العقلية الصادر في يونيو / حزيران الماضي، زادت حالات الاكتئاب والقلق بنسبة 25 في المائة في العام الأول للوباء وارتفع عدد المصابين بمرض عقلي إلى ما يقرب من مليار شخص.

في عام 2020، أنشأت منظمة الصحة العالمية "المبادرة الخاصة بشأن الصحة العقلية". هذا هو أكثر برامج منظمة الصحة العالمية طموحًا حتى الآن في هذا المجال. من المقرر أن يحصل 100 مليون شخص في 12 دولة على خدمات الصحة النفسية. وتشمل هذه البلدان أوكرانيا والأردن وزيمبابوي. وفق منظمة الصحة العالمية، منذ أن بدأت المبادرة في يناير/ كانون الثاني عام 2020، أصبح لدى خمسة ملايين شخص إمكانية أفضل للحصول على خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي.

توضح أليسون شيفر، المستشارة الفنية في قسم الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية، في مقابلة مع DW: "لقد استغرق الأمر عامين ونصف لإطلاق المبادرات على أرض الواقع. نتوقع الآن أن نرى تقدمًا أكبر في توسيع خدمات الصحة العقلية حتى يتمكن المزيد من الناس من تلقي الدعم". وأحد أعظم النجاحات حتى الآن هو توفير خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي أثناء الأزمات مثل جائحة كورونا أو بالأخص للمتضررين من النزاعات الخطيرة، كما هو الحال في أوكرانيا أو الفلبين.

يتمثل أحد أهداف المبادرة في التركيز على دعم الفئات المعرضة للخطر وتشمل هذه الفئات، الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز أو انتهاكات حقوق الإنسان، مثل مجتمع الميم. "إننا نشهد بالفعل نتائج، مثل خلق فهم بأن الانجذاب الجنسي بين الأشخاص من نفس الجنس ليس اضطراباً عقلياً، ولكن هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض العقلية بسبب الوصم الاجتماعي والتمييز ويحتاجون إلى دعم عاجل ، "كما توضح شيفر.

وعلى الرغم من النجاحات الأولية التي أظهرتها مبادرة منظمة الصحة العالمية حتى الآن، فمن المقرر أن ينتهي المشروع في عام 2023. وهو ما تنتقده رينيه إلوندو مستشارة مناهضة التمييز في منظمة Sources-d'Espoir في برلين، "المساعدة التي يحتاجها الناس ليس لها نقطة نهاية (...) يستغرق الأمر وقتاً من أجل تقديم الدعم" .

في المقابل، أعلنت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة اليوم الإثنين 10أكتوبر /تشرين الأول، أن 8 ملايين يمني يعانون من مشاكل نفسية، جراء النزاع المستمر منذ ثماني سنوات. وقالت المنظمة الأممية في تقرير لها إن الأمراض النفسية تعد من أكثر الحالات الصحية شيوعاً في اليمن".

وتحدثت المنظمة عن أن" النزاع المسلح في اليمن المستمر منذ ثماني سنوات والاقتصاد المنهار، أدى إلى شل المرافق الصحية وتفاقم الأمراض النفسية التي تؤثر على جميع فئات المجتمع". وأشارت إلى أن" المرافق القليلة المتوفرة التي تقدم خدمات الصحة العقلية والخدمات النفسية والاجتماعية، تعاني من نقص حاد في التمويل، مقارنة بالحاجة الماسة لخدماتها".

كيف يمكن للهندسة المعمارية أن تنقذ الأرواح؟

يعد جسر البوابة الذهبية في الولايات المتحدة الأمريكية (ذا غولدن غيت بريدج)، أحد أشهر الأبنية التي صممها وصنعها الإنسان في العالم. ولكن منذ افتتاحه عام 1937، أصبح هذا الهيكل المعماري، الذي يبلغ طوله 2.7 كيلومتر، والواقع في مدينة سان فرانسيسكو، "مقصدا معروفا للانتحار".

الخبر الجيد هو أن السمعة السيئة للجسر قد تصبح قريبا شيئا من الماضي، بفضل تركيب شبكات أمان، وقال كثيرون لبي بي سي إن شبكات الأمان تلك ستغير قواعد اللعبة، ومنهم كيفن هاينز، وهو أحد الناجين، والذي قال: "سيصبح الجسر أقوى منارة في العالم لمنع الانتحار"، ومن الإنصاف القول إن كيفين كرس حياته، بعد نجاته، لهذا الجسر. ففي عام 2000، نجا كيفين بأعجوبة بعد أن قفز من ارتفاع 75 مترا في المياه الباردة للمحيط الهادئ بعد محاولته الانتحار من على الجسر، وبعد مرور 85 عاما على إنشاء الجسر، أنهى أكثر من 1800 شخص حياتهم بهذه الطريقة، وفقا للأرقام الواردة من هيئة الجسر.

وبعد تعافيه من إصاباته الخطيرة، عثر في نفسه على مناضل هدفه منع الانتحار من خلال جولات يقوم بها في الولايات المتحدة وفي دول أخرى لنشر رسالة أمل. ويعتبر الرجل البالغ من العمر 41 عاما أيضا من أشد المؤيدين لحملة تثبيت شبكات أمان على الجسر.

هل التأخير يتسبب بخسارة الأرواح؟ حصلت خطط لإنشاء شبكات الأمان على الموافقة منذ عام 2008، ولكن البناء لم يبدأ إلا بعد 10 سنوات من ذلك التاريخ. وتأخر العمل بسبب سلسلة من القضايا بما فيها التكاليف التي تضخّمت إلى حد كبير بسبب جائحة كوفيد-19 وعدد من المسائل الإدارية.

ومن المقرر الآن أن تجهز الشبكات بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023، وفي بيان، قال باولو كوسوليتش شوارتز، مدير الشؤون العامة في الجسر: "استمر بناء الحاجز المانع للانتحار طيلة فترة الوباء، لكن المقاول لم يعمل بالسرعة التي كنّا نتمناها. نحن نعمل الآن مع المقاول لحل المشكلة وتسريع البناء".

وفي حديث له مع بي بي سي قبل اليوم العالمي للصحة النفسيّة المصادف 10 أكتوبر/تشرين الأول هذا العام، وصف هاينز التأخير بأنه "محزن"، لكنه يقول إنه يفضل التركيز على حقيقة أن هذا الحاجز أصبح حقيقة واقعة بعد كان موضع نقاش في الخمسينيات، ويقول: "إنه لأمر محزن أن الأمر استغرق وقتا طويلا، لكنني سعيد لأنه سينجز. أتطلع إلى النتيجة الإيجابية التي سنحصل عليها عند الانتهاء من وضع الشبكات"، وحاليا لا يوجد ما يمنع الانتحار إلا سرعة بديهة وتحرّك ضباط إنفاذ القانون ومجموعات المتطوعين.

وكيفن بريجز هو ضابط متقاعد في دورية الطرق السريعة في كاليفورنيا، ويُنسب له الفضل في ثني نحو 200 شخص من القفز من على جسر البوابة الذهبية، ويعتقد أن شبكات الأمان ستغير طريقة منع الانتحار.

وقال بريجز لبي بي سي: "إنه لمن المحبط جدا أن نرى مدى بطء هذه العملية. في كل عام يقفز أكثر من 20 شخصا من على الجسر، لكن هذه الأعداد ستنخفض إلى الصفر عند تركيب شباك الأمان"، أدى العمل الجماعي لكل من دوريات إنفاذ القانون ومجموعات متطوعين مثل بريدج ووتش أنجلز (Bridgewatch Angels)، وهي شبكة من المتطوعين الذين ينتشرون على الجسر في مناسبات مثل عيد الحب وعيد الميلاد، إلى تجنب حدوث زيادة كبيرة في عدد الوفيات: ففي عام 2021 وحده، منع 198 شخصا من القفز.

وتقول السلطات إن 25 شخصا قفزوا بالفعل، ولكن 21 جثة فقط تم انتشالها. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 98 في المئة ممن يقفزون عند جسر البوابة الذهبية لا ينجون، وحاليا لا يوجد سوى حواجز منخفضة قرب رصيف المشاة، ولكن حتى شبكات الأمان لن تمنع إصابة الأشخاص إن قفزوا: إذ ستكون الشباك مصنوعة من الفولاذ وستوضع على ارتفاع ستة أمتار تحت رصيف الجسر.

الانتحار قاتل منتشر في جميع أنحاء العالم، وتقدر منظمة الصحة العالمية العدد عالميا بأكثر من 700,000 وفاة سنويا. في حين تقول المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) إن نحو 46,000 شخص انتحروا في الولايات المتحدة عام 2020 (وهذا آخر عام تتوفر عنه إحصاءات)، ويعد الانتحار الآن ثاني أكبر مسبب للوفاة بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 10-14 و25-34 عاما.

يشير مؤيدو هذه الفكرة، ومن بينهم ذوو الأشخاص المنتحرين من أعلى الجسر، إلى أن العديد من الأبنية الشهيرة في أنحاء العالم، مثل برج إيفل، لديها حواجز وتبلّغ عن عدد أقل بكثير من محاولات الانتحار والوفيات.

ويقول بول مولر، رئيس صندوق بريدج ريل، وهي منظمة غير حكومية مقرها سان فرانسيسكو تأسست للضغط من أجل زيادة الحماية عند جسر البوابة الذهبية، عبر البريد الإلكتروني: "إن جسر البوابة الذهبية تتبع نفس مفاهيم التصميم المثبتة في (معلم شهير) في مدينة برن (السويسرية)، لذلك نتوقع أن تنتهي الوفيات عند الانتهاء من نصب الحاجز أو أن تصبح قريبة من الصفر".

ويعتقد منتقدو شبكات الأمان أنها ستجعل الناس يبحثون فقط عن أماكن أخرى لمحاولة الانتحار، ومن الأمثلة التي يشيرون إليها غالبا جسر في تورنتو الكنديّة؛ ففي ورقة بحثية صدرت عام 2010، وجد الباحثون أنه بفضل حاجز نصب لمنع الانتحار في يونيو/حزيران عام 2003 انخفض عدد الوفيات من تسعة سنويا إلى ما يقارب الصفر، ولكن في الوقت ذاته ازدادت حالات الوفيات بسبب الانتحار في الجسور المحلية الأخرى.

لكن النقيض جاء في دراسة ركزت على الأشخاص الذين أثنوا أو منعوا من القفز من على جسر البوابة الذهبية، إذ نشر ريتشارد سايدن، الذي كان حينها طبيبا نفسيا في جامعة كاليفورنيا، دراسة تتبعت حياة الأشخاص الذين منعوا من القفز من على الجسر بين عامي 1937 و1971. ووجد سايدن أنه من بين 515 شخصا، انتحر 25 فقط في وقت لاحق.

وقالت داينا ويتمير، العضوة في مجلس إدارة مؤسسة بريدج ريل، والتي فقدت ابنها ماثيو عند جسر البوابة الذهبية، لبي بي سي: "أردنا كعائلات التعبير عن آرائنا ومشاركة أحزاننا علنا، لأننا نريد جعل الناس يفهمون أنه لا يتعين على الناس أن يموتوا هكذا. لا نريد أن تتحمل أسرة أخرى ما مررنا به - خسارة تبقى معنا إلى الأبد. ونحن نعلم أن شبكات الأمان ستحدث فرقا".

في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول عام 2000، سافر كيفن هاينز بالحافلة من وسط مدينة سان فرانسيسكو إلى جسر البوابة الذهبية في ذروة صراعه مع الاضطراب ثنائي القطب ( Bipolar Disorder)، وذلك بعد أن سمع أصواتا في رأسه "تأمره بالموت". وعاهد نفسه أنه إن سأله شخص ما "لكنت أخبرتهم بكل شيء وطلبت منهم مساعدتي"، ولكن كان الشخص الوحيد الذي اقترب من هاينز كان سائحة طلبت منه التقاط صورة لها، وكان بعمر التاسعة عشرة، وقفز هاينز من على الحاجز المنخفض، ومثله مثل الناجين القلائل الذين تحدثوا علنا، عبّر عن أسفه لقراره القفز فور سقوطه في مياه المحيط.

اليوم يظن هاينز أن شبكات الأمان "كانت ستوقفني إن قفزت، لكنني أعتقد أيضا أنني ما كنت لأحاول (القفز) لو كانت موجودة"، ويضيف: "أعتقد أنه بمجرد أن يدرك الناس أنهم لن يستطيعوا بعد الآن قتل أنفسهم بمجرد القفز من جسر البوابة الذهبية، فإن محاولات الانتحار ستتوقف".

تُعرف تدابير مثل الحواجز وشبكات الأمان في الأدبيات المناهضة للانتحار بأنها إزالة الوسائل؛ وتتسع هذه الوسائل لتشمل أيضا وضع سياسات تقيّد مثلا حيازة الأسلحة النارية أو بيع الأدوية والسموم.

وفي هذه الأثناء، تراود هاينز أحلام يقظة عن زيارة أخرى لجسر البوابة الذهبية. وكان قد قام بعدة زيارات فعلا، أولها في الذكرى الأولى لقفزته من على الجسر. لكنه يأمل أن يبدو الجسر في هيئة مختلفة بعض الشيء في زيارته القادمة، ويقول: "ليس لدي مشكلة مع جسر البوابة الذهبية ذاته. إنها تحفة فنية لكنها ليست آمنة. لكننا نعمل على جعلها آمنة، وهذا أكثر شيء مذهل".

الوصم والتمييز يعيقان الحصول على الرعاية المناسبة

في مثل هذا اليوم -10 أكتوبر/تشرين الأول- من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للصحة النفسية (World Mental Health Day )، وقد احتفلت به منظمة الصحة العالمية هذا العام 2022 تحت شعار "لنجعل الصحة النفسية والرفاهية أولوية شاملة للجميع".

وقالت منظمة الصحة العالمية في بيان بالمناسبة إن وباء كورونا قد أثر وما زال يؤثر على صحتنا العقلية، معتبرة أن اليوم العالمي للصحة العقلية 2022 يوفر لنا فرصة لإعادة تكاثف الجهود لحماية وتحسين الصحة العقلية.

وبحسب المنظمة، فإنه قبل تفشي الوباء عام 2019، كان واحد من كل 8 أشخاص على مستوى العالم مصابا باضطراب عقلي، مضيفة أن الخدمات والمهارات والتمويل المتاح للصحة النفسية غير كاف ولا يزال دون المطلوب بكثير، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وقد تسببت جائحة كوفيد-19 في أزمة عالمية في مجال الصحة العقلية، وأثرت على الملايين. وتشير التقديرات إلى ارتفاع حالات القلق والاكتئاب على حد سواء بأكثر من 25% خلال العام الأول للوباء، وفي الوقت نفسه، تعطلت خدمات الصحة العقلية بشدة واتسعت فجوة علاج حالاتها.

وتضيف منظمة الصحة العالمية أنه لا يزال الوصم والتمييز يشكلان عائقا أمام الإدماج الاجتماعي والحصول على الرعاية المناسبة؛ ودعت إلى زيادة الوعي بشأن سبل الوقاية في مجال الصحة العقلية، معتبرة أن اليوم العالمي للصحة النفسية فرصة للقيام بذلك بشكل جماعي.

كما دعت المنظمة إلى "عالم يتم فيه تقييم الصحة النفسية وتعزيزها وحمايتها"، وتوفير "فرص متكافئة للجميع من أجل التمتع بالصحة العقلية وممارسة حقوق الإنسان، والوصول إلى الرعاية الصحية التي يحتاجونها في مجال الصحة العقلية".

ونشرت المنظمة الصحة العالمية تقرير الصحة النفسية العالمية لعام 2022، وقدمت فيه مخططا للحكومات والأكاديميين والمهنيين الصحيين والمجتمع المدني وغيرهم ممن لديهم طموح لدعم العالم في تغيير الصحة العقلية.

وتقول مديرة الصحة النفسية واستخدام المواد في منظمة الصحة العالمية ديفورا كيستل إن التقرير يركز على عدة قضايا أبرزها معالجة ظاهرة اعتبار الإصابة بمرض نفسي أو عقلي "وصمة عار"، مشيرة إلى أن "الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المصابين بأمراض نفسية منتشر في المجتمعات وأنظمة الرعاية في كل مكان".

وتضيف أن من نقاط القوة في تقرير منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية أنه يتضمن قصصا لأكثر من 30 شخصا عانوا من أمراض عقلية، لكنهم واجهوها بالصبر والمثابرة، وقالت إن "شجاعتهم في سرد قصصهم جديرة بالثناء والتقدير، ومن خلال الاستماع إلى مزيد من التجارب المماثلة، يمكننا تعلم سبل الدعم الفعالة" لهؤلاء المرضى، داعية إلى "جعل الصحة العقلية والرفاهية أولوية شاملة للجميع حقا".

الصحة النفسية (Mental health) حالة من العافية على الصعيد العاطفي والنفسي والاجتماعي، وهي تؤثر على شعور الشخص وتفاعله وتأقلمه مع الحياة وأحداثها، كما أنها تحدد كيفية تعامله مع الضغوط وكيفية اتخاذ القرارات.

والمرض العقلي اضطراب يؤثر في طريقة تفكير الشخص ومزاجه وسلوكه، وتسببه عدة عوامل مثل الوراثة والجينات وأحداث الحياة التي يمر بها الشخص، مثل تعرضه للتوتر أو للاعتداء اللفظي أو الجسمي أو التحرش.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الذين يعانون من مرض عقلي شديد عادة ما يموتون قبل الأصحاء، ويطلق على هذه الحالة اسم "الموت المبكر" (premature mortality)، ويقل العمر المتوقع للمصابين بأمراض عقلية شديدة بـ10 إلى 25 سنة عن الآخرين الأصحاء، (وفقا للمنظمة فإن الأمراض العقلية الشديدة تشمل الذهان والاكتئاب المتوسط إلى الشديد، واضطرابات المزاج الثنائية القطب).

فمعدل الوفاة بين المصابين بالفصام أعلى بضعفين إلى ضعفين ونصف من المعافين، ولدى المصابين بالاكتئاب 1.8 ضعف، أما الأشخاص المصابون باضطرابات ثنائية القطب فيتراوح لديهم المعدل بين 35% و100%.

وتوجد علامات قد تشير إلى وجود مشكلة في الصحة النفسية لدى الإنسان، وتشير معاناته من واحد أو أكثر من هذه الأعراض إلى ذلك، ومنها:

الانسحاب بعيدا عن الناس والابتعاد عن النشاطات المعتادة.

اضطرابات النوم، مثل تراجع عدد ساعات النوم وصعوبته أو النوم مدة طويلة.

الاضطرابات في تناول الطعام، سواء بالزيادة أو النقصان.

الشعور بعدم المبالاة.

الشعور باليأس والعجز.

المرور بتقلبات حادة في المزاج.

المعاناة من ذكريات أو أفكار لا يستطيع التخلص منها.

توهم سماع الأصوات.

الاعتقاد بقناعات غير منطقية.

المعاناة من آلام في الجسم لا تفسير طبيا لها.

التفكير في إيذاء نفسه أو الآخرين.

انخفاض مستوى الطاقة.

عدم القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية المعتادة، مثل الذهاب إلى العمل.

ويشمل المرض العقلي مجموعة كبيرة من الاضطرابات، منها:

الاكتئاب

وهو مرض عقلي يتميز بتعكُّر المزاج لفترة طويلة، ويتجاوز مجرد الحزن، ويؤثر على سلوك المصاب واستعداده للعمل والحياة، وقد يقود إلى عواقب خطيرة قد تصل إلى الانتحار.

اضطرابات القلق

وفيه يشعر الشخص بالقلق والتوتر بشكل غير مبرر أو منطقي، ومن أعراضه الشعور المستمر بالخوف والهلع، وصعوبة النوم، وخفقان القلب، والشعور بتوتر في العضلات. ومن أنواعه الرهاب الاجتماعي واضطراب القلق العام.

اضطرابات ثنائية القطب

وتسمى أيضا اضطرابات "الاكتئاب-الهوس"، وفيها يمر الشخص بتقلبات حادة في المزاج والنشاط والسلوك، تتراوح بين مرحلة يمر فيها المريض بالاكتئاب وانخفاض الطاقة والانسحاب، ثم ينتقل إلى مرحلة من الهوس يكون فيها نشيطا للغاية لكن بشكل غير طبيعي، إذ يتسارع كلامه ويعاني من تواثب الأفكار التي تحضره بكثرة، ويعاني من صعوبة في النوم أو قد لا يشعر بالتعب، وقد يؤمن بقناعات غير منطقية عن قدراته.

الفصام

وهو مرض عقلي يسمع فيه المصاب أو يرى أشياء غير موجودة، وتكون لديه قناعات غير صحيحة مثل أن الآخرين يستطيعون قراءة أفكاره، أو أن الجن أو الشياطين تتلبسه أو تتحكم فيه. والفصام مرض مزمن شديد يؤدي إلى إعاقة المصاب عن متابعة حياته.

اضطرابات الأكل

وتنتج عن اضطراب نفسي يؤدي إلى موقف غير طبيعي تجاه الطعام، مما يقود إلى تغيير الشخص عاداته في الأكل وسلوكه، ومن انعكاساته:

فقدان الشهية العصبي (anorexia nervosa)، وفيه يحاول الشخص إبقاء وزنه عند أقل مستوى ممكن، بالتجويع أو الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية.

الشره المرضي (bulimia)، وفيه يقوم الشخص بتناول الطعام ثم يحاول التخلص منه عبر التقيؤ أو أخذ المسهلات.

الأكل الشره (binge eating)، وفيه يشعر الشخص بأنه مجبر على تناول كمية كبيرة وفائضة من الطعام.

في يومها العالمي... 5 طرق للاعتناء بالصحة العقلية؟

بمناسبة اليوم العالمي للصحة العقلية 2022، نشر موقع «onlymyhealth» الطبي المتخصص، مقالا تحت عنوان «كيف تعتني بصحتك العقلية كطالب؟»، وجاء في المقال، قد يكون من الصعب الاعتناء بصحتك العقلية خاصة إذا كنت طالبًا؛ فعادة ما يعاني المرء من التوفيق بين الدراسات والرفاهية العقلية.

وإذا كنت خارج المدينة، فقد يكون الأمر صعبًا بشكل خاص لأنك تفتقد والديك ومسقط رأسك. كما أن من الضروري الوصول إلى الموارد التي تحافظ على صحتك العقلية والجسدية أن تكون تحت السيطرة. بينما يحتاج الطلاب إلى معرفة كيفية الحفاظ على التوازن بين الرعاية الذاتية والعمل المدرسي المتطلب.

وفيما يلي خمس طرق يمكنك من خلالها الاعتناء بصحتك العقلية كطالب.

1- النوم الجيد

تؤثر جودة النوم السيئة على قدرة قشرة الفص الجبهي لدينا. ويساعدنا هذا الجزء من الدماغ على التفكير بعقلانية، ويمكن أن يؤثر الحرمان من النوم على قدرتنا على التفكير بوضوح. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الدرجات ويؤثر على ذاكرتك وتركيزك وجهازك المناعي. إذ تمكّن دورة النوم المتوازنة والكافية الطلاب من أن يكونوا أكثر إنتاجية.

ويحتاج المرء إلى أن يدرك مكان نومه. حيث يؤدي النوم على الكراسي والأرائك إلى دورة نوم مضطربة. وأنه لتحقيق دورة نوم متسقة، يجب على الطلاب تجنب الكافيين قبل النوم وتجنب العمل على أسرتهم واستخدامها فقط للنوم والاسترخاء.

2 - التَغذِيَة

بينما تضمن دورة النوم الجيدة يومًا مثمرًا، فإن النظام الغذائي المغذي يوفر للطلاب الطاقة التي يحتاجونها لمواصلة مهامهم اليومية؛ حيث يبحث الطلاب، وخاصة طلاب الجامعات، دائمًا عن حل سريع ومعقول. ولكن عندما يتعلق الأمر بخيارات الطعام، فإن الأطعمة الرخيصة والسريعة مثل البيتزا والمعكرونة سريعة التحضير ووجبات العشاء التي يمكن تسخينها في الميكروويف لا تضر بصحتهم الجسدية فحسب، بل أيضًا بصحتهم العقلية.

وتحتاج أجسامنا إلى العناصر الغذائية لتعمل، وهذه العناصر الغذائية تعمل كوقود، ما يدفع الطلاب لأداء أفضل ما لديهم. وتؤدي التغذية السيئة إلى الإرهاق وقلة الحافز وانخفاض الدرجات وكذلك الاكتئاب والقلق بسبب سوء الأداء. لذا يعد تناول نظام غذائي صحي متوازن أمرًا أساسيًا لضمان صحتك العقلية.

3 - ممارسة الرياضة

عافيتنا العقلية مرتبطة بصحتنا الجسدية. وعليه يحتاج الطلاب إلى إعطاء قدر متساوٍ من الأهمية لممارسة الرياضة والعمل لضمان بقاء صحتهم العقلية تحت السيطرة.

ويعد الحصول على صديق أو رفيق للتمرن والتمرن طريقة رائعة للبقاء متحفزًا. كما يمكن للطلاب اختيار مراكز اللياقة البدنية في الحرم الجامعي وإجراءات الفيديو عبر الإنترنت لممارسة التمارين يوميًا والبقاء نشيطين.

4 - تدريبات العقل

ستعمل التمارين البدنية على تدريب جسدك، بينما تعمل تمارين اليقظة والتأمل على تدريب عقلك؛ فالذهن مهم للصحة العقلية للطالب لأنه يساعده على إدراك أفكاره ومشاعره دون إصدار أحكام. ومن الطبيعي أن يركز عقل المرء على الضغوطات السلبية والفورية. فاليقظة الذهنية تساعد الطلاب على تقبل الحاضر ومنع الشعور بالإرهاق، يمكن أيضًا أن يكون التأمل وكتابة اليوميات والتحدث إلى متخصص مفيدًا للغاية.

5 - ممارسة نشاطات خارجية

من الشائع أن يشعر الطلاب، وخاصة طلاب الجامعات، بأنهم غرباء وأن يشعروا بالوحدة. هذا يمكن أن يؤثر سلبًا على صحتهم العقلية. لذا يمكن بسهولة منع الشعور بالحنين إلى الوطن والوحدة من خلال بناء نظام دعم قوي في المؤسسة التعليمية، ويعد الانضمام إلى أنشطة الحرم الجامعي والنوادي المختلفة طريقة رائعة لمكافحة الشعور بالوحدة والتعرف على أشخاص جدد من خلفيات مختلفة.

اضف تعليق