q

قيس وليلى؟ عنتر وعبلة؟ روميو وجوليت؟ وبعد..؟؟؟

الكثير عن قصص الحب سمعنا وقرأنا، حقیقيّ بعضها والبعض الآخر من نسج خيال الكُتّاب، وقد تأثرنا بالحالتين بل عندما نقرأ رواياتهم أو نشاهد مسلسل أو فيلم عن حبيبَيْن نتأثر بأحداثهم، فترانا نحزن لحزنهم تارةً ونفرح لفرحهم تارةً أخرى تتقلّب مشاعرنا بتقلّب مشاعرهم ونترقّب الأحداث بلهفة عظيمة!، وأية أحداث.

إنّ الدراما منذ قديم الأزل كانت دوماً تسعى لجذب الإنسان كأداة للترفيه والتسلية، ومع انحطاط المستوى الثقافي والحضاري لدى أغلبية الناس كان الحل الأنسب لدى صناع الأعلام هو إستغلال هذا الإنحطاط بإنحطاط أكبر منه لتبدأ بعدها دائرة سوداء من التأثير المتبادل بين المجتمع نحو مزيد ومزيد من الإنحدار، البلادة والخمول والكسل عن أهدافنا هم من إحدى الآفات العظيمة التي تسببها هذه المسلسلات، إذ تذهب بِنَا الى عالم الخيال الواهي وتحدُّ كثيراً من شقِّ طريقنا نحو النجاح.

فحسب إحصائيات العلماء أخذوا يحسبون مختلف العوامل التي تنتجها هذه الظاهرة ، بما في ذلك مستويات السمنة، ومرض السكري، والتدخين، وارتفاع ضغط الدم.

نعم بمتابعتنا هكذا مسلسلات أصبحنا بذلك كالسفهاء..! نتأثر ونتعاطف بمشاهد وقصص عشق مزيفة تنجلي لنا بشكل غير مشروع، لا تمسّ ديننا وثقافتنا بأي صلة..! لكن إذا كان هدف الإنسان من مشاهدة بعض الأفلام أحياناً بـ نية “الإستفادة من أمر معيين” فهو جيد، طبعا مع مراعاة عدم الإستماع للموسيقى الموجودة فيه أو مشاهدة المشاهد غير اللائقة.

ماذا قال المبدعون عن الحب؟

قال الأديب الإنجليزي (وليم شكسبير): ما الحب إلا جنون .

وقال أيضاً: الحب أعمى والمحبون لا يرون الحماقة التي يقترفون .

لكن "القلب" الذي لا يؤمن “بالحب” هو قلب بارد وكالحجارة قسوة!! إذا ماذا يجب علينا أن نفعل؟؟ الحب الذي يتغذى فقط من “القلب” دون تدخل “العقل” فيه هو “الأعمى” وسيكون معظمه “فاشل” فهكذا علاقات تكون غالباً فقط لإشباع الفراغ العاطفي وبدون “أهداف بعيدة المدى”.

فإذا اشتدّ هذا “النوع من الحب” من الممكن أن يصيب صاحبه بالجنون وسوء العاقبة، لأن هكذا علاقات تكون حينئذٍ غير متوازنة، فترى هذا الشخص يغضب بشكل مبالغ على أتفه الأسباب من الطرف الآخر، وتراه يفرح بشدة أيضا إذا شاهد تصرف يعجبه، وهكذا تكون العلاقة غير مستقرة وضعيفة ومهزوزة، تهتز على أقل هبة ريح.!

نعم وهكذا تبقى المشاعر في “شتات” عندما لا يقودها “العقل” باتزان، لكن هل بإمكاننا أن نجعل “مشاعرنا وحبنا” للطرف الآخر بصيراً وعاقلاً؟ إذ يكون مرادفاً لعقولنا؟ لنأسس بذلك علاقة ثابتة وقوية وناجحة؟؟.

بالتأكيد عندما يصبح “العقل عاشقاً” سيصبح “العشق عاقلاً” أي عندما عقلك يعشق، سيعشق قلبك أيضاً وستعشق جوارحك وكل كيانك سيكون عشقك للطرف الآخر عشقاً عاقلاً ومتفهماً ومقدراً له، سيكون حباً حقيقياً تهتم له قبل أن تهتم لنفسك تخاف عليه أكثر مما تخاف على نفسك تحب له الخير أكثر مما تحبه لنفسك أن تقبل على حبيبك عند إقباله عليك وعند إدباره عنك، بل وحتى عند الغضب ستكون حليماً معه .

فعندما يتغذى الحب من “العقل” سيصبح “القلب” نقطة قوة! لا نقطة ضعف كما هو حال الحب الذي ينبع فقط من القلب (الحب الأعمى).

قال (شكسبير): ثق بأنّ الصوت الهادئ أقوى من الصراخ، وأنّ التهذيب يهزم الوقاحة، وأنّ التواضع يحطم الغرور والاحترام يسبق الحب .

فإذا تكون العلاقة مبنية على هذه الأسس التي ذكرناها ستكون علاقة الحب بين الطرفين دون ملل أو تعب لأنها ستكون قوية وجميلة وناجحة، فتريح الطرفين الذين يكونان حكيمين وحليمين في حبهما وتعاملهما مع الآخر، فلا يهتز أحدهما على أقل موقف سلبي يراه من المحبوب.

تبادر هذا السؤال لي، هل هذا (الحب الأعمى) لائقٌ بنا؟؟ هل هو لائق لشيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)؟!.. الشيعة الحقيقيون معروفون بالحكمة و الحنكة وسرعة البديهة، بل وحتى عند الأعداء فهم يعترفون بذكائنا إذن فلمٓ نجعلهم يسيطرون علينا؟! ليجعلوا منا كالأغبياء نتأثر بمشاهد واهية تضرنا كثيراً في دنيانا قبل آخرتنا، إذ أنَّ أضرارها لا تنجلي ولا تظهر في الوقت نفسه، لكنها ترسخ في العقل الباطن، أي دون أن نعي ذلك.

ما هو العقل الباطن؟

يُعرّف العقل الباطن حسب عالم النفس الفرنسي (بيير جانيت) بأنّه الجُزء الذي يُخزّن المَعلومات التي تُشكّل عبئاً ثقيلاً على العقل الواعي، فوَظيفة العقل الباطن هي جمع المعلومات وتخزينها ليُعيدها إلى العقل الواعي عند حاجته إليها، وليَست وظيفته مُعالجة المَعلومات الواردة إليه وتصحيحها، فهذه الوظيفة تتعلّق بالعقلِ الواعي عند استرجاعه للمعلومات . إذاَ العقل الباطن لا يستطيع أن يُميّزَ بين “الخير والشر” أو بين الشيء “الإيجابي والسلبي” وإنّما هو “حافظٌ” لهذه الأمور ليُصبح مَركزاً للإنفعالات والمشاعِر الواردة عنها .

إذ يعتبر بمثابة "أرشيف" العقل البشري، حيث أنه يحتفظ بكل ذكريات الإنسان منذ أن كان طفلاً ، فضلاً عن أنه يحتفظ بالأشياء التى يعتبرها العقل العادي شيئاً عابراً وليس له قيمة. وبشكل عام فإن أي شيء يحدث لك وأي تصرف يصدر منك دون وعيك يكون سببه عقلك الباطن.

نعم فالعقل الباطن يتحكم في 95% من حياتك! ،ربما يبدو ذلك الأمر غريباً، لكن حقيقة الأمر هي أن العقل الباطن يتحكم فى كل حركة تقوم بها سواء إرادية أو لا إرادية. إذ يقوم بترجمة جميع مشاعرك وأفكارك بطريقة حرفية، بمعنى أنه لا يفرق بين الحقيقة والخيال. فعندما تشاهد أمر ما فإنه يرسخ في عقلك الباطن دون إرادتك. ومع مرور الزمن يظهره لك على شكل تصرفات وأفعال لا تليق بـ كيانك وبـ شخصيتك .

وهذا كله من تأثيرات الذي شاهدته، فهو كالكدمة التي تصيب أجسامنا في حال من التهور ولا نشعر به، ولكن بعد مدة من الزمن نرى آثار الكدمة ونشعر بأوجاعها.

هناك سؤال يتبادر في ذهني، لمٓ نذهب بحثاً عن الحب في الروايات أو المسلسلات الواهية والغير الهادفة؟ وعندما أخذوا الظلمة والجهلة الإمام (عليه السلام) للبيعة معهم قسراً لحقت به السيدة فاطمة (سلام الله عليها) مع ولديهما الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) لتمنعهم من أن يقتلوا الإمام لأنهم قالوا إن لم يبايع نقتله .

لحقت به وهي في حال حرج وصعب ! تمشي تارة وتسقط تارة من الألم وقد جرت المصائب عليها في تلك الساعة!! من كسر ضلعها!! الى اسقاط جنينها!! فعندما وصلت الى المسجد وهي بهذا الحال ورأت الإمام وقد ألقوا الحبل على عنقه الشريف و جاؤوا به الى المسجد، انفطر قلب السيدة فاطمة بشدة وكادت المدينة تخسف بأهلها لغضب فاطمة، فأقبل أمير المؤمنين علي(عليه السلام) مهرولاً الى السيدة فاطمة كي ترجع الى البيت ولا تدعوا على القوم لأن دعاء السيدة لا يرده الله لمكانتها عنده سبحانه، فلمّا وصل إليها جعلت فاطمة تقبل أكتافه و تقول له ـ بدموع جارية: “روحي لروحك الفداء، ونفسي لنفسك الوقاء، يا أبا الحسن إن كنت في خير كنتُ معك، وإن كنت في شر كنت معك”. وخلاصة الحديث أن السيدة فاطمة ما رجعت الى البيت إلا وأخذت زوجها معها وأنقذته من تلك الزمرة الملعونة، وخلصته من أخذ البيعة منه (٦).

وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: لما حضرت فاطمة الوفاة، بكت، فقال لها أمير المؤمنين: يا سيّدتي ما يبكيك؟ قالت: ابكي لما تلق بعدي. قال لها: لا تبكي، فو الله إنّ ذلك لصغير عندي في ذات الله (7).

من قصائد الإمام علي ع

وروي عن الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لمّا ماتت فاطمة كان علي يزور قبرها كلَّ يوم، وأقبل ذات يوم فانكبّ على القبر وأنشأ يقول :

مالي مررتُ على القبور مسلّماً***قبر الحبيب فلم يردَّ جوابي

أحبيــب مالـك لا تــردَّ جـــوابنا***أنسيت بعدي خلَّة الأحبــاب

وقال (عليه السلام):

حـبـيـب ليــس يـعدله حـبـيـبُ***وما لسواه في قلبي نصيب

حبيب غاب عن عيني وجسمي***وعن قلبي حـبيبي لا يـغـيـب

وقال :

نفسي على زفراتها محبوسة***يا ليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدِك في الحياة و إنما***أبكي مخافة أن تطول حياتي

وقال :

فراقكِ أعظم الأشياء عندي***وفقدكِ فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة و أنوح شجواً***على خِلّ مضى أسنى سبيل

ألا يا عين جودي واسعديني***فحزني دائم أبكي خليلي (٨).

أي حب هذا؟ بل أي وفاء هذا؟ فلا عجب في ذلك، إنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهو نموذج الرجل الكامل في الإسلام، وفاطمة (سلام الله عليها) نموذج المرأة الكاملة في الإسلام، ترعرعا في ظلّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وغذّاهما بالعلم وسائر الفضائل.

إذ كان بيتهما (عليهما السلام) أروع نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، تعاونا فيه بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله .

والعجب كل العجب من يترك عشق كهذا، ويذهب الى العشق الزائف والمسموم والفقير من أي لون سمائي.

نعم هكذا هو الحب، حب عظيم ممزوج بالنور والإيمان القوي، فكل خطوة يخطونها (سلام الله عليهم) لنا أسوة وعبرة.

" علّمتنا الحياة أنّ الحب لا يعني أن يحدق إثنان في بعضهما البعض، بل أن ينظر كلاهما في اتجاه واحد " شكسبير.

" الحب هو إثنان يضحكان للأشياء نفسها، يحزنان في اللحظة نفسها، يشتعلان وينطفئان معاً بعود كبريت واحد، دون تنسيق أو اتّفاق " شكسبير .

قيل لأحدهم : "إنّ إبنك عشق" . أجاب : أي بأس به ؟ أنه إذا عشق نظف وظرف ولطف .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
١- (المصدر : الكافي للكليني ج1 ص461 ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ج3 ص393 وعيون أخبار الرضا ج2 ص203.
٢- (المصدر: بيت الأحزان، الشيخ عباس القمي، ص53 .
٣- (المصدر : الكافي 5 : 86 | 1 . وأمالي الطوسي : 660 | 1369 . والفقيه 3 : 169 . وبحار الأنوار 43 : 151 | 7 .
٤- (المصدر : بحار الأنوار 43 : 50 | 47 . وروى نحوه ورّام في تنبيه الخواطر 2 : 230 ، مكتبة الفقيه ـ قم .
٥- ( المصدر : بحار الأنوار ، ج 43 .
٦- (المصدر : بيت الأحزان للقمي ص 87.
٧- (المصدر: بحار الأنوار ج 43.
٨- المصدر: بحار الأنوار ج 43 ص216 .

اضف تعليق