q
في كثير من الأيام يجلس حمزة أبو شلهوب وحيدا داخل صالة كبار الزوار الخاوية فيما كان يوما مطار غزة الدولي، لكن ليس ليسافر، وفي جنوب القطاع المحصور بين مواقع حدودية مصرية في جنوبه وأبراج مراقبة إسرائيلية في شرقه يسعى أبو شلهوب لكسب قوت يومه من اصطياد الطيور المغردة...

(رويترز) - في كثير من الأيام يجلس حمزة أبو شلهوب وحيدا داخل صالة كبار الزوار الخاوية فيما كان يوما مطار غزة الدولي، لكن ليس ليسافر، وفي جنوب القطاع المحصور بين مواقع حدودية مصرية في جنوبه وأبراج مراقبة إسرائيلية في شرقه يسعى أبو شلهوب لكسب قوت يومه من اصطياد الطيور المغردة وبيعها بعد استدراجها باستخدام طيور أخرى اصطادها من قبل، ويقول أبو شلهوب إن طيور الحسون من أفضل الأنواع التي يسعى لاصطيادها لأنها تظل تغرد في الأسر ويمكنه بيع الطائر الواحد منها بثلاثين دولارا في السوق لكنه لم يمسك إلا بواحد فقط ويضطر في العادة للاكتفاء بأنواع أقل ثمنا.

وكان الحظ حليفا لشقيقه الأكبر شادي (24 عاما) إذ تمكن من اصطياد 12 طائرا من نوع الحسون منذ بدأ تلك المهنة قبل عقد، ولا يتطلب الأمر جهدا كبيرا، إذ يستيقظان في الفجر يوميا لنشر شباكهما بين حطام وركام منشآت المطار. لكن مع تفشي الفقر ووصول نسبة البطالة بين الشباب في غزة إلى 70 بالمئة يقول أبو شلهوب إنه لا يملك خيارات أخرى، وترك الفتى مدرسته قبل سبع سنوات عندما كان في التاسعة من عمره، وقال وهو يجلس مستدفئا بملابس شتوية أمام إبريق من القهوة على جذوة نار ”لما كنت في المدرسة حلمت أنه أصير أستاذ (مُعلم) لما أكبر، بس ابوي طلعني من المدرسة مشان اشتغل وأساعد العيلة“، وأضاف ”أنا بدي أرجع.. المدرسة بس مش ممكن هلقيت (حاليا) لأنه طلعت من الصف الرابع“ مشيرا إلى أن مادتيه المفضلتين في الدراسة كانتا اللغتين العربية والانجليزية.

ومن أجل إغواء الطيور وأسرها، يربط الأخوان خيطا في ساق طائر حسون اصطادوه من قبل على أمل أن يجتذب وجوده على الأرض طيورا برية ويغريها بالنزول ظنا أن هناك طعاما أو ديدانا يمكنها التغذي بها.

وبمجرد نزول الطيور على الأرض يطبقان عليها بالشباك. كما وضعا ثلاثة مسجلات في أنحاء المطار تصدر عنها أصوات طيور. وفي أغلب الأوقات لا يتمكنان إلا من صيد طيور صغيرة تباع بنحو دولار ونصف لكنه مبلغ يكفي على الأقل لتوفير ما يسد الرمق من الطعام، يمثل الموقع الذي اختاره الشقيقان للصيد رمزا لآمال الفلسطينيين المجهضة في السيادة والاستقلال الاقتصادي إذ كان المطار هو السبيل المباشر الوحيد الذي يربط الفلسطينيين في قطاع غزة بالعالم الخارجي دون سيطرة من إسرائيل أو مصر.

حضر الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون مراسم افتتاح المطار في 14 ديسمبر كانون الأول من عام 1998 واستقبل الميناء الجوي لفترة وجيزة وفودا وشخصيات بارزة من بينها رئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا.

لكن إسرائيل دمرت المدرج في أواخر عام 2001 بعد أشهر قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001 على الولايات المتحدة. واعتبرت الحكومة الإسرائيلية أنه يمثل تهديدا أمنيا في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عُرفت بانتفاضة الأقصى.

وسحبت إسرائيل مستوطنيها وجنودها من قطاع غزة بعد بضع سنوات، في 2005، لكنها حافظت على سيطرة صارمة على الحدود البرية والجوية والبحرية للقطاع، بينما تسيطر مصر على دخول القطاع من جهة الجنوب.

وتقول إسرائيل إن القيود تهدف إلى منع دخول الأسلحة إلى قطاع غزة وعزل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير شؤون مليوني نسمة تقريبا هم سكان غزة منذ عام 2007، لكن المحنة الاقتصادية للقطاع أذكت مشاعر الغضب. وذكر تقرير للبنك الدولي في سبتمبر أيلول أن اقتصاد غزة ينهار، مشيراً إلى ”مزيج من الحرب والعزلة والانقسام الداخلي“.

ومع استمرار الصراع، قليلون من يتذكرون الآن أن قطاع غزة كان به مطار ذات يوم. ورغم أن أبو شلهوب أصغر من أن يتذكر المطار عندما كان صالحا لإقلاع وهبوط الطائرات، إلا أنه يجلس بين أطلال باتت تذكارا يوميا لما كان، وقال أبو شلهوب خلال استراحة من الصيد ”حلمت أنه المطار انبنى مرة تانية... وحلمت كمان اني مسافر في الطيارة... وكمان حلمت اني رجعت على المدرسة“.

اضف تعليق