q
لا تزال تداعيات الحريق الهائل الذي تعرضت له كاتدرائية نوتردام التاريخية في باريس مستمرة مع استمرار التحقيقات والتصريحات المختلفة، يضاف الى ذلك ردود الافعال الغاضبة التي سببتها حملة التبرعات خصوصا وان فرنسا لاتزال تعيش اجواء توتر بسبب المظاهرات والاحتجاجات الداعية الى تحسين المعيشة...

لا تزال تداعيات الحريق الهائل الذي تعرضت له كاتدرائية نوتردام التاريخية في باريس مستمرة مع استمرار التحقيقات والتصريحات المختلفة، يضاف الى ذلك ردود الافعال الغاضبة التي سببتها حملة التبرعات خصوصا وان فرنسا لاتزال تعيش اجواء توتر بسبب المظاهرات والاحتجاجات الداعية الى تحسين المعيشة. ويعود بناء الكاتدرائية إلى القرن الثاني عشر وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي. ويزور الكاتدرائية ملايين السياح كل عام.

وبعد أيام من وقوع الحريق، كشفت صحيفة "لوكانار أونشيني" المحلية، "ثغرات" أدت إلى تفاقم الحريق الذي شب في الكاتدرائية الشهيرة في باريس. وبحسب الصحيفة الأسبوعية التي أشارت إلى "فضائح" متعلقة بالواقعة، فإن رجال الإطفاء لم يتلقوا بلاغا إلا بعد 35 دقيقة من صدور إنذار الحريق من نظام الأمان الخاص بالكاتدرائية، أي أن مدة الدقائق العشرين التي جرى الحديث عنها بشكل رسمي ليست صحيحة. وقال مكتب المدعي العام في باريس إنه بدأ تحقيقا بشأن الحريق. وقالت عدة مصادر في الشرطة إنهم يعملون حاليا بناء على افتراض أن الحريق حادث غير متعمد.

من جانب اخر قالت شركة سقالات فرنسية تعمل بكاتدرائية نوتردام في باريس إن كاميرا تلتقط صورا متتابعة كانت قد وُضعت قبل بضع ساعات من حريق ربما تكشف خيوطا مهمة تشير إلى سبب الحريق الهائل بالكاتدرائية. وشركة (أوروبا للسقالات) واحدة من خمس شركات تعاقدت على ترميم برج الكاتدرائية الكبير الذي كان ارتفاعه 90 مترا قبل أن ينهار بسبب الحريق. والكاميرا الآن بين أيدي المحققين.

وأتى الحريق على سقف الكاتدرائية المصنوع من خشب البلوط والذي يرجع تاريخه للقرن الثالث عشر وأسقط برجها على سقف المبني الذي كان على شكل قباب. وقال مدعي باريس العام ريمي إيتس إن الحريق يبدو حادثا غير متعمد. ولم يرد مكتبه على طلب التعليق على لقطات الصور المتتابعة. ويعتقد مسؤولون أن الحريق كان عرضيا، وذكروا أن ماسا كهربائيا مرتبطا بأعمال التجديد التي كانت جارية قبل الحريق قد يكون سبب الحادث.

وقال عمال شاركوا في أعمال التجديد لمحققين إنهم دخنوا في موقع البناء وتركوا أعقاب السجائر، وفقا لمارك إسكينازي، المتحدث باسم شركة "لو برار فرير" للإنشاءات. وأضاف "هذا ليس شيئا جيدا. نحن ندين ذلك. لكن عقب سيجارة لم يحرق نوتردام. هذا مجرد احتمال". ونقل عن محققين قولهم إن الحريق بدأ داخل الكاتدرائية، بينما كان العمال على السطح فقط.

تحقيقات متواصلة

وفي هذا الشأن تتواصل التحقيقات بشأن الحريق الذي اندلع في كاتدرائية نوتردام بباريس من أجل تحديد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى وقوعه. فيما تعهد وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستنير بكشف كل "الحقيقة" حول هذا الحريق الذي تسبب بأضرار جسيمة. هذا، وأعلن المدعي العام في محكمة باريس فتح تحقيق بتهمة "التدمير غير المتعمد عبر حريق" لكشف ملابسات هذا الحادث.

 وأكد المدعي العام ريمي هيتس أن المحققين يعملون على فرضية الحريق العرضي وليس المتعمد. وأضاف: "لا شيء يشير إلى أنه (يعني الحريق) كان عملا متعمدا"، موضحا أن "العمال في موقع الكاتدرائية تم استجوابهم بخصوص الحريق". وواصل: "تم إطلاق إنذار أول في حدود السادسة و20 دقيقة مساء بدون أن يتم الكشف عن وجود حريق. لكن الإنذار الثاني الذي أطلق في السادسة و34 دقيقة مساء، هو الذي مكننا من معرفة أن هناك حريق"، فيما طمأن بأنه "سيتم توفير جميع الإمكانيات والوسائل لمعرفة المصدر الحقيقي للحريق".

من ناحيته، روى أوليفييه دو شالوس، وهو مسؤول مرشدي الكاتدرائية الذين يعملون بشكل مجاني، كيف اندلع الحريق في هذا المعلم الديني التاريخي. وقال: "كنت قريبا من الكاتدرائية. رأيت النيران. في البداية كنت أعتقد أن فندق "الإله" هو الذي يحترق. لكن بعد لحظة وجيزة، تأكدت أن الأمر يتعلق بكاتدرائية نوتردام. عندما وصلت إلى عين المكان، بدأ الرماد يتساقط". وإلى ذلك، قال ريشار مارليه، المسؤول السابق للشرطة العلمية بباريس وضواحيها والأستاذ في معهد علم الجريمة في حوار لجريدة "لوموند" الفرنسية إن فرنسا تملك الإمكانيات البشرية المتخصصة في مثل هذه الحوادث، معبرا في الوقت نفسه عن تفاؤله في إيجاد الأسباب الحقيقة التي أدت إلى نشوب الحريق في نوتردام. وأضاف: "لحسن الحظ، نملك في باريس مختبرا مركزيا متخصصا في هذا النوع من التحقيقات. هذا المختبر يعود تاريخه إلى القرن 19 ويعمل فيه متخصصون في الحرائق والأسباب التي تؤدي إلى نشوبها".

وحول الطريقة التي سيتم بموجبها التحقيق، أضاف ريشار مارليه: "موظفو هذا المختبر سيقومون بتوثيق الوضع الحالي للكاتدرائية، وذلك عبر أخذ صور وفيديوهات وتصاميم للكاتدرائية". هدف هذه الخطوة حسب هذا المسؤول هي "معرفة مصدر الجريمة". أما رجال الشرطة القضائية، فسيقومون باستجواب الشهود والعاملين في الكاتدرائية لمعرفة مثلا الأدوات التي يستخدمونها في عملهم، إضافة إلى مواصفات صفارة الإنذار".

من ناحيته، تعهد وزير الداخلية كرستوف كاستنير بـ "كشف كل الحقيقة" حول الحريق الذي التهب أجزاء كثيرة من كاتدرائية نوتردام. في حين أعلن رجل إطفاء على قناة "سي نيوز" أن الحريق ربما يكون قد اشتد في الأسقف العلوية قبل أن ينتقل إلى أماكن أخرى. ولغاية الآن، تم الاستماع إلى حوالى عشرين عاملا من الشركات المختلفة العاملة في إطار مشروع أطلق في 2018 لإعادة ترميم الجزء العلوي من كاتدرائية نوتردام... الجزء الذي يبدو أن الحريق اندلع منه. بحسب فرانس برس.

وأضاف: "ما يمكن قوله في هذه المرحلة هو أن احتمالية الحادث عن طريق الخطأ هي المرجحة". "من الممكن أن يكون الحريق قد اندلع في البداية في ركائز السقف وذلك بسبب أعمال الترميم الجارية... لا شيء اليوم يدعونا للاعتقاد بأنه حريق متعمد؟" ويذكر أن خمسين شخصا يعكفون على التحقيق الذي من المتوقع أن يكون طويلا ومعقدا. فلن يتسنى للمحققين والشرطة العلمية دخول الكاتدرائية المحترقة حتى أن يتأكد الخبراء من أن جدرانها الحجرية تحملت حرارة الحريق وأن هيكل البناء متماسك.

الهبات السخية

الى جانب ذلك وأمام سيل الوعود بتقديم هبات بمبالغ طائلة لترميم كاتدرائية نوتردام، علت أصوات كثيرة تندد بما اعتبرته سخاء انتقائياً في فرنسا الغارقة منذ أشهر في أزمة "السترات الصفراء" والتي تسجل تراجعا في الهبات المقدمة للفقراء. وقال فيليب مارتينيز الأمين العام للاتحاد العمالي العام، إحدى أبرز النقابات الفرنسية، "إذا كانوا قادرين على منح عشرات الملايين لترميم كاتدرائية نوتردام، فليكفّوا عن القول لنا إن ليس هناك مال لمعالجة الحالة الاجتماعية الطارئة".

وسارع بعض من أصحاب الثروات الطائلة والشركات إلى تقديم وعود بالتبرع لتمويل أعمال ترميم الكاتدرائية، بداية من عائلة بينو التي وعدت بتقديم 100 مليون يورو، ثم تلتها مجموعة "أل أم في إتش" وعائلة أرنو صاحبة الثروة الأكبر في فرنسا مع وعد بتقديم 200 مليون يورو، ثم عائلة بيتانكور - مييرز ومجموعة "لوريال" (200 مليون يورو). وأعلنت مجموعة "توتال" من ناحيتها عزمها تقديم 100 مليون يورو.

وأبدت إنغريد لوفاسور إحدى أبرز وجوه حركة "السترات الصفراء"، محور أزمة اجتماعية غير مسبوقة في فرنسا منذ تشرين الثاني/نوفمبر، أملها في "العودة إلى الواقع" منددة بـ"وقوف المجموعات الكبرى متفرجة أمام البؤس الاجتماعي، فيما تثبت قدرتها على أن تحشد في ليلة واحدة مبلغا جنونيا لصالح كاتدرائية نوتردام". ويتظاهر مؤيدو "السترات الصفراء" منذ أشهر في الشوارع، في حراك كان محركه الأساس الاحتجاج على الضرائب قبل تحويله إلى تحرك واسع للمطالبة بجملة تغييرات دستورية واجتماعية.

وكان مقررا في يوم حريق الكاتدرائية أن يدلي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بكلمة يعلن فيها عن سلسلة خطوات للتعامل مع هذه الأزمة، غير أنه أرجأها إلى أجل غير مسمى. وكتب أحد الناشطين في "السترات الصفراء" بنجامان كوشي عبر تويتر "أن يتبرع أفراد طبقة الأوليغارشية لمصلحة كنيسة نوتردام أمر جيد. غير أن القدوة الضريبية ستكون أفضل. الضمير الحي لا يمكن أن يخفي البؤس والتقشف". وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن جزءا من المبالغ السخية الموعودة من الواهبين مصدره الأموال العامة، إذ إن قانونا صادرا في 2003 ينص على إمكان أن تقتطع الشركات التي تستثمر في الأنشطة الثقافية 60% من نفقاتها لصالح هذا النوع من الأعمال.

ولتطويق الانتقادات، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب تقليصا بنسبة 75 % على المبالغ التي تصل إلى ألف يورو (و66 % للمبالغ الأعلى) على الهبات المقدمة من أفراد لمصلحة الترميم. وفي ظل تصاعد الجدل، وعد رئيس مجموعة كيرينغ للمنتجات الفاخرة فرنسوا هنري بينو بالتخلي عن هذا الامتياز الضريبي. كذلك توقفت جهات عدة عند مفارقة لافتة وهي أن موجة السخاء التي ظهرت بعد حريق الكاتدرائية الشهيرة تأتي في وقت تواجه جمعيات مكافحة الفقر تراجعا في قيمة الهبات الممنوحة لها.

وعلى تويتر، دعا الكاتب الصحافي الكاثوليكي إروان لو موريديك الأشخاص الذين قد يعتبرون هباتهم "هزيلة" في مواجهة سيل الأموال المتدفقة من الشركات الكبرى لترميم كاتدرائية نوتردام، إلى "تحويل وجهتها نحو جمعيات تداوي البشر في ظل الانهيار الذي سجلته الهبات الممنوحة لها". كذلك أملت ممثلة الأحزاب البيئية في مجلس الشيوخ إستير بنباسا في تغريدة عبر تويتر بتسجيل "موجة سخاء بهذه العفوية وهذا الحجم الكبير لمصلحة جمعيات وهيئات تعنى بالاهتمام بالأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع والإقصاء الاجتماعي والتشرد".

وكتبت أيضا مؤسسة الأب بيار، أحد أبرز وجوه الإحسان في فرنسا في العقود الماضية، عبر تويتر "400 مليون يورو لترميم نوتردام. شكرا كيرينغ وتوتال+ وال في ام اتش على سخائكم فنحن متعلقون جدا بالمكان الذي شيع فيه الأب بيار لكننا متمسكون بشدة أيضا بكفاحه. سنكون في قمة السعادة إذا ما قررتم تقديم 1% إضافية من هذا المبلع للفقراء". وللمرة الأولى منذ حوالى عقد من الزمن، تراجعت الهبات للمؤسسات في 2018 بنسبة 4,2% بحسب تحقيق لهيئة غير حكومية شمل 22 منظمة خيرية. بحسب فرانس برس.

هذا التراجع عزت المنظمات جزء كبير منه إلى زيادة قيمة الاقتطاعات الاجتماعية التي أثرت بقوة على إيرادات المتقاعدين المعروفين بسخائهم عادة، فضلا عن إلغاء الضريبة على الثروات لأن المعنيين بها كانوا يعمدون لتقديم تبرعات لتقليص فاتورتهم الضريبية. وإلغاء الضريبة على الثروات هو من التدابير الأكثر إثارة للجدل للرئيس ماكرون.

اصوات اخرى

في السياق ذاته حثت ناشطة سويدية صغيرة في السن الزعماء على التحرك لإنقاذ كوكب الأرض من تغير المناخ مثلما يتعهدون هذه الأيام بإعادة بناء كاتدرائية نوتردام بعد الحريق الهائل الذي نشب فيها.

وأضافت الناشطة جريتا ثانبرج، التي ألهمت حركة من الصغار ضد ظاهرة الاحتباس الحراري، في كلمة أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج ”تابع العالم أجمع حريق نوتردام في باريس بحزن ويأس لكن سيعاد بناء نوتردام“. وبزغ نجم ثانبرج البالغة من العمر 16 عاما عندما قادت دراجتها إلى البرلمان السويدي في أغسطس آب ووقفت على الممر المواجه للمبنى في ستوكهولم ودعت إلى ”إضراب مدرسي من أجل المناخ“.

وسار آلاف الطلاب في العالم على خطاها منذ ذلك الحين وبدأت منظمات شبابية إضرابات شارك فيها طلاب في أكثر من 40 دولة. وقالت ثانبرج ”أريد أن أثير الهلع في نفوسكم وأريد أن تتصرفوا كما لو كان بيتكم هو الذي اشتعلت فيه النار. قال لي ساسة كثيرون إن الهلع لا يجدي نفعا. أتفق مع ذلك لكن عندما يكون بيتك مشتعلا وتريد الحيلولة دون انهياره يكون الشعور بالقليل من الهلع أمرا جيدا“. بحسب رويترز.

وشارك أكثر من 400 رجل إطفاء في إخماد الحريق الذي التهم سقف كاتدرائية نوتردام وتسبب في انهيار برجها. وتعهد مانحون بالتبرع بأكثر من 700 مليون يورو لإعادة ترميمها. وقالت ثانبرج ”إذا كان بيتكم يتداعى فلن تسافروا حول العالم في الدرجة السياحية ولن تنظموا ثلاثة اجتماعات طارئة لمناقشة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حين لا توجد قمة بشأن تغير المناخ“. وأضافت ”حسنا.. بيتنا جميعا يتداعى لكن لا يحدث شيء... أطالبكم بالاستيقاظ وفعل ما هو ضروري“.

اضف تعليق