q
يتعرض ابناء الجيل الرقمي الى ضعف في علاقاتهم الاجتماعية في الحياة الواقعية وعدم قدرتهم على التواصل مع الاخرين بشكل سوي، وبالتالي فقد يكون لديهم رؤية مشوهة للواقع بسبب اختلاف المبادئ الانسانية وتغير التوجهات الفكرية، اذ اظهرت الدراسات ان المحفزات الالكترونية لها القدرة على...

يتعرض ابناء الجيل الرقمي الى ضعف في علاقاتهم الاجتماعية في الحياة الواقعية وعدم قدرتهم على التواصل مع الاخرين بشكل سوي، وبالتالي فقد يكون لديهم رؤية مشوهة للواقع بسبب اختلاف المبادئ الانسانية وتغير التوجهات الفكرية، اذ اظهرت الدراسات ان المحفزات الالكترونية لها القدرة على استحداث تغييرات فيزيائية وكيمائية خطيرة في دماغ الجيل الرقمي، مما يسبب تأثيرات كبيرة على التفكير والادراك للاهداف الحقيقية من الوجود الانساني، اذ تحول الفرد من قائد للالة الالكترونية الى عبد تحت سلطتها.

وما الحياة الرقمية الا انموذجا يعد من اخطر وسائل هدم المنظومة المجتمعية، والغاية منها احداث فجوة بين الدين والفرد بداعي التطور ومواكبة العصر، اذ انها اسست لثقافة جديدة غيرت من مضمون الثقافة التي داب السوسيولوجيون والانثروبولوجيون على تفسيرها.

اذ اصبحت العلاقات الرقمية اساسا للتعامل مع الاخر، وبدلا من ان يكون التفاعل انساني بالمنطلق أصبح التواصل مبنيا على ارتباط الانسان بالآلة مكونين بذلك انواعا مختلفة من المجتمعات الافتراضية والتي تنتج علاقات متداخلة لا تشبه العلاقات الانسانية الاعتيادية.

وان هذا التشكل الرقمي الجديد غير مفاهيم وضيع صفات وجعل الشباب يرضخ لجدلية ديالتيكة معقدة بينه وبين الوجود الإنساني المستند الى وجود تشكيلات مختلفة لتحقيق الانسان رسالته السماوية كخليفة في الارض، فانتفاء المواطنة بإنقطاع العلاقة الزمكانية لا ينفي غياب الوطن انما غياب الفاعلية والنشاط الذي يعبر عن ذلك الوجود، وحسب مايرى علماء الاجتماع والثقافة والسياسة والدين، فأن التلازم ضروري بين المعنى المادي والمعنوي للحداثة والوجود الانساني لتفادي التضاد والانحراف السلوكي.

فراغ فكري

الباحث المختص بعلم الاجتماع الدكتورعبد الرزاق محمود ابراهيم استاذ في جامعة بغداد بين في حديث خاص لشبكة النبأ المعلوماتية، ان" الحداثة وضعف المؤسسة الدينية، وتفكك قيمها داخل المجتمع، وعوامل اخرى استطاعت ان توثر بشكل او بآخر على تفكير الشباب ورؤيتهم للعالم ولمفهوم الدين.

ناهيك عن، تدهور الاوضاع الاقتصادية وكثرة الحروب التي احدثت فراغ فكري لديهم، لتأتي الحداثة وتملأ هذا الفراغ بالاعتماد على التكنولوجيا المعاصرة ووسائل الاتصال لتعيد تشكيل المنظومة الفكرية لدى الشباب، فوجدوا فيها ما يغنيهم عن القيم الدينية التي اصبحت في اغلب الاحيان ادعاء لمن لايمثلون جوهرها ومضمونها الحقيقي".

ابراهيم اوضح ان "هذا التأثير لا يقتصر على الاسلام فقط، وانما تكونت نتيجة له تيارات متطرفة سنية ومسيحية ويهودية وفي كل الديانات، اذ انها وفرت لهم وجهة سهلة ومرغوب بها في التبني وتشبع الغرائز خصوصا في المجتمعات ذات مستوى تعليمي متدني".

الهوية الخفية

افات عديدة تفتك بالمجتمع الشبابي اليوم ولعل الابرز بينها هي ازمة ضياع الهوية، التي بدت واضحة بينهم، ليأتي الانترنت فيكون العامل المساعد الابرز لتفكيك فكر الانتماء للوطن والدين والقومية ولربما حتى الجنس، اذ ان التخفي وراء اسماء مستعارة وانتحال الشخصيات يجعل الفرد داخليا يفقد قيمته الانسانية التي كرمه الله بها.

حبيب اشار الى ان "من اهم مقومات القيم الانسانية هي تصالح الفرد مع ذاته، فيما اتت التكنولوجيا الحديثة بتقنيات يستطيع ان يبتكر شخصية الكترونية إفتراضية، يستخدمها في مجتمعه الافتراضي من خلال تقمص هوية خفية او اسم مستعار في غرف الدردشة التي قد تكون ذات مضمون سياسي، علمي، رياضيK وتسمح ميزة الهوية الخفية في المجـتمع الافـتراضي في التعـبير عن النفس بشكـل اكـبر، فتأتي التـفاعلات الافتراضية حـرة صريحة تبرز ما يريده الفرد بغـض النظـر عـن المضمون وقيمته، تنتج عن ذلك الاندماج الا منطقي حالة من القلق بين المستخدمين".

يعبر عنه الدكتور حبيب "قلقاً الكترونياً"، يكون مستتراً لا يظهر للعلن الفضائي بقدر ما ينعكس على الشعور الانساني، ويبقى السلوك المرتبط بالقيم والدين والاخلاق حاجزاً لتقبل مظاهر العالم الرقمي".

الحداثة العرجاء

عندما طرحنا الموضوع على عدد من الشباب طلبة الجامعات، وجدنا هناك اجماع على ان التأثير كبير وخطير، الشاب احمد صلاح طالب في كلية الاداب في احدى جامعات كربلاء المقدسة، وايضا عضو فعال في عدد من النشاطات الشبابية التي تقام داخل وخارج الجامعة، وصف الحداثة التي يعيشها البعض بانها "عرجاء".

مستدركا بالقول " ان مفهوم الحداثة وللأسف الشديد لم يصل الينا سليماً، فالحداثة العرجاء جعلت الثقافة هدفاً لها لتنزعها من عقول بعض الشباب الذين فسروها على انها التمرد على الحقيقة او التجرد من الانتماءات و بلا دليل او حوار معقول.

لذا فإن ايديولوجيات هؤلاء الشباب وخصوصاً العراقي تأثرت وبشكل كبير بهذه المفاهيم غير المكتملة، مما خلقت هذه فجوات كبيرة بين صفوف الطبقات الشبابية جعلتهم يبتعدوا عن اسوار الحقيقة و نواقيس الإنسانية، لينشغلوا بغثيان الزيف ضاربين عرض الحائط كل المعتقدات و الأديان معتمدين على أسس وغير ناضجة، وقد يكون الفراغ الوظيفي او العاطفي اوالفكري جعلهم ينزلقون في هذه الهاوية التي بإعتقادهم انها قمة حقيقية لا غبار عليها".

فيما يلفت الطالب روحي السعد من نفس الجامعة، الانتباه الى موضوع مرتبط ارتباط وثيق بالعولمة الرقمية وقد يكون احد اهم نتائجها، الا وهو الالحاد بصفة الحداثة، مبينا ان "ما يسمى الحداثة اليوم انما هو وهم لاغراء الشباب، ظاهره جميل وجذاب وباطنه الفتنة والدمار والانحراف للمجتمعات بشكل عام والشباب بشكل خاص" وخاص جدا".

موضحا ان "انها جزء من مشروع العولمة ودك جميع الثقافات والمعتقدات والاديان في بوتقة واحدة قررت شكلها ولونها قوى الغرب، وكان العرب صيدا سهلا لها، بسبب التجرد والهوة التي خلقوها بينهم وبين دينهم، ساعد في زيادتها المتقمصين للدين، وممن يحملون اسمه وليس جوهره، ادى ذلك قناعات لدى الشباب والمجتمع أن هؤلاء هم " الدين "، من هنا صار النفور منه انطلقت عملية الافراغ العقيدي.

وبعد هذا الافراغ جاءت تلك القوى الغربية ومن وراءها ليصبوا بنفوس الشباب ما يبغون وما يريدون من افكار وثقافات، وكانوا للاسف ارض خصبة لالتقاط بذور الباطل واحتضانها ونموها".

الوعي الديني

المختص بالقانون العام الدكتور احمد الصفار من جامعة كربلاء يؤكد على ضرورة التنشئة الدينية الصحيحة اذ انها تعد بمثابة صمام الامان لحماية الاجيال من الطوفان التكنولوجي الغربي، قائلا: "في حقيقة الأمر إنّ الثّقافة الدّينيّة عند الشّباب ليست واحدة، بل أنّ هناك تفاوت في مستواها عندهم، حيث وجدت أنّ بعضهم ذو ثقافة دينيّة واسعة ومتشعّبة في مختلف مجالات الدّين من قبيل الأحكام الشرّعية والعقائد وما يتعلّق بهما، في مقابل من كانت له ثقافة دينيّة محدودة تنحصر في كيفيّة أداء عباداته الدّينيّة من صلاة وصوم ونحوهما، وهذا يرجع إلى عوامل مختلفة :

العامل الأوّل: العائلة

حيث وجدت أنّ ترعرع الشّاب في أكناف عائلة دينيّة له تأثير واضح وملموس في نشأة الشّاب الدّينيّة ورفع مستواه الثّقافي الدّيني، بخلاف من لا يعيش حياته في أجواء مماثلة .

ولا أقصد بالعائلة الدّينيّة أن يكون الأب عالماً أو رجلاً حوزوياً أو أن تكون الأمّ مرشدة دينيّة، بل المقصود بالعائلة الدّينيّة هي الّتي تراعي الأحكام والضوابط الشرعيّة، وتلتزم بها في سلوكيّاتها اليوميّة، حيث أنّ هناك الكثير من العوائل الدّينيّة لا يكون فيها الأب أو الأم من طلبة الحوزة الدّينيّة .

العامل الثّاني: البيئة

إذ أنّ نشأة الشاب في مدينة دينيّة مقدّسة له الأثر الكبير في توسعة ثقافته الدّينيّة، حيث أنّه سيلمس السّلوكيّات الدّينيّة، ويتعلّم الكثير من الأمور لا عن طريق الدرّاسة أو التعلّم، بل عن طريق معايشتها مع أفراد تلك المدينة .

العامل الثّالث: المعلّم أو المدّرس

للمعلّم أو المدرّس أو الأستاذ الجامعي الأثر البالغ في زرع الثّقافة الدّينيّة في نفس الشّاب، إذ أنّه وهو في مقتبل العمر يتأثّر بتلك الشخصيات بشكل ملحوظ، لذا وجدت بأنّ من درس عند أستاذ له ثقافة دينيّة تأثّر بها واستطاع أن ينهل منها، بخلاف من درس عند من يفتقرلها".

مسؤولية من؟

وعندما وجهنا للصفار السؤال التالي:-

من يتحمل الجزء الاكبر من مسؤولية التنشئة على ثقافة دينية صحيحة تؤدي الى بناء مجتمع صالح؟، الصفار بين ان هناك طرفان يتحمّلان هذه المسؤوليّة، هما :

أوّلاً : الأبوين

للأب والأم دوراً بارزاً ومهمّا جدّا في هذا الجانب، وذلك بعدّة طرق :

• توعيتهم الدّينية

إذ يتحملان هنا المسؤولية في تربية أولادهم التربية الدّينية الصحيحة، والإجابة عن الشّبهات الّتي يتعرّضون لها ويسمعونها من خلال أصدقائهم أو في مواقع الإنترنيت أو في الشّارع أو المنتديات، بحيث يحافظوا على عقيدتهم، ويمنعونهم من الإنحراف أو التّضليل .

• إختيار الأصدقاء

أهمّية الصديق لا تقل عن الأبوين في هذا الأمر، بل قد تفوقها من بعض الجهات، إذ أنّنا قد نجد بأنّ الشّاب يقضي أوقات يومه مع أصدقائه في المدرسة أو الجامعة أو العمل أكثر ممّا يقضيها مع أهله، لذا فإنّ دور الأبوين هنا يتكرّس في إختيار أصدقاء جيّدين وملتزمين دينيّاً ومستقيمين أخلاقيّاً، ممّا سيؤثّر على تربية إبنهم وتحلّيه بصفات صديقه المرافق له .

• حثّهم على حضور المجالس الدّينيّة

وذلك بتشجيعهم على حضور المجالس الّتي يعقدها العلماء وحضور مجالس العزاء والفرح لأهل البيت عليهم السّلام والإستماع لما يطرحه الخطباء والمبلّغين، ممّا سيجعلهم يتحلّون بثقافة دينيّة واسعة، يستطيعون من خلالها ردّ الشّبهات الّتي قد يتعرّضون لها خلال حياتهم اليوميّة .

• ثانيا: المدرّس

يتكرر التأكيد على اهمية دور المدرّس في تنشئة الشّباب النشأة الدّينيّة الصّحيحة، إذ أنّه ينظر الى مدرّسه أو معلّمه قدوة له، خصوصاً إذا كان هناك علاقة طيبة بينهما وكان يكنّ له الودّ والإحترام.

لذا فهنا يستطيع المدرّس أن يزرع في داخل الشاب تلك القيم والمبادى الانسانية الثابتة، وهذا الأمر لا يتحقّق بمجرّد الكلام والقول من قبل المدرّس داخل الدرس أو المحاضرة، بل أن لتعامل المدرّس أو الأستاذ الجامعي وسلوكه وتصرّفاته النّابعة من الدّين والإلتزام الشّرعي الأثر الأكبر والأنجع في ذلك ".

ولربما تعدى الامر مراحل البحث في تفاصيل ذلك الواقع الافتراضي الى مراحل التحذير والتشديد والاتجاه الى خطوات عملية جادة لحل تلك الازمات الاجتماعية الناجمة عن التعرض لتلك التكنولوجيا الخطرة.

وما تركيز المرجعية في خطب الجمع المتتالية على ضرورة المعالجة السريعة وطرح الحلول لمشاكل العالم الرقمي وانعكاساتها السلبية على المجتمع، ما هو الا انذار شديد اللهجة للعوائل والمدارس والجامعات الى الالتفات الى اعادة هيكلة المنظومة الفكرية لدى الشباب وتحمل مسؤولياتهم بصورة اكبر واكثر التزاما، من خلال توجيه النشاطات والسلوكيات بما يبعدهم عن الوقوع في الهاوية، والخروج من القوقعة الرقمية.

اضف تعليق


التعليقات

روحي السعد
العراق
موضوع قيم ومن الأهمية القصوى إزاحة الحجب عن الكثير من الخفايا التي ضيعت مجتمعاتنا دون الالتفات اليها "بجهل او عمد".
نتمنى من الجميع ممن يتحملون مسؤولية التربية والتعليم والاعلام وقيادة البلد سياسيا ومن المؤسسة الدينية والاسرة أن ينتبهوا الى هذه المواضيع وما يشابهها؛ إنقاذا للمجتمع وللشباب من صرعة الحداثة ومما يخطط لهم .2019-07-18