q
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات \\\"ضرورة الأمن الإنساني في ظل تفشي جائحة كورونا، بعد أن اجتاحت جنبات البشرية جائحة كورونا برزت إلى السطح تساؤلات عدة، عن حقوق الإنسان؟ وآليات صيانة هذه الحقوق؟ والتي يمثل الأمن الإنساني مظهراً من مظاهرها الرئيسة، فشعور الإنسان بالأمن...

ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات "ضرورة الأمن الإنساني في ظل تفشي جائحة كورونا"، وذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهي ورقة من إعداد الباحث في المركز الدكتور علاء إبراهيم الحسيني. ونظرا لظروف الوقاية الصحية والعزل المنزلي ارتأينا أن يكون التواصل مع الباحثين والمختصين والمهتمين بالموضوع الكترونيا.

نص الورقة:

بعد أن اجتاحت جنبات البشرية جائحة كورونا برزت إلى السطح تساؤلات عدة، عن حقوق الإنسان؟ وآليات صيانة هذه الحقوق؟ والتي يمثل الأمن الإنساني مظهراً من مظاهرها الرئيسة، فشعور الإنسان بالأمن على حياته وعلى ممتلكاته ومستقبله يمثل المقدمة الصالحة للتمتع بالحقوق والحريات، وقد كشف تفشي الجائحة ظاهرة خطيرة عالميا هي ضعف الإنفاق على الجوانب التي من شأنها تحقيق الأمن الإنساني ومنها الإنفاق على توفير الصحة العامة لمواجهة خطر الكوارث المتوقع حدوثها بين الحين والأخر، مقارنة بالإنفاق على التسليح وتجيش الجيوش الذي يمثل حالة لتحقيق الأمن القومي وليس الإنساني، لذا نلاحظ كثرة الخسائر في الجانب البشري والمادي المتمثلة بالوفيات والخسائر المادية الضخمة.

لهذا يمكننا أن نصنف أغلب دول العالم بالفاشلة والتي تعجز عن حماية مواطنيها من المخاطر المحدقة، وان الوقت بات ملائما للإعلان والأيمان ان الدولة هي الأداة الأكثر فاعلية لتحقيق الأمن الإنساني، وليس أمن واستقرار الدولة هو الغاية والعلة لان الطبقة الحاكمة بالغالب تتشدق بأمن الدولة لتوفر أسباب ذلك وتسحق الإنسان في النهاية، بعبارة أخرى ينبغي أن يمتد مفهوم الأمن الوطني التقليدي لتحقيق مدى إنساني يتمثل بالتنمية البشرية والاستثمار الإنساني لتنشئة أجيال من الأفراد الأصحاء الواعين ممن يتمتعون بالحد الأدنى من الأمن الإنساني والسعي الجاد لتحقيق التحسين المستمر لحياة الإنسان في الجوانب الاقتصادية والصحية والمعيشية والبيئية.

مع الأخذ بنظر الاعتبار أن تحقيق ما تقدم لا يكون على الجانب الوطني فحسب فرغم تفوق بعض الدول على مثيلاتها في توفير سبل العيش والأنظمة الصحية المتطورة وجدنا إنها وقفت عاجزة عن رد الجائحة والسيطرة عليها إلا بعد أن تكبدت خسائر فادحة في الجانب البشري وهو الأهم والجانب المادي أيضاً، وتبين لتلك الدول التي أسرفت في تأمين سبل عسكرية واستخبارية لتحقق أمنها القومي انها عاجزة عن تأمين هذا المفهوم لكونها فشلت في منع تفشي المرض أو السيطرة عليه.

لذا لابد من إعادة صياغة لدور المنظمات العالمية والإقليمية وعلى رأسها الأمم المتحدة للتأسيس لمرحلة أكثر إنسانية يتم فيها تسخير الإمكانيات لتحقيق أمن البشر قبل تحقيق أمن الحاكم والنظام العالمي الذي يخدم مصالح الدول الكبرى وتسحق فيه الشعوب الضعيفة، فمن الواضح ان المؤتمرات التي عقدت في العام 1945 وانتهت إلى تأسيس منظمة الأمم المتحدة كان التركيز فيها على إنهاء حالة الحرب وتحقيق الأمن والسلم الدوليين واليوم وبعد أكثر من سبعين عاماً بات الوقت مناسبا للتحول نحو الأمن والسلم الإنساني، فالأمن يعني التحرر من الخوف، ومن تجلياته الأمن الاقتصادي الذي يعني التحرر من الحاجة والتي تتحقق ان أمن الجميع ان الإنسان غاية وليس وسيلة، والأمن المجتمعي والذي يعني أمن الحياة بالنسبة لكل فرد بلا أي نوع من أنواع التمييز ولأي سبب كان وبالمفهوم المتقدم تكون الأرضية مهيأة لتحقيق أمن الإنسان والذي يرتبط بالعدالة والمساواة وتجريد كل حقوق الإنسان من النطاق المكاني أو الزماني وحتى الثقافي الذي ينبغي ان يكون مقدمة للتكامل لا التمايز، وليتحقق ما تقدم لابد من مقومات أهمها:

1- إن الانتقاص أو الاعتداء على أي حق من حقوق الإنسان في رقعة في العالم يمثل مساساً بأمن البشرية جمعاء وينبغي التحرك جماعيا وفرديا لشجبه واستنكاره ومنع تكراره، لذا ندعو إلى ميثاق عالمي يحمي المرضى عموماً ومرضى جائحة كورونا خصوصاً من التمييز العنصري ضدهم أو ضد أبناء الشعوب التي ابتليت بالوباء قبل غيرها.

2- ينبغي مواجهة أي تهديد للإنسانية بشكل جماعي ومنذ بداية التهديد وليس الانتظار لحين الاستفحال فحينها ستكون الحلول محدودة ونجاعتها غير مؤكدة، ولنعط لما تقدم مثال إن إنفاق الولايات المتحدة ما يقارب (6) ترليون دولار على العمل العسكري في العراق ومنطقة الشرق الأوسط ستحقق أمن عسكري وإستراتيجي أقل مما لو أنفقت على جوانب التنمية البشرية وتمويل برامج التأهيل والتدريب وتحقيق الأمن الغذائي والصحي للشعوب في المنطقة، ولتمكنت تلك الدول والشعوب من الإفلات من مخالب الوباء المستشري.

3- الإيمان المطلق من الجميع ان محور الأمن الحقيقي هو الإنسان والتركيز على تحقيق سعادة ورفاه هذا الإنسان وليس الجيوش والأسلحة الفتاكة والتهديد بالحرب وما شاكل والتي لم تحقق الأمن والازدهار بل جلبت الويلات على الجميع، واليوم المجتمعات التي تعاني من الصراعات أكثر من غيرها مهددة بالوباء المستشري وفرص نجاة المصابين قد تكون محدودة لتقادم البنى التحتية الصحية وانهيارها في العديد من الأماكن كاليمن وسوريا وليبيا.

4- ينبغي أن يتحقق الأمن الإنساني على المستوى الوطني والعالمي بشكل متوازن بمواجهة المخاطر التي تتهدد الإنسانية بشكل فردي وجمعي داخل وخارج حدود الدول فحقوق الإنسان لا تعترف بالحدود الجغرافية السياسية بل هي مفهوم واحد لا يقبل التجزئة، لذا على الدول التعاون الشفاف لتحديد مصدر الخطر المتمثل بالوباء والوقوف على سبل التعاون الدولي لقضاء عليه.

وما تقدم يمكنه أن يحقق "أمن الحياة على الأرض ككل" و"أمن الحياة داخل الدولة" بشكل متوازي ومتوازن من خلال الآتي:

1- تحقيق الأمن الاقتصادي: فهو المقدمة الضرورية لسعادة الإنسان ويتحقق من خلال المفاهيم الفرعية التالية:

أ‌- توفير فرص العمل للجميع بما يوازي إمكانياتهم البشرية وقابلياتهم الجسمانية ومؤهلاتهم وخبراتهم، ليتوافر الدخل المناسب لكل فرد بما يمكنه من تلبية متطلبات الحياة، بيد ان الجائحة قضت على هذا الحلم، وأضحى العديد من الأفراد والأسر بلا دخل فما السبيل لوقف التدهور الإنساني؟.

ب‌- الاستقرار في العمل فيلس من الكافي توفير فرص العمل بل لابد من تحقيق الأمن الإنساني على مستوى الاستقرار في العمل أو انسيابية الحصول على الدخل، فان بقيت الأزمات تؤثر بشكل مباشر على الناس وتؤدي إلى تسريح الآلاف من العمال والموظفين كما هو الآن، فلن يتحقق الأمن الإنساني المنشود.

ت‌- القضاء وبشكل جماعي على آفة الفقر والجوع والذي تعاني منه الكثير من الدول وبمستويات متباينة والفقر على المستوى الإنساني لا يعنى به الفقر المادي لمن لا يملك المال بل هو الفقر الاقتصادي أو الثقافي أو الصحي لمن لا يملك الإمكانيات اللازمة للعمل أو لا يملك المؤهلات اللازمة لذلك فالتدريب والتأهيل والتعليم كلها عوامل من شأنها ان تقضي على الفقر بكل أنواعه وفي ظل تفشي الوباء لا يصح أن تقف عجلة الإنتاج بل لابد من استمرارية الحياة وفي هذه النقطة بالتحديد ينبغي أن يركن إلى التدريب والتأهيل الصحي للعاملين والموظفين لمنع إصابتهم المحتملة وضمان استمرارهم في العمل وتلبية الاحتياجات الجمعية والفردية على حد سواء.

2- الأمن الغذائي: ويعني أن تكون لدى الجميع وفي جميع الأوقات قدرة الحصول على الغذاء الأساسي على الأقل، وهذا الغذاء ينبغي أن يكون آمن أي يخلو من الملوثات أو الآثار الجانبية التي تتركها عمليات التلاعب الجيني والوراثي.

ويرتبط بهذا الموضوع أهمية سوء التغذية الذي يمثل تحدي تعاني منه العديد من الأسر والأفراد وكذلك موضوع المياه الملوثة لا سيما في العراق في بعض المحافظات وفي ظروف العزل المنزلي تتزايد مخاطر سوء التغذية لاسيما الأطفال وكبار السن ما سيترك أثاره كثيرة غير مستحبة.

3- الأمن الصحي: أي توفير الخدمات الصحية وقدرة الجميع على الحصول عليها بشكل متكافئ وبسعر مناسب ما يلقي عبئ على الدولة والمجتمع الدولي بضرورة توفير المختبرات والأدوية وللقاحات وتدريب الكوادر وتهيئتها بشكل مناسب مع حجم التحدي الصحي فعلى سبيل المثال نسبة كل طبيب إلى عدد معين من المواطنين تتفاوت بين الدول المتقدمة والمتخلفة، فما بالك بوباء ينتقل بشكل كبير ويهدد حياة الملايين.

4- الأمن البيئي: من حق الإنسان العيش في بيئة سليمة خالية مما يهدد حياته بيد إن هواجس البيئة حاليا تشغل الناس جميعا لما بدا إنها أثار خطيرة للتغيرات المناخية التي تسببت بها عوامل تلوث البيئة من زيادة حرارة باطن الأرض إلى التلوث الهوائي واتساع ثقب الأوزون وتهديده للبشرية لإمكان نفوذ الأشعة الضارة من الفضاء الخارجي، إلى الصناعة والطرق الزراعية الخاطئة التي انعكست على زيادة في تلوث الهواء والمياه المخصصة للري أو الشرب أو تلوث سطح الأرض بمختلف الملوثات، وتركت صور التلوث المتقدم أثارها على الحيوانات لاسيما البرية التي أصبح استهلاكها محل خطر كبير على الأفراد ولعل أصل جائحة كورونا يعود لهذا العامل بالتحديد.

5- الأمن الشخصي: ويراد به حماية الإنسان من أي اعتداء يطال جسده أو شعوره، أي يتعلق بسلامة الشخص بشكل مباشر من التهديدات التي قد يكون مصدرها السلطات العامة من أمثال الاعتقال التعسفي أو الاعتداءات الجسدية على الأفراد من رجال السلطة العامة، وقد يكون مصدر الخطر خارجي في حالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو يكون التهديد موجها لفئات محددة كالمرأة أو الطفل، وقد يكون التهديد ماساً بالجانب المعنوي أو الأدبي كما في وسم بعض الفئات بألفاظ أو تحقيرهم أو الاستهانة بمشاعرهم وما شاكل ذلك، وقد لاحظنا ان العديد من الاعتداءات طالت المصابين بالمرض وضحاياه.

فالأمن الإنساني إذن هو الحالة التي يعيش فيها الفرد ويكون مطمئناً على حياته وممتلكاته، وقدرته على توفير مختلف احتياجات حياته اليومية بيسر وسهولة، مع اكتفائه من الطعام الأساسي والشراب المطابق للشروط الصحية، وتوافر الرعاية الصحية المناسبة له، وقدرته على العيش في بيئة مناسبة ونظيفة، وتحقيق أمنه الشخصي ضد أي اعتداء يطال جسده أو شعوره، بيد إن هذا المعنى ينصرف إلى المستوى الفردي وهو غير كاف فلابد من تحقيق ما تقدم على مستوى المجتمع والدولة بل والعالم ككل ليعيش الإنسان بحالة من الاستقرار النفسي والمادي فينصرف المصلحون إلى تحقيق الأمن الشامل الذي تتداخل فيه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وصولا لتحقيق أمن الإنسانية بالقضاء على الأنظمة الشمولية أو الدكتاتورية والإقصائية ليست الحاكمة سياسياً فحسب بل تلك المتحكمة اقتصاديا واجتماعياً وثقافياً ودينياً.

المداخلات

وقد وردت المداخلات على أسئلة الباحث بحسب ما يأتي:

س1/ لماذا فشلت دول العالم المتحضر والمتطورة في مواجهة الجائحة بشكل كبير؟

س2/ ما المطلوب عراقياً وعالميا لتحقيق الأمن الإنساني في مواجهة الجائحة وبقية المخاطر التي تتهدد الإنسان؟

وباء كوفيد19 حرب عالمية ثالثة

الدكتور محمد مسلم الحسيني، الأخصائي بعلم الأمراض في بروكسل بلجيكا: الحرب العالمية الأولى والثانية والتي مسّت بأثرها وتأثيرها ملايين الناس كانت بسبب السياسيين وأخطائهم. وفشل التصدي للعدو المستتر "وباء كوفيد19" الذي شنّ حربا عالمية ثالثة على الجنس البشري وحمّله خسائر بشرية ومادية فادحة، بسبب السياسيين وأخطائهم أيضا، سياسيو الغرب أساؤوا التصرف منذ البداية أمام مهاجم شرس إستخفوا به وتماهلوا في التحضير لمواجهته وصده! وكانت الأسباب عديدة أهمها:

أولا: هو الخط الأحمر الذي لا يمكن أن يتجاوز عليه أحد وهو "الديمقراطية".... فحينما قامت الصين بعزل مدينة "ووهان" انتقدها الغربيون ونعتوها بأنها تتصرف بصفة النظام القهري في عقر دارها. لأن غلق المدن عندهم ومطاردة المصابين بالصيغة التي شهدوها هي مخالفه لروح الديمقراطية" ربما كانت هذه كلمة حق يراد منها باطل"!

ثانيا: الاقتصاد، الثمن المادي الباهظ الذي تتطلبه خطوات صد الوباء جعل السياسيين يفكرون بإنتهاج سبيل آخر يجنبهم الخسائر المادية فراحوا بإنتهاج مبدأ المناعة المجتمعية المعروفة بـ"مناعة القطيع" أي يتركون الوباء في المجتمع لحين حصول مناعة جماعية ضده بدلا من إجراءات الحظر وضرب الإقتصاد.

ثالثا: اتبع السياسيون آراء بعض أهل الإختصاص وهم الطرف المتساهل في رؤاه مع الوباء إذ اعتبروه بأنه ليس أشد عنفا وفتكا من الإنفلونزا الموسمية التي تضرب المجتمعات كل عام وتسبب إصابات وخسائر بشرية أيضا، حيث أن هذا الرأي الفني الصادر من البعض يتماشى مع رؤى السياسيين المادية وقد أثبت فشله.

رابعا: الوهم؛ توهم الكثيرون من سياسيي الغرب بحقيقة هذا الوباء وطبيعته الإستثنائية وخواصه وخصاله الغريبة رغم التحذيرات التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية ورغم الدراسات والبحوث والنصائح التي صدرت عن الصين في حينها. فقد وصف البعض هذا الوباء بأنه "خدعة"! وهاجم آخرون وسائل الإعلام التي اعتبروها تهوّل المواقف وطمأن آخرون شعوبهم بأن لا يجب تصديق التهويل المنبعث عن الصين أو منظمة الصحة العالمية أو غيرها بل وبّخ البعض الأطباء الذين أرادوا نشر الحقيقة....!!

خامسا: عنصر المفاجأة، تفاجأ الغرب بهذا الوباء لأنه لم يكن يتوقع أن ينتشر كوفيد19 بهذه الصورة السريعة والمفاجئة لأن هناك الكثير من الأوبئة كانت قد سبقته مؤخرا مثل "ميرس" و"سارس" و"إيبولا" و"إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير" ومرض "الزيكا" و"الإيدز" وغيرها. لم يحصل إنتشار وبائي سريع ومحتدم ومفاجىء بهذه الصورة فكل هذه الأوبئة تم السيطرة عليها بشكل سريع وتم إحتواءها!....

سادسا: تلكؤ البحوث الطبية، دعا الباحثون والأطباء في الغرب، وخصوصا بعد توالي التحورات الفايروسية البايولوجية، دعوا حكوماتهم بتمويل بحوث تستشرف تحورات الفايروسات من أجل صنع لقاحات محتملة لأوبئة محتملة لأن اللقاح يستغرق وقتا طويلا في صناعته، ولكي تتجنب المجتمعات شر هذه الفايروسات المتحورة ومحتملة الحصول. لكن لم يجد الباحثون آذان صاغية ولا أيادي كريمة تستوعب هذا الإجراء وتدعمه!!!

إنذار للاستعداد في المستقبل

جميل عوده إبراهيم، الباحث في مركز أدم للدفاع عن الحقوق والحريات: كل ما حدث في الأشهر الماضية ابتدأ من انتشار هذا الوباء وآثاره يفوق طاقة الدول والجماعات والأفراد. ولا يتعلق الأمر بمستوى الاستعدادات لدى الدول وقدرتها على الحد منه أو من آثاره فحتى الدول التي كانت على أتم الاستعداد صحيا واقتصاديا وقفت شبه عاجزة ومصدومة في مواجهة عدو خفي فتاك. واعتقد في ظل أزمة كهذه وفي ظل وضع كهذا ينبغي أن نفكر خارج الصندوق. وهناك أمران خارج استراتيجيات الدول ينبغي التركز عليها للمحافظة على الإنسان او امن الإنسان او الأمن الاقتصادي او حقوق الإنسان وقد لعبا دورا محوريا في تفتيت هذه الأزمة وفي الحد من آثارها؛

١. مستوى وعي الإنسان المبني أساسا على الخوف على حياته وحياة أحباءه.

٢. مستوى التكافل الاجتماعي الذي ظهر جليا في المجتمعات الإسلامية والذي أنقذ دول مثل العراق من خطر الوقوع في كوارث اجتماعية.

في جانب آخر أرى إن هذه الأزمة كانت إنذار للاستعداد في المستقبل ومن جانب آخر كانت قد أوقفت كل الممارسات الخاطئة التي كان يمارسها الإنسان في الظروف العادية فانظروا إلى انخفاض مستوى الجرائم بكل أنواعها. وانظروا إلى المراجعات التي عملتها الدول والشركات وحتى الأفراد. والسؤال هنا، ما هي المحفزات الايجابية التي أفرزتها أزمة كورونا الصحية؟

انسلاخ الأمن الإنساني عن الأمن القومي

الأستاذ الدكتور مناضل الجواري جامعة كربلاء- كلية الإدارة والاقتصاد: تأثرت مقومات الحياة الإنسانية الدولية بجائحة كرونا إذ خلقت هذه الأزمة الصحية تهديدات مختلفة في الحياة البشرية الكونية وفي كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، إذ تتباين بل، وتختلف دول العالم في درجة احتواء هذا الوباء الدولي وفقا واستنادا لدرجة كفاءة النظام الصحي وكفاية المخزون الصحي أيضا لديها، فقد تعطلت القطاعات الاقتصادية وركد النشاط الاقتصادي نوعا ما وشلت معظم المجالات الحياتية والديناميكية (الحركية) لفروع مهمة وقنوات إنتاجية وربحية في العالم، فقد توقف الموظفون والعمال عن العمل وانخفض الأداء الاقتصادي ومستويات الإنتاجية في المصانع والمعامل المنتجة، بل وتوقفت خطوط الإنتاج وأنظمة الإنتاج وخاصة في العالم الغربي الصناعي التحويلي وفروع الصناعة الثقيلة والخفيفة، وعندئذ نتكلم مدى الخسائر في الأرباح للشركات ولهذه الدول ذات الصناعات المولدة للقيمة المضافة العالية.

ولإعطاء نظرة شاملة (overview) عن الموضوع دعونا نقف عند مفهوم الأمن الإنساني (humanity security )، إذ ظهر هذا المفهوم بعد انتهاء الحرب الباردة كنداء صريح من قبل منظمة الأمم المتحدة (U.N ) رغبة منها لتفعيل أو لإظهار دورها في المجتمع الدولي وتقاريرها الكثيرة في التنمية البشرية والاهتمام بالعنصر البشري وتدريبه وتأهيله، ثم أتت بمصطلح آخر أكثر براقة هو التنمية المستدامة لضمان حقوق الأجيال الحاضرة بالمستقبل أو باختصار كبير استدامة الحاضر والمستقبل والأمن القومي وحفظ الحدود الدولية من الاعتداء الخارجي.

لكن حصل فصل او انسلاخ لمفهوم الأمن الإنساني عن الأمن القومي منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي إذ ركز الأمن الإنساني على الفرد وحقوقه وأمنه من مجمل المخاطر المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، حيث إن تلبية الحاجات المادية للبشر والنمو المستدام والتنمية المستدامة هي من ركائز الأمن الإنساني يلحق بها الحق في التعليم والعدالة والحكم الرشيد وفرص العمل والقضاء على الفقر (poverty) والعوز (want) بل، ورفع معدل النمو الاقتصادي، وتعد الأزمة الصحية العالمية الحالية 2020 (الحالة الدراسية) إذ صنفت (classified) بأنها متعددة الاتجاهات والأبعاد من ناحية التأثير او الضرر، إذ تشير الإحصائيات الدولية انه بعد مرور ثلاثة اشهر على ظهور الأزمة حصل ما يقارب 51 ألف حالة وفاة تركت آثار سلبية وعكسية على القطاعات الاقتصادية والنظام الصحي العالمي برمته، ولاعطاء صورة شاملة او استعراضية (preview) عن الأمن الإنساني فقد كان لهذا الوباء (epidemic) آثاره الواضحة في مجالات عدة لابد أن نذكرها:

1- الأمن الصحي: حيث ذكرنا سابقا حالات الوفاة التي حصلت في العالم وما تزال قائمة حيث حصد الفايروس أرواح الكثيرين.

2- الأمن الغذائي: حيث أغلقت المصانع أبوابها والشركات المنتجة وتوقف المنتجون عن الإنتاج وأنظمة الإنتاج والرحلات الجوية ذات العلاقة بهذه الفقرة.

3- الأمن الفردي: إذ اثر الفايروس على حياة الفرد وبيئته وخلق الاضطراب البيئي (غياب البيئة الآمنة) وغلق الجامعات وتأثرت المعتقدات الفردية إذ غلقت المساجد الدينية.

نستخلص من ذلك إن هذا الوباء الدولي أثر وبدرجة كبيرة على الأمن الإنساني عالميا.

الامن الغذائي والصحي

المحامي زهير الميالي؛ عالمياً يفترض أن دور المنظمات الدولية للصحة العامة التابعة للأمم المتحدة أن يكون وجودها جوهريا وليس هامشيا وأن ينشأ صندوق دولي فعال وخاص بجميع الدول حالها كحال منظمة الأغذية العالمي وكذلك الاقتصاد لتلافي أي خطر صحي مفاجئ وأن لا تكون تابعة لرغبة أحدى الدول.

وأما على الصعيد الوطني بضرورة توفير الأمن الغذائي للطبقات الوسطى التي تعيش على الكسب اليومي الذي يتزامن مع إجراءات الحضر الوقائي والصحي لأنه لا يمكن إن يعيش الإنسان بعزلة اجتماعية ويقعد عن مزاولة أعماله الكسبية. وكذلك ضرورة توفير بنية تحتية صحية تكون مهيأة لأي طارئ صحي ويستوعب الأزمة الصحية لأن الأزمات الصحية تأتي بدون سابق إنذار، وبهذا يمكن أن نقول هناك ارتباط أو عامل رئيسي في أي أزمة بينه وبين الغذاء، وكذلك تفعيل دور الدولة بشكل كبير لكي يكون أكثر استجابة في التعامل مع الأزمات مثل إجراءات الوقاية وما يرافقها من حضر للتجوال. اعتقد أن دول العالم فشلت في التصدي لهذا الوفاء وخاص الدول المتقدمة تكنولوجيا بسبب حصر جميع جهودها تقنيات الأسلحة والمعلومات التكنولوجية والبنية التحتية والتنمية بأنواعها وتركت جانب مهم وهو الصحة والاهتمام بحياة الإنسان...

تغيير أولويات العمل في المستقبل

الدكتور حسين احمد السرحان، أستاذ وباحث في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية الاستراتيجية: فيما يخص السؤال الأول، موضوع الفشل أو النجاح في مواجهة جائحة كورونا أمر نسبي. إذ لا يمكن الحكم على فشل أو نجاح الدول فالأمر متباين من دولة إلى أخرى.

وبالإمكان حصر أسباب إخفاق بعض الدول إلى أسباب اقتصادية تتعلق بضعف الإنفاق على قطاع الصحة وغياب الاستثمار في القطاع الصحي. كما أن عدم القدرة على الاستغناء عن الموارد البشرية في أغلب الاقتصاديات القائمة على عنصر العمل والإنتاج هو سبب آخر في ظل وباء يحتاج إلى الابتعاد ونوع من العزلة والتبادل. وهنا نتحدث عن قطاع الخدمات مثلا والذي يساهم في استيعاب نسبة كبيرة من الأيدي العاملة وكذلك قطاع الصناعات التحويلية.

أما فيما يخص السؤال الثاني؛ عالميا، نرى إن النظام الدولي بحاجة إلى أنماط جديدة في العمل قائمة على التضامن والتعاون وليس على أساس التنافس وسباق التسلح وتعزيز مكامن القوة. فالعالم بحاجة إلى نظام دولي قائم على أن قوة الدول بقوة مواردها البشرية ومقومات الحياة فيها. كما نرى أن الاقتصاد العالمي والمؤسسات الاقتصادية الدولية بحاجة إلى تعزيز قدرات الدول في مجال الاستثمار في القطاعات الصحية والعلاجية. فاستدامة وجود البشر أمر حتمي لتسيير قطاعات الاقتصاد. إذ لا يمكن لأي اقتصاد مهما بلغت مؤشراته من الاستقرار والإيجابية، أن يستغني عن عنصر الطلب الكلي. فأي ضعف في الطلب يقود حتما إلى ضعف في النمو؛ وبما أن الاقتصاديات على مستوى العالم باتت على درجة كبيرة من الترابط، فان تأثر أي اقتصاد يؤثر على الاقتصاديات الأخرى ومن ثم يمتد إلى الاقتصاد العالمي.

والتأسيس لهذا الإطار يكون عبر الجنبة السياسية والدبلوماسية. ولكن يبقى الأمر حبيس مفاهيم الأنظمة والدول للعلاقات الدولية ومبادئ تلك العلاقات.

عراقيا؛ لابد أن تتغير أولويات العمل في المستقبل. فالأمر يتطلب انتباه وحرص شديد على زيادة الإنفاق في القطاع الصحي وتوجيه الاستثمار له. فالقطاع الصحي أصبح خط الصد الأزل للدفاع عن الأمن غير التقليدي والأمن الإنساني. ومن جانب اقتصادي، نرى أن الاستثمار في هذا القطاع يساهم في تشغيل إعداد كبيرة من الشباب المتخصصين في العمل الطبي والتمريضي.

مع ذلك، لا أرى أن "القوى السياسية" في العراق في المرحلة الحالية لها رؤية غير رؤية تجاه مصالحها الحزبية والشخصية الضيقة وهي لا تنظر أبعد عن أصابع أقدامها.

اختبار قاسٍ لزعماء العالم الحر

حيدر آل حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية: مثلت جائحة الفيروس التاجي كورونا كوفيد-19 حدث مدمر على مستوى العالم لا يمكننا أن نتخيل عواقبه بعيدة المدى إلا اليوم، فمثلما أدى هذا المرض إلى تحطيم الحياة، وتعطيل الأسواق، وكشف عن مستوى كفاءة الحكومات (أو انعدامها)، فإنه سيؤدي إلى تحولات دائمة في القوة السياسية والاقتصادية بطرق لن تظهر إلا لاحقًا.

فالأمر المميز في هذه الأزمة هو امتحان كل الدول لرد كل دولة بصورة منفردة على الوضع القائم لديها ولكن أين القيادة الدولية لمواجهة ذلك، وأين الريادة الأمريكية المفترضة للرد على هذا الفيروس؟، وهو اختبار قاسٍ لزعماء العالم الحر، فلم يعد الاتحاد الأوروبي كنموذج يحتذى موجوداً بعد اليوم، لقد بدا أكثر هزالاً من آخر دولة في آخر بقعة هامشية مما سمي ذات يوم بالعالم الثالث، وانهارت أمام عذابات موتاه في المشافي دولة الرفاه، ومعها تراث عصر التنوير وفلسفات الفلاسفة.

ترى الدول الأوروبية بكل ما تمتلك من قوة عسكرية ودبابات وطائرات ورؤوس النووية ومصانع للأسلحة ومدى قدرتها على الحماية، في الوقت الذي لا يجد فيه المواطن الأوروبي سريراً للاستشفاء!، الم يكن الأجدى بمصانع السلاح أن تصنع مخزوناً استراتيجياً من أجهزة التنفس ترقباً لاندلاع الحرب مع المرض أسوة بتخزين الصواريخ؟. ذلك الاختبار يعيد التأكيد مرة أخرى، بشكل أكثر جلاء، أن الإنسان، حتى الغربي، ليس له قيمة في عرف الغرب وحضارته، وإنما هو رقم خاسر يتعين حذف عبئه عن خزينة الدولة حينما يكون ضعيفاً، وأن العالم ليس سوى حلبة صراع، الغاية فيه تبرر الوسيلة حتى ولو كانت قاتلة، وأن الصراع على الموارد حتمية تاريخية تقتضيها فرملة التكاثر السكاني الذي يهدد الموارد في الكون، بالحروب والمجاعات والأوبئة، وأن البقاء، في هذه المعمعة الطاحنة، إنما هو للأقوى فقط.

أتوقع بان العديد من البلدان بما فيها العراق سوف تواجه مصاعب للوصول الى مرحلة التعافي، مع انتشار ظاهرة الدول الضعيفة والدول الفاشلة لتصبح هذه الظاهرة من الملامح المميزة للعالم، لأن السعي لتوفير الأمن الإنساني سيزيد من الخسائر الاقتصادية بسبب التباعد الاجتماعي والحجر الصحي، خصوصا بعد تطبيق اغلب الدول سياسة الانكفاء على الداخل والانفصال عن الآخرين (سياسيا واقتصاديا) بدلا عن التركيز على ما يحدث في الخارج، وهذا الأمر سيؤدي إلى تنشيط الاكتفاء الذاتي والعودة من جديد لإحياء ما اندثر وتقليل سياسة التوريد، وانخفاض الرغبة في الانخراط في معالجة المشاكل الإقليمية أو العالمية أو الالتزام بها نظرا للحاجة التي يتصورها البعض إلى تكريس الموارد لإعادة البناء في الداخل والتعامل مع العواقب الاقتصادية للأزمة.

إعادة النظر في كل القناعات السيئة

الأستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي، أستاذ جامعي ومدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية: فيما يتعلق بالسؤال الأول، لا يمكن القول أن الدولة المتقدمة فشلت في مواجهة جائحة كورونا، نعم قد تكون واجهت صعوبات لكنها لم تفشل إلى هذه اللحظة، ولكن يبدو أنها لم تكن تتوقع وباء بهذا الحجم في القرن الحادي والعشرين، ومع كل هذا التطور العلمي الذي بلغته هذه الدول، لذلك شكلت المباغتة ضغطا كبيرا على أنظمتها الصحية سرعان ما أخذت تتكيف مع الحدث، وهي اليوم في طور التغلب على كورونا إلا أن المستويات العمرية لشعوب هذه الدول، وظروفها المناخية شجعت على تمدد الوباء فيها أكثر من غيرها، فضلا عن شفافيتها في إعلان المعلومات، وسعة الفحوصات التي تجريها كل ذلك جعلها تبدو إنها أكثر من غيرها في عدد الإصابات، على خلاف دول قد تكون أضيق في نسبة الشفافية وسعة إجراء الفحص الطبي.

أما بالنسبة للسؤال الآخر، فأجد أن المطلوب عراقيا وعالميا في مواجهة الجائحة هو إبداء المزيد من التضامن والتعاون الوطني والدولي، فكما تشير بعض المعلومات ربما ترافقنا الجائحة مدة من الزمن، وربما الأسوأ فيها لم يحدث لحد الان، وإزاء هذا الوضع فإن التقاطع في المصالح والتركيز على أسباب الصراع قد لا تكون أفضل خيارات البشر للتغلب على كورونا، بل الخيار الأنجع هو بالتركيز على التضامن الإنساني وتبادل المعلومات بشفافية حول سبل النجاح في إيجاد العلاج واحتواء المخاطر لتكون بحدها الأدنى. فضلا على تخصيص المزيد من الموارد المادية والبشرية والجهود في ميداني الصحة والتعليم، فقد أثبتت الجائحة أن كل موارد البشر التي أنفقت على الأمن والدفاع ومواجهة الصراعات والاستعداد للحروب تقف اليوم عاجزة ومعطلة ولا قيمة لها في هزيمة عدو مجهري غير مرئي بالعين المجردة، وأن هزيمة هذا العدو وأمثاله في المستقبل لن يكون إلا بمستويات نوعية من التعليم، والأنظمة الصحية، وهذا يقتضي من البشر إعادة النظر في كل القناعات السيئة التي جعلتهم ضعفاء أما مثل هذا العدو.

من جانب آخر، قد يحمل المستقبل مخاطر مرتفعة أيضا تضطر البشر إلى مزيد من إجراءات التباعد الاجتماعي، وهنا يتطلب الأمر الاستعداد منذ الآن إلى عدم إيقاف عجلة التقدم الحضاري الإنساني في جميع المستويات العلمية والتقنية والاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها... وهذا قد يتطلب إعادة النظر في أنماط الحياة التي اعتاد عليها البشر، بالتطلع إلى إبداع أنماط جديدة تتناسب مع المخاطر والتهديدات القادمة، فالبشر يقفون على أعتاب تحول كبير في وجودهم على الأرض، وهذا التحول بحاجة إلى إدراك وتفهم وإيجاد العقلية والأدوات المناسبة للتكيف معه من أجل البقاء والتطور.

الأمن المجتمعي العالمي مهدد

الأستاذ الدكتور ضياء عبد الله الأسدي، أستاذ القانون الجنائي كلية القانون-جامعة كربلاء: في الإجابة على التساؤل الأول والذي لنا عليه ملاحظة وهو عدم إمكانية الأعمام والإطلاق فيه فلا يمكننا القول أن الدول جميعا فشلت في تلك المواجهة. فهناك دول فشلت في ذلك وهي متطورة وعديدة وهناك دول نعتقدها نجحت بنسب متفاوتة. كما أن النجاح والفشل قد يكون مرحلي أو وقتي فهو فشل في وقت ثم تحول إلى نجاح ونجاح باهر وملفت للنظر في تطويق واحتواء الفايروس.

ان العديد من الدول الأجنبية فشلت في مواجهة الجائحة لأنها كانت تؤكد على الحضارة المادية أكثر مما تركز على الجانب المعنوي فيها وهو بناء الإنسان روحيا، فهي أهملت القيم المعنوية والروحية إهمالا كبيرا وجعلت منه شيئا ثانويا مركونا بل ذهبت ابعد من ذلك فقد أكدت على ضرورة الابتعاد عنها، وهذه القيم تعتمد في الأساس على الدين والعقيدة.

ان التركيز على الجوانب المادية نعم يبني حضارة وتقدم لكنها حضارة وتقدم ظاهري فقط وسوف يعاني في أول اختبار حقيقي له ونعتقد أن جائحة كورونا كانت ذاك الاختبار الذي كشف كثير من مواطن الضعف والانهيار في تلك الأنظمة.

أن ما يوصف بالدول المتقدمة باتت عاجزة بما تدعي امتلاكه من تطور تكنولوجي وعلمي وفي ظل أنظمة صحية طالما تغنت بها ولكن واقع الحال كشف عن ورقية وضعف تلك الأنظمة. وأصبحت تلك الأنظمة عاجزة عن تلبية لبسط المتطلبات للمواطن فيها.

كما عكست تلك الظروف الواقع الحقيقي بتلك البلدان والتهافت من قبل الأفراد على ابسط مقومات الحياة فيها وهي من تحاول أن تصور نفسها في قمة التحضر والتطور ولكن تبين عدم صحة ذلك.

فأنظمة صحية عالمية بان عجزها وضعفها أمام ذلك الاختبار، وأصبحت بأمس الحاجة للمتطلبات الصحية الأولية لرعايا المصابين وهي غير متوافرة فعن إي أنظمة صحية متطورة نتحدث!!!

كما أن من بين الأسباب التي قادت وأدت إلى ذلك الفشل المؤشر عدم الاستجابة السريعة من قبل العديد من الدول من خلال الإجراءات العاجلة والفعالة لاحتواء الفايروس ووقفت في بداية ظهوره موقف المتفرج وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى ظهوره وانتشاره، كما أنها لم تنسق تلك الجهود الصحية بالشكل الصحيح من خلال منظمة الصحة العالمية التي لديها تصنيف لذلك المرض الذي ظهر كوباء ومن ثم الانتشار فالجائحة التي تعد اخطر وأعلى المراحل.

أن المواقف الفردية التي انطلقت منها الدول العالمية في مواجهة ذلك الوباء، وعدم نجاحها في الاحتواء تؤشر أيضا الضعف والخلل الاممي بالخصوص، فالأمن المجتمعي العالمي أصبح مهددا ولم نلحظ إيلاء منظمة الأمم المتحدة له الاهتمام والمعالجات المنشودة ولو بمواقف دولية رسمية موحدة من ذلك.

ولكن وبعد الانتشار السريع والكبير للمرض بدأ تتنبه تلك الدول للخطورة الحقيقية له وترتب على ذلك اتخاذ جملة من الإجراءات التي يمكن أن تحقق الأمن الإنساني للفرد في صحته وحياته.

ان إعجاب تلك الدول بنفسها وما وصلت إليه من تطور وتكنولوجيا أصابها بالغرور وأصبحت لا تنظر لنفسها إلا بنظرة المعجب بذاته والمفتخر على غيره بما وصلت إليه من تطور وتقدم ولم تلتفت أن حياة الإنسان وأمانه الصحي البدني والنفسي هما من أهم العوامل التي تسهم في إي تطور بل هي أساسه وركنه القويم.

خلاصة القول أن هناك جملة من العوامل تضافرت في هذا الفشل الملحوظ ولا يمكن إرجاعه لعامل واحد بمفرده.

أما بالنسبة للسؤال الثاني، علينا أن نميز بين المطلوب عراقيا وعالميا وان كان الأمران متكاملين ويتمم احدهما الأخر، لكننا نعتقد أن الأهم حاليا لمطلوب على المستوى الوطني الداخلي أو العراقي، والذي نراه يتحقق من خلال محاور عدة ووفقا للأولويات والاهم ثم المهم.

أن الاهتمام بالمنظومة الصحية يأتي في مقدمة المطالب. والعمل على تدعيمها وتطوير يجب ان تكون له الأولوية.

فالبني التحتية الضعيفة والخدمات الصحية المتواضعة يقتضي إيجاد نظام رعاية صحية خاصة والعمل على تبنيه وفق آليات إدارية وتنظيمية وبالسرعة القصوى.

أن الاهتمام بالأمن الصحي وان كان أمر مهم وضروري في تحقيق الوصول للأمن الإنساني لكن لا يقل عنه أهمية ضرورة الاهتمام بالأمن الغذائي ودعم الفئات محدودة الدخل وزيادة الرعاية لهم، وهذا الأمر لا يتحقق ما لم يتم الاهتمام بموضوع الاكتفاء الذاتي للبلد من الأغذية الرئيسة وتشجيع الصناعة المحلية وكل ذلك يمكن أن يسهم في إيجاد فرص العمل للملايين من الأيدي العاملة التي هي بأمس الحاجة.

ان الوضع في العراق يحتاج إلى منهجية التخطيط المدروس بهذا الخصوص. وأيضا يتطلب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية للبلد في ظل التداعيات المالية والاقتصادية، فالنظام الريعي الواحد لا يحقق الأمن الإنساني للفرد العراقي، بل العكس سيبقى مهددا تهديدا مستمرا ما لم توضع خطط للتخلص من أحادية مدخولات الاقتصاد العراقي، واعتقد ما شهدت أسواق النفط من انخفاضات في الأسعار خير شاهد ودليل فلا يمكن أن تبنى سياسة دولة اقتصاديا وماليا على الموارد النفطية فقط.

والعمل على تطوير الزراعة يتطلب الاهتمام بالصناعة الوطنية للنهوض بها توازيا مع الزراعة، ويتم ذلك في ظل سياسة دعم وتشجيع المنتج الوطني من خلال الدعم المتنوع وتقليل المنافسة الأجنبية.

وهذا يمكن أن يتحقق من خلال تفعيل قوانين صادرة ولكنه معطلة من حيث التطبيق كقانون حماية المستهلك، وقانون حماية المنتج المحلي ومنع المنافسة والاحتكار.

ان النهوض على المستوى الوطني عراقيا يجب أن يتم في ظل منظومة قانونية تحترم الإنسان وحقوقه وتعمل على الاهتمام به ورعايته وتوفير متطلبات العيش الذي يحفظ الكرامة الإنسانية التي نراها جزء لا يتجزأ من الأمن الإنساني بل تقع في مقدمته.

ان وجود حكومة منقوصة الصلاحيات اعني بذلك حكومة تصريف إعمال لا يخدم المرحلة ومتطلباتها بل لابد من وجود حكومة بصلاحيات كاملة للقيام بالمتطلبات اللازمة في تلك المواجهة التي يعد جزء منها الدعم الدولي سواء من قبل الدول أو من قبل منظمة الصحة العالمية وعلى جميع المستويات التي تتطلبها تلك المواجهة.

احترام الإنسان وتقديره أوَّل الخطوات

الشيخ الحسين أحمد كريمو: العالم صار قرية الكترونية واحدة في ظل العولمة الرقمية الحالية، وهذا ما نراه بأم العين ونلمسه بالأيدي على كل المستويات، ولكن المشكلة المستعصية فيه؛ هو التحكم والتسلط الأمريكي على مقدرات العالم بطريقة جداً فجة، وخارجة عن كل المعايير، والمقاييس الدولية والإنسانية، لا سيما ما يدعونه من الديمقراطية، وحقوق الإنسان، فأي ديمقراطية وهم يريدون فرض قراراتهم على العالم أجمع، واي حقوق إنسان وهم لا يرون حقاً لأحد عندهم، فالكل عبيد يجب أن يُطيعوا السيد الأمريكي أو ليس له حق في الحياة وهي أبسط حقوق الإنسان في هذه الدنيا.

وعليه ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نجيب على ورقة الأستاذ الفاضل التي قدمها مشكوراً على جهده ورؤيته الطيبة لهذه المعضلة العالمية (جائحة الكورونا) التي فتكت بالعالم، ومازالت تفتك فاليوم أعلنت الصحة العالمية لا يمكن التكهن بوقت لانتهاء هذه الجائحة التي مازالت غامضة في كثير من فصولها بداية ونشأة، وغاية ونهاية.

أعتقد أن فشل الدول التي تدَّعي التحضُّر والتقدم التقني، والعمراني، والتكنلوجي، هو أنهم لم يكونوا محضِّين أنفسهم لمثل هذه الجائحة، وربما أنهم لم يتوقعوها من البداية، ثم تهاونوا في تعاطيهم معها من أيامها الأولى حين وصلت إليهم، فأخذوها بنوع من السخرية، واللامبالاة كبريطانيا التي أعلن الحاكم فيها أنه يريد أن يُطبِّق على شعبه "مناعة القطيع"، فإما جهلاً حقيقياً وإما تجاهلاً مصطنعاً.

كشفت هذه الجائحة خللاً واضحاً في المجتمع المعولم، وذلك لن كل دولة لديها ترسانة من أسلحة الدمار والموت الشامل بأرقام هائلة، وليس لهم كمامات صحية يعطونها للطاقم الطبي لديهم أو أجهزة تنفسية تكفي للمرضى، أو حتى مشافي يمكن أن تستوعب مثل هذا الوباء، فالخلل الصحي العالمي، يبرهن عن خلل في التفكير الغربي، الذي يركز اهتمامه على الحرب لا على أدوات السلام، وعلى الموت وصناعتها لا على الحياة وسعادتها.. فالدول المتطورة هي في مجال صناعة السلاح فقط لا في مجال صناعة السلام، والحب العالمي.

اما ماهو المطلوب عراقياً وعالمياً، فالمطلوب كما تفضَّل الأستاذ في ورقته المباركة؛ إلا أنه يجب أن يبدأ بالاعتراف العالمي بوحدة الإنسان في العالم أجمع، ودحض كل أنواع التفرقة العنصرية، واللونية، والأثنية، فمازالوا ينظرون إلى الشعوب والأمم على أنهم مخلوقات أدنى منهم، وأنهم (شعب الله المختار) تلك النظرة اليهودية المقيتة للأمم والشعوب، ولذا تراهم في الإمبراطورية الكبرى يرفعون شعارهم (الأمريكي أولاً)، و(نحن أهم)، وغيرها من الشعارات التي تقول: (نحن ومن بعدنا الطوفان)، فهؤلاء لن يصنعوا السلام العالمي، ولن يُحققوا الأمن الإنساني لأنهم سبباً في دماره وخرابه. 

ولكن هذا الكلام يُعيدنا إلى بحث المدينة الفاضل الأفلاطونية قديماً، والفارابية إسلامياً، وهذه –رغم صحتها وسلامتها وأحقيتها– إلا أنها لن تتحقق إلا في دولة العدل المنتظرة، في آخر الزمان التي ننتظرها ونترقب صاحبها، والعالم يُنكرها ويتربص ليحاربه بكل قوته..

وهو الذي سيأتي إلى هذه الدنيا وقد ملئت ظلماً وجوراً وفساداً، ليملأها عدلاً وقسطاً وصلاحاً فالعدل في الأرض لن يُحققه الطغاة والظالمون لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والظالم المجرم لن يبسط العدالة والسلام في ربوع الكرة الأرضية، فهل من عاقل في هذا العصر يشك بأن الإدارة الحالية للإمبراطورية الأقوى هي إدارة فساد، وحروب، ومنازعات عالمية، فكيف لهؤلاء أن يُحققوا الأمن ومطلق فكرهم لصناعة الحرب؟

وأما المنظمات الدولية فهي كلها أدوات بيد القوى المتسلطة فلا ننتظر منها أي شيء، وها هي منظمة الصحة العالمية اليوم لأنها لم تُنفِّذ الاتهام الأمريكي للصين بهذه الجائحة عاملتها كعدو وقطعت عنها التمويل كأي دولة تُريد أن تُحاربها فتبدأ بالجوع، والحرب الغذائية، والاقتصادية فإما الرضوخ للسيد (الكوبوي الأمريكي) أو الموت البطيء، والعجب العُجاب أنه لم يجرؤ أحد من المنافسين في تغطية التكاليف التي قطعتها الولايات المتحدة عن منظمة الصحة، فكان الأجدر بالصين أن تتصدى لذلك باعتبارها المنافس الأقوى على قيادة العالم في المستقبل، أو روسيا الاتحادية فكيف فاتت من بوتين، ولو كانت بالتنسيق مع الصين وإيران لكانت ضربة في الصميم لإدارة إمبراطورية الشر الشيطانية العالمية.

فعلى العالم أن يعي ويفهم أنه لن يُحقق الأمن الإنساني إذا لم يكن هناك اعتراف إنساني بحقِّ هذا الإنسان بالحياة، باعتباره المخلوق المفضَّل والمكرم، فهو غاية الحياة ومنطلقها، ويجب النضال العالمي لنشر هذه الثقافة الإنسانية في العالم التي اختصرها أمير المؤمنين الإمام علي (ع) بقوله لمالك الأشتر: (فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ) (نهج البلاغة).

هذا القانون الإنساني الشامل الذي اعتمدته الأمم المتحدة من بداية هذا القرن كشعار عالمي لها، فيجب أن يُصبح ثقافة عالمية، وأما الحقوق فيما جمعها الإمام علي بن الحسين (ع) في (رسالة الحقوق) يجب أن تكون عالمية لانتشال هذه الإنسانية من براثن رعاة البقر الذين لا معنى عندهم للإنسانية كما كشفتهم وعرَّتهم هذه الجائحة الكورونية.

ثوروا على الجشع والطمع

الباحث حسن كاظم السباعي: بالنسبة للإجابة على السؤال الأول، لو افترضنا أن هذه الجائحة بمثابة عدو، وأنَّ البلد في حالة حرب ضروس؛ لكنا نرى أن الحكومة ستغير سياستها وتجر اقتصادها لمصلحة المقاومة والدفاع ومن ثمّ الإصلاح وإزالة آثار الحرب وتقوية الجانب العسكري في أيام السلم للدفاع عن الأرض والحِمى والذمام.

ومن جهة الشعب؛ هو الآخر سيتكاتف ويتآزر لأجل إنهاء الحرب بأقل الخسائر الناتجة عن الإصابات والحصار ونحوه.

نعم.. في الحروب يتكاتف الجميع حكومةً وشعبًا بل وتتكاتف بعض الدول ضد أخرى ضمن اتفاقات مسبقة بينهم وغيره. مثلًا: ينقل إنه في الحرب العالمية الثانية حُوِّلت المصانع والشركات لمصلحة الجانب العسكري ومن بينهم أيضًا مصنع كان لألعاب الأطفال!، كان الهدف واضح وهو تجهيز مستلزمات الحرب وعدتها، من ملابس للجنود ومعلبات لتوفير الأكل لهم.

وبالمثل؛ كان ينبغي أن يُتعامل مع جائحة كورونا (كوفيد ١٩) بـنفس مبدأ المقاومة والدفاع في الحروب، وهناك من طبق ذلك فنجح في تضييق الخناق على هذا العدو الذي غزا كوكب الأرض قاطبة.

مثلًا: نجحت نيوزيلندا في ذلك نجاحًا باهرًا إذ كان يُكتب في لوحات الشوارع: "اِبق في بيتك واحفظ الأرواح". دولة صغيرة في أقصى المحيط لا تكاد تُرى هي الأخرى في خريطة العالم حاصرت ذلك المخلوق المجهري المرعب باسلوب بسيط وفعّال. لقد نشروا الوعي الصحي، وتضامنت الحكومة والشعب معا كـجبهة واحدة لصدِّ العدو المشترك كـجسد وتحملوا المسؤولية، وانصاع الشعب للتعليمات، وبُذلت الأموال في سبيل توفير الخدمات للمحتاجين كـراتب أُسبوعي لمن لا يعمل ولا يدخر، ومنح غذائية للمضطر زيادةً على الراتب، وأدّت نسبة التطوع من قِبل الأفراد لـ خدمة المسنين ومن لا يستطيع.

وفاق تضامن المجتمع الحدود العرفية والدينية والاجتماعية والثقافية، كون نيوزيلندا كتلة من المهاجرين من مختلف أصقاع الأرض للأرض الجديدة، بلد تحوي مختلف ثقافات العالم ودياناته على صعيد واحد وبدون أية عنصرية أو تمييز. كـنتيجة؛ استفاق الشعب وهو يسمع كلمات الإطراء على ما حققه من نجاح وانتصار على الفيروس. شعب تم تثقيفه استفاد من عِبر الماضيين كـإيطاليا واليابان والصين، تكاتف فـصار مثال الشعب الناجح، وللعالم اليوم فيه أسوة حسنة وهو جهد شعبي وحكومي معًا بلا أدنى ريب.

من هنا؛ لو لم يكن هذا التعاون، وكان الجهد من طرفٍ دون آخر، لما كان يحصل هذا النجاح، وهذا ما افتقدناه في الأماكن الأُخرى من دول العالم حيث كان السعي من جهة واحدة أو لم يكن التكاتف في الحد اللازم.

عراقيًّا؛ لا يمكن أن نتوقع شيئًا من الحكومة، ذلك لأنَّ لديها حساباتها ومصالحها الخاصة ولا يخفى أن المتضرر هو الشعب وبدم باردٍ أيضًا. لكن فرديًا واجتماعيًا؛ يمكن التغيير بداية بـزيادة التثقيف، وثانيًا؛ بالترابط والتعاطف والتكاتف؛ فمن لا يملك قوت يومه كيف يمكنه أن يلتزم الحجر الصحي!، نعم كان واجب الفقير أن يشهر سيفه إن كان جائع، وبـالفعل؛ قد خرج الجياع في مظاهراتٍ عارمة حتى قبل مجيء الجائحة!، لكن الفيروس انتشر وعلى المضطر أن يختار كيف يموت!، فـمن لم يمت بالطاعون مات بالديون، وهمّ الإيجار والطعام والنفقة. من هنا؛ فإنَّ الحل بيّن واضح يحتاج للتطبيق وهو: أنَّ مال الله لا ينبغي أن يكون دُولة بين الأغنياء، بل اصبروا وصابروا ورابطوا، وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، وتعاونوا على البر والتقوى، ويؤثرون على أنفسهم.. آيات و توجيهات حياة، لكنها صارت مجرد شعارات دينية و رمزًا للدولة الأفلاطونية.. ولكن الناس للناس كما يقال.

عالميًّا؛ لا يختلف الوضع كثيرًا، لكن الفرق أن السلطات والشعوب فهمت معنى أن تدير الدولة اقتصادها بذاتها وتنغلق عن العالم، وفهم المجتمع أهمية الإيثار والقيم الأخلاقية كـالتضامن والسعي لـلاكتفاء الذاتي. كما فهمت الدول عامة ضعفها في جوانب مختلفة فحقٌ لها أن تعيد النظر في المنظمات العالمية وأُسسها وسياستها، لكن هل يدخل هذا الفهم مرحلة التطبيق؟، لا يلوح في الأُفق ما يدل على ذلك، وآية ذلك؛ أزمة ٢٠٠٨، حيث مرَّت مرور الكرام رغم كل الشعارات المطالبة بـالعظة والتغيير.

ولكن يبقى الأمل؛ فإنَّ هذه الجائحة أيقظت النفوس لتعود لبارئها وتتضرع وتعترف بوجود خالق لهذا الوجود العظيم، وأن الإنسان مهما كان في أوج قوته أضعف حتى من كائن مجهري أصغر آلاف المرات من البعوضة التي ضربها الله مثلًا في كتابه الحكيم فما فوقها!، وفي زمن البذخ والاستهلاك علينا أن نتخرج من هذه الجائحة والابتلاء لتحقيق أمن ذاتي إن لم يكن على مستوى الإنسانية قاطبة فما لا يدرك كله لا يترك جله، فـعلى الفرد منا أن يبدأ بنفسه وأسرته ومجتمعه لا أقل في معرفة الأهم فالمهم في تحقيق الأمن الاقتصادي والاستهلاكي، وأيضًا في التضامن الاجتماعي، وتأهيل المرء أولاده وأسرته لإدارة الأزمات والتخطيط للمستقبل سواء من جانب تعليمي أو صحي أو ترفيهي.

ثمَّ بـالتعاون لـتوفير ما تستحقه الشعوب الواعية لأجل بناء مدنية وحضارة أرقى كما فعل شعب سنغافورة واليابان. ولا يخفى أيضًا الجانب المظلم لهذه الجائحة من تكبر الغني على الفقير وإغفال أمر إعانته، وهدر أرواح بعض المرضى أو تركهم لـموت جماعي في دور العجزة، وتقديم علاج البعض على حساب ذوي الهمم، ورؤية الأضعف عالة على الوطن واتخاذ الفيروس ذريعة للقضاء عليه بصورة سرية أو علنية، والتنمر على المرضى ونبذهم وتعنيفهم وإيذاء مشاعر الناس بعضهم البعض.

ثورة كورونا اليوم قد لا تختلف عن الثورة الفرنسية من قبل؛ قوم في بروجهم العاجية يظنون أن الفقير يبحث عن الخبز لسد جوع أطفاله ليتشدّق البعض بإطعامهم البسكويت، وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه قائلًا: ثوروا على الجشع والطمع في داخلكم وأعينوا فقيركم كما فعل رسول الله إذ آخى بين المهاجرين والأنصار فـهذا وقت التآخي، فـالفقير المضطر الذي يخرج معرضًا نفسه للمرض لأجل سدّ رمق حري أن يُرحم، لا أن يُتّهم أنه ناقل للمرض أو غير مبال ويستحق التحقير كما أشيع عن بعض المجتمعات أنَّ امرأة فقيرة خرجت تستطعم لأطفالها فأبوا أن يضيفوها وهي كانت تعمل في تنظيف البيوت فقوبلت بالإهانة على مرأى ومسمع ومنتدى ومجمع، ونفس الموقف يتكرر في كل مكان.

إنَّ العالم يحتاج لدورات تثقيف في احترام الآخر، فـالإنسانية باتت مستوى راقٍ لابدَّ أن يُدَّرس بعد أن طغت المادية وعبثت بـالفطرة السليمة لتحقيق الأمن الإنساني والمجتمعي والفردي على حد سواء.

المسؤولية الفردية وتوحد البشرية في مصيرها المشترك

الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام: العالم مريض جدا ليس فقط بسبب فيروس كورونا المستجد، بل مريض سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا وأيدلوجيا واجتماعيا وبيئيا، ويفتقد المناعة الكاملة لأي أخطار وكوارث.

على الصعيد السياسي: حيث العالم منشطر جدا يعيش التناقضات والصراعات وغياب الأولويات الجمعية، فكل بلد خصوصا الدول المتقدمة والمتمكنة تعيش في انغلاق على مصالحها الضيقة القصيرة الأجل وكأنها تعيش في عالم منعزل لكنها في الحقيقة موجودة في عالم مفتوح جدا يفتقد الاكتفاء الذاتي يعتمد على غيره أكثر مما يعتمد على قدراته الذاتية، لكنه مع ذلك لم يؤسس لأي تعاون مشترك في مواجهة التحديات المصيرية المشتركة.

فالعالم أصبح محشورا بين دول الاستعمار الغربية التي تمارس هيمنتها الليبرالية لمصالحها الخاصة، وبين قوى استبدادية كبرى لاتملك أي مؤشرات للشفافية والوضوح.

مع وجود مؤسسات دولية اغلبها منبثقة من الأمم المتحدة هي شكلية مترهلة تعتمد على المحاصصة ومصالح المتنفذين وبيروقراطية استغلالية.

فتعمق الاختلال في بنية النظام العالمي فأصبح العالم بعيدا عن بعضه تسوده النزاعات الشعبوية مع سحق كبير لحقوق الإنسان وانتهاك للحريات الإنسانية.

على الصعيد الاقتصادي: حيث أصبح العالم شرها للسيطرة على موارد الأرض واستنزافها لصالح قلة قليلة جدا مع صعود طبقة كبيرة من الفقراء، دون مراعاة لأولويات بناء المجتمعات الإنسانية، فأصبح الاقتصاد مقدما على الصحة وعلى البيئة وعلى العدالة الاجتماعية، فما فائدة الاقتصاد إذا كان العالم مريضا كما نلاحظ في جائحة كورونا التي جعلت الاقتصاد العالمي في شلل تام.

على الصعيد الأخلاقي: حيث يسود عالم الاستهلاك والمادية المتضخمة واللامبالاة تجاه الآخرين، فغابت القيم الأخلاقية الإنسانية وسيطرت الأنانية والترف والشراهة والفساد والعنف والحروب، وتفشى السلوك الفردي الذاتي تجاه القضايا الإنسانية حيث كل ما يهم الفرد تحقيق متعه وملذاته الذاتية، فكيف تبني عالما سليما في غياب الأخلاق، حيث الأخلاق هي التي تستطيع أن توحد البشرية في مصيرها المشترك، والأخلاق هي التي ترسخ المسؤولية الفردية تجاه الآخرين. فعندما ينمو الوعي الأخلاقي ينمو إحساس الناس بالمسؤولية تجاه البيئات المحيطة، ولكن مع غلبة الاستهلاك الشره يموت الوعي الأخلاقي وتنتزع صفات الخير.

على الصعيد الاجتماعي: تساهم التكنولوجيا في المزيد من الانشطار الاجتماعي محليا وعالميا، فبدل أن تؤدي ثورة المعلومات إلى نمو المعرفة البشرية أدى غياب الثقافة المعرفية إلى صعود النزاعات الاجتماعية وغلبة التفاهة والتسطيح الفكري، مما أسرع بزيادة الأمية الاجتماعية والثقافية واختلال الوعي الجمعي بالمصير المشترك وضرورة التحول المعلوماتي نحو التغيير والإصلاح المثمر، بل أن الاستغلال السيئ لأباطرة التتفيه والاستهلاك غيب كل عوامل التفكير العميق وحول الإنسان إلى مجرد آلة مستهلكة للأشياء في نظام مادي رأسمالي شره لا يعترف بالأهداف الاجتماعية.

على الصعيد الأيدلوجي: حيث بشر دعاة نهاية التاريخ بنهاية الأيدلوجيات ظهرت ايدولوجيات مستنسخة تنشر السلوكيات الشاذة باسم الحرية المطلقة، أدت إلى ابتعاد الكثير من الناس عن القيم الإنسانية المعتدلة والمتوازنة، ومع الاختلال الفكري تظهر المتناقضات ويزيد الانشطار ويبتعد الفكر الإنساني عن الحلول المطلوبة، أدت هذه الايدولوجيات إلى نمو التطرف والكراهية وصعود الشعبوية كأيدلوجية بديلة للدفاع الذاتي، ومع هذا التطرف الايدولوجي الذي يهدف إلى تفكيك القيم الإنسانية سوف يزداد العالم تفككا وظهور المزيد من التطرفات الخطيرة.

على الصعيد البيئي: حيث كل هذه الاختلالات تؤدي إلى فقدان التوازن البيئي بغياب الاتفاق البشري في الاستفادة السليمة والمعتدلة من موارد الأرض، فالفوضى المناخية والسلوكيات الشاذة ستؤدي حتما إلى استفزاز كل القوى الكامنة في الأرض وتؤدي إلى ظهور أنواع الفايروسات والأوبئة والأمراض، أليس الكثير من أمراض الإنسان هي نتيجة لاختلالات جينية بسبب الصدمات النفسية أو الإفراط في الأكل والشرب أو تلوث البيئة، فالاختلال في بنية الأرض وتوازنها الجيني سيجعلها في مواجهة حاسمة مع الكوارث والأوبئة الخطيرة.

أما فيما يتعلق بجواب السؤال الثاني؛ ما المطلوب عراقياً وعالميا لتحقيق الأمن الإنساني في مواجهة الجائحة وبقية المخاطر التي تتهدد الإنسان؟

العراق مشاكله كثيرة واغلبها هي معرفية حيث يعيش اغلب النخب والمجتمع في اللحظة اليومية والسلوك الآني ويغيب التفكير في المستقبل، لذلك تبقى الأزمات تستعيد نفسها وتستنسخ كوارثها.

ومع أن العراق يملك موارد كثيرة جدا لكنه بلد يعيش القلق والخوف من المستقبل، وإذا كان كذلك فلماذا لا يفكر في المستقبل؟

أولا: نحتاج إلى تطوير الوعي الجمعي العراقي بالأمن الاستراتيجي في مختلف الاتجاهات، ونبذ السلوك الريعي اليومي، عبر توجيه الوعي نحو المستقبل. تغيير الوعي يعتمد على تغيير الأفكار وتغيير أساليب التفكير تجاه أنفسنا وتجاه محيطنا وتمكين المعرفة لبناء مناعة ذاتية وجمعية تجاه السلوكيات والأفكار السيئة والسلبية وخصوصا بعض العادات والأعراف الاجتماعية.

ثانيا: أن يتحول النظام السياسي في مدخلاته ومخرجاته نحو بناء الأمن الاستراتيجي والتخلص من الأمراض الفئوية الضيقة التي أرهقت النظام السياسي وجعلته بلا لون ولا طعم، بل تحول إلى نظام فارغ في محتواه بعيدا عن أي هدف. وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى عقلية السياسي الذي كثيرا لا يفهم المقتضيات والتحولات، بل انه لا يملك المعرفة اللازمة للإدارة والسياسة والقيادة، فالعمل بالأهداف المستقبلية وإدراكها سيؤدي إلى ترصين العمل السياسي وإنجاح مخرجاته.

ثالثا: القطاع الخاص الممنهج والمنظم والمحمي سيحقق الأمن الاقتصادي حيث أن افتقاده أخطر أنواع الاختلال الأمني، حيث سيكون مساعدا كبيرا في مساعدة الدولة المترهلة والقطاع العام المشوه، ولكن بعض الكتل السياسية والاجتماعية لا ترغب في نجاح القطاع الخاص لأنه سيؤدي إلى اضمحلال الدولة الريعية المركزية التي تمكنها من الهيمنة والسيطرة.

رابعا: الانفتاح على العراقيين جميعا خصوصا العقول والكفاءات والمستثمرين، حيث يساهم ذلك في الاستثمار البشري والاقتصادي إلى تحقيق التنمية المستدامة وبناء نظام صحي رصين، واستثمار كل القوة الكامنة في المجتمع، والتي لا يستفاد منها بشكل جيد نتيجة لافتقاد الأمن السياسي والاجتماعي والحماية الأساسية، بسبب المحاصصة والتبعية والفساد وبيروقراطية الدولة العميقة.

كما أن هناك حلول أخرى يحتاجها العراق لبناء آمنه الاستراتيجي ومصيره المستقبلي ومناعته الذاتية، مثل تطوير التعليم ومناهجه ونبذ العسكرة والعنف وترسيخ اللامركزية وتعزيز الرقابة والشفافية والنزاهة وتطوير المجتمع والتعددية السياسية والفكرية.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق