q
شهد العراق في الأسابيع الأخيرة تزايد حمى السباق الانتخابي، ترجمت عمليا استحضار شعار لويس الرابع عشر أنا الدولة والدولة أنا، من قبل أقطاب القادة السياسيين فيه، بما يؤشر عدم وجود مظلة سياسية أو مقترب أو عقد وطني جامع لهؤلاء، مع إنعدام للتوافق والتفاهم على قيادة المرحلة...

"أنا الدولة والدولة أنا"، عبارة أطلقها الملك الفرنسي لويس الرابع عشر قبل أكثر من ٣٠٠ سنة كمؤشر على الاستبداد واختزال السلطة السياسية في شخصه وابتلاعه الدولة، رغم أنه قال حينما كان يحتضر: "أمضي أنا وتبقى الدولة".

ورغم كل التحولات والتطورات الحاصلة في النظم السياسية صوب الديمقراطية وإجراء الانتخابات والتحديث السياسي، لا يزال هذا الشعار حاضرا عمليا في الواقع السياسي العربي خصوصا والشرقي عموما.

في العراق جميع الحكام والقادة منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية الآن، لم تكن لديهم البصيرة في بناء عراق شامل ومتعدد الطوائف والأعراق بعيدا عن المحددات الضيقة للعروبة السنية والإسلام الشيعي والقومية الكردية.

ولم يسعَ أي من هؤلاء الحكام بجدية إلى بناء الهوية العراقية المركبة من الهويات المتعددة؛ الطائفية والمذهبية والقومية والقبلية، ولم تستطيع هذه القيادات أن تشكل هوية وطنية أفقية جامعة للتاريخ والمستقبل المشترك بعد العام ٢٠٠٣.

إذ أفرز الواقع السياسي العراقي قادة صراع لا قادة بناء، وما حصل في العراق من هدر وفساد وتراجع سببه في الغالب عدم وجود قيادات بناء تحمل في طياتها مشروع إصلاح وإعمار وتتبنى سياسات تتوافق مع الديمقراطية والتعددية الموجودة في العراق، مما أوقع البلد في أزمة بنيوية في كيفية إفراز قيادات واعية وفاعلة تؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

شهد العراق في الأسابيع الأخيرة تزايد حمى السباق الانتخابي، ترجمت عمليا استحضار شعار لويس الرابع عشر "أنا الدولة والدولة أنا"، من قبل أقطاب القادة السياسيين فيه، بما يؤشر عدم وجود مظلة سياسية أو مقترب أو عقد وطني جامع لهؤلاء، مع إنعدام للتوافق والتفاهم على قيادة المرحلة القادمة بما فيها من أزمات وتحديات تحتاج إلى تجاوز الخلافات والصراعات والشخصنة.

كان الصراع على السلطة وتحديدا منصب رئيس الوزراء، هو الدالة على محاولة اختزال الدولة بالقائد والقائد بالدولة لدرجة تحدي الدولة ذاتها.

ما حصل من صراع الإرادات السياسية مؤخرا، يثبت أن ما يجرى في العملية السياسية العراقية مرهون بالأمزجة الشخصية والمصالح الحزبية.

فالرسائل والتصريحات المضادة تشكّل قواعد اشتباك بين القادة في المرحلة المقبلة، وفق ذلك ستغيب الدولة كمفهوم عن وعي القيادة الحاكمة ويصبح وعي هؤلاء قاصرا مختزلا بأن الدولة هي القائد والقائد هو الدولة وهذا يراد له أن ينسحب إلى القواعد الجماهيرية التابعة لهؤلاء، ولا معنى للمؤسسة والقانون والنظام خارج أطر واحتكار وامتياز هؤلاء القادة.

هنا يغيب البعد القيمي الذي يعني "أن الدولة والسلطة لا تختزلان بالفرد بل بالجماعة" عن عملية عقلية القادة، وتتهاوى القيم والمبادئ الحاكمة والضابطة لبناء الدولة أو إعادة بناءها أو استدامة بقاءها إن كانت موجودة.

خلاصة ما جرى ويجري في العراق:

تأكيد قياداته وزعاماته على جاهزيّة جماهيرها وأتباعها للنزول إلى الشارع حتى لو كلّف ذلك اقتتالاً داخلياً حقيقته هي التلويح بأنه إذا سرق منا منصب رئيس الوزراء أو جاءت نتائج الانتخابات على خلاف رغبتنا، فسنعيد الفرز بطريقتنا، بالمقابل فإن القيادات الأخرى وجماهيرها أما ستنزل للشارع أو تواجه ذلك عبر المواجهة السياسية عن طريق التحالفات المحايدة للفائز، وتشكيل تحالف انتخابي واسع، للتعاون في مرحلة التصويت ومرحلة تشكيل الكتلة الأكبر.

فرسائل عدم التساهل والتسامح والتهاون في التخلي عن منصب رئيس الوزراء من قبل هؤلاء، سواء عبر السلاح أو التحالفات أو التزوير ستدفع الدولة ومؤسّساتها ثمنه، وليعبر عن شعار أصبح واقعا في العراق المعاصر، الكل يقول أنا الدولة والدولة أنا.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق