q
يواجه الشعب العراقي تهديداً كبيراً لقيمه النبيلة ولأمنه الوطني، بسبب انتشار المخدرات بصورة تصاعديه بين شبابه، ولأسباب متنوعة تتعلق بمؤسسة الأسرة والبيئة الإقليمية والسياسات الوطنية والدولية، ويترتب على ظاهرة انتشار المخدرات في المجتمع العراقي، العديد من المخاطر الأمنية والصحية والاجتماعية والاقتصادية...

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) صدق الله العلي العظبم

البقرة - الآية 219

المقدمة:

يواجه الشعب العراقي تهديداً كبيراً لقيمه النبيلة ولأمنه الوطني، بسبب انتشار المخدرات بصورة تصاعديه بين شبابه، ولأسباب متنوعة تتعلق بمؤسسة الأسرة والبيئة الإقليمية والسياسات الوطنية والدولية، ويترتب على ظاهرة انتشار المخدرات في المجتمع العراقي، العديد من المخاطر الأمنية والصحية والاجتماعية والاقتصادية.

وعليه تأتي ورقة البحث هذه في بيان واقع انتشار المخدرات في المجتمع العراقي، مع إيجاز أسباب ذلك، والمخاطر الناجمة عنها، كما يأتي:

أولاً- تهريب المخدرات إلى العراق وعبورها من خلاله:

كان العراق حتى سنة 2003 يصنّف من بين الدول النظيفة من المخدّرات، أما بعد الاحتلال والهيمنة، تمكنّ تجّار المخدرات من إدخال كميات كبيرة إليه، الأمر الذي يُشكل تهديداً حقيقياً للأمن الاجتماعي، والاقتصادي، وتخريباً للبناء القيمي الذي تميّزَ به المجتمع العراقي. كما تحوّل العراق إلى منطقة عبور للمخدرات القادمة من أفغانستان وإيران، إذ تنقل من خلاله إلى الأردن ودول الخليج العربي وترسل إلى الأسواق في أوروبا .

واستفحلت ظاهرة تهريب المخدرات الى العراق منذ سنة 2003، حيث أشار تقرير صادر عن الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى وجود 7000 مدمن مسجل في عموم المحافظات سنة 2004، وارتفع الى 28 ألف مدمن في سنة 2006 .

وأكد تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2004، أن الهيئة تشعر بالقلق: (لأن الوضع فيما يتعلق بالمخدرات في العراق يمكن أن يزداد تدهورا نتيجة لتفكك آلية مكافحة المخدرات فيه، وذلك بسبب موقعه الجغرافي وعدم استقراره السياسي والاقتصادي) .

وأوضح تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2013، أن: (هناك أدلَّة على أنَّ شحنات المخدِّرات غير المشروعة تُهرَّب بقدر متزايد عبر العراق، الذي أصبح محوراً هاماً على درب تهريب المخدِّرات الممتد من أفغانستان وإيران وباكستان إلى دول الخليج العربي وكذلك إلى لبنان وسوريا. وحدث ازدياد في تهريب المخدِّرات إلى بلدان الخليج ولبنان وإسرائيل عبر حدود العراق الشرقية مع إيران، وفي التهريب من آسيا الوسطى إلى شرق أوروبا عبر شمال العراق) .

وأكد تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2019، أنه: (لا يزال درب البلقان، الذي يمر عبر إيران وتركيا وبلدان البلقان باتجاه أسواق المقصد في غرب ووسط أوروبا، هو الدرب الرئيسي لتهريب الأفيونيات من أفغانستان. وفي السنوات الأخيرة، برزت عدة أفرع لدرب البلقان، ومنها ما يعبُر سوريا والعراق وبلدان جنوب القوقاز) .

وعلى الصعيد الرسمي الوطني العراقي فقد أكدت وزارة الداخلية الاتحادية، (إن المخدرات تصل من مختلف الدول) .

ثانياً- الإتجار بالمخدرات في العراق:

عبّرت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات عن قلقها أيضاً في تقريرها لسنة 2005، من الزيادة الواضحة في الاتِّجار بالمخدِّرات، لاسيما على حدود العراق مع الكويت والأردن .

وأشار تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2011، إلى (أنَّ راتنج القنَّب المضبوط في الكويت كاد أن يكون مصدره كلّهُ العراق) . بينما أشار تقرير الهيئة ذاتها لسنة 2012، إلى أنه: (ثمة اتجاه متصاعد في كميات المخدِّرات المضبوطة في الشرق الأوسط. ولا يزال معظم بلدان المنطقة، ولا سيما العراق، معبراً لتهريب المخدِّرات غير المشروعة) .

وذكر تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2018، أنه قد: (ازداد الاتجار بالمخدِّرات وتعاطيها في منطقة البصرة، المتاخمة لإيران والكويت. وتُضبَط كميات كبيرة من المخدِّرات في الحاويات بالموانئ وفي المعابر الحدودية في البصرة) .

ثالثاً- زراعة المخدرات في العراق:

نشرت صحيفة الصباح بتاريخ 23/9/2011، تصريحا لرئيس لجنة المتابعة في مجلس محافظة واسط أكد فيه: (أن اللجنة رصدت ارتفاع حالات زراعة نباتي الخشخاش والداتورا المُخدّرين في أماكن من المحافظة) .

وأكد تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لسنة 2018، أن: (هناك دلائل على أنَّ العراق أيضاً يكتسب أهمية متزايدة في زراعة المخدِّرات غير المشروعة وإنتاجها، بما يشمل صنع الهيروين وزراعة خشخاش الأفيون ونبتة القنَّب. وبالإضافة إلى ذلك، شهد الاتجار بالمخدِّرات وتعاطيها زيادة كبيرة في منطقة البصرة بالعراق، المتاخمة لإيران والكويت) .

وأكد التقرير ذاته (2018)، على أنه: (هناك تقارير عن زراعة غير مشروعة لخشخاش الأفيون ونبات القنَّب في العراق. كما كانت هناك دلائل على إنتاج الهيروين في شمال العراق، وتتقوَّى هذه الدلائل بالزيادة في كمية مضبوطات الهيروين المنقول في اتجاه تركيا وكانت وُجهتها العراق) .

رابعاً- قضايا تجارة وتعاطي المخدرات في العراق:

بلغت أعداد قضايا تجارة وتعاطي المخدرات في المحافظات العراقية سنة 2018 حوالي (9328) قضية، في حين سجلت في سنة 2019 حوالي (6407) قضية، وبلغت حتى منتصف أيلول 2020 حوالي (4594) قضية، باستثناء إقليم كوردستان .

ومن خلال إفادات أكثر من 100 متعاطي وتاجر للمخدرات كشفت بأن: (الذكور أكثر تعاطياً للمخدرات بنسبه 89,79% وبواقع 6672 موقوفاً، فيما كشفت بأن نسبه الإناث بلغت 10,2% وبواقع 134 موقوفة. وان الفئات العمرية الأكثر تعاطيا تراوحت بين 29-39 سنة تليها الفئة العمرية من 18 -29 سنة بنسبة 35.23%) .

وحسب مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فإن أعداد الموقوفين والمحكومين في قضايا تجارة وتعاطي المخدرات، قد بلغت (8001) شخص حتى شباط 2020. وأن أغلب الموقوفين من الرجال وخصوصا فئة الشباب تتراوح أعمارهم ما بين (19-25) سنة، إضافة إلى توقيف وحكم (٤٤) امرأة في قضايا تعاطي المخدرات .

وبلغ عدد الموقوفين والمحكومين في قضايا تعاطي وتجارة المخدرات حتى نهاية سنة 2020 حوالي (٨٧٧٧) شخص .

وفي إقليم كردستان تشير سجلات المديرية العامة لمكافحة المخدرات لسنة 2019 الى اعتقال 712 شخص بتهمة تعاطي المخدرات، ووفقاً لنفس البيانات لسنة 2018 تم اعتقال 941 شخص بحوزتهم مواد مخدرة .

وبصدد حالات تعاطي المخدرات في الإقليم، كشف السيد مسلم عبد الله قسري عضو لجنة الصحة والبيئة في برلمان إقليم كردستان عن: (أن 11 ألف شخص يتعاطون المخدرات، فيما تم اعتقال 900 شخص منهم) حتى مايس 2020 .

وأكدت وزارة الداخلية العراقية، (إن 50% خمسين بالمئة من الأشخاص الذين تلقي قوات الشرطة القبض عليهم هم متعاطو مخدرات) .

وكمثال على نسبة متعاطي المخدرات من الشباب في المحافظات، أكد محافظ القادسية، (أن نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في المحافظة تجاوزت 40%) .

ومن خلال ما تقدم، يتبين أنه أصبح انتشار المخدرات ظاهرة واقعية في العراق، تهدد قيم واستقرار وأمن المجتمع العراقي.

الخاتمة

أولاً- أهم النتائج:

من خلال ما تبين مما تقدم، يمكن إجمال أهم النتائج التي تم التوصل إليها بما يأتي:

1-لم يعاني العراق من مشكلة المخدرات قبل سنة 2003، لكنه بعد ذلك استفحلت ظاهرة تهريب المخدرات إليه، وأصبح انتشارها فيه ظاهرة واقعية، تهدد قيمه واستقراره وأمنه.

2-تؤكد تقارير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات على أن العراق، أصبح معبراً لتهريب المخدِّرات غير المشروعة منذ عام 2004، وأنَّه أصبح يكتسب أهمية متزايدة في زراعتها وإنتاجها، بما يشمل صنع الهيروين وزراعة خشخاش الأفيون ونبتة القنَّب.

3-شهد الاتجار بالمخدِّرات وتعاطيها زيادة كبيرة في منطقة البصرة بالعراق، المجاورة لإيران والكويت. وضبَط كميات كبيرة من المخدِّرات في الحاويات بالموانئ وفي المعابر الحدودية في البصرة.

4-سجلت المئات من قضايا تجارة وتعاطي المخدرات في المحافظات العراقية، وبلغ عدد الموقوفين والمحكومين في قضايا تعاطي وتجارة المخدرات حتى نهاية سنة 2020 حوالي (٨٧٧٧) شخص .

ثانياً- أهم المقترحات:

يمكن إجمال أهم المقترحات التي يمكن تقديمها، بما يأتي:

1-تطبيق دعوة السيد (رفعت حاجي) عضو مفوضية حقوق الإنسان، الحكومة ومؤسساتها الأمنية الى (البدء بحملة لملاحقة عصابات الجريمة المنظمة والتعامل مع الممرات المائية والبرية التي مازالت تمثل نقطة عبور لتجارة المخدرات، والمطالبة بإنشاء مصحات لعلاج الإدمان وتشديد العقوبات على تجار المخدرات) .

2-أن تقوم وزارة الداخلية بتطوير عمليات مكتب المخدرات المركزي في بغداد ومكاتب مكافحة المخدرات في المحافظات التي استحدثت سنة 2014 ، بما يضمن مكافحة هذه الجريمة وملاحقة المتورطين فيها وإحالتهم الى القضاء بصورة فاعلة ومؤثرة وجدية. وأن تقوم الوزارة بإعداد استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.

اضف تعليق