q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

شهر رمضان: فرصة استثمار الشباب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

إذا حاولنا التمييز بين المراحل الزمنية التي نمر بها، فإننا سوف نكتشف أزمنة أفضل من غيرها، هذه الأفضلية قد تأتي بسبب إتاحة هذا الزمن أو ذاك فرصا للإنسان كي يتعلّم ويتطور ويبني له تجربة خاصة به، فهناك شهور أفضل من سواها من حيث الفرص...

(على الجميع أن يقرؤوا قصص كبار الشخصيات ويتعلموا منها)

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

إذا حاولنا التمييز بين المراحل الزمنية التي نمر بها، فإننا سوف نكتشف أزمنة أفضل من غيرها، هذه الأفضلية قد تأتي بسبب إتاحة هذا الزمن أو ذاك فرصا للإنسان كي يتعلّم ويتطور ويبني له تجربة خاصة به، فهناك شهور أفضل من سواها من حيث الفرص، والمثال على ذلك شهر رمضان وأجوائه المشبعة بالخشوع والجلال والقدسية.

هذا الشهر الكريم يعدّ الفرصة الأكبر التي يتمكن من خلالها الإنسان تغيير نفسه وتطويرها، لاسيما الشباب، لذلك من المؤسف حقا أن يمر هذا الشهر المبارك، ولا يترك بصماته في قلب وروح الإنسان، فالقضية أولا وأخيرا تعود للبشر وإرادته وتخطيطه وسعيهِ، ولذلك لا يصحّ للشباب وغيرهم تضييع الفرص الكبيرة التي يقدمها لهم شهر رمضان على طبق من تقوى وورع.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيّمة:

(روي عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أنّه قال: (اغتنموا الفرص فإنّها تمرّ مرّ السّحاب). أي اغتنموا الفرص التي هي بمثابة الغيوم تأتي وتمرّ وتنتهي).

اغتنام الفرص يشمل جميع الفئات العمرية، وكل الناس عليهم أن يخططوا ويسعوا إلى التطوير والتغيير، لكن الشباب كونهم في مقتبل العمر، فمهمة تكون التغيير والتطوير تضع له حجر الأساس لمسيرته الشخصية، وينطلق منها نحو بناء حياته وسيرته وتجاربه، لذلك هنالك شباب حصلوا على مراتب عليا من الورع، واستطاعوا أن يقرؤوا تجارب غيرهم من الشباب، وتمكنوا من تحقيق قفزات هائلة في مجال التغيير والتطوير الذاتي المتميز.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لقد رأينا في التاريخ وفي زماننا وحولنا، من الشباب من نالوا مرتبة الورع، وبإمكان الشباب أن يتعلّموا من غيرهم ويصيروا مثلهم. أي يتعلّموا كيف نال غيرهم الورع، وكيف تحلّى كبير السن بالورع، فيتعلّم منه كبار السن أيضا. فمن المهم جدّاً أن يتعلّم المرء من القصص).

كل شاب صالح يمتلك تجربة متميزة

لا يصح أن يتكاسل الشباب في مضمار البحث عن أقرانهم من الشباب الصالح، فكل شاب صالح يمكن أن يمثل تجربة هائلة وغنية بكل ما يحتاجه عموم الشباب من أجل النجاح، ولعل سجلات التاريخ بأبعاده الزمنية المختلفة، يضم في طيّاته تجارب وقصصا وحكايات مثمرة، يمكن لأحداثها ومضامينها أن تغير الإنسان، وتقلب تفكيره وسلوكه رأسا على عقب.

ويشمل الكلام عن الشباب، كلا الجنسين، الذكور والفتيات، لذلك لابد أن يصمم الجميع على بلوغ مرتبة الورع اللازمة، والمكانة التي تليق بالشاب والشابة الصالحة، وهذا يتأتى من خلال متابعة التجارب الشبابية الناجحة، والإطلاع الدائم على الأحداث الغنية لتلك القصص والحكايات، فمن خلالها، وبعد قراءتها بإمعان وتركيز، يمكن أن تفتح للشباب عشرات النوافذ والطرق نحو النجاح.

الفتاة ليست مستثناة من هذه المهمة الكبيرة، ونعني بها مهمة التغيير والتطور وبلوغ درجة الورع المطلوبة، وهي ممكنة التحقيق، في حال صممّت الفتاة بإرادة إيمانية صادقة، وبوعي عميق، ومعرفة موسوعية متعددة، تكتسبها عبر قراءة ومتابعة واستيعاب التجارب الشبابية المتميزة في اكتساب التقوى والورع، ودرء خطر الشيطان من تخريب أفكار الشباب ومعتقداتهم الأصيلة.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول حول هذه النقطة:

(على الشاب أن يبحث عن أيّ من الشباب كانوا من الصالحين؟ وكيف صاروا من الصالحين؟ وعليه أن يصبح مثلهم. وهكذا على الفتيات أن يصمّمن على أن ينلن الورع كما ناله غيرهنّ من أقرانهنّ. فعلى الجميع أن يقرؤوا قصص وتاريخ الكبار من الرجال والشخصيات ويتعلّموا منهم).

إذا هدف بلوغ الورع المطلوب ممكن للشباب، والسبل والأساليب التي تقودهم إلى هذا الهدف واضحة، ومتاحة لهم، وهي لا تتطلب سوى الإرادة والتصميم، وتنظيم الوقت، والتخطيط الجيد، والمداومة في الإطلاع على التجارب الشبابية المتميزة، فالنفس يمكن تغييرها وضبطها وتشذيبها، هذا الهدف ليس صعبا، ولا يدخل في إطار المستحيلات، كل ما يحتاجه شبابنا تمحيص التجارب الجيدة للشباب الورعين الذين تمكنوا من إلحاق الهزيمة بالشيطان ومغرياته.

وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب المقاوِم للشيطان، يجب أن يكون حاضرا في كل الأزمنة وجميع مراحل حياة الإنسان، إلا أن تقويم النفس وتهذيبها وتدريبها في مرحلة الشباب، تعد في غاية الأهمية، فكلما تقدم العمر بالإنسان، صارت مهمة إصلاح ذاته ونفسه أكثر صعوبة.

لهذا نجد أن التركيز على فئة وشريحة الشباب كبير، وأن اكتسابهم للتقوى والورع في هذه المرحلة مهم، بل بالغ الأهمية، فهذا هو المفتاح لبناء شخصية قويمة سليمة مقاوِمة لمساومات ومغريات الشيطان، وشهر رمضان هو البوابة التي يدخل منها الشباب إلى تعضيد تقواهم، وورعهم، وإيمانهم.

وسائل الشباب لبلوغ النجاح

هذه الأهداف بمجموعها يمكن أن تتحقق لكل من يرومها من الشباب، على أن يقرروا ذلك، ويسعوا إليه، فمن يضع أهدافه نصب عينيه عليه أن يخطط لكيفية بلوغها، وقراءة القصص، والإطلاع عليها بعمق وإيمان، سوف يرفد الشباب بقدرات مضاعفة، وإرادة ثابتة ومؤمنة في مواجهة المغريات والانحراف.

ولذلك يركّز سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، على القصص والتجارب، ووجوب الإطلاع المستمر للشباب عليها، لأنها وسيلتهم الأهم لبناء درجة عالية من الوعي، وركيزة مهمة من الورع، تدعم الشباب في مواجهة أحابيل الشيطان، حتى لو تنوعت وتعددت وتلونت بالخديعة والمكر، فالشباب الواعي المطلّع المتعلّم المدرَّب المؤمن الحاذق، لا يتمكن منه الشر إلا ما ندر.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يروي إحدى هذه القصص لأحد الشباب المتميزين فيقول فيها:

(هناك قصة معروفة يرجع تاريخها إلى أكثر من مئتي سنّة أو أقل. وهي لشاب كان في الحوزة العلمية بمدينة أصفهان الإيرانية. فذات ليلة وبعد منتصف الليل، خرجت فتاة من بيت كان ضيفاً على أهله، وأرادت الذهاب إلى بيتها، لكنها خافت، فالتجأت إلى الحوزة العلمية المذكورة، وطرقت الباب ففتحها لها شاب من طلبة العلوم الدينية الذي عرف فيما بعد بالمرحوم الميرداماد السيّد محمد باقر. وكان الشاب من الطلبة وكان يقظاً، فقال للفتاة ما تريدين، وما تعملي هنا؟ فقالت أردت الذهاب إلى بيتنا، ولكن خفت لأنّ الشوارع والأزقّة خالية والوقت الآن هو نصف الليل، فجئت إلى هنا لكي أبقى في هذا المكان حتى الصباح، أي أنا التجأت إلى هذا المكان. فكان لهذا الشاب غرفة صغيرة، فقال للفتاة ادخلي فيها، فدخلت فيها ونامت. وبقي الشاب يقظاً إلى الصباح، وكان الجود بارداً، ونامت الفتاة براحة بال.

بلى لقد كان ذلك الشاب صاحب نفس أمّارة بالسوء، وكان الشيطان له بالمرصاد كما هو الأمر لنا جميعاً. وفي الصباح استيقظت الفتاة وأودعت الشاب وذهبت إلى بيتها. وذكروا بعد ذلك نقلاً عن الفتاة إنّها قالت: كنت أشمّ تلك الليلة رائحة لحم يحترق. ونقلوا بعدها انّ النفس الأمّارة بالسوء والشيطان كانا يضغطان على الشاب الطالب، ويوسوسا له، ولكن كان الشاب ولأجل الغلبة على هوى نفسه والشيطان، كان يقرّب يديه من النار التي كان موقدة بالغرفة للتدفئة ويحرق إصبعه حتى ينشغل بحرقة إصبعه وألم الحرق).

يختم سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) هذه القصة بالقول: (فعليكم أيّها الشباب الأعزاء أن تكونوا مثل ذلك الشاب. وشهر رمضان العظيم هو خير فرصة، فصمّموا، وهذا ممكن ويتحقّق).

في خلاصة الأمر، شهر رمضان الذي نعيشه في هذه الأيام المباركة المكلّلة بالخشوع والإيمان، هو الزمن المناسب لأي شاب وشابة، كي يحصلوا على مكانة اجتماعية ودينية وأخلاقية تليق بهم، يكتمل ذلك بحيازة الورع المطلوب، والتقوى، ودرجة الوعي المطلوب لردع الشيطان، وتساعد القصص والتجارب المتميزة لبلوغ هذا الهدف بالغ الأهمية.

اضف تعليق