لن تستطيع ان تجبر خواطر من حولك، إذا كنت تمتلك صفة الأنانية وحب الذات، ففي ذلك الوقت سوف تشعر بأنك فوق الجميع، ولا أحد يرتقي ان تتحدث معه، وستشعر بأنك تعيش في دنيا لا يوجد بها أحد غيرك؛ أنت الوحيد المستحق فيها أن تعيش سعيداً...

عادة إنسانية جميلة نتمنى لها الاستمرار، قد نكون ورثناها من ثقافة آبائنا وأجدادنا، أو أنها حالة إنسانية فطرية ولدت مع الانسان، تشعره بأنهُ أمام مسؤولية تجاه أخيه الأنسان؛ كلنا يتعرض في حياته الى نكبات وصدمات متنوعة، يحتاج فيها الى من يواسيه ويجبر خاطره.

جبر الخواطر خلق إنساني عظيم، يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، يجبر الانسان فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت، وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العادة وما أعظم أثرها.

مَهما كَان، فالإنسَان القَوي قد يمُر أحيَاناً بِلحَظات يَشعُر فِيها بِالضعف، فيبحث عَن أُناس يريدهم أن يكونوا حوله، يشعرونه بالاهتمام، فيلجأ أحياناً الى مسامحة النَاس الذين أذوه، لأنهُ بِبسَاطة يريدهُمْ أنْ يَبقُوا جُزءا مِنْ حَياته، ولنا في قصة النبي يوسف مع إخوته عبرة وموعظة حسنة، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف: 15]، فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام ولجبر خاطره؛ لأنه ظُلِم وأُوذِي من أخوته، والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر، وكذلك فإن اجتماع أهلهُ من حوله ومسامحته عما بدر منهم هو جبر لخاطر يعقوب ويوسف وبقية الأسرة.

بعض الأحيان لا يحتاج جبر الخاطر لتعب او جهد، بل يحتاج لثقافة تصرف مع الآخر، فكما قلنا: كلنا يحتاج لجبر خاطر؛ يحكى أن رجلاً ثرياً انتهت إجازته وركب الطائرة عائداً إلى بلده... بجانبه امرأة مسنة تدل هيئتها ولباسها على أنها ريفية... في الطائرة قاموا بتقديم وجبات الطعام، ومع كل وجبة قطعة حلوى بيضاء؛ المرأة المسنة فتحت قطعة (الحلوى) و بدأت تأكلها بقطعة خبز، ظناً منها أنها قطعة جبنة بسبب لونها الأبيض، وعندما اكتشفت أنها (حلوى) شعرت بإحراج شديد، حتى بان على وجهها ذلك، فنظرت إلى الرجل الذي بجانبها، فتظاهر بأنه لم يرَ ما حصل؛ ثوان قليلة، فتح قطعة (الحلوى) وقام بما قامت به المرأة المسنة تماماً، فضحكتْ المرأة، فقال لها: سيدتي لماذا لم تخبريني أنها حلوى؟ ظننتها جبنة! فقالت المرأة: وأنا كذلك كنت أظنها جبنة مثلك! بالتأكيد كان الرجل يعرف أنها ليست جبنة، ويعرف أنها رحلة وتنتهي، ويعرف أنها مجرد امرأة مسنة وبسيطة... لكنهُ كان يعرف أيضاً أن الحفاظ على مشاعر وقلوب الناس، ضرورة إنسانية يحتاجها كلنا.

بقي شيء...

لن تستطيع ان تجبر خواطر من حولك، إذا كنت تمتلك صفة الأنانية وحب الذات، ففي ذلك الوقت سوف تشعر بأنك فوق الجميع، ولا أحد يرتقي ان تتحدث معه، وستشعر بأنك تعيش في دنيا لا يوجد بها أحد غيرك؛ أنت الوحيد المستحق فيها أن تعيش سعيداً، مما يجعلك تقلل من مشاكل وأزمات الأخرين، وتفضح أسرارهم وتذكر عيوبهم وتهزئ بأعمالهم، لأنك لن ترى حينئذ سوى نفسك؛ لذا عليك بالتخلي عن هذه الصفات اللعينة، والتحلي بالتواضع، كي تستطيع خدمة الاخرين بمحبة.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
مقال جميل بفكرته وطرحه، شكراً للكاتب المبدع2021-05-30